موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة القانون

مفردات السلم في المعجم السياسي الإسلامي
عباسعلي العميد الزنجاني



يحظى "السلام" و"السلم" بأهميّة خاصّة في الفقه السياسي الإسلامي. وقد استعملا في النصوص القرآنيّة والأحاديث الإسلاميّة لتبيان مبدأ قانوني وسياسيّ، وتمّ التأكيد عليهما. وجاءت مشتقّاتهما في القرآن على النحو التالي:
1- ورد السلم والسلامة والسلام في اللغة بمعنى البراءة من العيوب والآفات والأمراض الظاهريّة والباطنيّة. والقلب السليم في قوله تعالى: إذ جاء ربّه بقلب سليم: سلامة القلب من الآفات كالشكّ، والحسد، والكفر، والرئاسة. و(سبل السلام) عبارة عن الطرق التي لا تعتريها الآفات كالخوف والخطر وغيرهما. قال تعالى: يهدي به الله من اتّبع سبل السلام، وكذلك دار السلام في قوله جلّ شأنه: لهم دار السلام عند ربّهم فإنّها تعني المأمن البعيد عن الآفات والأخطار.
والسلام الذي هو شعار وتحيّته في قوله جلّ من قائل: وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم يعني تمنّي السلامة وخلوّ الحياة من الآفات والبليّات والأخطار، وتحيّة أتحف الله بها من اجتاز معبر الصبر، قال عزَّ اسمه: سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار.
|ولا يقال السلام بوصفه شعاراً في مقابل دعاة السلم فحسب، بل يقال أيضاً في مقابل الأشخاص الذين يعرّضون السلم للخطر من خلال تصرّفاتهم الرعناء، قال عزَّ من قائل: وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً.|ولا يقرّ القرآن بالفظاظة، وعدم التصديق، وسوء الظنّ في مقابل من يلقي السلام، ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً.
ويمثّل السلام أفضل الحالات التي يشعر بها الإنسان عند دخوله الجنّة وحصوله على وثيقة الخلود فيها، فقد قال جلَّ من قائل: ادخلوا بسلام ذلك يوم الخلود.
والسِّلم (على وزن العِلم) مرادف للصلح، ويعني المسالمة، قال تعالى: يا أيُّها الذين أمنوا ادخلوا في السلم كافّة؛ وكذلك السَّلم (على وزن العقل) فإنَّه يعني المسالمة العادلة والتعايش، قال جلَّ شأنه: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها. والإسلام بمعنى الانقياد؛ والتسليم بمعنى الخضوع؛ وسمّي الإسلام بهذا الاسم في قوله تعالى: ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه، لأنَّ الدين الحقيقي هو الانقياد لله، والسلامة والمسالمة والصلح الحقيقي أُمور تتحقّق في ضمير الإنسان عندما يبلغ الانقياد التامّ لله تعالى، إنَّ الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أُوتوا الكتاب إلاّ من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم. وجاءت كلمة السلم بهذا المعنى أيضاً، قال تعالى: وألقوا إلى الله يومئذٍ السلم.
2- كلمة الصلح في اللغة المسالمة،3- وإزالة النفار بين الناس،4- الصلح خير. والصلاح من هذه المادّة، والصالح بمعنى المطابق للعدل والإنصاف، واللائق البعيد عن كلّ لون من ألوان الفساد إليه يصعد الكلم الطيّب والعمل الصالح يرفعه. والإصلاح بمعنى إقرار الصلح والألفة فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً فأصلح بينهم، أو بمعنى رفع كلّ عيب وآفة وإصلاح البال كفّر عنهم سيّئاتهم وأصلح بالهم.
السلم والفطرة
لا يُنكر أنَّ ما تتطلّبه فطرة الإنسان في علاقاته مع بني جنسه في ميادين الحياة الاجتماعيّة والسياسيّة المختلفة هو الصلح والتعايش بغضّ النظر عن العوامل الخارجيّة. وهذه الحالة الفطريّة ترتبط ارتباطاً عميقاً متلاحماً بالشمائل الطيّبة والسجايا الرفيعة، والملكات المحمودة المكتسبة للإنسان. ومبدئيّاً، ينبغي أن نعتبر ذلك من المظاهر المعنويّة للحياة والوحدة الروحيّة للناس.
وعلى الرغم من أنَّ حالة الصراع والحرب بين الناس تنبع من عواطف باطنيّة جامحة، وأنَّ غريزة حبّ الذات وحسّ الاستغلال (استغلال الآخرين) والغرائز النابعة عنهما تؤدّي دوراً مهمّاً في التمهيد للحرب ونشوب حالة الصراع، إلاّ أنّنا ينبغي لنا أن لا نغفل عن أنَّ ارتباط الحرب بالغرائز البشريّة يمكن أن يكون مقبولاً في حالة تطرّف الإنسان في استغلال الغرائز الباطنيّة. ومن هذا المنطلق، لو دقّقنا في تلمّس العوامل الداخليّة والأسباب النفسيّة لظاهرة الحرب في الإنسان، فينبغي أن نضع إصبعنا على الحالة النفسيّة الطارئة، أو على ما يسمّى بالغرائز الثانويّة التي تأخذ اسمها من الإفراط والتفريط في استغلال الغرائز الأوّليّة، ونعتبر الحالات الانحرافيّة الباطنيّة سبباً جوهريّاً لها.
من جهة أُخرى، فإنَّ العلاقة الفطريّة والطبيعيّة والأخلاقيّة التي تربط الإنسان بالتعايش والسلم تلقى الترحيب والتأييد من منظار الحقائق التاريخيّة البيّنة، وأنَّ مبادئ وقواعد العقل والفكر والعلم تعزّز هذه العلاقة المعنويّة أكثر من ذي قبل.
وعلى الرغم من أنَّ بعض المنظّرين ينظرون إلى الحرب بوصفها أمراً لا مناصّ منه في الحياة البشريّة، إلاّ أنَّ ما يقدّمونه من أدلّة في هذا المجال يمثّل انحرافات في اختيار أساليب الحياة، تمنى بها الشعوب أو حكّامها.
------------------------------------
المصدر : القانون الدولي في الإسلام


 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة القانون