المفهوم هو مصطلح تسالم الناسُ على فهم معيّن ومحدّد له ، فأصبح
معروفاً في دلالاته لدى المتداولين له بحيث لا ينصرف الذهن إلى
غيره .
فـ (الصبر) ـ مثلاً ـ يعني في فهم الناس له : القدرة على التحمّل
في مواجهة صعوبة أو مصيبة أو مشكلة أو كارثة .
ولأنّ الناس حملوا في أذهانهم صورة معيّنة عن (الصابر) وهو الانسان
الذي يبتلى بمحنة ما ، ويقف منها موقف المتماسك لا المنهار ، عرفوا
أنّ قيمة الصبر هي في مفهومه الدالّ على هذه القابلية في تحمّل
نتائج الإنكسار أو الخسارة أو الهزيمة بصدر رحب ، وتسليم تام بقضاء
الله وقدره .
لكنّنا يمكن أن نميِّز بين صابرين :
فلو تعرّض أحد الباعة لصدمة مالية عنيفة ، بأن خسرت البضاعة التي
يبيعها ، ثمّ تحمّل الخسارة بروح عالية ، فلم يتذمّر أو يبالغ في
الشكوى ، أو يلقِ اللوم على غيره ، فهذا صابر .
ولكنّه لو اصطدم بعقبة الخسارة ، وامتصّ زخم الصدمة بعقلانية ، بأن
درس أسبابها المؤدّية إلى ذلك ، وقرّر تجاوزها بحكمة وهدوء
واستعداد لتحمّل نتائجها مهما كانت ، فهو صابر من نوع آخر .
فالصبر الأوّل يمكن تسميته بـ (الصبر) السلبيّ ، أو الحد الأدنى من
الصبر . وأمّا الصبر الثاني فهو صبر (إيجابيّ) أو الحد الأعلى من
الصبر .
وهناك نوعٌ ثالث ، قد يطلق البعض عليه صبراً وما هو بصبر ، وهو ما
يمثله ذاك الذي وقع في بئر وراح يصرخ ويستغيث ، فلمّا سمعه أحدهم
قال له : اصبر حتى آتيك بحبل لاُخرجك ، فردّ عليه الذي في قعر
البئر : صبرتُ أم لمْ أصبر فأنا في البئر !
فهذا ليس صبراً ، وإنّما هو اضطرار ، وهو ما عبّر عنه الشاعر بقوله
:
إذا لم تكنْ غيرُ الأسنّة مركباً***فما حيلةُ المضطرّ إلاّ ركوبُها
نعم ، إذا مرّ وقت ولم يجد الساقط في البئر مَنْ يسعفه ، ثمّ يحاول
أن يتشبّث بالأمل وبالنجاة من خلال رحمة الله ، والسعي بإعمال ذهنه
في الخروج من المأزق ، فهو خير الصابرين .
*المصدر : البلاغ