النقد لغة : هو بيان أوجه الحسن وأوجه العيب في شئ من الأشياء بعد
فحصه ودراسته ، وفي الأدب يعني النقد : دراسة النصوص الأدبية في
الأدب ، وذلك بالكشف عما في هذه النصوص من جوانب الجمال فنتبعها ،
وما قد يوجد من عيوب فنتجنب الوقوع فيها .
أولآ : النقد الأدبي في مرحلة النشأة والتطور :
استعمال النقد : 1 - أول ما استعملت فيه كلمة النقد كانت بمعني فرز
الدراهم والدنانير - قديماً - لبيان الصحيح والمزيف منها ، وتلك
مهارة يختص بها الصيارفة .2 - ثم انتقلت إلي نقد أخلاق الناس
وعاداتهم ، وبيان ما يتحلون به من كريم الصفات . وما يعاب على أحد
من السلوكيات ، ولهذا قالوا [ إن نقدت الناس نقدوك ، وإن عبتهم
عابوك ] .
3 - ثم دخلت كلمة النقد في نقد الشعر والخطب في العصر الجاهلي ،
حيث كانت أسواق العرب أشبه بالنوادي الأدبية اليوم - يلقي فيها
الشعراء قصائدهم .. وكل يتباهي مفتخراً بقومه ... والناس يسمعون ،
ثم يقولون رأيهم .. وهي في هذا الوقت ملاحظات فردية ، تقوم على
الذوق الشخصي ، وهذه هي المرحلة الأولي لظهور النقد الأدبي وتطوره
.
* نماذج من النقد الأدبي في هذه المرحلة :
1 - ألقي شاعر يسمي ( المتلمس ) قصيدة على جمع من الناس ، وكان من
بينهم الشاعر : طرفة بن العبد - فلما قال المتلمس :
وإني لأمضي الهم عند احتضاره بناج عليه الصيعرية مكـــــدم
ومعني البيت ( إنني أتغلب على الهموم التي تحضرني بالسير على جملي
فأنجو منها به ) .
عندئذ قال طرفة : استنوق الجمل - أي جعله ناقة . فقد وصفه بصفات
الناقة وهي ( الصيعرية ) وهي علامة في عنق الناقة لا البعير .
2 - جاء في قصيدة لحسان بن ثابت :
لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
فنقده النابغة وقال له :
- إنك قلت : ( الجفنات ) وهي من جمع القلة ، والأحسن لو قلت (
الجفان ) لكثرة العدد .
- وقلت : ( يلمعن ) ( في الضحى ) أي تلمع في وضح النهار - ولو قلت
( يبرقن ) ( في الدجي ) لكان أبلغ لأن الضيوف في الليل أكثر طروقا
.
- وقلت أيضا : ( أسيافنا ) وهي جمع قلة - ولو قلت ( سيوفنا ) جمع
كثرة لكان أفضل .
- وقلت ( يقطرن دما ) أي تسيل منها قطرات الدم . ولو قلت يجرين )
لكان أفضل فجريان الدم دلالة على كثرة القتلى من الأعداء .
ونلحظ في نقد النابغة السابق أنه يركز على مدي دقة استعمال الكلمات
الملائمة للمعني ، وكيف تكون كلمة أدق وأبرع في التعبير عن المعني
المراد لأن نجاح الشاعر في اختيار أدق الكلمات المناسبة يسهم في
قوة المعني وتأثيره في نفس السامع ، ولهذا قال النابغة لحسان : إنك
لا تحسن أن تقول مثل قولي :
فإنك كالليل الذي هو مدركــي وإن خلت أن المنتأي عنك واسع
فأنت تري الأسلوب واضحا تمام الوضوح ، مع عمق المعني المراد ، حتي
أنك تحتاج للتريث والأناة في معرفته . فهو يعتذر للنعمان عن المنذر
، معلنا أنه لا يستطع الهرب منه إلي أي مكان - كالليل لا مهرب منه
.
كان النقد في العصر الجاهلي وعصر صدر الإسلام ملاحظات فردية ، تقوم
على الذوق الشخصي .
o وقيل في الجاهلية : أشعر الشعراء امرؤ القيس إذا ركب ، والأعشى
إذا رغب
o وفي عصر صدر الإسلام قال عمر بن الخطاب : إن زهير بن أبي سلمة هو
أحسن الشعراء ، لأنه لا يمدح الرجل إلا بما فيه ، ولا يعاطل في
القول .
في العصر الأموي كان مجلس عبد الملك بن مروان ميدانا متسعاً للنقد
والتذوق وهو نفسه كان مشاركا في ذلك . روي أنه سمع عن الشاعر ((
نصيب )) قوله :
أهيم بدعد ما حييت فإن أمت فوا حزنا من ذا يهيم بها بعدي
فقال بعض من حضر : أساء القول . أيحزن لمن يهيم بها بعده ، فقال به
عبد الملك ابن مروان : لو كانت قائلاً فماذا تقول ؟ قال :
........................... أو كل بدعد من يهيم بها بعدي
فقال عبد الملك : أنت أسوأ قولا ، والأفضل لو قال :
أهيم بدعد ما حييت فإن أمت فلا صلحت دعد لذي خلة بعدي
4 - مدح جرير الخليفة عبد الملك بن مروان ، فقال :
هذا ابن عمي في دمشق خليفة لو شئت ســـاقكم إلي قطينا
فلما سمعه عبد الملك قال : ما زاد على أن جعلني شرطيا - والله لو
قال ( لو شاء ) لسقتهم إليه قطينا .
وقد أخطا جرير في قوله ( شئت ) بإسناد الفعل لنفسه ، وجعل الخليفة
شرطيا عنده - وهذا لا يليق بمقام الخليفة ، ولو استبدل كلمة ( شاء
) أي الخليفة مكان ( شئت ) لحظي بما يريد .
5 - قالت ليلي الأخيلية في مدح الحجاج :
إذا نزل الحجـــاج أرضـاً مريضة تتــبع أقصــي دائها فشفاها
شفــاها من الداء العضال الذي بهـا غــلام إذا هز القناة سقـاهـا
فعاب الحجاج قولها ( غلام ) لأنها كلمة تدل على الجهل والطيش وقلة
الخبرة والتجربة - وهذا لا يناسب ذكاء الحجاج وسطوته ، التي عرف
بها ، وكان الأفضل لو قالت ( همام - شجاع ) .
* المصدر : al-jazirah.com