موسوعة المصطلحات والمفاهيم || معجم المصطلحات

فقه ـ أصول : المطلق والمقيد
* علي المشكيني



أما المطلق: فهو في اللغة بمعنى المرسل وما لا قيد له وفي الاصطلاح هو اللفظ الدال على معنى له نحو شيوع وسريان بالفعل فهو من صفات اللفظ وقد يقع صفة للمعنى أيضاً.
وأما المقيد فهو يقابل المطلق تقابل العدم والملكة فهو اللفظ الذي لا شيوع له بالفعل مع قابليته لذلك بالذات.
ثم إنهم عدوا للمطلق مصاديق:
منها: أسماء الأجناس من الأعيان والأعراض والأفعال، فإذا قال المولى يجب عليك في أول الشهر إعطاء الحنطة للفقير، كان لفظ الشهر والإعطاء والحنطة والفقير كلها مطلقات لوجود الإرسال والشيوع في معانيها.
وإذا قال يجب عليك في أول الشهر الحرام إعطاء الحنطة الحمراء سراً للفقير العادل كانت تلك الألفاظ مقيدات.
ومنها: النكرة وهي عبارة عن اسم الجنس الذي دخل عليه التنوين المستفاد منه الوحدة، فهي أيضاً لفظ دال على الشيوع في مصاديق جنسه، سواء أكان الشيوع بنظر السامع فقط كما في جائني رجل وقوله تعالى: (وجاء رجل) أو في نظر القائل والسامع كليهما كما في جئني برجل، فلو قال جائني رجل عالم أو جئني برجل شاعر كان اللفظان مقيدين.
تنبيهات:
الأول: أن الإطلاق والتقييد أمران إضافيان بمعنى أنه لابد من مقايسة مجرى الإطلاق والتقييد بالأمور الخارجية فكل أمر لم يكن له دخل في مورد الإطلاق فالمورد بالقياس عليه مطلق وكل أمر له دخل فيه فالمورد بالنسبة إليه مقيد فإذا قال أعتق رقبة مؤمنة كانت الرقبة بالنسبة إلى الإيمان مقيدة وبالنسبة إلى العدالة مثلاً مطلقة.
الثاني: إن كلا من الإطلاق والتقييد يلاحظ تارة في اللفظ الدال على نفس الحكم الشرعي، وأخرى فيما دل على موضوعه، وثالثة في ما دل على متعلقه، فإذا قال المولى يجب إكرام العالم يقال إن الوجوب والبعث غير مقيد لأن كلمة يجب مطلقة، وإن فعل الإكرام أيضاً غير مقيد لإطلاق كلمة الإكرام، وكذا لفظ العالم أيضاً مطلق غير مقيد، فالألفاظ مطلقات والمعاني أيضاً مطلقات، ولو قال يجب في يوم الخميس إكرام العالم أو يجب إكرامه بالضيافة أو يجب إكرام العالم العادل كان اللفظ الدال على الحكم في المثال الأول وعلى الموضوع في الثاني وعلى المتعلق في الثالث مقيدات كما أن المعاني أيضاً مقيدات.
الثالث: الإطلاق قد يلاحظ بالنسبة إلى أفراد المعنى فيسمى إطلاقاً افرادياً، وقد يلاحظ بالنسبة إلى حالاته فيسمى إطلاقاً أحوالياً، والمراد من الأول شيوع المعنى الكلي في أفراده ومن الثاني شمول المعنى بحسب أحواله.
وبين الاطلاقين عموم من وجه، فقد يتحقق الأحوالي دون الافرادي كما إذا قال المولى أكرم زيداً، فزيد وإن كان جزئياً لا يتصف بالإطلاق الافرادي إلا أنه يتصف بالإطلاق الأحوالي، فهو مطلق من هذه الجهة قابل للتقييد بأن يقول أكرمه إذا كان مسافر أو مريضاً.
ونظيره ما إذا ورد أكرم العلماء فإن للعلماء وإن كان عموماً افرادياً إلا أن لكل واحد من الأفراد إطلاقاً أحوالياً.
وقد يتحقق الافرادي دون الأحوالي كما إذا قال أعتق رقبة ثم قال وجميع حالاتها عندي متساوية، أو أنه لم يكن من جهة الحالات في مقام البيان فالرقبة مطلقة من حيث الافراد ولا إطلاق لها من حيث الأحوال.
وقد يتحققان معاً كما إذا قال إن ظاهرت فاعتق رقبة فللرقبة اطلاقان من حيث الافراد والأحوال أي أية رقبة كانت وفي أي حال كانت.
الرابع: قد يكون مجرى الإطلاق والتقييد اللفظ وقد يكون الغرض المستفاد من المولى، فالأول: هو اللفظ المشكوك في شموله لما له من المعنى كالأمثلة السابقة.
والثاني: هو المعنى المستفاد فإذا استفدنا من ناحية المولى حكماً من الأحكام بعثاً أو زجراً أو غيرهما بواسطة لفظ أو غير لفظ وشككنا في دخالة شيء في غرضه أو مانعية أمر عن ذلك، وكان في مقام بيان تمام ما له دخل في غرضه ولم يتعرض لشيء ولم ينبه على غيرما علمناه أمكن التمسكن حينئذ لعدم دخل شيء في غرضه بأنه لو أراد ذلك لأفاد وأشار إلى ما يبين المراد ويسمى هذا بالإطلاق المقامي في مقابل الإطلاق اللفظي، فإذا قال اغتسل من الجنابة وشككنا في شرطية قصد الأمر في الغسل جاز التمسك لنفي الشرطية بهذا الإطلاق وإن لم يجز التمسك بالإطلاق اللفظي للزوم الدور أو الخلف. وكذا لو كان في مقام بيان شرائط المأمور به مثلاً فعدّ شروطاً خاصة جاز التمسك بعدم شرطية غيرها بالإطلاق، ويسمى هذا بالإطلاق المقامي.
الخامس: يُعرف مما ذكرنا أن ألفاظ المطلق كالمذكورات وغيرها لا دلالة لها وضعاً إلا على الماهية المبهمة، فالشيوع والسريان من طواريها وعوارضها الثانوية يكون خارجاً عما وضع له وحينئذ فلا بد في دلالة اللفظ عليه من قرينة مقالية كقوله: اعتق رقبة، أية رقبة كانت، أو حالية كما إذا علم من حاله أنه يُحبّ عتق الرقاب مطلقاً، وقد تكون الدلالة بما يسمى مقدمات الحكمة، وهي مركبة من مقدمات ثلاث:
إحداها: إحراز كون المتكلم في مقام بيان المراد لا بيان أمر مجمل وإحالة التوضيح إلى مقام آخر.
ثانيتها: عدم وجود قرينة حالية أو مقالية في مقام التخاطب.
ثالثتها: عدم وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب، فإذا قال أعتق رقبة وكان في مقام البيان ولم يقل مؤمنة ولم يعلم من حاله أنه يبغض عتق الكافرة، ولم يرتكز في أذهان السامعين مثلاً عدم إمكان عتق الكافرة انعقد الإطلاق للفظ بهذه المقدمات وهي كثيرة التحقق.


 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || معجم المصطلحات