موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة علم السياسة

باتر محمد علي وردم
أين النموذج الإسلامي في صراع الحضارات؟

 

سكت العالم العربي، بدوله وحكوماته وفقهاءه ووسائل إعلامه علي تنامي ظاهرة التطرف الديني والأصولية الفكرية والمغالاة في الانغلاق وكراهية الآخر المختلف في العرق والدين، والتكفير والتخوين في الساحات الثقافية والسياسية. وتردد العرب والمسلمون كثيرا في مواجهة هذه الظاهرة والتي كانت واجبا دينيا وحضاريا وحاولوا بسذاجة عدم التماس مع الكثير من المحرمات الدينية والاجتماعية، فإذا بحادثة 11 أيلول (سبتمبر) تقع ويصبح العالم كله يطالبنا الآن بضرورة القضاء علي منابع التطرف بعد أن تم اختراع إسم كريه لهذه الظاهرة مربوطة بالعنف وهو الإرهاب وأصبحت مشاهد الطائرات المدنية التي تصطدم ببرجي مركز التجارة مرادفا للإسلام في نظر الكثيرين في الغرب والشرق سيان.
لا شك أنها سقطة حضارية وثقافية كبري للعالم الإسلامي وقد ساهم السكوت العربي عليها بشكل كبير في استفحالها. معظم الدول العربية والإسلامية لم تواجه التطرف الديني إلا من خلال ردود فعل أمنية وعسكرية تمثلت في قتل وسجن الإسلاميين ولكن لم يتم التعامل بشكل منطقي ومبرمج مع ضرورة مواجهة المنابع الفكرية والاقتصادية لهذا التطرف، بل أن كثيرا من الدول الإسلامية والمؤسسات الاجتماعية والسياسية فيها كانت تدعم انتشار الشباب المسلم المتشبع بالأفكار المتطرفة إلي الغرب حيث كانوا يعيشون في مواجهة حضارية صعبة مع الواقع السياسي الديمقراطي والاجتماعي العلماني. وكان من قبيل السخرية أن نجد مسلمين يعتاشون علي معونات من الحكومات الأوروبية يفكرون في تنظيم خلايا للثورة علي هذه الحكومات الكافرة وإحلال النظام الإسلامي مكانها. ولم يكن الغرب معنيا كثيرا هو الآخر بملاحقة هذه الجماعات طالما لا تمارس عنفا منظما ضد مصالحه الرئيسية وكان النظام الديمقراطي الغربي قابلا علي استيعاب هذه التجمعات والعديد غيرها من أصحاب الافكار المتطرفة النازية والعنصرية واليهودية وغيرها، إلي ان جاء 11 أيلول (سبتمبر) وتغير كل شيء.
المشكلة الكبري الآن ان أية مراجعة عربية وإسلامية للأسباب الذاتية التي أطلقت هذه الموجه من العنف والكراهية بإسم الإسلام سيتم التعامل معها وكأنها استجابة للضغوطات الغربية مع أنها ضرورة حضارية ودينية لا غني عنها، فالانحياز الأمريكي لإسرائيل ودور الصهيونية و الحقد الغربي ــ مهما كان تعريفه ــ لا يبرر التقاعس العربي عن تجفيف منابع التطرف الديني وتقديم نموذج حضاري قابل للانتشار السلمي في العالم واقناع الناس بقوة الفكر لا حد السلاح، وكان يجب أن تتم هذه المهمة عبر سنوات طويلة فائتة.
النقد الذاتي الضروري للثقافة الإسلامية السائدة حاليا لا يمكن أن يوصم بأنه استجابة للضغوط الغربية بل يقطع الطريق عليها ويترك لنا نحن كمسلمين هذه المهمة، فقد أثبتت التجارب الطويلة في هذه المنطقة أنه لا يمكن أن نستمر في خداع أنفسنا وربط كل مشاكلنا بالصهيونية وإسرائيل وانحياز الغرب، فغياب الديمقراطية والحريات والتنمية السياسية والاقتصادية وحقوق الإنسان وتغييب دور العلم والعقل والتسامح والأمن الاجتماعي ليس صنيعة إسرائيل بل صنيعة التقاعس والارتكان لأفكار وأجوبة معدة سلفا غير قادرة علي التعامل مع العصر الحديث.
الحل الوحيد للأزمة الحضارية في العالم العربي هو الديمقراطية، والطريق الأقصر والأوضح نحو الديمقراطية في العالم العربي ليس العلمانية علي الطريقة الغربية بل الإسلام، ولكن أيضا ليس الإسلام علي طريقة بن لادن وأبو حمزة المصري وافكار أبن تيمية وسيد قطب، بل الإسلام الذي يكون الطاقة الأخلاقية والحضارية التي ترفع من تقدير الإنسان لذاته ودوره في الحياة بما يتناسب مع معطيات العصر.
إن فشل العلمانية في العالم العربي مرده أنها طبقت نماذج مشوهة وخاصة في العراق وسوريا وتونس وترافقت مع غياب كامل للتعبير الديمقراطي فأصبحت بمثابة تكميم جديد للأفواه وتحولت إلي مشجب للسقوط السياسي والأخلاقي الذي عم العالم العربي بعيد هزيمة 1967، كما أن التدين الفطري للمسلمين يجعل العلمانية في مهمة صعبة للترسخ في التربة العربية بالرغم من أنها أثبتت في الغرب نجاحا هائلا في الانتقال نحو الحداثة وهي النموذج الفكري الأرقي الذي ابتدعه الإنسان حتي الآن.
هناك اهتمام كبير في الغرب حول الإسلام بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، ومع أن هناك العديد من الإساءات للمسلمين مدفوعة بجهل وتحريض وسائل الإعلام ولكن هناك ايضا رغبة حقيقية في الفهم، والغرب ليس فوكوياما وهنتنجتون فقط بل هناك الآلاف من المفكرين والكتاب المنصفين والذين يفهمون الإسلام بشكل حقيقي ولا يحظون بفرص الظهور في وسائل الإعلام الغربية أو حتي العربية. ولكن المشكلة أن النماذج الإسلامية الموجودة حاليا في دولنا لا تقدم صورة ايجابية عن الإسلام، فهي إما تمثل التطرف المعادي لكل من يخالف منهجه، أو فقهاء السلاطين الذين يبررون أخطاء السلطة والآن بدأت تظهر أيضا مجموعة فقهاء الأمريكيين الذين يبررون الحملة الأمريكية الحالية.
إذا أردنا أن ندخل صراع الحضارات بنموذج أبن لادن والقاعدة والجماعة الإسلامية وأبو سياف أو نموذج فقهاء السلاطين فمعركتنا خاسرة تماما، ولهذا فإن مراجعة الثقافة الإسلامية ومحاصرة التطرف واجب علينا جميعا في حق ديننا بدون أن يملي علينا أعدؤنا مطالبهم وآرائهم، وأن يتحرك مفكرو الحضارة الإسلامية الحقيقية لتوضيح صورة الإسلام الحضارية التي يمكن ان تستوعب الجميع لا تعادي الجميع.
------------------------------------
* المصدر: المصدر:الزمان3/3/2003

 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة علم السياسة