موسوعة المصطلحات والمفاهيم || معجم المصطلحات

سياسة : معاداة السامية
عبدالوهاب المسيري



يرى المعادون للسامية أن عداءهم لليهود واليهودية هو رد فعل طبيعي لما يقوم به اليهود من أفعال، فالنفس البشرية اليهودية شرسة ومدمرة، أما الصهاينة فيرون أنها ظاهرة حتمية، فهي لصيقة بالنفس البشرية غير اليهودية. ورغم اختلافهما الظاهري، يلاحظ أن كلا الفريقين يختزل ظاهرة مركبة إلى شيء حتمي كامن في النفس البشرية. ومثل هذا التفسير الاختزالي ليس بتفسير، فهو يفسر كل أشكال وتبديات معاداة السامية بنفس الصيغة اللفظية الجاهزة: النفس البشرية اليهودية الشريرة أو النفس البشرية غير اليهودية العنصرية.
ولكننا إن تخيلنا عن النماذج الاختزالية، الصهيونية والمعادية للسامية، وتبنينا نموذجاً تركيبياً فإن النتائج التي سنصل إليها ستكون جدّ مختلفة. كما أن إدراكنا للظاهرة موضع الدراسة سيكون أكثر عمقاً وانسانية.
ـ مصطلح (معاداة اليهود):
ولنبدأ بمصطلح (معاداة السامية) وهو ترجمة للعبارة الإنجليزية (أنتي سيميتزم) والمعنى الحرفي أو المعجمي للعبارة هو (ضد السامية). وتُترجم أحياناً Anti-Semitism إلى (اللاسامية). وكان الصحفي الألماني يهودي الأصل ولهلم مار (1818 ـ 1904) أول مَن استخدم هذا المصطلح عام 1879 في كتابه انتصار اليهودية على الألمانية ـ من منظور غير ديني. وقد صدر الكتاب بعد المضاربات التي أعقبت الحرب الفرنسية البروسية (1870 ـ 1871) والتي أدّت إلى دمار كثير من الممولين الألمان الذين ألقوا باللوم على اليهود. ولو أخذت العبارة بالمعنى الحرفي، فإنها تعنى العداء للساميين أو لأعضاء الجنس السامي الذي يشكل العرب أغلبيته العظمى، بينما يُشكك بعض الباحثين في انتماء اليهود إليه. ولكن المصطلح، في اللغات الأوروبية، يقرن بين الساميين واليهود ويوحد بينهم، وهذا يعود إلى جهل الباحثين الأوروبيين في القرن التاسع عشر بالحضارات الشرقية، وعدم تكامل معرفتهم بالتشكيل الحضاري السامي أو بتنوع الانتماءات العرقية والإثنية واللغوية لأعضاء الجماعات اليهودية. وهذا المصطلح يضرب بجذوره في الفكر العنصري الغربي الذي كان يرمي إلى التمييز الحاد بين الحضارات والأعراق، فميَّز في بداية الأمر بين الآريين والساميين على أساس لغوي، وهو تمييز أشاعه إرنست رينان (1823 ـ 1892)، ثم انتقل من الحديث عن اللغات السامية إلى الحديث عن الروح السامية والعبقرية السامية مقابل الروح الآرية والعبقرية الآرية التي هي أيضاً الروح الهيلينية أو النابعة منها. ثم سادت الفكرة العضوية الخاصة بالفولك أو الشعب العضوي، ومفادها أن لكل أمة عبقريتها الخاصة بها ولكل فرد في هذه الأمة سمات أزلية يحملها عن طريق الوراثة. وانتهى الأمر إلى الحديث عن تفوق الآريين على اليهود (الساميين)، هذا العنصر الآسيوي المغروس في وسط أوروبا، ما دار الحديث عن خطر الروح السامية على المجتمعات الآرية. وشاع المصطلح منذ ذلك الوقت، وقام الدارسون العرب باستيراده وترجمته كما فعلوا مع كم هائل من المصطلحات الأخرى. وبدلاً من ترجمة المصطلح بشكل حرفي ببغائي، فإننا نفضل توليد مصطلح جديد هو (معاداة اليهود واليهودية) لأنه أكثر دقة ودلالة، كما أنه أكثر حياداً ولا يحمل أي تضمينات عنصرية ولا أي أطروحات خاطئة، كما هو الحال مع مصطلح (أنتي سيميتزم) أو (معاداة السامية).
ولكن بعض الكتاب الغربيين يميلون إلى التمييز بين (معاداة اليهودية) و(معاداة السامية) حيث إن معاداة اليهودية، حسب تصورهم، هي عداء ديني للعقيدة اليهودية وحدها، وبالتالي كان بإمكان اليهودي أن يتخلص من عداء المجتمع له باعتناق المسيحية. أما معاداة السامية، فهي عداء لليهود بوصفهم عِرقاً، وبالتالي فهي عداء علماني لا ديني ظهر بعد إعتاق اليهود وتزايد معدلات اندماجهم. وهذا النوع من العداء يستند إلى نظريات ذات ديباجات ومسوغات علمية عن الأعراق عامة، وعما يُقال له (العِرق اليهودي)، وعن السمات السلبية الافتراضية ـ الاقتصادية والثقافية ـ الثابتة والحتمية لليهود واللصيقة بعِرقهم! وتصحب مثل هذه الدراسات إحصاءات عن دور اليهود في التجارة والربا مثلاً، وفي تجارة الرقيق عامة والرقيق الأبيض على وجه الخصوص، ومعدلات هجرتهم، ثم يتم استخلاص نتائج عنصرية منها. وبالتالي، إذا كانت معاداة اليهودية تعبيراً عن التعصب الديني، فإن معاداة السامية حسب هذه الرؤية هي نتيجة موقف دنيوي بارد يستند إلى حسابات المكسب والخسارة وإلى الرصد (العلمي) لبعض السمات اللصيقة بما يُسمى (الشخصية اليهودية). ويرى المنادون بهذا الرأي أن معاداة السامية بدأت في القرن التاسع عشر (أساساً) وإن كان بعضهم يرى أن عداء الدولة الإسبانية ليهود المارانو ـ وهم اليهود الذين تنصروا في القرن السابع عشر بعد خروج المسلمين واليهود من شبه جزيرة أيبريا ـ هو عداء ذو دافع دنيوي، إذ إن هؤلاء المارانو، بحسب إحدى النظريات، كانوا مسيحيين بالفعل. ولكن مقياس النقاء العرقي (نقاء الدم) الذي حُكم به عليهم، لم يكن مقياساً دينياً وإنما كان مقياساً عرقياً، وكان الدافع وراء اضطهادهم هو رغبة الأرستقراطية الحاكمة، أو بعض قطاعاتها على الأقل، في التخلص من طبقة بورجوازية جديدة صاعدة كانت تتهددها. ومن هنا، مُنع المارانو من الاستيطان في المستعمرات البرتغالية والإسبانية لتقليل فرص الحراك أمامهم. وهكذا، كانت هذه الحركة تعبر عن اتجاه دنيوي، ولكنها تستخدم الخطاب الديني لتسويغ غاياتها. ومن هذا المنظور الطبقي العرقي، يصبح اليهودي المندمج هو أكثر اليهود خطورة، فهو يهودي (أي بورجوازي) يدعي أنه مسيحي ليحقق مزيداً من الحراك والصعود الاجتماعي. ولذا، لابد من وقفه والحرب ضده برغم تبنيه العقيدة المسيحية.
وهذا الموقف يناقض الموقف القديم لمعاداة اليهود، حيث كانت الكنيسة ترحب بمن تنصَّر. فالنبلاء البولنديون المسيحيون، على سبيل المثال، كانوا يتزوجون من أعضاء الأسر اليهودية المتنصرة حتى القرن الثامن عشر. وقبل ذلك، كان الوضع نفسه سائداً في مملكتي قشطالة وأراجون في القرن الخامس عشر. ومن المعروف أن الكنيسة وقفت ضد أي تعريف عِرقي لليهودي يخضعه للحتميات البيولوجية شبه العلمية، وبالتالي فتحت أمامه أبواب الخلاص.
ولتبسيط الأمور، دون تسطيحها، سنستخدم عبارة (معاداة اليهود) ثم نضيف إليها عبارات تحدد مجالها الدلالي مثل (على أساس عرقي) أو (على أساس ديني) ... إلخ، إن استدعى السياق ذلك.
*المصدر : دفاع عن الانسان


 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || معجم المصطلحات