موسوعة المصطلحات والمفاهيم || معجم المصطلحات

حديث : خبر الآحاد
* د.عبدالهادي الفضلي


 ويطلق عليه (خبر الواحد) أيضاً.
تعريفه:
يمكننا أن نصنف ما ذكر من تعاريف لخبر الواحد إلى الأصناف التالية:
1 ـ التعريفات القائلة بأن خبر الواحد هو الذي لا يبلغ حد التواتر، سواء كان راويه واحداً أو أكثر من واحد.
2 ـ ما ذكر من أن خبر الواحد هو الذي لا يفيد العلم بنفسه.
3 ـ التعريف الجامع بين التعريفين السابقين، القائل: إن خبر الواحد هو الذي لا يبلغ حد التواتر ـ سواء كثرت رواته أم قلت ـ ، وليس شأنه إفادة العلم بنفسه.
4 ـ التعريف القائل بأن خبر الواحد هو ما يفيد الظن وإن تعدد المخبر.
وإذا حاولنا المقارنة بين هذه التعاريف سوف نرى أن الصنف الأول هو من نوع التعريف بـ (غير) أو النفي المنطقي، والذي يراد به أننا عندما نعرّف أحد القسمين، فتعريفه في الوقت نفسه يكون تعريفاً لقسميه، وذلك بإضافة كلمة (غير) أو أية أداة تنفي تعريف القسيم عن قسيمه.
فنحن لأننا عرفنا المتواتر لا نحتاج إلى أن نعرف الآحاد بأكثر من أن نقول عنه بأنه (غير المتواتر) أو (هو الذي لا ينطبق عليه تعريف المتواتر) بمعنى أنه هو الذي يرويه راو واحد أو أكثر من راو واحد لا تحيل العادة فيه احتمال كذب الراوي والرواة.
وفي الصنف الثاني يقوم التعريف على نفي الخصيصة التي هي للمتواتر عن الآحاد وهي إفادة الحديث العلم بصدقه بنفسه، فالآحاد ـ على هذا ـ (لأنه غير المتواتر): هو الذي لا يفيد العلم بنفسه.
والصنف الجامع بين التعريفين، جَمَعَ بين الحسنيين لتأكيد الفرق بين القسمين.
وفي الصنف الرابع، قد نحتاج إلى إضافة قيد ليشمل التعريف قسمي خبر الواحد، ذلك أن أحدهما وهو خبر الواحد غير المقرون هو الذي يفيد الظن، والآخر وهو المقرون بما يفيد العلم، فإنه يفيد العلم، ولأجل أن يشمله التعرف نفتقر إلى القيد فنقول ـ مثلاً ـ : هو الذي يفيد الظن أو العلم بمساعدة القرينة.
ومع إضافة هذا القيد لنا أن نختار أي تعريف من هذه التعريفات فإنها كلها تنطبق على معنى الآحاد.
تقسيمه:
يقسم خبر الواحد إلى قسمين رئيسين هما: المقرون، وغير المقرون.
أو كما يعبر بعضهم: المقترن، وغير المقترن.
أو المحفوف بالقران، وغير المحفوف بها.
1 ـ خبر الواحد المقرون:
تقدم في تعريف خبر الواحد أنه لا يفيد العلم بصدقه بنفسه، وإنما يفيد هذا إذا اقترن بقرينة تساعده على إفادته العلم بصدقه وصحة صدوره عن المعصوم.
فالخبر المقرون: هو الذي تصحبه القرينة المساعدة له على إفادته العلم بصدقه وصحة صدوره.
والقرائن ـ هنا ـ كثيرة، منها:
1 ـ ما ذكره الشيخ المفيد في (أصول الفقه 41) قال:
ـ وربما كان الدليل (يعني القرينة) حجة من عقل.
ـ وربما كان شاهداً من عُرف.
ـ وربما كان إجماعاً.
2 ـ ما ذكره الشيخ الطوسي في خطبة (الاستبصار) قال: ((والقرائن أشياءة كثيرة:
ـ منها أن تكون مطابقة لأدلة العقل.
ـ ومنها أن تكون مطابقة لظاهر القرآن.
ـ ومنها أن تكون مطابقة للسنة المقطوع بها.
ـ ومنها أن تكون مطابقة لما أجمع المسلمون عليه.
ـ ومنها أن تكون مطابقة لما أجمعت عليه الفرقة المحقة.
3 ـ ما ذكره الحر العاملي في خاتمة (الوسائل) في (الفائدة الثامنة) التي عقدها لذلك حيث عنونها بـ (الفائدة الثامنة في تفصيل بعض القرائن التي تقترن بالخبر).
وبدأ فائدته هذه بنقل تعريف المحققين من العلماء للقرينة بأنها: (ما ينفك عن الخبر وله دخل في ثبوته).
ثم قسمها إلى ثلاثة أقسام، هي:
أ ـ ما يدل على صدور الخبر عن المعصوم.
ب ـ ما يدل على صحة مضمون الخبر.
ج ـ ما يدل على ترجيح الخبر عن الخبر المعارض له.
ثم عددها إجمالاً فذكر ما ذكره الشيخ الطوسي، وزاد عليه، وأهم ما ذكره من إضافات:
أ ـ كون الراوي ثقة يؤمن منه الكذب عادة.
فإنه قد يحصل من هذا العلم بصدق الخبر وصحة صدوره.
ب ـ وجود الحديث في كتاب من كتب الأصول المجمع عليها، أو في كتاب أحد الثقات.
ج ـ وجود الحديث في أحد الكتب الأربعة.
د ـ وجود الحديث في كتاب لأحد أصحاب الإجماع.
هـ ـ تكراره في كتب متعددة معتمدة.
و ـ عدم وجود معارض له.
وهذه القرائن كلها قرائن علمية يرتبط بعضها بتصحيح مضمون الخبر، وهي مثل موافقة القرآن الكريم وموافقة السنة القطيعة.
ويرتبط بعضها بتصحيح السند، مثل وجود الحديث في كتاب لأحد أصحاب الإجماع، وفي كتاب أحد الثقات.
ولهذا لا تخرج عن كونها نتائج اجتهادية يقول بها الفقيه وفق اجتهاده:
ومن هنا قد تفيد العلم عند بعض، وقد لا تفيده عند آخر لاختلاف الاجتهاد، والخلاف في نتائجه.
ولعله لهذا ذهب بعضهم إلى أن خبر الواحد مطلقاً ـ أي سواء كان مقروناً أم غير مقرون ـ لا يفيد العلم.
نعم، قد يفيده بانضمام القرائن إليه.
وزعم قوم أنه لا يفيد العلم وإن انضمت إليه القرائن.
والأول أصح)).
والمعروف والمشهور شهرة كبيرة أن الآحاد قد تقترن بما يفيد العلم بصدقها وصحة صدورها.
والمسألة ترتبط بواقع السيرة الاجتماعية للناس، وهي قاضية ـ وببداهة ـ بذلك.
مشروعية خبر الواحد المقرون:
وما قلناه في مشروعية الرجوع إلى الخبر المتواتر لإفادته العلم بصدوره، واعتباره مصدراً شرعياً، نقوله هنا، وللسبب نفسه، وهو إفادة الخبر المقرون العلم أيضاً، والعلم حجيته ذاتية ـ كما مر ـ .
يقول الشيخ المفيد في (أصول الفقه 40): ((والحجة في الأخبار ما أوجبه العلم من جهة النظر فيها بصحة مخبرها ونفي الشك فيه والارتياب.
وكل خبر لا يوصل بالاعتبار إلى صحة مخبره فليس بحجة في الدين ولا يلزم به عمل على حال.
والأخبار التي يجب العلم بالنظر فيها على ضربين:
أحدهما: التواتر المستحيل وروده بالكذب من غير تواطئ على ذلك، أو ما يقوم مقامه في الاتفاق.
والثاني: خبر واحد يقترن إليه ما يقوم المتواتر في البرهان على صحة مخبره، وارتفاع الباطل منه والفساد)).
2 ـ خبر الواحد غير المقرون:
تعريفه:
إخال أننا تبينا مفهوم خبر الواحد غير المقرون من تعريفنا لمفهوم الخبر المتواتر وخبر الواحد المقرون.
وهو ذلكم الخبر الذي لا يبلغ مستوى التواتر، ولم يقترن بما يساعده على إفادة العلم بصدوره.
وأقصى ما يفيده إذا توافرت في إسناده شروط الصحة هو الظن بصدوره عن المعصوم.
مشروعيته:
ومن هنا أثار علماء أصول الفقه مسألة حجيته ومشروعية العمل به، لأن الظن منهي شرعاً عن العمل به، والركون إليه، إلا إذا قام الدليل على مشروعيته.
قال الشيخ الطوسي في (العدة 1/ 44): ((مَن عمل بخبر الواحد فإنما يعمل به إذا دلّ دليل على وجوب العمل به، إما من الكتاب أو السنة أو الإجماع، فلا يكون قد عمل بغير علم)).
وقد وقعت هذه المسألة موقع خلاف كبير، تشعبت أطرافه، وتوسع البحث فيه توسعاً كبيراً.
وأول ما يلتقينا من خلاف في المسألة هو: موقف العقل من التعبد به.
فذهب ابن قبَة (محمد بن عبدالرحمن الرازي) إلى عدم جواز التعبد به عقلاً، أي أن العقل يمنع من التعبد به.
وذهب الآخرون من أصحابنا إلى جواز التعبد به.
قال الشريف المرتضى: ((والعقل لا يمنع من العبادة بالقياس، والعمل بخبر الواحد.
ولو تعبد الله تعالى بذلك لساغ، ولدخل في باب الصحة لأن عبادته بذلك توجب العلم الذي لابد أن يكون العمل تابعاً له)).
وبعد القول بجواز التعبد به عقلاً، وقع الخلاف في جواز التعبد به شرعاً.
فذهب الشيخ المفيد والسيد المرتضى وأبو المكارم ابن زهرة والقاضي ابن البراج والطبرسي وابن إدريس إلى القول بعدم حجيته وعدم جواز التعبد به شرعاً.
وذهب الآخرون ـ وهم الأكثرية الغالبة ـ إلى جواز التعبد به شرعاً لقيام الدليل بذلك.
وأهم ما استدلوا به:
1 ـ قوله تعالى: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين).
بتقريب ((أنها تعطي أن النبأ من شأنه أن يصدق به عند الناس، ويؤخذ به، من جهة أن ذلك من سيرتهم، وإلا فلماذا نهي عن الأخذ بخبر الفاسق من جهة أنه فاسق، فأراد الله تعالى أن يلفت أنظار المؤمنين إلى أنه لا ينبغي أن يعتمدوا كل خبر من أي مصدر كان، بل إذا جاء به فاسق ينبغي أن لا يؤخذ به بلا ترو، وإنما يجب فيه أن يتثبتوا أن يصيبوا قوماً بجهالة، أي بفعل ما فيه سفه وعدم حكمة قد يضر بالقوم.
والسر في ذلك أن المتوقع من الفاسق ألا يصدق في خبره، فلا ينبغي أن يصدق ويعمل بخبره.
فتدل الآية بحسب المفهوم على أن خبر العادل يتوقع منه الصدق فلا يجب فيه الحذر والتثبت من إصابة قوم بجهالة.
ولازم ذلك أنه حجة)).
2 ـ رواية عبدالعزيز بن المهتدي عن الإمام الرضا (ع)، قال: قلت: لا أكاد أصل إليك أسألك عن كل ما أحتاج إليه من معالم ديني، أفيونس بن عبدالرحمن ثقة آخذ عنه ما أحتاج إليه من معالم ديني؟
قال (ع): نعم)).
قال الشيخ الأنصاري: ((وظاهر هذه الرواية أن قبول قول الثقة كان أمراً مفروغاً عنه عند الراوي فسأل عن وثاقة يونس ليرتب عليه أخذ المعالم منه)).
إلى غيره من أحاديث كثيرة بلغت حد التواتر المعنوي في قبول خبر الثقة.
السيرة الاجتماعية:
يقول أستاذنا الشيخ المظفر في (أصول الفقه 2/ 91 ـ 92): ((إنه من المعلوم ـ قطعاً الذي لا يعتريه الريب ـ استقرار بناء العقلاء طراً واتفاق سيرتهم العملية على اختلاف مشاربهم وأذواقهم، على الأخذ بخبر مَن يثقون بقوله ويطمئنون إلى صدقه ويأمنون كذبه، وعلى اعتمادهم في تبليغ مقاصدهم على الثقات.
والمسلمون بالخصوص كسائر الناس جرت سيرتهم العملية على مثل ذلك في استفادة الأحكام الشرعية من القديم إلى يوم الناس هذا، لأنهم متحدو المسلك والطريقة مع سائر البشر، كما جرت سيرتهم بما هم عقلاء على ذلك في غير الأحكام الشرعية.
وإذا ثبتت سيرة العقلاء من الناس بما فيهم المسلمون على الأخذ بخبر الواحد الثقة، فإن الشارع المقدس متحد المسلك معهم، لأنه منهم، بل هو رئيسهم، فلا بد أن نعلم بأنه متخذ لهذه الطريقة العقلائية كسائر الناس ما دام أنه لم يثبت لنا أن له في تبليغ الأحكام طريقاً خاصاً مخترعاً منه، غير طريق العقلاء، ولو كان له طريق خاص قد اخترعه غير مسلك العقلاء لأذاعه وبينه للناس، ولظهر واشتهر، ولما جرت سيرة المسلمين على طبق سيرة باقي البشر.
وقد ترتب على هذا الخلاف في حجية خبر الواحد غير المقرون من ناحية شرعية خلاف آخر يرتبط بروايات الآحاد الثقات المذكورة في كتب أصحابنا المعتبرة.
فذهب القائلون بعدم الحجية إلى أنها (أعني الروايات المشار إليها) هي من نوع الخبر المقرون فتفيد العلم.
ومن هنا جاز العمل بها عندهم، وعملوا بها كما يبين ـ وبوضوح ـ من استدلالاتهم المختلفة بها في كتبهم وأبحاثهم.
وذهب القائلون بالحجية إلى صلاحيتها للاستدلال بها إذا توفرت على شرائط الصحة التي تفيد الظن بصدورها عن المعصوم.
وتفرع على هذا الخلاف الثاني خلاف ثالث، وهو أن عَدَّ القائلون بأن تلكم الروايات المشار إليها هي من نوع الأخبار المقرونة، الحديث المعتبر هو ما أفاد العلم.
وهذا يعني أن الحديث المعتبر عندهم هو الحديث المتواتر والآحاد المقرون فقط.
فقد يعبرون عنه بالصحيح أيضاً.
كما اعتدوا الحديث الذي لا يفيد العلم بصدوره عن المعصوم ـ سواء أفاد الظن أم أقل منه ـ حديثاً غير معتبر، وعبروا عنه بالضعيف أيضاً.
وقد ورد جواز العمل به في الشرع، إلا أن ذلك موقوف على طريق مخصوص، وهو ما يرويه من كان من الطائفة المحقة، ويختص بروايته، ويكون على صفة يجوز معها قبول خبره، من العدالة وغيرها)).
تقسيمه:
إذا رجعنا إلى تاريخ التشريع الإسلامي لمعرفة متى وضع علم الحديث عند أهل السنة، ومتى وضع علم الحديث عند الشيعة ـ ويعرف هذا عادة بأول كتاب ألف في هذا العلم ـ سوف نرى أول كتاب ظهر لأهل السنة في فن مصطلح الحديث ـ كما يعبرون عنه ـ وهو كتاب (المحدث الفاصل بين الراوي والواعي) للقاضي أبي محمد حسن بن عبدالرحمن بن خلاد الرامهرمزي المتوفى سنة 360 هـ.
كما أن أقدم مؤلف إمامي في هذا العلم أشير إليه وهو كتاب (شرح أصول دراية الحديث) للسيد علي بن عبدالكريم بن عبدالحميد النجفي النيلي من علماء المائة الثامنة.
وهذا يعني أن أهل السنة كانوا أسبق تاريخياً في تدوين علم الحديث.
وسبب هذا أن أهل السنة يعتمدون ـ كما هو معلوم ـ على الحديث المروي عن طريق الصحابة.
ولأن الصحابة انتهى آخر أجيالهم بانتهاء القرن الأول الهجري، وانتهى من بعهم التابعون وتابعوا التابعين بانتهاء القرن الثالث الهجري.
وبانتهاء هؤلاء اختفت القرائن التي كانوا يعتمدون عليها في الوثوق بصحة الحديث، فعادوا أحوج ما يكونون إلى وضع قواعد وضوابط للتوثق من صحة الحديث، فاتجهوا إلى تحقيق هذا في بدايات القرن الرابع الهجري.
ولأن استمرار اتصال الشيعة بالأئمة لم ينته إلا في أواخر القرن الرابع الهجري، فاعتمدوا حينها على مدونات الحديث التي كتبت في عهود الأئمة.
واستمرت هذه المدونات موجودة بما صاحبها من قرائن الوثوق حتى عصر المحقق الحلي المتوفى سنة 676 هـ، حيث اختفت باختفائها قرائن الوثوق فأصبحت الحاجة عند الشيعة ماسة لوضع علم الحديث.
ومن المعروف ـ تاريخياً ـ أن المتأخر يستفيد من تجارب المتقدم منهجياً وفنياً، وهذا ما لحظناه في كتاب (الدراية)، للشهيد الثاني، وهو أقدم كتاب في علم الحديث وصل إلينا، فقد تأثر من ناحية منهجية وفنية بمؤلفات علماء السنة في علم الحديث.
وهذا التأثر منه أدى إلى أن يذكر من أقسام الحديث ما لا مصاديق له في حديثنا أمثال بعض أقسام الضعيف.
ومع أنه أبقى مثل هذه إلا أنه من ناحية أخرى أجاد في إضافته ما هو موجود عندنا غير موجود عندهم كالموثق والمضمر وغيرهما.
وسار على خطته كل من جاء بعده.
-----------------------------
* المصدر :اقسام الحديث


 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || معجم المصطلحات