موسوعة المصطلحات والمفاهيم || معجم المصطلحات

فقه ـ أصول : الاستصحاب
* علي المشكيني



هو حكم المكلف ببقاء شيء وترتيبه آثار البقاء فيما كان متيقناً ثبوتاً ومشكوكاً بقاء، فله موضوع ومحمول، موضوعه المتيقن ثبوته والمشكوك بقائه ومحموله الحكم بالبقاء بترتيب آثار بقائه في حال الشك، وعليه تكون حقيقة الاستصحاب هو فعل المكلف.
وعرفه في الكفاية بأنه حكم الشارع بلزوم إبقاء الشيء وترتيب آثار بقائه لدى الشك فيه فتكون حقيقته عنده هو حكم الشارع وتعريف الشيخ (ره) له بأنه إبقاء ما كان يرجع إلى أحد التعريفين السابقين.
وإطلاق الحجة عليه على التعريف الأول بمعنى كونه واجباً لازماً وعلى الثاني بمعنى كونه ثابتاً منكشفاً بالأدلة.
ثم إن الدليل عليه عند عدة من الأصحاب أخبار مستفيضة.
منها: قوله (ع): ((لا تنقض اليقين بالشك)).
ومنها: قوله: (من كان على يقين فشك فليبن على يقينه)). وعند عدة أخرى بناء العقلاء وعند طائفة حكم العقل بذلك. وعند آخرين الظن بالبقاء ولو نوعاً مع حكمهم بحجية ذلك الظن.
تنبيه: اعلم ان للاستصحاب تقسيمات باعتبار نفس الشيء المستصحب وتقسيماً باعتبار الدليل الدال على ثبوت المستصحب سابقاً وتقسيمات أيضاً باعتبار الشك الطاري في بقاء المستصحب أما تقسيماته بالاعتبار الأول فهي كثيرة:
منها: تقسيمه إلى الاستصحاب الوجودي والاستصحاب العدمي كاستصحاب وجوب الجمعة وحيوة زيد واستصحاب عدم وجوب الظهر وعدم كرية الماء.
ومنها: تقسيمه إلى الاستصحاب الحكمي والاستصحاب الموضوعي، والأول نظير استصحاب حلية العصير بعد غليانه والثاني كاستصحاب حيوة زيد وكرية الماء.
ومنها: تقسيمه إلى استصحاب الحكم التكليفي والحكم الوضعي، والأول كاستصحاب الوجوب والحرمة، والثاني كاستصحاب الطهارة والنجاسة والملكية والزوجية
ومنها: تقسيمه إلى الاستصحاب التعليقي والاستصحاب التنجيزي.
والأول: ما كان المستصحب فيه حكماً تعليقياً كما إذا ورد يحرم العنب إذا إلى واستفدنا منه للعنب حكماً تحريمياً تعليقياً معلقاً على الغليان فإذا بقى العنب مدة وصار زبيباً وشككنا في بقاء حرمته التعليقية وعدمه كان الاستصحاب الجاري في حرمته استصحاباً تعليقياً لكون المستصحب ومورد جريانه تعليقياً.
والثاني: ما كان المستصحب فيه حكماً تنجيزياً كاستصحاب حلية أكل العنب بعد صيرورته زبيباً وطهارته وملكيته لمالكه ونحوها.
ومنها: تقسيمه إلى استصحاب الجزئي والكلبي، وتقسيم الكل إلى القسم الأول والقسم الثاني والقسم الثالث، وتقسيم القسم الثالث أيضاً إلى أقسام ثلاثة.
بيانه أن المستصحب تارة يكون أمراً جزئياً كحيوة زيد وكرية ماء معين فيسمى ذلك باستصحاب الجزئي وأخرى يكون كلياً وهو على أقسام ثلاثة.
الأول: أن يكون المستصحب كلياً مع كون منشأ الشك في بقائه بقاء الفرد الذي تحقق في ضمنه، فإذا علمنا بوجود زيد في الدار وتحقق كلي الانسان في ضمنه ثم شككنا في بقاء الانسان فيها لأجل الشك في بقاء زيد، وفرضنا إن الشارع قال إذا كان زيد في الدار تصدق بدرهم وإذا كان الانسان فيه تصدق بدينار، كان إجراء الاستصحاب في بقاء زيد لترتيب أثره من استصحاب الجزئي وإجرائه في بقاء الانسان لترتيب أثره من استصحاب الكلي بنحو القسم الأول.
الثاني: أن يكون المستصحب كلياً أيضاً مع كون منشأ الشك في بقائه تردد الخاص الذي تحقق الكلي في ضمنه بين فرد مقطوع البقاء وفرد مقطوع الارتفاع، مثلاً إذا حصل لنا العلم بدخول حيوان إلى الدار وشككنا في انه بق أو فيل مع فرض أن البق لا يعيش أزيد من ثلاثة أيام، ثم شككنا في اليوم الرابع والخامس مثلاً في بقاء الحيوان في الدار وعدمه لأجل الشك في انه هل كان متحققاً في ضمن البق حتى لا يكون باقياً أو كان متحققاً في ضمن الفيل حتى يكون باقياً، فحينئذ إن أردنا إجراء الاستصحاب في خصوص البق فهو على فرض جريانه من استصحاب الجزئي وإن أردنا إجرائه في الحيوان الكلي وترتيب آثاره سمى ذلك باستصحاب الكلي بنحو القسم الثاني.
الثالث: أن يكون المستصحب كلياً أيضاً مع كون منشأ الشك وجود فرد آخر،م قارن لوجود الفرد الزائل أو تحققه مقارناً لارتفاعه أو احتمال تبدل الفرد الأول بفرد آخر فهنا صور ثلاث يسمى جميعها باستصحاب الكلي بنحو القسم الثالث.
الصورة الأولى: أن يعلم بارتفاع الفرد الذي كان الكلي متحققاً في ضمنه ويشك في بقاء الكلي لاحتمال وجود فرد آخر مع الفرد الزائل، مثالها ما إذا رأينا زيداً انه دخل الدار فحصل لنا العلم بوجد الانسان فيها ثم رأيناه قد خرج عن الدار وذهب بسبيله، فشككنا في وجود الانسان فيها بالفعل من جهة احتمال كون عمرو فيها معه، فاستصحاب الانسان الكلي في هذا المثال يسمى باستصحاب الكلي بنحو القسم الأول من القسم الثالث.
الصورة الثانية: أن يعلم أيضاً بارتفاع الفرد المعلوم ويشك في بقاء الكلي لأجل احتمال حدوث فرد مقارنً لارتفاع الأول، كما إذا علمنا في المثال بأنه لم يكن أحد في الدار غير زيد إلا أنا شككنا أيضاً في وجود الانسان في الدار بعد خروجه لاحتمال دخول عمرو إلى الدار مقارناً لخروج زيد، ويسمى هذا باستصحاب الكلي بنحو القسم الثاني من القسم الثالث.
الصورة الثالثة: ان يشك في بقاء الكلي في مورد لأجل الشك في أن الفرد الذي كان الكلي متحققاً في ضمنه هل تبدل بفرد آخر أو انه انعدم من غير تبدل، كما إذا رأينا الخمر في الإناء فعلمنا بوجود المايع فيه ثم حصل لنا العلم بعدم وجود الفرد الذي تحقق الكلي في ضمنه أعني الخمر أما لاتفاق إراقته أو تبدله بالخل فشككنا في بقاء الكلي أعني المايع في الإناء فإجراء الاستصحاب في بقاء المايع الكلي في الإناء يسمى باستصحاب الكلي بنحو القسم الثالث من القسم الثالث.
ومنها: تقسيمه إلى الاستصحاب المثبت وغير المثبت.
وأما تقسيمه بالاعتبار الثاني: أعني باعتبار الدليل فهو إن الدليل الدال على ثبوت المستصحب في السابق إما أن يكون دليلاً شرعياً لفظياً كظاهر الكتاب والسنة أو يكون إجماعاً قولياً أو عملياً أو يكون حكم العقل.
فالأول: مثل ما إذا شككنا في بقاء نجاسة الماء المتغير بعد زوال تغيره أو في طهارة الماء الذي شككنا في ملاقاته للنجس، فدليل الثبوت في السابق فيها قوله الماء ينجس إذا تغير وقوله الماء كله طاهر.
والثاني: كما إذا قام الإجماع على نجاسة العصير العنبي ثم شككنا في بقائها بعد صيرورته دبساً قبل ذهاب الثلثين.
والثالث: كما إذا حكم العقل بوجوب رد الوديعة في حال كون الودعي موسراً متمولاً وفرضنا حكم الشارع أيضاً على طبقه بقاعدة الملازمة ثم عرض للودعي الفقر الموجب لحصول الشك في وجوب ردها فنجري استصحاب الوجوب الشرعي المستنبط من الحكم العقلي.
وأما تقسيماته بالاعتبار الثالث: أعني الشك المأخوذ في موضوعه، فهي أيضاً كثيرة.
أولها: تقسيمه إلى الاستصحاب في الشبهة الموضوعية والاستصحاب في الشبهة الحكمية.
فالموضوعية ما اكن الشك في بقاء الشيء لأجل اشتباه الأمور الخارجية كما إذا شك في بقاء طهارة ثوب من جهة الشك في ملاقاته للنجس وعدمها أو في بقاء نجاسة الماء من جهة ورود الكر عليه وعدمه.
والحكمية ما إذا كان الشك في بقاء الحكم لأجل عدم النص على البقاء أو إجماله أو تعارضه مع مثله، كما إذا شككنا في بقاء نجاسة الماء المتغير بعد زوال تغيره لأجل عدم الدليل على البقاء، وفي بقاء وجوب الصوم بعد استتار القرص وقبل ذهاب الحمرة المشرقية لأجل إجمال قوله تعالى: (ثم أتموا الصيام إلى الليل) وتردد الليل بين أن يكون أوله الاستتار أو ذهاب الحمرة، وشككنا في بقاء وجوب الجمعة وعدمه في زمان الغيبة لأجل تعارض النصوص، وتسمى هذه الأقسام الثلاثة بالشبهة الحكمية.
ثانيها: تقسيمه إلى الاستصحاب في صورة الظن بالبقاء والظن بالارتفاع والشك المتساوي في البقاء والارتفاع، فإذا علمنا بحيوة زيد يوم الخميس وحصل لنا التردد يوم الجمعة فقد يكون بقائها راجحاً مظنوناً وقد يكون مرجوحاً مظنون الارتفاع وقد يكون مشكوكاً بلا رجحان في البين، فبناء على حجية الاستصحاب من جهة الإخبار حاز إجرائه في الصور الثلاث، وبناء على حجيته من جهة الظن الشخصي جاز في الصورة الأولى فقط، وبناء على الظن النوعي أو بناء العقلاء فجريانه في الصورة الأولى والأخيرة بلا إشكال وفي الصورة الثانية مورد كلام وإشكال.
ثالثها: تقسيمه إلى استصحاب في الشك في المقتضي والشك في الرافع وتقسيم الشك في الرافع إلى أقسام، أما الشك في المقتضي فهو ما إذا كان الشك في البقاء لأجل الشك في مقدار استعداد الشيء للبقاء وكمية اقتضائه له، كما إذا علمنا بثبوت خيار الغبن للمغبون وشككنا في انه فوري زمانه قصير أو هو باق زمانه طويل.
وأما الشك في الرافع فهو عبارة عن الشك في البقاء بعد إحراز استعداد الشيء للدوام واقتضاء ذاته للبقاء والاستمرار فيكون الشك في حدوث رافع له عن صفحة الوجود ويتصور هذا على أنحاء.
أولها: الشك في وجود الرافع كما إذا شك المتطهر من الحدث في خروج البول منه أو عروض النوم عليه.
ثانيها: الشك في رافعية الموجود من جهة كون المتيقن السابق مردداً بين شيئين كما إذا علم المكلف باشتغال ذمته يوم الجمعة بصلوة ولم يعلم بكونها الظهر أو الجمعة، فإذا أتى بصلوة الجمعة مثلاً فإنه يشك في رافعيتها لاشتغال الذمة، فإنه لو كان الاشتغال بصلوة الظهر فهو باق ولو كان بالجمعة فهو مرتفع، فاستصحاب بقاء الاشتغال في المثال لأجل الشك في رافعية الموجود.
ثالثها: الشك في رافعية الموجود من جهة الشك في وجود صفة الرافعية فيه كما إذا خرج المذي من المتطهر فشك في انه رافع كالبول أم لا.
رابعها: الشك في رافعية الموجود من جهة الشك في انه مصداق للرافع المعلوم المفهوم كما إذا خرج عنه البلل وشك في انه بول أم لا.
خامسها: الشك في رافعية الموجود من جهة الشك في انه مصداق للرافع المجهول المفهوم كما إذا علم بكون البلل مذياً وشك في مفهوم البول وانه خصوص ما هو المعروف أو انه أعم منه ومن المذي.


 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || معجم المصطلحات