موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة علم السياسة

د.علاء طاهر
العالم (الاسلامي ـ العربي) كوحدة جيوستراتيجية


من المستوى الجيوبوليتيكي إلى مستوى الاعتبار الجيوستراتيجي، يمكن النظر إلى بلدان العالم العربي كوحدة مستقلة على الصعيد القومي الجغرافي ـ السياسي ضمن إطار العالم الاسلامي، ووفق هذا الاعتبار يتسم العالم العربي بتكامل جغرافي موحد ويظهر ككيان جغرافي متسق ومتداخل وكأنه يشكل (بحيرة) قومية حضارية متجانسة داخل الرقعة الجغرافية السياسية للعالم الاسلامي.
عبر هذا الإحتواء على الرقعة العربية يغدو العالم الاسلامي كمفهوم جيوستراتيجي أو كمكان مؤهل للظهور استراتيجياً داخل الكيانات الدولية المعاصرة متضمناً إضافة إلى كينونيته الجيوبوليتيكة والجيوستراتيجية على كيان جغرافي ـ سياسي ـ قومي آخر هو العالم العربي كنواة ثنائية أخرى لتكوينه العام.
فالعالم العربي هنا يتجلى (كرقعة ـ نواة) يمكن نقلها عن طريق الفعالية السياسية الموحدة لدولة ـ على المستوى الفرضي ـ إلى المرتبتين اللاحقتين أي مرتبة جيوبوليتيكة هذا العالم ثم مرتبة جيوستراتيجيته، أي الانتقال بالبلدان العربية كوحدة جغرافية ـ قومية من تموضعها داخل الرقعة الجغرافية السياسية إلى مرحلة المنظور السياسي للدولة وللأنظمة السياسية، بحيث تطرحها هذه الأخيرة من خلال الفعل الميداني الضروري لها كقوة جيوبوليتيكية تم بناء كينونتها من خلال فعالية مضافة أخرى كقوة جيوستراتيجية. وعبر هذه الرؤية النظرية والواقعية في آن واحد يكتسب العالم العربي صفته كوحدة جيوستراتيجية قائمة بذاتها ضمن المحيط الجغرافي السياسي للعالم الاسلامي، فهو على المستوى العيني الملموس يمتلك كل العناصر والأسس التي تبرره كنواة جيوستراتيجية داخلية مضافة للعالم الاسلامي على الرغم من تعددية الخصوصيات القومية للبلدان الاسلامية بشكل عام.
فالعالم الاسلامي وفق هذا المنطق الاعتباري المتأسس على عناصر ميدانية، ثنائي الامتياز جيوستراتيجياً، أو وفق صيغة لغوية أخرى، يمتلك امتيازاً جيوستراتيجياً مضاعفاً، فهو ببلدانه الاسلامية بشكل عام يتصف بمؤهلات تكوينية جيوستراتيجية لا يمكن إلا الإقرار بها دولياً، لكنه (أي العالم الاسلامي) من ناحية أخرى يكتسب ثنائية جيوستراتيجية تقع ضمن دينامية كينونته العامة والاسلامية أيضاً، إذ تنبجس هذه الثنائية من كون البلدان العربية مجتمعة موجودة ضمن العالم الاسلامي وتشكل كياناً جيوستراتيجياً مستقلاً.
وهنا تنبثق الحقائق المترتبة على هذه لاثنائية الجيوستراتيجية التي يخلقها وجود العالم العربي داخل العالم الاسلامي. فالحركية السياسية والعسكرية لبلدان العالم الاسلامي مجتمعة تغدو حركية فاعلة بشكل مضاعف في قوته على لاساحة الدولية في حالة استخدامها كقوة جيوستراتيجية تقف في مواجهة الكيانات الجيوستراتيجية الأخرى للعالم الأول أو للتكتلات الجغرافية السياسية الدولية الأخرى التي تقف في موضع تنافس أو مواجهة معه.
فإزاء فعل خارجي عسكري سياسي واحد يهم العالم العربي وبلدانه فقط على الصعيد القومي مثل الصراع العربي الإسرائيلي وانبثاق إسرائيل كعدو موحد ضد العالم العربي، تكون ردة الفعل في المواجهة العسكرية والسياسية والاقتصادية والدينية هي ردة فعل عربية تمتلكها البلدان العربية وحدها وتنخرط في فعلها العام كقضية خاصة بالعرب كشعب يمتلك كياناً جغرافياً سياسياً واحداً يمكن استخدامه أو تجليه ككتلة جيوستراتيجية في حالة الصراع مع كيان سياسي قومي وديني آخر، هذا على الرغم من غياب التنسيق الكامل على الصعيد الزمني العام، بين البلدان العربية كأنظمة سياسية وكحكومات لأجل طرح العالم العربي بكليته ككيان جيوستراتيجي لكن هذا الكيان يظهر بعنف وقوة في لحظات المواجهة العامة مع عدو خارجي تكون نواة التحدي فيه هنا نواة تحد للشعب العربي وللعالم العربي ككيان قومي حضاري مستقل ثم يختفي هذا التجلي للكيان الجيوستراتيجي للعالم العربي في لحظات المساومة السياسية وعدم المواجهات الحادة ويعم محله حالة من الخلافات بين البلدان العربية حول مشاكل متباينة، الأمر الذي يخفي القدرة الفعالة التي تتمخض عن العالم العربي ككتلة جيوستراتيجية.
إن هذه النواة الجيوستراتيجية للعالم العربي تقع ضمن محيط أوسع لقوة جيوستراتيجية عامة هي العالم الاسلامي، يمتلك العالم الاسلامي امتيازاً جيوستراتيجياً ضخماً لم يستخدم بعد فهو كيان كامن في طاقته وهو لا يتجلى أيضاً إلا في لحظات الصراعات الحاسمة التي تهدد الشعوب الاسلامية في حضارتها وهويتها الدينية لذلك تظهر هذه الردود الحضارية ـ الجيوستراتيجية العامة في لحظات التحدي الكبيرة الخاصة بالمسلمين كشعوب وكدول ذات انتماءات عرقية تعددية لكنها تتجاوز هذه التعددية الأتنية في صياغة رد فعلها العام. وهنا يكون العالم العربي، ببلدانه وببنيته القومية الثقافية الموحدة، كياناً جيوستراتيجياً قومياً مستقلاً عن العالم الاسلامي لكنه مندمج ومنصهر فيه على الصعيد الديني، ومن هنا أيضاً يمسي الكيان الجيوستراتيجي للعالم الاسلامي كياناً مضاعفاً في قوته إزاء التحدي الخارجي الذي يواجهه ويغدو (العالم الاسلامي ـ العربي) كوحدة جيوستراتيجية، في معناه الايجابي، للقوة الاستراتيجية التي يمتلكها العالم الاسلامي.
----------------------------
المصدر: العالم الاسلامي في الاستراتيجيات العالمية المعاصرة

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة علم السياسة