موسوعة المصطلحات والمفاهيم || موسوعة القانون

قاعدة النبذ في الشريعة
* صلاح عبد الرزاق



تؤكد الشريعة الاسلامية على احترام العقود والعهود والاتفاقيات لذاتها، ومن منطلق ديني أي التزام المسلم بما يعطيه من مواثيق على نفسه. يقول الشيخ محمود شلتوت: ان (الوفاء بالمعاهدة واجب ديني، يُسأل عنه المسلم فيما بينه وبين الله. ويكون الإخلال بها غدراً وخيانة). ويرى الشيخ حسين علي منتظري أنه (إذا عاهدت الحكومة الاسلامية أو أمتها دولة أو فرداً من الكفار، أو مؤسسة تجارية أو خدمية لهم، واستحكم العقد بينهما وجب الوفاء به ولا يجوز نقضه بوجه إلا مع تخلف الطرف الآخر ونقضه).
وتسمح الشريعة الاسلامية بالغاء المعاهدات قبل حلول أجلها. وهناك قاعدة عامة تجعل من حق الدولة الاسلامية إنهاء معاهدة ما قبل حلول أجلها المذكور، إذا كانت مصلحة الدولة تقتضي ذلك. وأهم سبب تضعه الشريعة كمبرر لإلغاء معاهدة مع طرف خارجي هو الخوف من الخيانة أو استغلال المعاهدة في عمل يعود بالضرر على المسلمين. قال تعالى: (وإما تخافن من قومٍ خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين) الأنفال/ 58. فالأمر إذن يبدأ من الطرف الآخر مما يجعل الدولة الاسلامية تفكر بالغاء المعاهدة لغرض حماية مصالحها. ومعلوم أن الشريعة تمنع المسلم من الغدر أو نقض العهد لأسباب ذاتية كالطمع في ثروات أو أراضي الآخرين أو الهيمنة عليهم.
وتطرح الآية مفهوم نبذ العهد، وهو مشتق من لفظة نَبَذَ، والنبذُ هو القاء الشيء وطرحه لقلة الاعتداد به. ويقول العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان أن معنى الآية (وإن خفت من قوم بينك وبينهم عهد أن يخونوك وينقضوا عهدهم ولاحت آثار دالة على ذلك، فانبذ وألق إليهم عهدهم، وأعلمهم إلغاء العهد لتكونوا أنتم وهم على سواء من نقض العهد، أو تكون مستوياً على عدل، فإن من العدل المعاملة بالمثل والسواء لأنك إن قاتلتهم بدون إبلاغهم إلغاء العهد كان ذلك منك خيانة والله لا يحب الخائنين).
ويتفق سيد قطب في ضرورة نبذ المعاهدة متى ما شعر المسلمون أنها مجرد واجهة للغدر بهم فيقول: (فأما إذا اتخذ الفريق الآخر هذه العهود ستاراً يدبر من ورائه الخيانة والغدر، ويستعد للمبادأة والشر، فإن للقيادة المسلمة أن تنبذ هذه العهود، وتعلم الفريق الآخر بهذا النبذ، وتصبح مطلقة اليد في اختيار وقت الضربة التالية للخائنين الغادرين).
ويؤكد الفقهاء على أهمية إشعار الطرف الآخر بنية إلغاء المعاهدة، والتخلي عن ذلك يعد غدراً وسلوكاً غير اسلامي لا يليق بالمسلم. (وفقهاء المسلمين متفقون على أنه يجب إنذار العدو حتى يعلم سبب نقض العهد). ويرى الشيخ محمود شلتوت أن (المعاهدة تفقد حرمتها في حكم الاسلام إذا توقع أحد الطرفين خيانة من الآخر بأنباء صادقة، أو قرائن واضحة. وكذلك إذا كانت قد وضعت في ظروف خاصة، ثم تغيرت الظروف وصار العمل بها يوقع الأمة في مفاسد تربو على ما في المعاهدة من خير وصلاح. ولكن الاسلام يوجب في هاتين الحالتين إعلان الطرف الآخر بنبذ المعاهدة، ولا يسمح بالمهاجمة إلا بعد وصول نبأ النبذ إلى العدو).
وهنا يطرح موضوع تغير الظروف وهل يمكن اعتباره سبباً لالغاء المعاهدة. الواقع أن القانون الدولي يتشدد في هذا الأمر ولا يعتبر تغير الظروف مبرراً لإنهاء المعاهدات، فميثاق الأمم المتحدة لا ينص على شيء يتعلق بآثار تغير الظروف على المعاهدات. أما معاهدة فيينا فقد خصصت المادة 62 لمعالجة هذا الموضوع حيث تقول:
1 ـ لا يجوز الاستناد إلى التغير الأساسي في الظروف التي كانت سائدة عند إبرام المعاهدة كسبب لإنهاء المعاهدة أو الانسحاب منها إلا إذا توفر الشرطان التاليان:
أ‌) إذا كان وجود هذه الظروف قد كان القاعدة الأساسية التي اعتمدها الأطراف لعقد الاتفاقية.
ب‌) إذا ترتب على تغير الظروف تبديل جذري في نطاق الالتزامات التي ما يزال يجري تنفيذها.
2 ـ لا يجوز الاستناد إلى التغير الجوهري في الظروف كسبب لإنهاء المعاهدة أو الانسحاب منها في الأحوال التالية:
أ‌) إذا كانت المعاهدة منشئة لحدود.
ب‌) إذا كان التغير الجوهري نتيجة إخلال الطرف بالتزام طبقاً للمعاهدة او بأي التزام دولي لأي طرف آخر في المعاهدة.
ويشترط الفقهاء بعض الشروط اللازم توفرها، نذكر منها:
1 ـ تنفيذ الأمور التي تم الاتفاق عليها، ما دامت موافقة لكتاب الله، وسنة رسوله، لأن الرسول (ص) أعلن: أن كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل. (ولا يعترف الاسلام بشرعية معاهدة تستباح بها الشخصية الاسلامية، وتفتح للأعداء باباً يمكنهم من الإغارة على جهات اسلامية، أو يضعف من شأن المسلمين بتفريق صفوفهم وتمزيق وحدتهم).
2 ـ أن يقوم العقد على الرضا المتبادل بين الطرفين، فلا ينعقد بالإكراه، بل لابد أن يتحقق الرضا التام الذي يعكس الإرادة الحرة، أما المعاهدات التي تخضع للقوة والضغوط والمدفع، فهي باطلة.
3 ـ أن تكون المعاهدة بينة الأهداف واضحة المعالم، تحدد الالتزامات والحقوق تحديداً لا يدع مجالاً للتأويل والتخريج واللعب بالألفاظ، لأن التعبيرات المبهمة والكلمات المطاطة التي تحمل وجوهاً كثيرة، لا شك أنها ستكون مثاراً للجدل والمنازعات.
ويعرض الإمام الخميني عدة حالات من المعاهدات التي يُفتي بحرمة عقدها بين الدولة الاسلامية والدول الأخرى مثل:
1 ـ إذا كانت المعاهدة تؤدي إلى استيلاء الأجانب على البلد الاسلامي سياسياً.
2 ـ إذا كانت المعاهدة مخالفة لمصلحة الاسلام والمسلمين. ويجب على سائر الدول إنهاؤها بوسائل سياسية أو اقتصادية كقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية معها.
3 ـ إذا كانت المعاهدة تجارية وتؤثر على سوق المسلمين وحياتهم الاقتصادية.


 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   || موسوعة القانون