بعد مضي عشر سنوات على إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي، ظهرت مسألة
إنشاء محكمة عدل دولية إسلامية كحاجة ملحة. وكان اقتراحاً قدمه وفد
الكويت في القمة الإسلامية الثالثة، التي عقدت في مكة المكرمة عام
1981. وحدد الاقتراح أهمية إنشاء المحكمة، حتى يستكمل بها هياكل
منظمة المؤتمر الإسلامي، ولكي تكون فيصلاً وحكماً فيما ينشب بين
الدول الإسلامية من منازعات، والمساعدة بذلك في تنقية أجواء
العلاقات الإسلامية، وتطوير هذه العلاقات في كافة المجالات، وحتى
تكون المحكمة أيضاً الجهاز القضائي الرئيس لمنظمة المؤتمر
الإسلامي. وهكذا قرر المؤتمر إنشاء المحكمة، وكلف الأمانة العامة
بدعوة لجنة خبراء محدودة لصياغة نظامها الأساسي، وانتهى الأمر بعد
ست سنوات إلى إقرار نظام المحكمة، خلال القمة الإسلامية الخامسة في
الكويت في كانون الثاني 1987.
ولم تعرف الدول الإسلامية محكمة دولية إسلامية من قبل، وإن جرت
محاولة قامت بها الجامعة العربية لإنشاء محكمة عدل عربية تسهم في
تسوية المنازعات بين الدول الأعضاء، ولكن المشروع بقي عالقاً لم ير
النور أبداً، بسبب الخلافات العربية المستمرة، وعدم رغبة الأعضاء
في الخضوع للقضاء في حل النزاعات، إضافة إلى التأكيد المفرط على
مفاهيم السيادة وعدم التدخل بالشؤون الداخلية، التي لا تسمح
بالخضوع إلى أطراف أو منظمات فوق دولية. ولكن النزاعات المستمرة،
بل والحروب التي نشبت بين الدول الإسلامية، جعلت الاهتمام يتزايد
من أجل ترسيخ الأمن والعدل والسلام. وكانت الحرب العراقية
الإيرانية التي نشبت في أيلول 1980 قد أعطت زخماً قوياً لمشروع
المحكمة الإسلامية، فتم إقرار المشروع في قمة عام 1981. وجاء في
قرار القمة الثالثة عام 1981:
((انطلاقاً من إيمانه بقوله تعالى (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى
الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن
تأويلاً)، واستبشاراً ببداية القرن الهجري الخامس عشر، وأوضح
القرار أن الهدف من إنشاء المحكمة أن تكون حكماً وقاضياً وفيصلاً
فيما نشأ بين الدول الإسلامية من خلافات. وثقة المؤتمر بأن وجود
هيئة إسلامية قضائية في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي من شأنه أن
يعزز دور المنظمة ومكانتها ويسهم في تحقيق أهدافها، وإيماناً منه
بأن تنقية الأجواء بين الدول الأعضاء في المنظمة هو ضرورة ملحة من
أجل تمكينها من المواجهة المشترك لكافة الأخطار والتحديات التي
يواجهها العالم الإسلامي، فقد تقرر بناءً على ذلك إنشاء المحكمة.
وقرر المؤتمر الوزاري الثالث عشر المنعقد في نيامي بالنيجر أن يكون
مقر المحكمة في الكويت، ولا يمنع ذلك أن تعقد المحكمة جلساتها وأن
تقوم بوظائفها في أية دولة عضو في المنظمة (المادة 2 من النظام
الأساسي). ولما انعقدت القمة الإسلامية الخامسة في الكويت عام 1987
كان مشروع النظام الأساسي للمحكمة ضمن جدول أعمالها، وانتهت إلى
الموافقة عليه. وقد جاء في قرار القمة الخامسة أن مؤتمر القمة:
يوافق على مشروع نظام المحكمة المعتمد على أساس الولاية الاختيارية
لأحكامها)).
ولما كانت المادة 49 من النظام الأساسي تتطلب توفر تصديقات ثلثي
الدول الأعضاء حتى يبدأ سريانه فقد تأخر تأسيس المحكمة حتى عام
1996، حيث أعلن عن تأسيسها في الكويت، واتخاذ الخطوات اللازمة
للمباشرة بأعمالها.
*المصدر : العالم الاسلامي والغرب