موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة علم السياسة

إبراهيم غرايبة
الدين والفكر في شراك الاستبداد

 

كان خاتمي قبل انتخابه رئيسا لإيران قد عمل رئيسا للمكتبة الوطنية في إيران ووزيرا للثقافة والإعلام (1982 - 1992) ويقود خاتمي تيارا إصلاحيا في داخل الثورة الإسلامية في إيران، واستطاع هذا التيار أن يحقق أغلبية برلمانية وأوصل خاتمي إلى الرئاسة مرتين متتاليتين.
غلاف الكتاب
-اسم الكتاب:الدين والفكر في شراك الاستبداد السياسي: جولة في الفكر السياسي للمسلمين
-المؤلف:محمد خاتمي ترجمة: ماجد الغرباوي
-عدد الصفحات:204
-الطبعة:
الأولى 2001
-الناشر: دار الفكر دمشق، بيروت
وفي كتابه "الدين والفكر في شراك الاستبداد" يعرض خاتمي لمسار الفكر السياسي عند المسلمين مستخدما هذا المصطلح الذكي المعبر (الفكر السياسي للمسلمين) وليس الفكر السياسي الإسلامي باعتبار أن المسلمين يقرؤون الإسلام ويفسرونه فينتجون فكرا سياسيا يكون صوابه ورشده أو انحرافه وضلاله بمقدار التزامهم وفهمهم للإسلام فتتعدد القراءات وتختلف ولكنها تنتسب إلى الإسلام والحقيقة أنها تنتسب إلى المسلمين وقد تقترب أو تبتعد أو تتطابق أو تختلف كليا مع الإسلام.
"
يعرض خاتمي لمسار الفكر السياسي عند المسلمين مستخدما مصطلح (الفكر السياسي للمسلمين) وليس الفكر السياسي الإسلامي باعتبار أن المسلمين يقرؤون الإسلام ويفسرونه فينتجون فكرا سياسيا يكون صوابه ورشده أو انحرافه وضلاله بمقدار التزامهم وفهمهم للإسلام
"
والكتاب الذي بين أيدينا هو في الأصل محاضرات ألقيت على طلاب مرحلة الماجستير في كلية العلوم السياسية تحت عنوان تاريخ الفكر السياسي للمسلمين. لقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم نظاما سياسيا في المدينة بعد ثلاث عشرة سنة من البعثة 622م /1 هجرية) ثم امتدت بعده خلافة المسلمين في شرق العالم وغربه لتصبح سلطتهم السياسية أكبر قوة سياسية في العالم.
مراحل الفكر السياسي للمسلمين
وإذا نظرنا إلى المجتمع والتاريخ من الخارج يمكن -كما يعتقد الكاتب- تقسيم الواقع والفكر السياسيين في العالم الإسلامي إلى ثلاث مراحل:
النبوة والخلافة الراشدة.
من تحول الخلافة إلى ملكية مستبدة إلى لقاء العالم الإسلامي بالحضارة الغربية (الغلبة).
المرحلة الراهنة منذ اللقاء بالغرب والغزو الاستعماري وحتى الآن.
والواقع أن الغرب توصل بعد مراجعة جادة للذات إلى إصلاح فكري جديد، وقد أفضى الصراع الداخلي إلى انتصار المثقفين النهضويين على مستوى الفكر، وانتصار الطبقة الوسطى (البورجوازيين) في مجال العمل، وأطيح بالملكية الحاكمة وساد الغرب فكرا وعملا وحياة العلمانية، ولكن الشرق في تفاعله مع الحضارة الغربية تعامل معها بانبهار أو رفض فلم يحدد المسلمون طريقهم على نحو صحيح. ولم يحققوا مستوى عاليا من التفكير والنقد المتميز للحضارة الغربية ونقد التراث.
وهذا الكتاب يركز على الفكر السياسي للمسلمين في فترة الاستبداد منذ بداية الأمويين وحتى نهاية القرن السابع عشر وكان الكاتب يخطط لإعداد كتاب آخر يعرض ويحلل الفكر السياسي للمسلمين في القرنين الأخيرين ولكن كما يقول ترك أجواء الفكر السياسي الجميلة العطرة ليذهب إلى وادي العمل السياسي المحفوف بالأهوال والمخاطر والتشويش، ولم تتوافر له فرصة حتى لكتابة مقدمة بسيطة لكتابه مما جعل إصداره يتأخر سنتين. ويحلل المؤلف الآراء السياسية لبعض الفلاسفة والمفكرين السياسيين في العالم الإسلامي، الفارابي، وأبو الحسن العامري، والرازي، وأبو الحسن الماوردي، والغزالي، وابن باجة، وابن خلدون.
ويلاحظ أن المد الفلسفي المذهل الذي شمل العالم الإسلامي أهمل حقلي الاقتصاد وسياسة المدن، ويستبعد أن يكون تفسير ذلك بسبب سعة الشريعة الإسلامية لمثل هذه القضايا وحجبها للفلسفة والنظر في مثل هذه المسائل، فذلك أدعى للاهتمام والبحث في قضايا السياسة وليس إهمالها، والفقيه إنسان ومفكر أيضا ونتائجه الفقهية تختلف تبعا لمصادره في الاستنباط التي تحددها له رؤيته الفلسفية والعرفانية والاجتماعية.
وقد يرد ذلك إلى التصوف الذي شكل روح الثقافة والأدب لكثير من المسلمين، فالتفكير الصوفي يرتكز إلى ترك الدنيا أو عدم الاهتمام بها ولكن المؤلف يعتقد أن التصوف هو سبب ترك المسلمين وعلمائهم للفكر السياسي وليس التصوف هو سبب ترك السياسة.
الملكية الاستبدادية
"
سياسة الغلبة القائمة على الصراع والسيطرة ترفض أي منافس لها على أرض الواقع ولا تطيق البحث والتنقيب في حقيقة السياسة بما في ذلك الغلبة نفسها وطريق الخلاص منها
"
ويعتمد الكاتب رؤية واحدة في ترتيب موضوعاته وهي أن العالم الإسلامي بعد الخلافة الراشدة سادته ملكية استبدادية أو (الغلبة) وأن علة العلل هي في انحسار الفكر السياسي في العالم الإسلامي وسيطرة الطبيعة الصوفية على عقول وآداب الكثير من المسلمين، وقد تسببت هذه الأزمة (الاستبداد) في خسائر كثيرة للمسلمين. فسياسة الغلبة القائمة على الصراع والسيطرة ترفض أي منافس لها على أرض الواقع ولا تطيق البحث والتنقيب في حقيقة السياسة بما في ذلك الغلبة نفسها وطريق الخلاص منها، ومنعت سياسة التسلط المفكرين من البحث في مجال السياسة مما جعل الفكر يتجه اتجاها آخر مبررا إهماله وتكاسله بالإعراض عن السياسة والهيام في وادي التصوف.
بدأ البحث الفلسفي لدى المسلمين في حقيقة السياسة والسلطة وكان الفارابي رائد هذه المحاولات الخالدة ثم اتجه الفكر السياسي بسبب التغلب والاستبداد إلى التبرير والتهرب، وكان ابن خلدون ممن تناول واقع الحياة الاجتماعية للإنسان برؤية جديدة حتى يصح أن يسمى "أبو فلسفة التاريخ" أو أول علماء الاجتماع، وربما توقف الفكر السياسي بعد ابن خلدون.
وكان الخواجة نصير الدين الطوسي في كتابه "أخلاق الناصري" مقلدا للفارابي ومكررا لموضوعات لا أمل في تحقيقها وذلك لأنه كان عندما يخرج من فضاء المكتبة والكتاب ويترك فضاء العقل والتفكير ينضم إلى ركاب متغلب مغولي لا تربطه به علاقة دينية، وإنما كان يهدف من علاقته به الدفاع عن مذهبه الشيعي. وتراكم الفكر الشيعي عبر جهود علماء مثل السيد المرتضى، والطوسي، والحلي وخلفوا تراثا قيما.
وقد مرت بالمسلمين بعد ابن خلدون حوادث ووقائع مهمة مثل الغزو المغولي واستقرار السلطنة العثمانية وظهور الملكية الصفوية في إيران وبرغم الاختلافات العقدية والمذهبية بين هذه الدول فقد كان يجمع بينها الغلبة.
الحكم مناط بالأمة
لقد اتفقت الأمة على أن الحكم أمر أنيط بها، وكل من ينتخبه ثقات الناس وعقلاؤهم يصبح حاكما مشروعا ولكن ليس كل شخص مؤهل لذلك، والأمة موظفة باختيار من له مواصفات خاصة، وتعتقد الشيعة أن الحكم لا يقوم إلا على يد المعصوم، وهي فضيلة لا يعرفها إلا الله وقد تكفل الله ببيانها كغيرها من المعايير الدينية.
"
كانت البيعة تعني اتفاقا بين طرفين، أي الالتزام بطاعة الحاكم المسؤول عن مراعاة الحدود والواجبات الخاصة، والأمة تحتفظ بحقها -فيما إذا تجاوز الحاكم- في تحديد مسؤولية الحكومة وأما التوسل بالقوة للاستيلاء على السلطة فلم يكن مشروعا على كل حال
"
وكانت البيعة تعني اتفاقا بين طرفين، أي الالتزام بطاعة الحاكم المسؤول عن مراعاة الحدود والواجبات الخاصة، والأمة تحتفظ بحقها -فيما إذا تجاوز الحاكم- في تحديد مسؤولية الحكومة وأما التوسل بالقوة للاستيلاء على السلطة فلم يكن مشروعا على كل حال.
وتعمقت أزمة الشرعية السياسة بعد الخلافة الراشدة ولم يجد الحكام طريقا للخلاص من الأزمة سوى الاتكاء أكثر على القوة والسيف وقمع المعارضين وممارسة الإرهاب، وتجذرت سياسة الغلبة وانقلب الحكم وراثيا وحرم الشعب من تقرير مصيره السياسي وتحولت البيعة إلى التزام الأمة من طرف واحد بالطاعة المطلقة لحاكم يرتكز إلى السيف دون أن يفرض على حكومته شرطا.
وصاحب الحياة السياسية والعامة للمسلمين حياة فكرية قدمت نتاجا فكريا كبيرا وممتدا مازال يؤثر في الحضارة العالمية، وكان من أهم هذه العلوم "الفلسفة الإسلامية" ويعتبر الفارابي مؤسس الفلسفة الإسلامية في القرن الرابع الهجري (وهو قرن الازدهار الفكري والنضج العلمي للمسلمين) وكان أول من وضع من خلال طرحه المنظم فلسفة تعد في كلياتها وتركيبها شيئا جديدا وبديعا.
الفارابي أبو الفلسفة عند المسلمين
لقد تعرف المسلمون قبل الفارابي بمائتي سنة على الفلسفة ومن أهم من تعاطاها الكندي. ولكن الجهود السابقة لم تتجاوز الترجمة والدراسة للفلسفة اليونانية والفارسية والهندية. ويعتبر المؤلف أن فلسفة السياسة بدأت بالفارابي وانتهت به تقريبا، ويعد كتاباه "السياسة المدنية" و "آراء أهل المدينة الفاضلة" اللذان يدور فيهما البحث حول السياسة هما أهم كتبه الفلسفية.
يعتقد الفارابي أن الفضيلة لا تترسخ إلا "برئاسة يمكن معها قيام الأفعال والسنن والملكات والأخلاق في المدن والأمم"، والحكومة تكون لإرادة الشعب. والحكومة محور المجتمع، ولما كان الاجتماع على التعاون والفضيلة ينال بالاختيار والإرادة فكذلك الحكومة، فلا حق لها بالاستبداد في ممارساتها وفرض كل ما تراه على المجتمع برغم أن مسؤوليتها إشاعة الملكات والأخلاق والسلوك الحسن بين أفراد المجتمع "وإن تلك الرئاسة لا تكون إلا بمهنة وملكة يكون عنها أفعال التمكين فيهم وحفظ ما يمكن فيهم عليهم، وتلك المهنة هي الملكية والملك أو ما شاء للإنسان أن يسميها، والسياسة هي فعل هذه المهنة".
وبدأ الفارابي في فلسفته من مبدأ الوجود إلى نظام المعقول إلى الإنسان، ومنه يصل إلى المجتمع الإنساني، ويقسم المجتمع الإنساني إلى مدينة فاضلة ومدن غير فاضلة. وفي المدينة الفاضلة يجتمع الناس للتعاون على الأشياء التي تنال بها السعادة الحقيقية، ويتصف أهلها ورئيسها بالحكمة، وأما المدن الفاضلة فهي ستة أقسام:
المدينة الضرورية التي يجتمع فيها الناس على الحد الأدنى من الحاجات وصفات المدينة، والرئيس فيها من يتحلى بحسن تدبير وجودة احتيال في استعمالهم فيما ينالون به الأشياء الضرورية وحسن تدبير في حفظها عليهم، أو الذي يبذل لهم هذه الأشياء من تلقاء نفسه.
ومدينة النذالة التي يميل فيها الناس إلى جمع الأموال وتراكم القوة إضافة إلى تأمين الحاجات الضرورية، والرئيس فيها من يكون أقدر من غيره على إدارة المجتمع نحو تراكم الثروة.
مدينة الخسة: وهي تضيف إلى سابقتيها تعاون الناس لبلوغ السعادة الحسية والخيالية والتخمة والمتعة ومعاشرة النساء، ويكون فيها رئيسا من يستطيع تحقيق هذه الأهداف للناس.
مدينة الكرامة التي تضيف إلى السابقات اتجاه الناس نحو سعادة داخلية وتهتم بالشأن والقوة، والرئيس في نظرهم من يلبي رغبات أهل المدينة بينما لا تتعدى رغبته الكرامة.
مدينة التغلب (الاستبداد) عندما يزيد حب الجاه والكرامة تتحول مدينة الكرامة إلى مدينة الجبارين فيتعاون الناس ويجتمعون على أن يكون لهم الغلبة، والرئيس في هذه المدينة من كان أكثر قوة وحيلة وأقدر على توفير الأدوات اللازمة والأذكى في تمهيد طرق الاستعباد.
مدينة الجماعة: وفي هذه المدينة يكون الناس أحرارا وهم متساوون ولا فضل لأحد على آخر، والرجل العظيم في نظر أهل هذه المدينة من يمنح الناس الحرية ويحمي المدينة من الأعداء ويمنع الناس من اعتداء بعضهم على بعض.
ديمقراطية الفارابي
والفارابي إنما يتحدث هنا عن الديمقراطية وهو يراها مذمومة وإن كانت أفضل مما سواها، فالرئاسة هنا لا ينالها الإنسان الفاضل والكفء لأنها مدينة قائمة على أهواء الشعب، وقد تشترى فيها الرئاسة بالمال، بينما يريد الإنسان الفاضل أن يقود أهله نحو السعادة التي تبدأ طريقها بلجم الأهواء "وأما الفاضل الذي هو بالحقيقة فاضل وهو الذي إذا رأسهم قدر أفعالهم وسددها نحو السعادة فهم لا يرأسونه".
والمدينة الضرورية هي أول مراحل الاجتماع المدني قد اجتمع فيها الناس من وحي فطرتهم لتأمين حاجاتهم الضرورية وفي هذا المجتمع مازالت الفطرة سليمة، واستعدادها أكبر لنمو الفضائل وملكات الخير لدى الناس، فإذا لم يطلها الانحراف وتوافرت لها الأفكار الفاضلة والمربي الفاضل فمن الممكن ببساطة أن تتبدل إلى مدينة فاضلة.
وأما في المدن التي يحكمها الشعب أو التي يسميها مدينة "اجتماع الحرية" فإنها بسبب الحرية تكون أكثر ملاءمة لنمو الناس الخبيرين والفضلاء، ولذا لا يخلو هذا المجتمع من العظماء والمعلمين الفاضلين، بل إن هذه المدن تكون بسبب حرية الفكر والعمل أسرع في نمو الفضيلة، وتكون أجواء هذا المجتمع أكثر ملاءمة من المجتمعات الأخرى لسيادة الفضيلة في المدينة وتنظيم عمل الناس على أساسها.
والحاكم في رأي الفارابي هو إنسان خاص قد تأهل وصار كفءا بفطرته ومن خلال تربيته الفكرية إلا أن الكفاءة والعظمة لا تكون علة تامة لاستقرار المدينة، وإنما رغبة وتضامن الشعب شرط آخر لازم لظهور المدينة الفاضلة، والفضيلة لا تنسجم مع تغلب الحاكم مهما كان.
ابن خلدون وحكومة المصالح العامة
"
الإمامة عند ابن خلدون ليست منصبا شرعيا وتعيينا من قبل الشارع، وإنما هي من المصالح العامة، وقد أحالها الباري تعالى إلى إرادة الأمة
"
وأما ابن خلدون فهو يرى الحكومة من المصالح العامة وقد فوض أمرها إلى الأمة، والمهم في نظر الشارع أن يكون للمجتمع نظام وحكومة مقتدرة تؤمن مصالحها وتقمع الاضطرابات الداخلية وتصد هجمات العدو الأجنبي، ولا شك أن أحكام الشريعة هي الأساس لدى المسلمين في محتوى النظام وضوابط العلاقات الاجتماعية، وبالتالي فالشكل النهائي لهذا النظام هو الملكية ولا شيء سواها.
فالقبول بالملكية لا ينافي في رأي ابن خلدون التدين، وإنما يعتقد أنه من القضايا المعقولة والطبيعية التي منها الملكية، والإمامة عند ابن خلدون ليست منصبا شرعيا وتعيينا من قبل الشارع، وإنما هي من المصالح العامة، وقد أحالها الباري تعالى إلى إرادة الأمة.
ولما كان ابن خلدون كأسلافه قد عاش في فضاء يسود فيه التغلب ساحة السياسة، والحكم في أذهان المسلمين والمفكرين المسلمين سلطة مطلقة، لذا اعتبر الملكية المستبدة أمرا طبيعيا، وليس لديه تصور واضح عن مسؤولية الحاكم تجاه شعبه، فكيف يمكنه إذن أن يجد حلا بشريا لتحقيق وتنفيذ هذه المسؤولية أو يضع أنظمة للرقابة على السلطة السياسية؟ وبالتالي فإن الملك مسؤول أمام الله وليس أمام الشعب الذي ليس له إلا التسليم للحاكم من غير تردد.

 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة علم السياسة