الحصن هو المنع , يقال : مكان حصين , والحصن بالكسر – كل موضع حصين
, والدرع الحصين هو الدرع المحكمة , وامرأة حصان هي المرأة العفيفة
أو المتزوجة , ويقال أيضاً , حصّنها البعل وأحصنها , وأحصنه التزوج
, وتأتي أحصن بمعنى تزوج .
وقد استعملت كلمة الاحصان في القرآن في مواطن متعددة وفي معان
مختلفة , وكلها تشير الى الزواج أو العفة , قال تعالى : " والذين
يرمون المحصنات ثم لم يأتوا باربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة " (
سورة النور ) وقال أيضاً : " والمحصنات من النساء الا ما ملكت
أيمانكم " ( النساء / 24 ) وكأن الزواج يمنع الانسان من الانحراف
والزلل لأنه يحصنه .
والمراد بالمحصن هنا هو المتزوج بزواج صحيح , وتختلف عقوبة الزاني
المحصن عن عقوبة الزاني غير المحصن , فعقوبة الزاني المحصن أقسى
وأشد لأن المفروض ان الزواج قد حصّنه ضد الفاحشة ومنعه من ارتكابها
, ولهذا فانه يستحق عقوبة مشددة بخلاف غير المحصن فانه يستحق
العقوبة أيضاً الا أن عقوبته أخف من عقوبة المحصن .
شروط الاحصان :
يشترط في الوطء الذي يجعل الشخص محصناً أن يتم هذا الوطء في نكاح
صحيح , وأن يكون الواطىء والموطوءة بالغين عاقلين , لأن ذلك يؤدي
الى كمال الاتصال الجنسي .
ويمكننا أن نفصل هذه الشروط بما يلي :
1- الوطء في القبل , وعلى هذا فان الوطء في غير القبل لايجعل الشخص
محصناً , لأن الثيابه لاتحصل الا بالوطء في القبل ¸وعلى هذا لو
تزوج شخص ولم يطأ زوجته في مكان الوطء الطبيعي , وانما وطئها في
الدبرأو وطئها فيما دون الفرج فان هذا لايجعله محصناً .
2- الزواج الصحيح : وعلى هذا الشرط في الوطء الذي يجعل الانسان
محصناً أن يتم في عقد صحيح , فلو تم الوطء كاملاً في غير عقد
كالزنا , أو في عقد فيه شبهة , أو في نكاح فاسد , فان مثل هذا
الوطء لايحصن , وروي عن أبي ثور بأن الاحصان يحصل بالوطء في نكاح
فاسد , وحكي هذا الرأي أيضاً عن الليث والاوزاعي , لأن الصحيح
والفاسد سواء في أكثر الاحكام , الا أن جمهور الفقهاء ومنهم مالك
والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد يشترطون أن يكون النكاح صحيحاً , لأن
الوطء في نكاح فاسد هو وطء في غير ملك , ولايحصل به الاحصان كوطء
الشبهة .
3- البلوغ والعقل : ويشترط في الوطء لكي يجعل الانسان محصناً أن
يصدر منه بعد البلوغ وهو عاقل , فلو تم الوطء كاملاً من صغير أو
مجنون , فان هذا الوطء لايجعل من الواطي محصناً , وبالتالي اذا زنى
بعد ذلك ولو كان هذا الزنا بعد بلوغه وعقله فانه فانه لايعتبر
محصناً , لأن الوطء الذي قام به لم يجعله محصناً , لأنه لم تتوفر
فيه عند الوطء شرائط الاحصان كاملة , ومنها البلوغ والعقل . وذهب
بعض أصحاب الشافعي الى عدم اشتراط العقل والبلوغ , وبالتالي فان
الوطء الذي يقع من الانسان في حالة الجنون أو الصغر يجعله محصناً ,
لأن نكاح الصغير والمجنون صحيح , وبالتالي فان هذا النكاح يجعلهما
محصنين . الا ان جمهور الفقهاء لم يسلموا بهذا الرأي , وحجتهم في
ذلك أن الاحصان لا يتم إلا بعد البلوغ ومع العقل , ولو تم الاحصان
قبل البلوغ لوجب رجم الصغير والمجنون .
4- توافر شروط الاحصان في الطرفين :
وهذا الشرط يقضي بأن يكون كل من الواطىء والموطوءة قد توافرت فيهما
شروط الاحصان من حيث العقل والبلوغ, وعلى هذا فلا يكفي أن يكون
الواطىء عاقلاً بالغاً , بل يشترط أن تكون الموطوءة أيضاً عاقلة
وبالغة , فمن تزوج بصغيرة أو مجنونة فلا يمكن اعتباره محصناً .
وهذا هو رأي أحمد وأبي حنيفة , وحجتهما في ذلك كما يقول الكاساني :
" وما اعتبار اجتماع هذه الصفات في الزوجين جميعاً فلأن اجتماعها
فيهما يشعر بكمال حالهما وذا يشعر بكمال اقتضاء الشهوة في الجانبين
, لأن قضاء الشهوة بالصبية والمجنونة قاصر . أما ابن قدامة فيدافع
عن هذا الرأي بقوله : انه وطء لم يحصن به أحد المتواطئين فلم يحصن
الآخر , كالتسري ولأنه متى كان أحدهما ناقصاً لم يكمن الوطء , فلا
يحصل به الاحصان , وكما لو كانا غير كاملين .
أما الامام مالك فيرى أنه لايشترط أن تتوفرشروط الاحصان في كل من
الزوجين ويكفي أن تتوفر هذه الشروط في أحد الزوجين , فلا يشترط لكي
يكون الزوج محصناً أن تكون زوجته عاقلة بالغة , اذ يكتفي أن تكون
مطيقة للوطء , ولو لم تكن عاقلة أو بالغة , وقد روي هذا الرأي
أيضاً عن الشافعي في احدى الروايتين عنه , أما الرواية الثانية
فيؤيد فيها رأي ابي حنيفة وأحمد.
5- الاسلام :
يعتبر الاسلام شرطاً من شروط الاحصان عند ابي حنيفة ومالك , وقد
وافقهما على ذلك هذا الرأي كل من عطاء والنخعي والشعبي ومجاهد
والثوري , وحجتهم في ذلك أن الذمية لاتحصن مسلماً , لما روي عن ابن
عمر أن النبي ( ص ) قال : من أشرك بالله فليس بمحصن , ولأن المسلم
قد تنفر نفسه من غير المسلمة , وبالتالي فلا يمكن اعتباره محصناً,
فلو زنى فلا يرجم , الا أن الامام مالك يعتبره محصناً بناء على
أصله في أنه لايعتبر الكمال في الزوجين . ولايشترط الشافعي واحمد
والزهري وأبو يوسف الاسلام في الاحصان , فلو تزوج مسلم من ذمية
فانه يعتبر محصناً , وبالتالي فانه يرجم في حالة ارتكابه لجريمة
الزنا , وحجتهم في ذلك أن الرسول الكريم قد رجم يهوديين لما احتكم
اليهود اليه فيهما .
( والرأي الثاني أقرب الى الصواب اذ لايمكن اعتبار الاسلام شرطاً
من شروط الاحصان, اذ يستوي الزواج سواء كانت الزوجة مسلمة أو ذمية
, كما تستوي المتعة والكفاية , واذا قلنا بأن الذمية لا تحصن
المسلم فاننا بذلك نعفي من يتزوج من الذمية من عقوبة الرجم ,
وكأننا نكافئه على هذا الزواج , وعندها يصبح الزواج طريقاً للخلاص
من عقوبة الرجم .
المصدر : مباحث في التشريع الجنائي الاسلامي .