موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة علم السياسة

أنعام احمد قدوح

موقف علماء الإسلام من العلمانية


لقد وُلِدَتْ العلمانية نتيجة لمشكلة عانت منها الدول الأوروبية، فهل تتوافر هذه المشكلة التي استدعت العلمانية لتقوم بدورها، هل تتوفّر في الإسلام وعالمه؟ أم أنّه علينا أن نتّحد مع الغرب الأوروبي في مشكلته فنأخذ الدواء ولا نُعاني من الداء. هذا الأمر سأحاول عرضه، ومن ثمّ سأتناول أبرز آراء علماء المسلمين في التصدّي لهذا المد السياسي، أعني العلمانية.
1ـ عدم وجود فصل للسلطات في الإسلام (الدين والسياسة).
إنّ الإسلام شريعة مقدّسة بمصادرها وأحكامها الأولى، على حين أنّ القانون المدني يبحث في المعاملات وحدها، ويستمدّ أحكامه من سلطة الدولة".
ومعنى ذلك: أنّه ليس هناك حكومة إلهية من مجموعة من الناس، أيّاً كان إخلاصهم في العبادة لله، وأيّاً كانت منزلتهم منه. إذا اتّبعت تعاليم القرآن واتّبعت مبادئه في سياستها فهي حكومة إنسانية وتظل إنسانية تخضع للخطأ والصواب. وفي هذا المجال يقول السيد (الخميني) "علينا أن نذكِّر الناس بما كانت عليه الحكومة الإسلامية في صدر الإسلام، علينا أن نقول لهم: إنّ دكة القضاء كانت في إحدى زوايا المسجد، في حين ترامت أطراف البلاد الإسلامية وشملت إيران والحجاز واليمن وغيرها".
ويزداد الترابط بين الدين:
فالإسلام يمثل الوعاء الكامل لشتى التمازجات التي من شأنها أن تشكل هذا الوعاء الوحدوي، فليس هناك سلطة دينية تنفرد في اتخاذ قراراتها بمعزل عن فحوى الرسالة الإلهية.. "فليس للخليفة أو القاضي أو المفتي... أية سلطة دينية بل أن كل سلطة تناولها واحد من هؤلاء فهي سلطة مدنية! ... فليس في الإسلام سلطة دينية بوجه من الوجوه".
2ـ الوحدة السياسية في الإسلام:
تقوم هذه الوحدة على تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم "فللحاكم شروط تؤمنّ عدالته وعلمه وتقواه، وله حدود تنظّمها قاعدة التساوي في الحقوق والواجبات فله على الرعية الطاعة في المعروف، ولا طاعة له إن عصى الله".
لذلك، فإن طرح بعض الحركات السياسية لرفض نظرية الحكم في الإسلام حين تقول: "دع الخلق للخالق، وأهل السياسة للسياسة، فهو طرح لا يقرّه الإسلام".
فكانت النظرية السياسية من أركان الإسلام، وفي هذا المجال يقول السيد (محمد حسين فضل الله): "إنّنا لا نتصوّر كيف يمكن أن يكون الإسلام بعيداً عن الحكم، والإسلام يملك فقهاً، يمثّل القانون الشامل لكل نواحي الحياة".
فالإسلام نظام متكامل. دين ودولة، بلاغ وتنفيذ وبعبارة الإمام (محمد عبده) "فإن الإسلام: دين وشرع، فقد وضع حدوداً، ورسم حقوقاً ... ولا تكتمل الحكمة من تشريع الأحكام إلاّ إذا وجدت قوة لإقامة الحدود، وتنفيذ حكم القاضي بالحق، وصون نظام الجماعة، وتلك القوة لا يجوز أن تكون فوضى في عدد كثير، فلابدّ أن تكون في واحد، وهو السلطان أو الخليفة... وليست من أصول الإسلام أن يدع ما لقيصر لقيصر، بل كان من شأنه أن يحاسب قيصر على لَهُ، ويأخذ على يده وعمله... فكان الدين بذلك عن أهله: كما لا للشخص، وأُلْفَه في البيت، ونظاماً للملك...".
3ـ الإسلام والعِلم:
من البديهي أن نقول: أنّ الإسلام يدعو للانطلاق في الجو العلمي، من دون حاجة إلى العلمانية "لأنّ العلمانية إذا كانت تحلّ مشكلة الذين لا يؤمنون بالدين، فهي تخلق مشكلة كبيرة جدّاً لمن يؤمنون بالدين، فكيف يمكن أن تحلّ مشكلة هذا الإنسان الذي يؤمن بالدين على أساس العلمانية، وهو يعتبر أنّ أحكام الله الشرعية ملزمة له في زواجه وطلاقه وفي معاملاته".
دور الأزهر في مواجهة العلمانية:
لقد كان للأزهر موقف شهير من دعاة العلمانية في العالم الإسلامي، تجلّى هذا الموقف في ثورته على (علي عبد الرازق) حين أصدر كتابه (الإسلام وأصول الحكم) الذي أنكر فيه تدخّل الإسلام في السياسة، فضرب بذلك قنبلة العلمانية الكبرى في تاريخ الفكر الإسلامي المعاصر. فتعرّضت له هيئة من كبار العلماء في الأزهر وأكّدت: "أنّ كلام (علي عبد الرازق) مخالف لصريح كتاب الله تعالى الذي يرّد على زعمه، ويثبت أنّ مهمّة الرسول (ص) تجاوزت البلاغ إلى غيره من الحكم والتنفيذ".
السيد (محمد حسين فضل الله) يقول في ندوة له في الجامعة الأمريكية في بيروت: "هناك فرق فكري بين القاعدة التي ينطلق منها الدين والقاعدة التي تنطلق منها العلمانية أنا أقول: إنّ العلمنة إلحاد. لذلك من الصعب أن نجمع بين العلمنة بمعناها الفكري والدين بمعناه الفكري، عندما يُراد لهما أن يجرّبا حظّهما في الحياة وأن ينطلقا في الحياة".
-----------------------------
المصدر : العلمانية في الإسلام

 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة علم السياسة