موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة علم السياسة

كاظم الحائري
الانتخابات وفق التصور الإسلامي وأدلتها



يقول بعض الإسلاميين، بأن الانتخاب الذي يؤمن به وولاية الأكثرية مأخوذة من قبل الله تعالى، ولا نأخذها من ولاية الناس أنفسهم لأنفسهم، أي أن الناس ليسوا أولياء أنفسهم، وإنما الولي الحقيقي هو الله تعالى، والله امرنا بان ننتخب الولي والقائد ونتبع رأي الأغلبيّة في ذلك.
إن مثل هذا الكلام بحاجة الى دليل، وعمدة الأدلّة المذكورة هنا هي:
أولاً: يستدل بأدلة وجوب الوفاء بالعهود والعقود في قوله تعالى: (يَا أيُّها الّذين آمنُوا أوفُوا بِالعقُود)، (أوفُوا بالعَهدِ أنَّ العهدَ كانَ مَسؤولاً)، وفي قوله صلى الله عليه وآله "المؤمنون عند شروطهم".
وحينئذ يقال: بأن الأمة حينما تنتخب ولياً فقد تمّ عقد بينها وبين ذلك الولي، ولو خالفته فقد خالفت قول الله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وسلم في وجوب الوفاء بالعقود.
وهذا الدليل يؤتى به لدفع إشكال يرد على النظرية الغربية للانتخاب حين يتساءل عن المصدر الذي أعطى البشرية الحق في انتخاب الولي عليها، وقد اُجيب هنا على هذا التساؤل لان الله سبحانه وتعالى هو الذي أعطى هذا الحق للبشرية.
إن هذا الدليل يتمسك به أهل التسنّن عادة لعدم إيمانهم (بالنص)، لإثبات أن الرأي بالانتخاب رأي موافق للكتاب والسنّة.
إن هذا الرأي ـ على العموم ـ ترد عليه الإشكالات التي وردت على النظرية الغربية في الانتخاب فهي لم تعين وظيفة غير المشتركين في الانتخاب.
ثانياً: أدلة الشورى من قبيل قوله تعالى: (فَما أُوتيتُمْ مِّن شَيءٍ فَمتاعُ الحَياةِ الدُّنيا ومَا عِندَ اللهِ خَيرٌ وَأبقى للذينَ آمنُوا وَعَلى رَبِّهمْ يَتوكلُون* وَالذِينَ يَجتَنُبونَ كَبائرَ الإثمِ وَالفواحشَ وَإذَا مَا غَضبُوا هُمْ يَغفرُون* وَالذينَ استَجابُوا لِربِّهم وَأقامُوا الصّلاةَ وَأمرُهُم شُورى بَينهُم وَممَّا رَزقناهُمْ يُنفِقُون * وَالذينَ إذَا أصابَهُمْ البغيُ هُمْ يَنتصِرُون).
فقد ورد أن المؤمنين يحققون أمرهم فيما بينهم بالشورى، ويعني بأمرهم حكمهم وتنظيم حياتهم.
أنّ هذا المدّعى تؤيده روايات كثيرة، ولكن الدليل الأهم في المقام هو الآية المذكورة، وإن استنفدنا من مسألة كثرة النصوص (الاستفاضة) التي لا نحتاج معها الى دراسة سند الرواية. وبهذا يتبيّن أن رأي الأكثرية نافذ وله حجية وولاية على المجتمع.
ولكن ما أفهمه من الآية ـ والله أعلم بمراده ـ أنها تشير الى مبدأ الشورى بمعنى آخر لا بمعنى (ولاية الشورى)، فإن لفظة (الشورى) ترد على معنيين:
الاول: الشورى بمعنى (ولاية الشورى)، أي ولاية الأكثرية بمعنى ثبوت حق الطاعة لها ونفوذ أمرها.
الثاني: بمعنى (الاستضاءة والاستفادة) من آراء الآخرين، لا بمعنى أن الأكثرية لها الولاية على المجتمع، بل من دون ولاية.
وعلى وفق هذا الفهم فإن الآخرين يعطون آراءهم لأحد سببين أو لكليهما:
ـ أما للاستنارة بآرائهم والاستفادة منها ولا يشمل هذا السبب مشورة المعصوم لغيره.
ـ أو لإشراك الناس بالرأي مما يجعلهم ينشدون الى ما اُشركوا فيه ويتحركون لتحقيقه بصورة أفضل.
ومن المحتمل، بل لعل الظاهر من هذه الآية المباركة: أنها تشير الى المعنى الثاني لا الى المعنى الاول، والى هذا تشير الآية المباركة: (فَبِما رَحمةٍ مِنَ اللهِ لنتَ لَهُم وَلَو كُنتَ فَظاً غَليظَ القلبِ لانفضُّوا مِنْ حولك فاعفُ عنهُم وَاستَغفرْ لَهُم وَشاوِرهُم فِي الأمرِ فَإذا عَزمتَ فتَوكّل على اللهِ إنَّ اللهَ يُحبُّ المُتوكِّلين).
فهنا لا يصح أن يكون رأي أكثرية الناس حجة على الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان متصلاً بمنبع الوحي وكان يأخذ التعليمات والأوامر من الله تعالى مباشرة، فليست الشورى هنا بمعنى ولاية الشورى بل المراد منها المعنى الثاني السابق.
ثم إن الآية صريحة في الخلاف في قوله تعالى: (فإذا عزمت فتوكّل) فالمعنى ـ والله أعلم بمراده ـ أن الرأي رأيك ـ يا رسول الله صلى الله عليه وسلم والعزم عزمك لا عزم الناس في نهاية المطاف. وستكون فائدة الشورى هنا، إشراك الناس في الأمر ينشدّوا إليه ويتحركوا الى تحقيقه وبصورة أفضل.
أما المعنى الأول، فإن صح احتماله، فقد يصح في الآية الاولى (وأمرهم شورى بينهم).
ومع ذلك فإنه لو صح احتماله فيها، فإنه يعارض بعدة اُمور أقتصر على ذكر أمرين منها:
أولاً: إن هذا المعنى لا يناسب عصر صدور الآية المباركة فإنه من الواضح أن لو كان رأي الأكثرية هو النافذ وآمنا بولاية الشورى فإنما يكون هذا في عصر غياب المعصوم عليه السلام، وعلى الأقل بعد غياب الرسول صلى الله عليه وسلم، لا في زمنه.
ففي زمن الرسول لا يمكن أن يكون رأي الأكثرية هو النافذ ولهم الولاية، لتعيّن الولاية وتجسدها في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم. كما دل عليه قوله سبحانه وتعالى: (النبيُّ أولى بِالمُؤمنينَ مِنْ أنفُسِهم)، وقوله تعالى: (مَا كانَ لمُؤمنٍ وَلا مُؤمنَةٍ إذَا قَضى اللهُ وَرَسولهُ أمراً أنْ يَكون لَهُم الخيرَةَ مِنْ أمرِهم).
والآية يفترض بها أن تنطبق على عصر صدورها كما تنطبق على العصور الأخرى، وبهذا يتبين عدم إرادتها لذلك المعنى للشورى وأنها تعني (ولاية الأكثرية).
ثانياً: والأمر الآخر الذي يعارض حمل الآية على معنى (ولاية الشورى) هو أنه كان المراد منها (ولاية الشورى) لكان على المعصومين عليهم السلام أن يشرحوا ويبينوا أسس ومبادئ ذلك، لأن الشورى لا يمكن أن تكون بلا أسس وضوابط، وغاية ما ورد في الكتاب والسنة هو كلمة (الشورى) وهذا الإجمال يتناسب مع إرادة المعنى الثاني.
وهناك احتمال يختصّ بزمن ما بعد حكم الإمام الحجة (عج)، يورده من يؤمن بفكرة (المهديين) ومفاده أن الأمة أنذاك تعين الولي بالانتخاب بعد أن يبين لهم الإمام شروط الانتخاب ومبادئه، ويقابله احتمال آخر يورده من يؤمن برجعة الأئمة عليهم السلام وهو أن الأئمة سوف يحكمون العالم واحداً بعد الآخر، وبالإمكان الجمع بين الاحتمالين إذ لا تعارض بينهما فلعله في فترة من الزمن بحكم الأئمة عليهم السلام وفي فترة أخرى يحكم المهديون.
ومع هذا فإن هذه الولاية للشورى لا تكون في زمن ما بعد الحجة (عج) على احتمال فكرة (المهديين) إلا بعد أن يعطي الإمام أسس الانتخاب ونظمه. وهل الأساس في الترجيح هو الأخذ برأي الأكثرية أما الأساس هو الأخذ برأي أهل الحل والعقد؟
إن مثل الجواب لمثل هذا التساؤل لا يوجد بين أيدينا اليوم، وإن أجاب عليه بعض علماء أهل التسنن بقولهم، إن الشريعة الإسلامية إنما لم تبين ذلك، لكي يبقى مبدأ الشورى مبدأ مرنا يطبق في كل زمان وعلى وفق مصلحة ذلك الزمان والمكان.
إلا أن هذا الجواب ـ برأينا ـ لا يتم، لأننا نرى أن هناك فرقاً بين الإهمال والمرونة.
إن فكرة المرونة صحيحة بحد ذاتها، وأن الإسلام مشتمل على مبادئ مرنة ـ وهذه فضيلة له ـ ولكن المرونة لا تعني الإجمال والإهمال، بل تعني الأمر المحدد بكامل الدقة إلا أنه أمر مرن عند التطبيق.
ومثال ذلك قاعدة (لا حرج) ومفهوم (الغنى والفقر) فالأمر يكون محرجاً في زمن دون زمن ولشخص دون آخر، وقد يكون مستوى معين من المعيشة يعد فقراً في زمن دون زمن ولشخص دون آخر.. وهكذا...
ومع هذا فمفهوم (الحرج) و(الغنى) و(الفقر) أمور محددة وبدقة، وغاية الأمر، أن مصاديق وموارد انطباقها مرنة ومتغيرة.
أما مبدأ الشورى فليس هو كذلك، إذ لم يكن أمر (تجميع الآراء) أمراً واضحاً وقد اختلف في تطبيقه من زمن لآخر.
وعلى سبيل المثال، فإن السؤال القائل بأن المقياس في الشورى، هل هو الأخذ برأي أكثرية الناس أم هو الأخذ برأي أهل الحل والعقد، سؤال لا زالت الإجابة غير محددة بشأنه، ولذلك بقي مفهوم الشورى يكتنفه الكثير من الغموض وعدم الوضوح.
وأما روايات الشورى التي قد تكون بالغة حد الاستفاضة فهي واضحة كل الوضوح في المعنى الثاني من معنيي الشورى وهي الاستضاءة بأفكار الآخرين وآرائهم دون ولاية الشورى.
ثالثاً: ما ذكره البعض من مسألة التمسك بحكم العقل حيث يقال: بأننا نرى أن العقلاء يرون وحسب طبعهم وفطرتهم أن أفضل الحكومات هي الحكومات المنتخبة. حينما تكون على الأمة إدارة المجتمع، فإن خير منهج تنتهجه لتحقيق ذلك هو العمل بالانتخاب. ويرى العقلاء أن حكم الانتخاب يسري حتى على المخالف لان المنتخب إنما انتخب بالأكثرية، فالارتكاز العقلائي يرى أن الجميع محكومون بهذا الحكم.
ويقال إن هذا الحكم وهذا الفهم عينه كان ثابتاً في زمن المعصومين عليهم السلام غاية ما في الأمر أننا ندعي أنه مع ورود النص يتقدم النص على الانتخاب. وأما في غياب النص، فإن الدور يصل الى الأخذ بمبدأ الشورى والانتخاب (والذي هو مبدأ عقلي ارتكازي) في تعيين ولي الأمر.
ولكن هذا الدليل على دور الانتخاب في تعيين ولي الأمر يكتنفه نحو غموض في تعيين قصد القائل من أن العقل يرى أن الانتخاب ورأي الأكثرية حجة وأن حكمه نافذ على الكل.
فهل يقصد القائل بذلك حكم العقل، أو يقصد العادة والارتكاز والسيرة التي جرى عليها العقلاء؟
فإن قصد الاول، فمن الواضح أنه ليس كذلك، لأن العقل لا يأبى عن تعيين ولي الأمر بطريق غير الانتخاب ولو كان حكماً عقلياً لامتنع ذلك. فمن الممكن أن يقال مثلاً: بأن الشريعة كما لم تهمل إدارة مصالح الأمة في الاُمور الحسبية وأوكلتها الى الفقهاء وإلا فعدول المؤمنين وإلا فغيرهم، كذلك يفترض اعتماداً على نفس أدلة الحسبية أن على القدر المتيقن من الأمة وهم الفقهاء، القيام بعبء الولاية لأنهم الأعلم بمسائل الشريعة ولو أصبح المجتمع ولا فقيه فيه فأي إنسان عاقل لو نهض بالأمر فمن حقه أن يقود الأمة حتى ولو لم ينتخب. وهذا الأمر بحكم العقل أمر ممكن ولا تناقض فيه.
وإن قصد الثاني أعني (الارتكاز العقلائي) لأن تباني العقلاء قام على أن الولاية تتم لمن ينتخب انتخاباً، كفطرة وعادة وسيرة سار عليها العقلاء وليس حكماً عقلياً بذلك المعنى الذي يمتنع خلافه.ويقال حينئذٍ، أن هذا الأمر ما دام مرتكزاً عقلائياً، فإننا وكعقلاء نسير عليه ما لم يرد نص على خلاف ذلك.
ومع ذلك لابد من إثبات موافقة الشريعة الإسلامية على ذلك لأنه كان مرتكزاً عقلائياً لا حكماً عقلياً. وفي مثل هذا المقام، يقال عادة، بأن السجية والعادة تعتبر ممضاة شرعاً إذا لم يرد من المعصوم ما يدل على بطلانها.
ومثال ذلك (حجية الظهور)، فإن ظاهر اللفظ حجة عند العقلاء، أو (حجية إقرار المدعي)، وهذه القاعدة العقلائية مقبولة لدى الأئمة، لأن الأئمة لم يرفضوها، فهل الانتخاب أمر عقلائي مقبول لدى عليهم السلام؟ وهل كان ثابتاً في زمنهم عليهم السلام وهل قبلوا عليهم به؟
نحن لا نستطيع إثبات ذلك، ما دام الأئمة عليهم السلام كانوا يؤمنون ويقولون بالنص لأنفسهم عليهم السلام، ولولا ذلك لقلنا بقبولهم بهذه السيرة لو ثبت تحققها آنذاك، ولاستفدنا من سكوتهم عليهم السلام عنها، الرخصة فيها. لكننا ـ كشيعة ـ نؤمن بأن الإمامة والولاية آنذاك لم تكن مستمدة عن طريق الانتخاب بل عن طريق النص. فكيف نستطيع إثبات أن سكوتهم عن ذلك كان رخصة للعمل بالانتخاب، مع أن سكوتاً من هذا القبيل لو تم فإنما هو إمضاء تعليقي وتقديري، أي أن الشريعة توافق على ذلك على تقدير عدم وجود النص.
إن الموافقة التقديرية لا يمكن إثباتها بالسكوت وإنما يمكن إثبات الموافقة العملية الفعلية به. ولا يثبت حينئذٍ وبهذا المقدار من البيان، المدعى المطلوب.
رابعاً: ومن جملة أدلة صحة الانتخاب ومشروعيته، الروايات التي منعت عن التخلف عن (جماعة المسلمين).
فلو أن احداً انتخب من قبل جماعة المسلمين لأصبح مصب رأي الجماعة وحرمت مخالفته، ولشملت روايات منع مخالفة جماعة المسلمين من يخالفه.
فعن الصادق عليه السلام: "من خلع جماعة المسلمين قدر شبر ربق الإسلام من عنقه...".
وعنه عليه السلام: "من فارق جماعة المسلمين ونكث صفقة الإمام جاء الى الله ـ عز وجل ـ أجذم".
إن هذه الروايات وأمثالها تدل على مشروعية الانتخاب وحجيته، لنهي الروايات عن مخالفة الجماعة، ولأن ما يعبر عن رأي الجماعة هو الانتخاب. فلو انتخبوا أحداً لما حلت مخالفتهم.
إن هذا الوجه كالوجه السابق، لأنه يستند الى قاعدة تقديرية، فيقول لو انعدم النص فإن الأمر يصل الى الجماعة، والانتخاب حق مع عدم وجود النص. وهذا المعنى لا يفهم من هذه الروايات، بل تدل هذه الروايات على ما يقوله أهل التسنن بشأن الانتخاب، إذ يقولون بأنه يجب أخذ رأي الجماعة (الانتخاب) ولا يؤمنون بالنص.
إن هذه الروايات كانت ناظرة إلى الواقع الخارجي آنذاك، وداعية الى طاعة الحاكم الاموي والعباسي وليست ناظرة الى واقع مقدر، بمعنى أنه مع عدم وجود النص يجب العمل بالانتخاب. إذن فهذه الروايات إما موضوعة أو مؤولة أو محمولة على التقية.
وقد وردت روايات أخرى بينت أن المقصود بالجماعة هم جماعة الحق وإن قلوا، فيكون من أمرنا بعدم مخالفتهم ـ على فرض عدم حمل الروايات على التقية أو الأمر بالتقية ـ هم أهل الحق وإن كانوا قليلين، وليس أكثرية الناس ليدل ذلك على حجية الانتخاب.
فعن موسى بن جعفر عليه السلام قال: قال صلى الله عليه وسلم "ومن فارق جماعة المسلمين فقد خلع ربقة الإسلام عن عنقه، قيل: يا رسول الله وما جماعة المسلمين؟ قال صلى الله عليه وسلم: جماعة أهل الحق وإن قلوا".
وفي مرفوعة ابن حميد قال: جاء رجل الى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: اخبرني عن السنة والبدعة، وعن الجماعة وعن الفرقة، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: "السنّة ما سنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، والبدعة ما اُحدِث من بعده، والجماعة أهل الحق وإن كانوا قليلاً، والفرقة أهل الباطل وإن كانوا كثيراً".
إن التحقيق في الروايات التي دعت الى عدم مخالفة الجماعة يستدعي حملها على أحد أمور هي:
ـ إما أنها روايات مجعولة.
ـ وإما أنها روايات صادرة عن تقية.
ـ أو أنها من روايات الأمر بالتقية بحيث توجب عدم التظاهر بمخالفتهم.
ـ أو أنها روايات مؤولة بروايات غيرها كما اتضح.
وعلى كل حال فإن هذه الروايات لا يمكن جعلها دليلاً على ما يقال بشأن الانتخاب من أنه في طول النص، إذ أنها لا تثبت مقولة (لولا النص لوجب الانتخاب) لأنها تقول عملاً (اتبعوا الجماعة). وهذا أمر حي وواقعي فعلي خارجي بأمر متحقق آنذاك.
خامساً: آيات الاستخلاف الواردة في قوله تعالى: (هُوَ الّذي جَعلكُم خَلائفَ فِي الأرضِ).
فبناء على التفسير القائل بأن البشرية كلها لا خصوص آدم عليه السلام هي خليفة الله على وجه الأرض، يكون لزاماً على البشرية الاشتراك في إدارة الأرض ولا يتعقل ذلك إلا عن طريق الانتخاب فتساق الآيات حينئذٍ مساق أدلة ثبوت الانتخاب.
وفي قوله تعالى: (أنّا عَرضنَا الأمانَةَ على السّمواتِ وَالأرضِ وَالجبالِ فَأبينَ أنْ يَحْملْنَها وَاشفَقنَ مِنها وَحَملَها الإنسانُ إنَّه كانَ ظَلوماً جهولاً).
وبناء على تفسير الأمانة بالولاية والإمامة، يكون الإنسان أمام مسؤولية تحمل الولاية والإمارة وتحقيقها عن طريق الانتخاب.
نعم، ما دامت الولاية ثابتة بالنص لا يصل الدور إلى الانتخاب. وحينما لا يكون (النص) يصل الدور الى (الانتخاب).
والجواب: أن الذي دعي في القرآن لحمل الأمانة، والذي جعل خليفة، هو النوع الإنساني ككل لا كل فرد فرد، وإلا لكان كل واحد منا إماماً، وبديهي أن هذا ليس مقصوداً من الآيات المباركات.
إن البشرية كلها خليفة لله على وجه الأرض، وكلهم يعملون بما يريده الله لأنه استخلفهم كي ينفذوا إرادته على وجه الأرض، فكل يعمل بالجزء الذي هو وظيفته فأحدهم هو الأمير والآخر هو الجندي والثالث هو العامل وهكذا، وهذا هو معنى تطبيق خلافة الله على الأرض.
ومن الواضح أن من أبرز مهام الخلافة في الأرض هي الإمرة والولاية والخلافة، فالبشرية كبشرية تحقق على وجه الأرض الإمرة والولاية. ولكن كيف تحقق ذلك؟ هل عن طيق الانتخاب؟ أو عن طريق النص؟ أو عن طريق تنصيب من توفرت فيه شروط منصوص عليها ومحددة سلفاً؟ كل هذه بحوث خارجة عن نطاق الآية المباركة، لأن الآية المباركة وإن كانت قد اعطت الخلافة للبشرية كلها ولكنها لم تقل كيف تترجم عملياً هذه الخلافة.
نعم لو فسرنا الخلافة ـ في الآية المباركة ـ بأن المقصود بها حق الإدلاء بالرأي والإسهام في الإمرة حينئذٍ يتم ما قيل من أن الآية تدل على أن الولاية تتم بالانتخاب.
ولكن هذا مجرد احتمال وليس هو الاحتمال المشخص الحتمي بل أن الاحتمال الآخر المعروض هو الاحتمال الأرجح.
المصدر:المرجعية والقيادة
 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة علم السياسة