موسوعة المصطلحات والمفاهيم || معجم المصطلحات

فقه ـ أصول : العشور
* محمد عبدالمنعم الجمال



كان من التنظيم المالي الذي تقتضيه السياسة المالية للدولة فرض ضرائب على تجارة أهل الذمة وكذلك على أهل الحرب إذا مروا بتجارتهم على أرض المسلمين.
والعشور هي الضرائب المفروضة على أموال التجارة الصادرة من البلاد الإسلامية والواردة إليها.
ونظام العشور عند اليونان والرومان يرجع إلى زمن بعيد فقد كان عند اليونان (لدى حكومة الجمهورية في أثينا) فريضة 2% تسمى ضريبة البضائع والمحاصيل الأجنبية.
وكذلك عند الفرس والرومان ومصر ((القديمة)) ونشطت هذه الضريبة وزاد إيراد الحكومة المصرية منها في عهد الاحتلال الروماني وذلك بسبب الإصلاحات التي أدخلها الرومان على أحوال البلاد المالية، وكذلك فإن علاقة مصر التجارية مع سكان النوبة أخذت تزداد بسطاً واتساعاً في أول الأمر، فقد كان هؤلاء يصدرون إلى مصر أفخر السلع وأنفسها وهي بالتالي تصدرها إلى أنحاء العالم.
وكانت مصر تحصل على رسوم مزدوجة كرسم صادر ورسم وازد، وكانت الإسكندرية في تلك العصور الغابرة من الثغور المالية الكبيرة إذ كانت المعين الوحيد للصادرات والواردات وتموين البلاد الأخرى.
بند 184 ـ في عهد الإسلام:
فلما ظهر الإسلام، وكان عصر أمير المؤمنين عمر، أوجد هذه الضريبة التي لم يكن لها وجود أيام الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وأبي بكر وذلك لأن نشأة الدولة الإسلامية وبدء تكوينها لم يكن يسمح بوجود هذه الضريبة، أما في أيام عمر فقد اتسعت دائرة الفتوحات وبالتالي أصبحت التجارة مورداً كبيراً من موارد الرزق تنمو وتثمر في ظل الدولة الكبيرة وفي حمايتها بما يدور من الأخذ والعطاء بين أفراد المجتمع فكان من المنطق أن يعود للدولة شيء مما يجنيه التجار من ربح في تجارتهم وذلك ما يفرضه النظام الاقتصادي الحديث باسم (الضرائب الجمركية) وضريبة الدخل وغيرها.
بند 185: هل فرض الإسلام الضرائب غير المباشرة فضلاً عن الضرائب المباشرة؟
روى عن زياد بن حدير قال:
استعملني عمر على العشر فأمرني أن آخذ من تجار أهل الحرب العشر ومن تجار أهل الذمة نصف العشر ومن تجار المسلمين ربع العشر.
تبين مما تقدم أن المشرع الإسلامي لم يقتصر على فرض الضرائب المباشرة بل فرض أيضاً الضرائب غير المباشرة على البضائع التي تدخل البلاد الإسلامية وتخرج منها.
كتب أبو موسى الأشعري لعمر (رض): (انظر الخراج لأبي يوسف صفحة 125) يخبره بأن تجاراً من المسلمين أتوا إلى أرض الحرب فأخ5وا منهم العشر، فكتب إليه عمر:
(خذ أنت منهم كما يأخذون من تجار المسلمين وخذ من أهل الذمة نصف العشر ومن المسلمين كل أربعين درهماً درهماً) أي ربع العشر.
هذه الإجابة التي صدرت من عمر بن الخطاب تضمنت مبدأ من المبادئ التي تسود الضرائب الجمركية في العصر الحديث وهو مبدأ المعاملة بالمثل.
بند 186: إحصاء الخراج في عهد الخلفاء:
أحصيت أخرجة العراق ومصر وبرقة وإفريقية وقبرص في عهد الخلفاء الراشدين في عام 30 هـ في عهد عثمان بن عفان وكانت النتيجة كالآتي:
الإقليم الخراج بالدرهم
العراق 000 000 135
مصر 000 000 40
برقة 000 130
إفريقية 000 290 27
قبرص 000 72
المجموع: 000 492 202
أي نحو مائتي مليون درهم وهذا غير خراج الشام والجزيرة وأرمينية وأذريبيجان وبلاد الفرس شرق السواد ـ التي تعين المراجع أخارجيها تحديداً ـ وغير الأخماس التي كانت تؤول إلى الدولة من الغنائم في مختلف الميادين. فتلك ثروة كبيرة وهي في عهد الصدر الأول للإسلام عهد الخلفاء الراشدين الأول.
بند 187: وزارة الخزانة وهل تناظر بيت المال في الإسلام؟
استعمل اصطلاح بيت المال في الصدر الأول للإسلام ويقابل وزارة الخزانة أو وزارة المالية في عالمنا المعاصر.
وكلمة بيت المال كانت تعني المكان الذي يضم الأموال المتجمعة من الزكاة والمغانم والخراج لتكون تحت يد الخليفة أو الوالي يضعها فيما أمر الله به أن توضع بما يصلح شؤون الأمة في زمن المسلم والحرب.
ـ ولا شك أن هذا الاصطلاح إسلامي لم تعرفه الحياة الجاهلية، فما كان في المجتمع الجاهلي دولة قائمة، يقوم عليها حاكم، توضع في يده أموال عامة ينفق منها في شؤون المجتمع .. وإنما الذي يمكن أن يتصور في ظل النظام القبلي السائد في الجاهلية هو أن يكون لشيخ القبيلة ـ بماله من زعامة أدبية ـ شأن في الأحداث الطارئة التي تقتضي القبيلة أموالاً طائلة لا قبل له أو لأحد أفراد القبيلة باحتمالها في ماله، كما يحدث ذلك في ديات القتلى، وفي إعداد معدات الحرب والمرافق العامة.
هل نشأ بيت المال قبل الهجرة أو بعدها؟
بند 188 ـ يقطع جمهرة العلماء، أن بيت المال الإسلامي لم يولد في العهد الإسلامي الأول أي في مكة قبل أن يتحول الرسول عنها إلى دار هجرته وذلك للأسباب الآتية:
1 ـ كان المجتمع الإسلامي بمكة قبل الهجرة مجتمعاً يفتقر إلى الأمن والاستقرار، ولم يكن قد استكمل مقومات وجوده، لأن المسلمين كانوا يعانون ظلماً فادحاً واضطهاداً صارخاً.
2 ـ كان أكثر المؤمنين بالدين الجديد ـ في العهد المكي ـ من الفقراء والأرقاء، وخاصة بعد أن هاجر الأقوياء القادرون إلى الحبشة .. ومثل هذه الجماعة لا تنظر في مال ولا تفكر في تنظيم له أو تبويب أو تنسيق بين دخله ومصارفه.
3 ـ الموارد التي تمد (بيت المال الإسلامي) بالمال هي الزكاة والمغانم.
ولم تفرض الزكاة إلا في المدينة بعد الهجرة، ولم يكن للمسلمين في مكة قوة يغنمون من ورائها ما لا نتيجة لاصطدام مسلح بينهم وبين المشركين.
ـ ويقطع علماء السيرة بن بيت المال لم ينشأ إلا بعد الهدرة، وهم حين تعرضوا لبيت المال، فهم يذكرون الفيء ويتحدثون عن الخراج وعن الأحكام الشرعية الواجبة فيهما، وعن أرض الخراج وما فتح منها صلحاً أو عنوة، ويتحدثون عن الزكاة وعن نصابها في الحيوان وفي الزروع وفي عروض التجارة، وفي الذهب والفضة.
ـ أنه حين استقر الرسول (ص) بالمدينة، وأخذت شوكة الإسلام تظهر، بدأ الرسول يبعث سراياه بالعدد المحدود من الرجال، يأخذون الطريق على قوافل قريش المتحركة فيما بين مكة والشام ليرهبوهم بالقوة الجديدة النامية للإسلام، وليثأروا لأنفسهم مما أصابهم وأصاب إخوانهم المستضعفين بمكة ـ من ظلم واضطهاد.
ـ وقد وقعت عدة اشتباكات بين المسلمين والمشركين عاد فيها المسلمون ببعض الأسلاب التي لم تكن ذات شأن يستحق أن ينظر فيه النبي، وأن ينتظر من السماء وضع نظام له
ـ عن عبدالله بن عمر قال:
(بعث رسول الله (ص) سرية إلى نجد فخرجت فيها، فأصبنا إبلاً وغنماً فبلغت سهماننا إثنى عشر بعيراً ونفلنا رسول الله (ص) بعيراً بعيراً.
كان هذا هو الحال فيما يقع بين أيدي المسلمين من مغانم إلى أن جاءت غزوة بدر الكبرى، وفيها غنم المسلمون مغانم كثيرة من متاع وحيوان ومعدات حرب كما أسروا سبعين رجلاً من رجالات قريش وسادتها.
وهذه ولا شك أول ثروة كبيرة تقع في يد المسلمين ويهتم لها الرسول (ص) وينظر في وضع نظام لها، يحدد الوجوه التي تنفق فيها.
بند 189: لماذا عارض الإسلام الفداء في الأسرى في مستهل الأمر ولماذا أباحه بعد ذلك؟
أيفادي الأسرى بالمال أم يقتلون؟
يستشير الرسول أصحابه ويستقر الرأي على قبول الفدية منهم .. وتقبل الفدية، وتوزع مع الغنائم بين المسلمين، ويكون في ذلك عتاب من الله لنبيه في قبوله الفدية .. إذ يقول جل شأنه في سورة الأنفال 8/ 67 وما بعدها:
(ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم).
(لولا كتب من اله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) 8/ 68.
وبعد هذا العتاب الرقيق من رب كريم تطوى صفحة العتاب لوقتها وتختم بخاتم الرحمة والرضا:
(فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً واتقوا الله إن الله غفور رحيم) 8/ 69.
وقد كان هذا في أول الدعوة، في الوقت الذي لا يزال فيه الإسلام في حاجة إلى مزيد من القوة والبأس فلما اشتد عضد الإسلام وقويت سوقه أبيح للمسلمين قبول الفداء بعد أن نزل قوله تعالى في سورة محمد 47/ 4 و 5:
(فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لا ننصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم. سيهديهم ويصلح بالهم).
وهكذا جرى الأمر في الغزوات التي تمت في عهد النبي. كل مغنم يجيء ويذهب لحينه إلى أن فرضت الزكاة وكثرت إبل الصدقة فكان لها رعاة يقومون عليها .. أما العروض من أموال ومتاع فكان الرسول يقسمها لوقتها بين المسلمين .. في المسجد عند اجتماعهم للصلاة.
ولقد استمر الأمر هكذا في خلافة أبي بكر، وشطر من خلافة عمر حيث كان المسجد هو المكان الذي يحمل إليه المال والمتاع، وفيه يقسم بين المسلمين حسب ما قضت به الشريعة في مصارف الزكاة ومغانم الحرب.
بند 190: كيف تطور الأمر بشأن الأسلاب والغنائم ومتى أنشئت الدواوين؟ ومتى وكيف استكمل بيت المال وجوده؟
عن سعيد بن المسيب (رض)، قال: لما قدم على عمر بأخماس فارس، قال: ((والله لا يجنها سقف دون السماء حتى أقسمها بين الناس، فأمر بها فوضعت بين صفى المسجد، وأمر عبدالرحمن بن عوف وعبدالله بن أرقم فباتا عليها ثم غدا عمر، فأمر بالجلاليب فكشفت عنها، فنظر عمر إلى شيء لم تر عيناه مثله من الجوهر واللؤلؤ والذهب والفضة فبكى! فقال له عبدالرحمن بن عوف: هذا موقف من مواقف الشكر فما يبكيك؟ فقال: أجل، ولكن الله لم يعط قوماً هذا إلا ألقى بينهم العداوة والبغضاء ـ (ولم تمض سنوات حتى وقعت الفتنة الكبرى بقتل عثمان، ثم ما تلا ذلك من فتن مزقت شمل المسلمين وألقت بينهم العداوة والبغضاء وأثارت بينهم الحروب الطاحنة بين علي وأصحاب الجمل، وبين علي ومعاوية، وبين علي والخوارج وبين الخوارج وبني أمية).
ثم قال عمر بن الخطاب أنحثو لهم ـ أي غرفا باليد ـ أو نكيل لهم بالصاع؟
ثم أجمع رأيه على أن يحثو لهم فحثاً لهم .. وهذا قبل أن يدون الدواوين.
ـ فهذا مال كثير، ولكنه لم يكن له بيت يحويه إلا المسجد، ولم يكن له نظام مالي يخضع له، وقد رأينا كيف كان عمر يسأل الناس:
بند 191: بدء إنشاء الديوان وبيت المال:
ولما استعت الفتوحات وفاضت الأموال لم ير عمر بداً من أن يضبط موارد هذا المال ومصارفه فأمر بإنشاء ديوان لبيت المال يرصد فيه الوارد والمنصرف، ويحصر فيه الجند وأعطياتهم. ويسجل فيه ما يفرض للمهاجرين والأنصار، ثم أمر أن يكون لكل وال من ولاة الأمصار ديوان على شاكلة هذا الديوان يرصد يه ما يجبي إليه وما ينفق منه.
ويمكن القول في ضوء ذلك أن بيت المال نشأ منذ غزوة بدر واستكمل وجوده في خلافة عمرن أو بمعنى أدق في أخريات خلافة عمر حين دون الدواوين وضبط موارد بيت المال ومصارفه بعد أن اتسعت الفتوح، وكثرت الأموال بفتح الشام والعراق ومصر.
ويقول ابن تيمية:
(ولم يكن للأموال المقبوضة والمقسومة ديوان جامع على عهد رسول الله (ص)، وأبي بكر، بل كان يقسم المال شيئاً فشيئاً، فلما كان زمن عمر بن الحطاب كثر المال واتسعت البلاد وكثر الناس، فجعل ديوان العطاء للمقاتلة أي الجنود وبهذا كان ديوان الجند أول ديوان أنشأه عمر، وكان بيت مال المسلمين يتمول من موارد كثيرة أهمها:
1 ـ الخراج.
2 ـ الجزية.
3 ـ عشور التجارة.
4 ـ خمس الغنائم.
5 ـ الزكاة.
بند 192: الضوائع وتركة مَن لا وارث له:
تؤول بعض الضوائع من الأموال التي لا يعرف صاحبها وكذلك تركة مَن لا وارث له، إلى بيت المال، لإنفاقها في المصالح العامة للمسلمين، وقد حدد الكاساني الوجوه التي يصرف فيها مجموع حصيلة هذين الموردين بقوله: ((فيصرف منه على دواء الفقراء المرضى وعلاجهم، وأكفان الموتى، ونفقة اللقيط وعقل جنايته ـ ونفقة مَن هو عاجز عن الكسب وليس له مَن تجب عليه نفقته ... وعلى الإمام صرف هذه الحقوق إلى مستحقها.
------------------------------
* المصدر: موسوعة الاقتصاد الاسلامي


 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || معجم المصطلحات