موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة علم السياسة

السيد عمر
صيغة التكافل بين الراعي والرعية والدولة والمجتمع


تقوم الصيغة التي تبنتها الصفوة، في هذا الصدد، على مجموعة من الآليات المستندة إلى لفيف من الضوابط الرامية إلى تحقيق توافق ملتزم بالشريعة الإسلامية، من أبرز ركائزه:
أولاً: أسس الرابطة السياسية بين الراعي والرعية وترتيبات التوافق: أدرك الصحابة أن المكنة السياسية، تتوقف على أمور مترابطة.
وقال عمر إنه لا يصلح للوالي أمر ولا نهي، إلا إذا تحلى بقوة على جمع المال من أبواب حله، ووضعه في حقه، وبشدة لا جبروت فيها، ولين لا وهن فيه، وعلم أنه لا أحد فوق أن يُؤَمرْ بتقوى الله، ولا أحد دون أن يَأْمُرْ بتقوى الله.
ومن أبرز المبادئ التي أرستها الصفوة في هذا الصدد:
1- مبدأ عدم مؤاخذة الناس إلا بظاهر سلوكهم:
أكدت الصفوة على أنه ليس لأحد أن يؤاخذ أحداً إلا بظاهر سلوكه. فلقد قال عمر بن الخطاب "كان أناس يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي، قد انقطع، وإنما نؤاخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيراً أمناه وقربناه. ومن أظهر لنا سوءاً لم نأمنه، ولم نصدقه، وإن قال أن سريرته حسنة.
2- تحمل مسؤولية القرارات السياسية، ومراعاة حاكمية النصوص الشرعية: أكدت الصفوة على تحمل مسؤولية القرارات السياسية التي تتخذها.
3- الشورى والحرية الفكرية حالة غياب النص:
ارتبط بحرص الصفوة على الالتزام بالشريعة، العمل على أن لا ينال الخلاف في الرأي من التوافق بين أبناء الأمة، بجعل الأمر شورى، وعدم رد رأي أحد، برأي آخر، ما دام أي منهما لا يرتكن على أساس صريح، أو ضمني، من الكتاب أو السنة نموذج ذلك، قول عمر لرجل قد أصدر بن ثابت حكماً قضائياً ضده: "لو كنت أنا، لقضيت لك. ولو كنت أردك كتاب الله، أو سنة نبيه، لراجعت الحكم. ولكن إنما أردك إلى رأي. والرأي مشترك".
4- جماعة الرأي: حرصت الصفوة على تجنب الرأي الفردي، والتوصل إلى رأي من خلال الشورى. وكان المسيب بن رافع، إذا واجهه أمر ليس في الكتاب، ولا في السنة، يستدعي صوافي المتخصصين فيه فيرفعه إليهم، ويعد الحق ما اجتمع عليه رأي أهل العلم. وفي الوقت الذي أوصى فيه عمر، شريحاً، بالاجتهاد الشخصي فيما ليس فيه نص، فإنه قال له محرضاً إياه على الشورى: "إن لم تجد نصاً، فأنت بالخيار، إن شئت أن تجتهد رأيك فافعل، وإن شئت أن تؤامرني فافعل، ولا أرى مؤامرتك إياي إلا خيراً لك".
5- تحاشي التعرض للمصير الأخروي لأناس بأعينهم: أكدت الصفوة على عدم التدخل سلباً. ولا إيجاباً، في الحكم على مصير أحد من الناس بعينه في الآخرة، فلقد روى جندب بن عبد الله، تحذير رسول الله صلى الله عليه وسلم، لرجل أقسم أن الله لن يغفر لفلان، من أن هذا القول غير لائق، من شأنه إحباط عمله، والمغفرة لمن زعم أن الله لن يغفر له. ولما عزم شرحبيل بن السمط، أحد عمال عمر على أتباعه، أن يخبروه بكل ذنب ارتكبوه استاء عمر وعد ذلك هتكاً لستر الله. وعزله بشكل مؤيد.
6- وأخيراً، فإن الصفوة راعت أن يكون سعيها للتوفيق في العلاقات السياسية، ملتزماً بعدم التقدم بين يدي الله ورسوله.
هذه هي ركائز الأساس الذي بنت عليه الصفوة، صيغة الرابطة السياسية. فماذا عن ترتيبات التوافق في ظل هذا الأساس؟
ثانياً: ترتيبات التوافق في العلاقة بين الراعي والرعية: كشفت الممارسة السياسية للصفوة، عن سعيها لتحديد التوقعات السلوكية لدى أفرادها سواء كانوا في مراكز السلطة، أو خارجها، عبر آليات وضوابط معينة، تؤدي إلى التوافق، من أبرزها:
1- إصدار الخلفاء توجيهات للولاة تجمع بين السعي للتوافق، وتحديد سبله، بمراعاة العدل والإحسان، وبين الالتزام بالشريعة، ومن نماذج ذلك:
أ‌- تعليمات عمر بن الخطاب لعامله أبي موسى الأشعري، التي أكد فيها على أن سياسة الرعية ليست بالأمر السهل، وأن عتاد نجاح الأمير في القيام بدوره فيها، هو: الحذر من تراكم العمل، والاستقامة مع الله، وإرساء القدوة الحسنة، وإقامة الحق.
ب ـ وقال عمر لابن مسعود وعمار، لما أسند إليهما أعمال الكوفة: "إني وإياكم في مال الله كوالي اليتيم. إن استغنى استعف، وإن افتقر أكل بالمعروف".
ج ـ وفي تعليماته لعماله، عامة، أمرهم عمر: "لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم، ولا تجمروهم في البعوث فتفتنوهم، ولا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم".
د ـ وأوصى عليَّ عماله ألا يدخلوا في مشورتهم الجبناء، الذين يضعفونهم عن القدر اللازم من الحزم، ولا البخلاء الذين يستهويهم المال، فيدفعون الوالي إلى الجنوح عن الإحسان إلى الرعية ووجه عليَّ، عامله زياد بن أبيه إلى أن يستعمل العدل، ويحذر العسف والحيف، ولا يزد في الخراج، ونبهه إلى أن العسف يعود بالجلاد، وأن الحيف يدعو السيف.
2- إصدار بيانات سياسية لتوعية الرعية بحقوقها وواجباتها السياسية: والنماذج على ذلك كثيرة، يكفي الإشارة إلى بعضها:
أ ـ فلقد حدد أبو بكر مهمته الأولى كخليفة، بإقامة العدل المنضبط بالإقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وحدد مهمة الرعية بإعانة الخليفة إذا أحسن وتقويمه إذا انحرف. وقال في رسالة للأمة: "إن أقواكم عندي الضعيفَ حتى آخذ له بحقه إِنّ أضْعَفَكَم عندي القويّ حتى آخذ منه الحق. وإنما أنا متبع ولست بمبتدع. فإن أنا أحسنت فأعينوني، وإن أنا زغت فقوموني".
ب ـ وحدد أبو عبيدة مهمة الإمام العادل، في إسكات أصوات الرعية عن الله، بمعنى تحاشي أسباب شكوى الرعية إلى ربهم، واعتبرها سمة على جور الحاكم، وفشله في أداء واجباته.
ج ـ وأشار عمير بن سعد ـ أحد عمال عمر ـ إلى أن من واجب ولي الأمر أن يجمع بين الرحمة، وبين الشدة الإسلامية. وقال مبيناً مدلولها: "لا يزال الإسلام منيعاً ما أشتد السلطان. وليست شدة السلطان قتلاً بالسيف. ولا ضرباً بالسوط. ولكن قضاء بالحق، وأخذ بالعدل. فحائط الإسلام هو: العدل، وبابه هو: الحق.
د ـ وحدد عمر، في رسالة وجهها إلى أهل البصرة، واجبات الوالي في : "الأخذ للضعيف من القوي، ومقاتلة العدو بالأمة، والدفاع عن ذمتها، وجمع الفيء وقسمته بينهم، وإخافة الفساق وجعلهم يداً يداً، وعيادة مرضى المسلمين، وشهود جنائزهم. وفتح بابه لهم، ومباشرة أمورهم بنفسه، بوصفه مجرد رجل منهم، غير أن الله جعله أثقلهم حملاً.
وحدد الإمام علي حق الرعية على الوالي، بأمور تشمل: تواضعه للأمة، وعدم حجز السر عنهم، إلا على وجه الاستثناء لمقتضيات المصلحة العامة، وأن يكونوا عنده سواسية في الحق، وحدد واجبات الرعية بشكر نعمة الله وإطاعة الأئمة، والمسارعة إلى الإصلاح والتفاني في خدمة الحق.
وحدد الإمام علي واجب الأمة بقوله: "تناهوا عن المنكر. وانهوا عنه، فإنما أمرتم بالنهي بعد التناهي" فإصلاح الذات لابد أن يسبق السعي لإصلاح الغير.
وقال الأمام علي لعبد الله بن عباس: والله إن هذا النعل أحب إلى من إمرتكم، إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً". وفي خطبة سياسية له، قال: "أيها الناس إن لي عليكم حقاً. ولكم علي حق. فأما حقكم علي فالنصيحة لكم، وتوفير فيئكم عليكم، وتعليمكم لئلا تجهلوا وتأديبكم كيما تعلموا. وأما حقي عليكم فالوفاء بالبيعة، والنصيحة في المشهد والمغيب. والإجابة حين أدعوكم، والطاعة حين آمركم".
وبين الإمام علي أنه لا حق بلا واجب مقابل له. وأن هذه سنة الله في الوجود كله. وأن أعظم الحقوق قاطبة، حق الوالي على الرعية، وحق الرعية على الوالي، وأن صلاح الرعية رهن بصلاح الوالي والعكس صحيح، وأن قوام العلاقة بين الوالي والرعية هي: قبول العدل، وتلمس الإحسان، والإقرار بأن أحداً من البشر ليس بأكبر من أن يخطئ. وأن الجميع عبيد مملوكون لرب واحد. فكافة الحقوق، بما فيها الحقوق السياسية، متفرعة عن حقوق الله تعالى، رتبها الشارع على أساس التكافؤ في الوجوب، ومفتاح التحلي بالعدل هو: ترويض النفس على سماع كلمة الحق.
وإذا كان هذا هو أساس الحقوق عامة. فإن الإمام يرى بخصوص الحقوق السياسية، أن أعظم ما افترض الله سبحانه من الحقوق، حق الوالي على الرعية، وحق الرعية على الوالي، وهي فريضة فرضها الله سبحانه وتعالى، لكل على كل، وجعلها نظاماً لألفتهم وعزاً لدينهم، وهذه العلاقة المتبادلة لا يصلح بعضها إلا ببعض. ولا تعلو أهمية دور طرف فيها عن دور الآخر. فهما وجهان لعملة واحدة، فلا تصلح الرعية، إلا بصلاح الولاة. ولا يصلح الرعاة إلا باستقامة الرعية.
ولكن ما الثمرة المرجوة، من وراء قيام كل من الراعي، والرعية، بواجبه على هذا النحو، تجاه الطرف الآخر؟
الإجابة عند الإمام علي أنه: "إذا أدت الرعية إلى الوالي حقه، وأدى الوالي إليها حقها، عز الحق بينهم، وقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل، وجرت السنن على استقامة، فصلح الزمان بذلك، وطمع في بقاء الدولة. ويئست مطامع الأعداء".
أما إذا اعتدت الرعية على حق الوالي، أو العكس، فإنه كما يقول الإمام: "تختلف الكلمة. وتظهر معالم الجور، فيما لو غلبت الرعية وإليها، أو أجحف الوالي برعيته"
ومحور الرابطة السياسية، هو: النصيحة بمبلغ الجهد، والتعاون بين الراعي والرعية على إقامة الحق بينهم، وليس أحد مهما عظمت في الحق منزلته، بأكبر من أن يُعَاوَنْ على ما حمله الله من حقوق، ولا أمرؤ وإن صغرته النفوس بأقل من أن يعين على ذلك أو يعان عليه.
أما عن السمات التي يجب أن يفر منها الوالي: فحبه الفخر والكبر، فإنه لم "تعظم نعمة الله على أحد، إلا ازداد حق الله عليه عظماً. وإن من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس، أن يظن بهم حب الفخر، ويوضع أمرهم على الكبر"
ويختم الإمام هذا التصور، الذي يعرضه لأساس، وأبعاد، الرابطة السياسية، بدعوة كلا طرفيها إلى الإنصات لكلمة الحق. ويهيب بالرعية أن تمد يد التقويم للإمام. فهو ليس بمعصوم. يقول علي: "إنه من استثقل الحق أن يقال له، أو العدل أن يعرض عليه، كان العمل بهما أثقل عليه. فلا تكفوا عن مقالة بحق، ومشورة بعدل. فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ، ولا آمن ذلك من فعلي، إلا أن يكفي الله من نفسي، ما هو أملك به مني. وإنما أنا وأنتم عبيد لرب واحد".
3- التثقيف السياسي للأمة بتحديد المفاهيم: حرصت الصفوة في توجيهاتها السياسية إلى الأمة، على بناء المفاهيم السياسية من منظور إسلامي:
أ ـ فلقد أثار عمر، على سبيل المثال، مسألة تعريف [الخلافة] أمام حشد يضم عدداً من الصحابة. فحدد سلمان وكعب معنى مفهوم "الخليفة" من وجهة نظر الرعية، وحدده عمر من زاوية تصور الحاكم لدوره.
فالخليفة، في رأي سلمان، وكعب، هو حاكم: "لا يأخذ إلا حقاً، ولا يضع ما يأخذه إلا في حقه. يعدل في الرعية. ويقسم بينهم بالسوية. ويشفق عليهم شفقة الرجل على أهله. ويقضي بينهم بكتاب الله تعالى.
أما الزاوية التي ركز عمر على إبرازها في مفهوم "الخليفة" فهي: أنه حاكم مهمته استعمال خير من يعلم، وأمرِهِم بالعدل، ثم النظر في أعمال عماله، هل عملوا بما أمرهم به أم لا، وهو يباشر ما بحضرته من مصالح بشكل مباشر، ويسند ما غاب عنه من أمر الأمة، إلى أهل القوة والأمانة.
ب ـ والنموذج الثاني، من نماذج تحديد الصفوة للقيم الإسلامية، وتعميم التعريف بها، وتعريف ابن عباس للعدل والإحسان. فالعدل عنده هو: "التوحيد، مع استواء السريرة والعلانية لله في كل عمل يعمله الإنسان"، أما الإحسان فحالة قوامها "أن تكون السريرة خيراً من العلانية".
ج ـ والنموذج الثالث، تعريف علي بن أبي طالب [للصبر] بأنه: "شوق إلى الجنة يبعد عن الشهوات، وشفق من النار يؤدي إلى اجتناب المحرمات، وزهد في الدنيا يدفع إلى الاستهانة بالمصائب، وترقب للموت يؤدي إلى المسارعة إلى الخيرات".
د‍ ـ والنموذج الرابع، تعريف الإمام علي [الجهاد] بأنه: "أمر بمعروف، ونهي عن منكر، وصدق في المواطن، وشنآن المنافقين".
ه‍ ـ والنموذج الخامس، تعريف الإمام مفهوم [القرابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم] بقوله: "ولي محمد هو من أطاع الله، وإن بعدت لحمته، وعدو محمد هو من عصى الله، وإن قربت قرابته".
وـ والنموذج الأخير، تعريف ابن عمر [النفاق] بأنه: "أن يقول المرء للأمير إذا لقيه ما يحب، وإذا ولى عنه قال غير ذلك".
ولا ريب أن ترسيخ دلالة هذه المفاهيم السياسية، ونشرها، يفضى إلى تبصير الراعي، والرعية بمنظومة الحقوق والواجبات السياسية.
4- السعي إلى تعزيز الوازع الذاتي بزرع قيم إيجابية إسلامية: في حين التزمت الصفوة بشكل صارم بقاعدة عدم محاسبة أحد إلا على ظاهره، فإنها لم تأل جهداً في السعي لتربية الوازع الذاتي، إيماناً باستحالة تقويم الأمة، بالترغيب والترهيب الخارجي، غير النابع من قناعات ذاتية لديها.
ويكفي الإشارة، للتدليل على هذه الفكرة، إلى طرف من عملية التنشئة السياسية التي قام بها الإمام علي، في أوساط العراقيين، الذين كانوا حديثي عهد بالإسلام، وجلهم بين جاهل بنصوص القرآن والسنة، وبين فاقد لفقه تلك النصوص، أو لمهارات الجمع بين فقه النصوص، وفقه الواقع.
فلقد حرص الإمام علي، على أن يكون المحرك الأساسي للسلوك السياسي للأمة، أفراداً، وجماعات، نابعاً من داخلهم، محكوماً بضميرهم، وليس مروضاً من الخارج، فما هي أسس تعزيز الوازع الذاتي التي لجأت إليها الصفوة؟
أ ـ الدعوة إلى نبذ الغلو والتفريط والقول بغير علم:
ب ـ أخذ القدوة من سلوكيات الصحابة: فالإمام الأخلاق، يتحدث إليهم عز سمات أصحاب محمد، ويحدثهم بنعمة الله عليه، عساهم يجدون القدوة فيهم، وفيه.
ج‍ ـ مراعاة تقديم النصيحة المعززة للوازع الذاتي، مقرونة بما يغرى بقبولها:
يلمس الناظر في نصائح الإمام على للرعية، في هذا الصدد أنه يقدم بين يدي نصيحته ما يغرى السامع بالأخذ بها، فهو يبين للحسن أنه يسوق خبرة استقاها من النظر في أعمال السابقين، وتدبر أخبارهم وآثارهم، حتى أصبح وكأنه واحد منهم، عَمَّر مع أولهم إلى أخرهم. وبعد ذلك يقول لابنه الحسن: "أحبب لغيرك ما تحبه لنفسك، ولا تظلم كما لا تحب أن تظلم. وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك، وأعلم أنك إنما خلقت للآخرة لا للدنيا، ولا تقل ما لا تعلم، وإن قل ما تعلم. ولا تقل ما لا تحب أن يقال لك. وإن الرزق رزقان: رزق تطلبه قد تصيبه، ورزق يطلبك، فإن أنت لم تأته أتاك.
ومن الملف للنظر، أن يبدأ الإمام علي، خطبة حدد فيها السمات التي لا ينبغي أن يتصف بها إمام المسلمين، فإشهاد الله على سريرته، في قبوله الإمساك بزمام السلطة، ثم يحدد السمات غير المرغوبة في إمام المسلمين، ثم يختم خطبته بالدعوة إلى وضع الدنيا في مكانها الصحيح، كمجرد زاد للآخرة. يقول الإمام علي: "اللهم إنك تعلم أنه لم يكن منافسة مني في سلطان، ولا التماس شئ من فضول الحطام". فكرسي الحكم ليس غاية للإمام، وجلب منافع دنيوية من وراء الإمارة ليس بغيته، وإنما الوازع الحقيقي وراء قبول الإمساك بزمام السلطة، هو: "لنرد المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك".
ثم يحدد السمات السلبية، التي يجب ألا تكون في إمام المسلمين، فيقول: "لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج، والدماء، والمغانم، والأحكام، وإمامة المسلمين، البخيل فيكون في أموالهم نهمه، ولا الجاهل فيضلهم بجهله، ولا الجافي فيثبطهم بجفائه، ولا الحائف للدول الظالم في قسمة الأموال، يعطي قوماً دون قوم، ولا المرتشي في الحكم، فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المطالب، ولا المعطل للسنة، فيهلك الأمة".
ثم يوضح مكانة الدنيا في المنظور الإسلامي، بقوله: "إنما الدنيا منتهى بصر للأعمى، لا يبصر مما وراءها شيئاً، والبصير ينفذها بصره، ويعلم أن الدار الحقة وراءها. فالبصير منها شاخص. والأعمى إليها شاخص، والبصير منها متزود، والأعمى لها متزود".
ويدعوا الإمام كل إنسان إلى أن يحتاط لنفسه بالخوف، وعدم القول بالظن واستحضار ما أحاطه الله به من رقابة.
----------------------------------
المصدر : الدور السياسي للصفوة في صدر الإسلام

 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة علم السياسة