إن هذا المشروع يهدف إلى مشاركة المواطن العادي في الدفاع عن نفسه وعن مجتمعه، نفس الإنسان العادي، هو يختار لنفسه، نلاحظ أنه منذ تأسيس الدولة الحديثة في العالم العربي فإن الأنظمة من جهة والنخب من جهة أخرى، أخذت على عاتقها قيادة المجتمعات والبت في قضاياها، وساهم ذلك في سلب كل دور للمواطن العادي أو همّشه تهميشاً كبيراً، كان موقفه دائما موقف المتلقي والمنفعل، تعوّد طيلة السنين الماضية على تلقي الأوامر إما من الأنظمة أو النخب التي تشكلت في صيغ أحزاب وجمعيات ونقابات، إن الأمة لم تقاوم الإستعمار القديم، الأنظمة اختارت صيغ مقاومة الإستعمار القديم وانتهت في الصيغ التي نعرفها، في مصر معاهدة 1932 في العراق معاهدة 1935، الى آخره... انتهت في هذه الصيغ، وانتهت الى الإستعمار الجديد طيلة فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية الى الآن.
لقد قاومنا المشروع الصهيوني من حين ظهوره وليس من حين تأسيسه لأنه تأسس دون أن نعلم، من حين ظهوره في الثلاثينات الى الآن، قاومته الأنظمة والنخب، ولكن الشعوب والأمة لم تشارك، كانت تُؤمر وتُنهى، تُؤمر فتطيع وتنهى فتمتثل، وسارت العملية طيلة نصف القرن الماضي بالشكل الذي آل الى ما نحن فيه.
أنا اذكر معياراً تعرفونه جميعاً وأنا من جيل فتح عينيه مثلكم على هذه القضية، بدأنا من تحرير كل فلسطين الى رفض مشروع التقسيم، الى شعار العودة، إلى... الان الى غزة - أريحا. هذا يلخص وضع الأمة كلها ويلخص المشكلة كلها، هذه عملية تجريبية، تضع مادة في بوتقة وتجري عليها تجارب تنتهي هذه النهاية، حصيلة تجربتنا الكيماوية هي هذه، القوميون وراء كل هزيمة يتهموننا بالتخلف تارة يتهمونا بالظلامية والرجعية والغيبية، تارة أخرى الأمة لم تشارك، أقول للإسلاميين وللقوميين، لا الإسلاميون مكنوا الأمة من أن تشارك، أنزلوا عليها سلطان الفتاوى، ولا القوميون مكَّنوا الأمة من أن تشارك، أنزلوا عليها سلطان نظريات ماركس وغير ماركس، من الذين تأثروا بعقل نيتشه وحمّلونا القومية الأوروبية بصيغتها الغربية، الى الصيغ الأخرى، الأمة لم تشارك، الإنسان العادي لم يشارك، كان مستسلماً لقضاء وقدر ومتَّهَماً بالغيبية، صار مستسلماً لقضاء وقدر ويتمثل إما بقصر جمهوري أو بقصر ملكي أو مقر حكومة... في علم المنطق توجد قاعدة أنَّ كل مركب تتبع نتائجه أحط عناصره، الصيغة المألوفة في تعبيرنا الكلاسيكي أن النتيجة تتبع أخس المقدمات أو أخص المقدمات، من الخسة والخصوصية، نحن في عملية منطقية، النتيجة:- عزة - أريحا.
إن الصيغة التي قِيدت بها عملية الأمة طيلة الخمسين سنة الماضية أنتجت هذه النتيجة. لقد أعطيت المهمة الدفاعية طيلة الفترة الماضية للجيوش: الجيوش تدافع عن الأمة والشعب؛ أما مقولة أن الشعب يدافع عن نفسه، فهذه المقولة لم نستلهمها، كذلك أعطيت المهمة الحضارية لهذه المؤسسات، حكوماتٍ ومجالسَ تشريعية، برلمانات، ولم يترك للإنسان العادي أي دور على الإطلاق.
هذه الأطروحة (مقاومة التطبيع) تقوم على فكرة اشتراك الإنسان العادي في صنع مصيره الشخصي ومصيره العام، ولا تفرض عليه صيغاً لم يشارك في صنعها، ومن هنا فان القوانين المتعلقة بالتطبيع - والمسألة حساسة - لا يجوز أن تتم في إطار قرارات حكومية فقط أو في إطار مجالس نيابية فقط، تعودنا أن نصنع صيغ حياتنا داخل مجلس الوزراء، وفي حالات العافية تصنع داخل البرلمانات، إني أرفض أن تصنع قضية التطبيع داخل مجلس الوزراء أو داخل البرلمانات، يجب إخضاع أي قرار لمصلحة التطبيع لمبدأ الإستفتاء العام، الإنسان العادي يجب أن يشارك، أي قرار يمكن أن يكون ملائماً للتطبيع من استيراد أي سلعة أو المشاركة في أي نشاط يجب أن يجري عليه استفتاء عام.
ليست هناك صيغ صلح وسلام مع الصهاينة، هناك ضرورات أنظمة كما يخضع الإنسان للمرض، يخضع للضرورات أما في الخيارات فلا خيار إلا هذا، لايجوز أن نتخذ أية إجراءات في إطار قرارات حكومية أو مجالس نيابية، بل يجب إخضاع أي قرار لمصلحة التطبيع لمبدأ الإستفتاء العام، وأمامنا نموذج يحسن أن نحتذيه وهو معاهدة الوحدة الأوروبية أي معاهدة ماستريخت وهي أيضاً صيغة تطبيع علاقات بين دول صديقة متحالفة سواء في حلف الناتو أو غيره، ومع ذلك فان أية حكومة من الحكومات الأوروبية وأي برلمان وطني لم تجز لنفسها ولم يجز لنفسه فرض مشروع معاهدة ماستريخت على شعوبهم من دون الرجوع مباشرة إلى تلك الشعوب ونحن أمام حالة نخشى أن تفرض على الأمة من فوق مع كيان عدو، إسمى عداوته عداوة مكعبة، إي من جميع الأبعاد...
----------------------------------------
المصدر : التطبيع بين ضروات الانظمة وخيارات الأمة