موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة علم السياسة

نعام احمد قدوح
أسباب ظهور العلمانية في العالم الاسلامي

 

لعل من نافلة القول أن نقول: أن التخطيط المنهجي للدفع بالعالم الإسلامي للوقوع في فلك النظام العلماني، كان مسوغاً بحيثيات فكرية ومنطقية، وبدافع التطلع إلى ما عُرِفَ بالنهضة الغربية، والإلتفات إلى زخرفها الحضاري، وما كان هذا التطلع إلا مجرد شهوة تستحوذ على أفكار ونفوس أفراد من الناس تبعاً لظروف عاشوا في ظلها، ثم كان يعوزهم الحجة الدامغة والمسوّغ الفكري اللذان من شأنهما أن يبعثا الجرأة الكافية التي تساهم في تحقيق ما يصبون إليه.
وقد ساعد على هذا التخطيط عدة عوامل وأسباب نوجزها بالتالي:
أولاً: إنحراف المسلمين العقدي:
الذي يقابل تحريف النصرانية في أوروبا. "لا سيما فيما يتعلق بالتوحيد والعقيدة فانحصرت (دعوة) الإسلام في مجال الشعائر والعقيدة وذلك بتأثير الأفكار الصوفية المتأثرة بالفكر الماورائي اليوناني.
وجدت الدول الغربية في هذا الضعف الفكري والعقدي ضالتها في أوساط العالم الإسلامي؛ "فراحت تبث كيدها وتهمس به في آذان العرب وبأسلوب من النصح والغيرة على مصلحتهم، وذلك في منطقة كانت لا تزال أم العالم الإسلامي" وهي مصر".
وقد تلخص هذا النصح في أن الغرب لم يتحرر من أغلال الجهل والتخلف إلا يوم أخضع الدين لمقاييس العلم. "فإذا كان المسلمون حريصين على مثل هذا التحرر؛ فلا مناص لهم من أن يسلكوا الطريق ذاته؛ فيفهموا الإسلام هنا، كما فهم الغربيون النصرانية وهذا الأمر لا يتحقق إلا متى تخلص الفكر الإسلامي من سطوة المعممين.
ثانياً: الدور اليهودي والفلسفات المادية:
لعبت الفلسفات المادية في الغرب الأوروبي دوراً بارزاً وخطيراً في بلورة الفكر العلماني، فبرز عدد من الفلاسفة الذين ربطوا أمور الحياة بالظواهر المادية وسوغوا لها بحيثيات طبيعية، دون أن ترتبط برباط ديني.
ولا يخفى أن مجموعة هذه النخبة من الفلاسفة، لا سيما (ديكارت وكانت وفرويد وغيرهم... كانوا من تلامذة الماسونية اليهودية التي قامت على أنقاض الدين المسيحي، فلقد كانت اليهودية رائدة علم الطبيعيات الذي وضع أصوله (دارون) على أساس زعمه أن الإنسان أصله قرد؛ ولا يخفى أن الغاية من وراء هذا الزعم هي "تكذيب القرآن في بيان هذه العلة وهي أن الله مسخ عصاة اليهود في عهد نبيه موسى(ع) وجعلهم قردة خاسئين".
كذلك كان اليهود وراء عالم النفس (فرويد) ليجعلوا الإنسان عبد للشهوات والجنس.
وكانوا وراء (كارل ماركس) في فلسفته المادية وإنكار الله خالق العالمين، وفي الدعوة إلى الشيوعية والجنس والمال.
فنتج عن كل ذلك وجود أفراد وجماعات وتيارات فكرية تعمل داخل المجتمعات الإسلامية، بما يخدم أعدائها، سواء أدرك الداعي لهذه التيارات أو جهل، ويسخر لهذه بعض القيادات والعلماء، وهذه التيارات ترتبط بالعلمانية حيث تتنكر للإسلام أو تحاول تطويره وتطويعه للفكر العلماني عن طريق الفصل بين شريعة الله وتصرفات عباده.
ثالثاً: إثارة النعرات القومية:
في 28 حزيران عام 1880م شعر وكيل القنصل العام الإنكليزي في بيروت (جون ديكسون) أن من واجبه أن يطلع السفير الإنكليزي في الاستانة على أمر خطير وهو أن "مناشير ثورية قد ظهرت على جدران مدينة بيروت تناشد الأهلين بأن يثوروا على الأتراك".
فكانت هذه الرسالة أول إعلان عن قيام الحركة القومية العربية في مواجهة الدولة العثمانية، عندما حاول السلطان (عبد الحميد) الثاني (1876 1909م) استمالة العرب إليه عن طريق اعتباره حامي الجامعة الإسلامية الشاملة وزعيمها الأول الأمر الذي أدى إلى دفع المسيحيين في أنحاء العالم العربي للبحث عن وعي جديد، فظهرت أول محاولة منظمة لبعث الحركة القومية العربية على يد خمسة من المسيحيين، وأكثرهم ممن درس في الكلية الإنجيلية السورية (الجامعة الأمريكية حالياً) يدفعهم في ذلك تأثر بالمد الغربي والتغريبي، إضافة إلى رغبة ملحة في بعث القومية العربية لأنها القاسم المشترك بين المسيحيين العرب والمسلمين العرب.
في مقابل ذلك ظهرت تيارات قومية طورانية تركية داخل كيان الدولة العثمانية في الآستانة، بشكل جمعيات تدعو إلى القومية التركية، وكان من أبرز هذه الجمعيات "جمعية الإتحاد والترقي والتي كانت تهدف إلى القضاء على الخلافة الإسلامية، ورفعت شعار: مساواة آخاء".
هكذا انتشرت القومية في الوطن الإسلامي، ما بين قومية طورانية في تركيا وعربية في مصر وسوريا ولبنان والقومية الكردية في العراق.
فبعد أن وحد الإسلام العرب وغير العرب دينياً وسياسياً في ظل شعار "الناس سواسية كأسنان المشط" "لا فرق لعربي على أعجمي إلا بالتقوى" وبعد أن قدم الإسلام للمسلمين الإطار الفكري والتشريعي والعقدي لإنصهار المسلمين في بوتقة وحداوية فيما يفكرون ويشرعون ويعتقدون، وبعد هذا عادت من جديد بذور العصبية الشعوبية تنتشر هنا وهناك لتينع ثمارها ويقطف أعداء المسلمين هذه الثمار التي تخرج المسلمين عن دينهم وهم لا يشعرون.
عبر هذه المحاور الثلاث: ضعف عقدي، أوهنة التغلغل الفلسفي والمادي في الفكر الإسلامي، يساعده في ذلك نعرات قومية انتشرت على خارطة العالم الإسلامي. عبر هذه القنوات الثلاث، دخلت العلمانية إلى العالم الإسلامي باعتبارها خشبة الخلاص من تخلف إجتماعي أمعن في جسد الأمة ضعفاً ووهناً، وتخلف فكري، ولده غزو ثقافي وسياسي؛ وتخلف اقتصادي ولدته عدم وجود تقنين وخبرات علمية تستثمر خيرات وهبها الله للمسلمين ونشرها في مناكب الأرض، لتكون دعامة قوة لهم أنى وجدوا، وحيثما كانوا.
-----------------------------
المصدر: العلمانية في الاسلام

 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة علم السياسة