موسوعة المصطلحات والمفاهيم || معجم المصطلحات

حديث : الحديث الموقوف
* د.ابراهيم بن علي آل كليب


 أ ـ تعريفه:
هو ما أضيف إلى الصحابة (رضي الله عنهم) من قول أو فعل أو تقرير، متصلاً كان سنده أو منقطعاً.
وبعض العلماء لا يدخل التقرير في الموقوف، لأن تقرير الصحابي ليس بحجة.
قال ابن الصلاح: ثم إن منه أي الموقوف ـ ما يتصل الإسناد فيه إلى الصحابي فيكون من الوقوف الموصول، ومنه ما لا يتصل إسناده فيكون من الموقوف غير الموصول على حسب ما عرف مثله في المرفوع إلى النبي (ص).
ولا يستعمل الموقوف مطلقاً إلى فيما نسب إلى الصحابة (رضي الله عنهم)، وقد يذكر مقيداً في غير الصحابي، كأن يقال: (وقفه مالك عن نافع، أو هذا موقوف على الزهري).
ونافع والزهري من التابعين وليسا من الصحابة.
ب ـ تسميته:
قيل سمي موقوفاً لأنه وقف به عند الصحابي، ولم يرفع إلى النبي (ص).
ويسمي فقهاء خراسان (الموقوف) (أثراً).
قال أبو القاسم الفوراني الخراساني: (الخبر: ما كان عن رسول الله (ص). والأثر: ما كان عن الصحابي).
وهذا اصطلاح خاص بفقهاء خراسان، ولذلك سمى بعض العلماء الكتب الجامعة لما جاء عن النبي (ص) وعن الصحابة (السنن والآثار).
جـ ـ مظنة وجوده:
يوجد هذا النوع من الحديث غالباً في المصنف لعبدالرزاق بن همام الصنعاني (211هـ ) ومصنف أبي بكر بن أبي شبيه (235هـ ) وفي كتب التفسير بالمأثور مثل تفسير ابن جرير الطبري (310هـ ) حيث يعنى بذكر أقوال الصحابة والتابعين في تفسير آي القرآن الكريم.
د ـ حكمه:
الحديث الموقوف قد يكون صحيح النسبة إلى الصحابة وقد يكون حسناً أو ضعيفاً بحسب تحقق شروط الصحة أو الحسن فيه، أو عدم ذلك.
لكن ما ثبت عن الصحابة سواء كان صحيحاً أو حسناً لا يخلو من حالين:
أ ـ إن أجمع الصحابة عليه كان إجماعاً وحجة يلزم العمل به.
ب ـ وإن حصل الخلاف فيه بين الصحابة.
1 ـ فجمهور العلماء على أنه أيضاً حجة ولكن يتخير منه ما كان أقرب إلى القرآن والسنة، وذلك أن حال الصحابة كان العمل بالسنة وتبليغ الشريعة.
2 ـ ولم يقل بحجيته بعض أهل العلم، كبعض الحنفية والشافعي، وذلك لاحتمال أن يكون مدلول هذا الحديث الموقوف من اجتهاد الصحابي الخاص، أو أن يكون سمعه من غير رسول الله (ص).
ويستثنى من هذا لخلاف ماله حكم الرفع من الموقوف، فهو يأخذ حكم المرفوع في الاحتجاج ووجوب العمل به.
هـ ـ ماله حكم الرفع من الموقوف:
إذا أحتف الخبر الموقوف بقرائن لفظية أو معنوية تدل على رفعه فإنه يكون له حكم الحديث المرفوع فيصير حجة يلزم العمل به شأنه شأن المرفوع.
ولذلك عدة صور وأحوال وفيما يلي ذكر لهذه الصور مع الإشارة إلى ما فيها من خلاف:
الأولى: قول الصحابي كنا نقول كذا أو نفعل كذا:
أ ـ إن أضيف إلى زمن رسول الله (ص):
1 ـ فالصحيح الذي قال به جمهور العلماء أنه مرفوع، لأن ظاهر ذلك أن رسول الله (ص) اطلع على ذلك وأقرهم عليه، وذلك لتوفر الدواعي إلى سؤاله (ص)، وإقراره (ص) أحد وجوه السنة.
ومن أمثلة ذلك ما رواه الشيخان من حديث جابر رضي الله عنهما: (كنا نعزل على عهد رسول الله (ص) ).
2 ـ وخالف الجمهور في ذلك أبو بكر الإسماعيلي فقال: إنه موقوف، وهذا القول منه بعيد عن الصواب.
3 ـ وقال البعض: إن كان هذا مما لا يخفى غالباً فمرفوع وإلا فموقوف.
ب ـ إن أضيف إلى زمن رسول (ص)، وكان فيه تصريح باطلاعه عليه الصلاة والسلام فهو مرفوع بالاجماع، لأنه متضمن لتقريره له، وتقريره من أوجه سنته (ص).
ومن أمثلة ذلك قول ابن عمر رضي الله عنهما: (كنا نقول ورسول الله حي أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر وعثمان، ويسمع ذلك رسول الله (ص) فلا ينكره) رواه الطبراني وأصله في الصحيح دون ذكر التصريح بسماعه (ص) له.
جـ ـ إن لم يضف إلى زمان رسول الله (ص):
1 ـ فجمهور المحدثين والفقهاء والأصوليين على أنه موقوف.
2 ـ وذهب آخرون كالحاكم والرازي والآمدي إلى أنه مرفوع ومن أمثلة ذلك:
ما رواه البخاري عن حديث جابر رضي الله عنهما أنه قال: (كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا).
وكذا قول عائشة رضي الله عنها: (كانت اليد لا تقطع في الشيء التافه).
الثانية: قول الصحابي: (أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا: أو من السنة كذا).
أ ـ فالصحيح الذي عليه جمهور العلماء أن ذلك مرفوع حكماً، لأن ظاهر ذلك ينصرف إلى من له الأمر والنهي ويجب اتباع سنته (ص).
ب ـ وخالف في هذا أبو بكر الاسماعيلي فذهب إلى أنه ليس في حكم المرفوع، لاحتمال أن يكون الآمر غيره (ص) كبعض الخلفاء.
ويجاب عن ذلك بأن هذا بعيد، إذ الأصل في الآمر والناهي والسنة هو (ص).
ويؤيد ذلك ما في صحيح البخاري أن ابن شهاب قال: أخبرني سالم أن الحجاج بن يوسف عام نزل بابن الزبير رضي الله عنهما سأل عبدالله رضي الله عنه كيف تصنع في الموقف يوم عرفة؟ فقال سالك: إن كنت تريد السنة فهجر بالصلاة يوم عرفة، فقال عبدالله بن عمر: صدق أنهم كانوا يجمعون بين الظهر والعصر في السنة فقال ابن شهاب لسالم: أفعله رسول الله (ص)؟ فقال سالم: وهل يتبعون في ذلك إلا سنته؟ وفي رواية (يبتغون).
ففي قول سالم ـ كما ذكر السيوطي ـ ما يدل على أن الصحابة إذا أطلقوا السنة لا يريدون بذلك إلا سنة النبي (ص).
ومن أمثلة ذلك:
1 ـ قول أم عطية رضي الله عنها: (أمرنا أن نخرج في العيدين العواتق وذوات الخدور، وأمر الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين) أخرجه الشيخان.
2 ـ قوم أم عطية رضي الله عنها: (نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا) أخرجه الشيخان.
3 ـ قول أبي قلابة عن أنس أنه قال: (من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعاً) أخرجه الشيخان.
الثالثة: قول الصحابي غير المعروف بالأخذ عن أهل الكتاب: فيما ليس فيه مجال للاجتهاد ولا تعلق له ببيان اللغة كالإخبار عن المواقيت والمقادير الشرعية وأحوال الآخرة وقصص الماضين وأسباب نزول آيات القرآن، وكذا الإخبار عما يحصل به ثواب أو عقاب مخصوص، ونحو ذلك مما لا يمكن أن يؤخذ إلا عن النبي (ص) ولا مدخل للاجتهاد أو القياس فيه.
ومن أمثلة ذلك قول جابر رضي الله عنه: (كانت اليهود تقول: من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول فأنزل الله عز وجل (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) رواه مسلم.
وقول ابن مسعود رضي الله عنه: (من أتى ساحراً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد (ص)) رواه أبو يعلى والبزار.
فهذا كله له حكم الرفع، لأن إخبار الصحابي بذلك يقتضي مخبراً له ولا مخبر للصحابة الذين لم يعرفوا بالأخذ عن الإسرائيليات مثل هذه الأخبار إلا الرسول (ص).
الرابعة: الأحاديث التي وردت فيها عند ذكر الصحابي ما يفيد رفعها، مثل قولهم: (يرفعه، أو ينميه، أو رواية، أو رفعه أو مرفوعاً، أو يبلغ به).
وذلك كحديث الأعرج عن أبي هريرة يبلغ به: (الناس تبع لقريش). وكحديث مالك في الموطأ عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: (كان الناس يؤمرون ن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة)، قال أبو حازم: لا أعلم إلا أنه ينمي ذلك.
وكحديث سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: الشفاء في ثلاثة: شربة عسل، وشرطة محجم وكية نار، وأنهى عن الكي) رفع الحديث. رواه البخاري.
وكحديث ابن السبب عن أبي هريرة رواية: (الفطرة خمس. أو خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، ونتف الإبط، وتقليم الأظافر، وقص الشارب). رواه البخاري.
قال ابن الصلاح: (وحكم ذلك عند أهل العلم حكم المرفوع صراحة).
ولعلهم اكتفوا بالكناية بدل التصريح لكونهم رووه بالمعنى أو مختصراً أو لغير ذلك من الإغراض.
قال الحافظ المنذري (يشبه أن يكون التابعي مع تحققه بأن الصحابي رفع الحديث إلى النبي (ص) شك في الصيغة بعينها فلما لم يمكنه الجزم بما قاله له أتى بلفظ يدل على رفع الحديث).
-------------------------------------
* المصدر: مهمات علوم الحديث


 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || معجم المصطلحات