موسوعة المصطلحات والمفاهيم
موسوعة
علوم القرآن والتفاسير

عبدالسلام زين العابدين
كيفية تناسل أولاد آدم (ع)

سيكون حديثنا على محورين:
المحور الأول: أعلام التفسير ومقولة التزويج.
المحور الثاني: التشريع المضاد (حكمته وفلسفته).
ـ أعلام التفسير ومقولة التزويج:
أولاً ـ العلامة الطباطبائي: الحكم تشريعي لا تكويني
في تفسيره لقوله تعالى: (وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً) النساء/ 1، يقول العلامة الطباطبائي:
((وظاهرُ الآية أن النسل الموجود من الإنسان ينتهي إلى آدم وزوجته من غير أن يشاركهما فيه غيرهما، حيث قال: وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء، ولم يقل: منهما ومن غيرهما)) الميزان/ 4 / 136 ـ 137.
ويرى صاحب تفسير (الميزان) أنه يتفرع على ذلك أمران:
أحدهما: ((إن المراد بقوله: (رجالاً كثيراً ونساء) أفراد البشر من ذريتهما، بلا واسطة أو مع واسطة)).
ثانيهما: ((إن الازدواج في الطبقة الأولى بعد آدم وزوجته، أعني في أولادهما بلا واسطة، إنما وقع بين الإخوة والأخوات (ازدواج البنين بالبنات) إذ الذكور والإناث كانا منحصرين فيهم يومئذ)).
ويرد العلامة الطباطبائي على الذين يعتبرون هذه المقولة خاطئة وجريئة بقوله: ((ولا ضير فيه، فإنه حكم تشريعي راجع إلى الله سبحانه، فله أن يُبيحه يوماً ويحرمه آخر، قال تعالى: (والله يحكم لا معقب لحكمه) الرعد/ 41، وقال: (إن الحكم إلا لله) يوسف/ 40، وقال: (ولا يشرك في حكمه أحداً) الكهف/ 26)).
ويعقد العلامة في ميزانه بحثاً مستقلاً بعنوان: (كلام في تناسل الطبقة الثانية من الإنسان، يؤكد فيه على النقاط التالية:
أولاً ـ ظاهر إطلاق الآية يدل عليه:
ظاهر إطلاق قوله تعالى: (وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً) يدل على ((أن النسل الموجود في الإنسان غنما ينتهي إلى آدم وزوجته، من غير أن يشاركهما في ذلك غيرهما من ذكر أو أنثى، ولم يذكر القرآن للبث إلا غياهما، ولو كان لغيرهما شركة في ذلك لقال: وبث منهما ومن غيرهما، أو ذكر ذلك بما يناسبه من اللفظ. ومن المعلوم أن انحصار مبدأ النسل في آدم وزوجته يقضي بازدواج بنيهما من بناتهما)).
ثانياً ـ الضرورة تستدعيه:
((وأما الحكم بحرمته في الإسلام، وكذا في الشرائع السابقة عليه على ما يُحكى، فإنما هو حكم تشريعي يتبع المصالح والمفاسد لا تكويني غير قابل للتغيير، وزمامُه بيد الله سبحانه يفعلُ ما يشاء، ويحكمُ ما يُريد، فمن الجائز أن يُبيحه يوماً لاستدعاء الضرورة ذلك، ثم يُحرمهُ بعد ذلك لارتفاع الحاجة واستيجابه انتشار الفحشاء في المجتمع)).
ثالثاً ـ الفطرةُ لا تنفيه:
((والقول بأنه على خلاف الفطرة، وما شرعه الله لأنبيائه دين فطري، قال تعالى: (فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها) الروم/ 30، (قول) فاسد)). لماذا؟
لأن ((الفطرة لا تنفيه ولا تدعو إلى خلافه من جهة تنفرها عن هذا النوع المباشر (مباشرة الأخ الأخت)، وإنما تبغضه وتنفيه من جهة تأديته إلى شيوع الفحشاء والمنكر وبطلان غريزة العفة بذلك وارتفاعها عن المجتمع الإنساني)).
رابعاً ـ عدم انطباق الفجور عليه:
((ومن المعلوم أن هذا النوع من التماس والمباشرة إنما ينطبق عليه عنوان الفجور والفحشاء في المجتمع العالمي اليوم، وأما المجتمع يوم ليس هناك بحسب ما خلق الله سبحانه إلا الإخوة والأخوات، والمشية الإلهية متعلقة بتكثرهم وانبثاثهم، فلا ينطبق عليه هذا العنوان)) الميزان/ 4/ 144 ـ 146.
خامساً ـ تعارض الروايات فيه:
في بحثه الروائي يرى العلامة الطباطبائي أن الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) متعارضة في هذه المسألة، فمنها ما يصرح بزواج الإخوة بالأخوات من أبناء آدم، ومنها ما يقول بنزول الحور والجان، وأن ما يوافق ظاهر الكتاب هو الرأي الأول، ولهذا يأتي برواية ((الاحتجاج)) عن الإمام السجاد (ع) في حديث له مع القرشي الذي يندهش ـ كما يندهش بعض الناس اليوم ـ حينما يسمع بمقولة التزويج، فخاطب الإمام بكل استغراب: فهذا فعل المجوس اليوم؟!!
فيجيب الإمام السجاد (ع): إن المجوس فعلوا ذلك بعد التحريم من الله، لا تُنكر هذا، إنما هي شرائع الله جرت. أليس الله قد خلق زوجة آدم منه ثم أحلها له؟ فكان ذلك شريعة من شرائعهم، ثم أنزل الله التحريم بعد ذلك.
ويعقبُ العلامة الطباطبائي على هذه الرواية قائلاً:
((هذا الذي ورد في الحديث هو الموافق لظاهر الكتاب والاعتبار، وهناك روايات أخر تعارضها، وهي تدل على أنهم تزوجوا بمن نزل إليهم من الحور والجان، وقد عرفت الحق في ذلك)) نفس المصدر/ 147.
ثانياً ـ الشيخ الطوسي: أكثرُ المفسرين مع مقولة التزويج
وقد ذكر الشيخ الطوسي ـ وهو من أعلام التفسير في القرن الخامس الهجري ـ في تفسير (التبيان) قصة القربان، وأن سببه كان رفض قابيل للزواج من توأمة أخيه هابيل، وإصراره على أن يتزوج توأمته. ونسب تلك القصة إلى أكثر المفسرين، حيث يقول:
((وقال أكثر المفسرين ورواه أبو جعفر وغيره من المفسرين: إنه ولد لكل واحد من قابيل وهاب يل أخت توأم له، فأمر آدم كل واحد بتزويج أخت لآخر. وكانت أخت قابيل أحسن من الأخرى، فأرادها، وحسد أخاه عليها، فقال آدم: قربا قرباناً، فأيكما قُبل قربانه فهي له. وكان قابيل صاحب زرع فعمد إلى أخبث طعام. وعمد هابيل ـ وكان صاحب ماشية ـ إلى شاة سمينة ولبن وزبد، فصعدا به الجبل، فأتت النار فأكلت قربان هابيل، ولم تعرض لقربان قابيل.
وكان آدم غائباً عنها بمكة، فقال قابيل: لا عشت يا هابيل في الدنيا، وقد تُقبّل قُربانك ولم يُتقبل قرباني، وتريد أن تأخذ أختي الحسناء، وآخذ أختك القبيحة، فقال له هابيل، ما حكاه الله تعالى، فشدخه بحجر فقتله، ثم حمله على عاتقه، واكن يضعه على الأرض ساعة ويبكي، ويعود يحمله كذلك ثلاثة أيام إلى أن رأى الغُرابَين)) الطوسي/ التبيان/ 3/ 493.
ثالثاً ـ الشيخ الطبرسي: التزويج بأمر الله تعالى
يروي العلامة الطبرسي ـ وهو من أعلام التفسير في القرن السادس الهجري ـ قصة القربان، وأن سببه كان رفض قابيل للزواج من توأمة أخيه هابيل، وإصراره على أن يتزوج توأمته، حيث ((أمر الله تعالى أن يُنكح آدمُ قابيل أخت هابيل، وهابيل أخت قابيل)). ثم يقول الطبرسي في نهاية القصة:
((رُويَ ذلك عن أبي جعفر الباقر (ع) وغيره من المفسرين)).
ولم يرفض العلامة الطبرسي هذه الرواية، بل يظهر منهُ قبولها. راجع: مجمع البيان/ 3 ـ 4/ 283.
رابعاً ـ السيد الخوئي: لا محذور في الحكم
سُئل المرجع الراحل السيد الخوئي (قده): ((هل تزوج ابنا آدم منن أخواتهما أم حورية وجنية؟)) فأجاب: ((الأخبار الواردة في ذلك مختلفة ولا محذور ـ فيما لو صدقت ـ إن كان بالأخوات، لإمكان أنها لم تكن محرمة في شرع آدم على الاخوة)). وقد وافقه على هذا الجواب تلميذه سماحة الشيخ جواد التبريزي (حفظه الله) راجع: صراط النجاة/ 1/ 461.
خامساً ـ مكارم الشيرازي: لا داعي للعجب والاستغراب
تحت عنوان (كيفَ كانَ زواج أبناء آدم؟)، يرى صاحب تفسير (الأمثل) أن قوله تعالى: (وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً) يُستفاد منه أن: ((انتشار نسل آدم وتكاثره قد تمّ عن طريق آدم وحواء فقط، أي بدون أن يكون لموجود ثالث أي دخالة في ذلك.
وبعبارة أخرى أن النسل البشري الموجود إنما ينتهي إلى آدم وزوجته من غير أن يُشاركهما في ذلك غيرهما من ذكر أو أنثى.
وهذا يستلزم أن يكون أبناء آدم (أخوة وأخوات) قد تزاوجوا فيما بينهم، لأنه إذا تم تكثير النسل البشري عن طريق تزوجهم بغيرهم لم يصدق ولم يصح قوله: (منهما).
وقد وردَ هذا الموضوع في أحاديث متعددة أيضاً، ولا داعي للتعجب والإستغراب، إذ طبقاً للاستدلال الذي جاء في طائفة من الأحاديث المنقولة عن أهل البيت (ع) أن هذا النوع من الزاج كان مباحاً، حيث لم يرد بعد حكم بحرمة (تزوج الأخ بأخته).
ومن البديهي أن حُرمة شيء تتوقف على تحريم الله سبحانه له)).
ويتساءل صاحب تفسير الأمثل قائلاً:
((فما الذي يمنع من أن توجب الضرورات الملحة والمصالح المعينة أن يبيح شيئاً في زمان، ويُحرمه بعد ذلك في زمن آخر؟)).
((غير أنه قد صرح في أحاديث أخرى بأن أبناء آدم لم يتزوجوا بأخواتهم، وتحمل بشدة على مَن يرى هذا الرأي ويذهب هذا المذهب)).
ويعطي العلامة مكارم الشيرازي الموقف المنهجي الذي ينبغي أن يتخذه المفسر في حالات تعارض الروايات، قائلاً: ((ولو كان علينا عند تعارض الأحاديث أن نُرجح ما وافق منها ظاهر القرآن لوجب أن نختار الطائفة الأولى، لأنها توافق ظاهر الآية الحاضرة كما عرفتَ قبل هذا)) الأمثل/ 3/ 76 ـ 77.
وهي قوله تعالى: (وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً) النساء/ 1.
الذي أريد أن أقوله: إن مقولة (تزويج الإخوة بالأخوات من أبناء آدم) ليست بجديدة، فهناك روايات عن أئمة أهل البيت (ع)، وهناك من أعلام المفسرين الشيعة مَن قال بها وتبناها، ولم يزد (السيد محمد حسين فضل الله) صاحب (من وحي القرآن) شيئاًع لى ما جاء به أولئك الأعلام .. ولم يضف شيئاً عما قاله العلامة الطباطبائي في الحديث عن فلسفة التحليل لشيء هو في شريعتنا والشرائع السابقة حرام، من أن الأحكام والتشريعات تنطلق ((من المصالح والمفاسد المحددة بحدود الزمان والمكان والظروف الموضوعية المحيطة بالمسألة المتغيرة، تبعاً للعوامل المتنوعة المؤثرة ..
وهذا هو الذي انطلق منه مبدأ النسخ في التشريع في داخل الشريعة الواحدة، وفي نطاق الشرائع المتعددة)) من وحي القرآن/ 7/ 28.
فقد كانت هناك مصلحة للطبقة الأولى في ذلك الحكم من أجل الانطلاق بعملية التناسل في نطاقها الطبيعي بعيداً عن أية مفسدة .. وبانتهاء تلك المصلحة الداعية إلى ذلك التشريع، وتولد المفسدة الملزمة بلها، جاء التشريع المضاد للحكم بالحلية.
ويرى صاحب (من وحي القرآن) ـ كما يرى صاحب تفسير الميزان ـ أن رواية الإمام زين العابدين (ع) ـ الآنفة الذكر ـ تؤكد هذا المعنى.
ـ التشريع المضاد: حكمته وفلسفته
إن ما ذكره (السيد) من وجه حرمة التزاوج بين الإخوة والأخوات، لا يعدو أن يكون وجهاً محتملاً من وجوه الحكمة، ولم يطرحه كملاك أو علة تامة للحكم، حتى يدور الحكم مدارها وجوداً وعدماً، سعةً وضيقاً، حيث نسمعه يقول:
((فإن من الممكن اعتبار النظام الاجتماعي الذي ربطه التشريع بنظام الأسرة قاعدة للحكم بالتحريم الذي قد يُراد منهُ خلق حاجز نفسي يمنع الأخ من الزواج بأخته، ويخلقُ حالةً شعورية مضادة فيما يتعلق بالعلاقات الجنسية بينهما، مما يمكنهما من العيش في ظل بيت واحد بشكل طبيعي، من دون خوف من الحالات السلبية في هذا النطاق)).
وهذا كلام جميل، ليس فيه أي ادعاء لاكتشاف ملاك الحكم أو علته، بل يطرحه كوجه محتمل وممكن من وجوه الحكمة، أو كجزء مستنبط من أجزاء العلة. ولهذا جاء الطرح بعبارات ((من الممكن)) أو ((قد يراد منه)).
وهكذا الحال فيما يطرحه في كتاب (الندوة) من الحديث عن ((المناعة الجنسية)) و ((استقرار حياة العائلة)) وتوفير ((الأجواء الطاهرة)) راجع: الندوة/ 1/ 737.
علماً أن ما قاله (السيد) قد سبقه إليه العلامة الطباطبائي، فقد تحدث عن المصالح التي ينطوي عليها تشريع تحريم نكاح أصناف النساء، وهي أربعة عشر صنفاً المعدودة في آيات التحريم، حيث يقول:
((فإن الملاك في تحريم نكاحهن سد باب الزنا، فإن الإنسان ـ وهو في المجتمع المنزلي ـ أكثر ما يُعاشر ويختلط ويسترسل ويُديم في المصاحبة إنما هو مع هذه الأصناف الأربعة عشر، ودوام المصاحبة ومساس الاسترسال يوجب كمال توجه النفس وركوز الفكر فيهن بما يهدي إلى تنبه الميول والعواطف الحيوانية وهيجان دواعي الشهوة، وبعثها الانسان إلى ما يستلذه طبعه، وتتوق له نفسه، ومن يم حول الحمى أوشك أن يقع فيه.
فكان من الواجب أن لا يقتصر على مجرد تحريم الزنا في هذه الموارد، فإن دوام المصاحبة، وتكرر هجوم الوساوس النفسانية وورود الهم بعد الهم لا يدع للانسان مجال التحفظ على نهي واحد من الزنا.
بل كان يجب أن تحرم هؤلاء تحريماً مؤبداً، وتقع عليه التربية الدينية حتى يستقر في القلوب اليأس التام من بلوغهن والنيل منهن، ويميت ذلك تعلق الشهوة بهن ويقطع منبتها ويقلعها من أصلها)) الميزان/ 4/ 314 ـ 315.
ويؤكد العلامة الطباطبائي ما في واقع المسلمين من التحرز ((حتى في المتوغلين في الفحشاء المسترسلين في المنكرات منهم أنهم لا يخطر ببالهم الفحشاء بالمحارم، وهتك ستر الأمهات والبنات. ولولا ذلك لم يكد يخلو بيت من البيوت من فاحشة الزنا ونحوه)).
ويرى صاحب تفسير الميزان أن الآيات المباركة تشير إلى هذه الحكمة من التحريم الذي يؤدي إلى استقرار المجتمع المنزلي وطهارته وعدم سريان الفساد فيه، كما في قوله تعالى: (وربائبكم الاتي في حجوركم) النساء/ 23، فإن هذه الآية ((لا تخلو من إشارة إلى هذه الحكمة، ويمكن أن تكون الإشارة إليه بقوله تعالى في آخر آيات التحريم: (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفاً) النساء/ 28، فإن تحريم هذه الأصناف الأربعة عشر من الله سبحانه تحريماً باتاً يرفع عن كاهل الانسان ثقل الصبر على هواهن والميل إليهن والنيل منهن على إمكان من الأمر، وقد خُلق الانسانُ ضعيفاً في قبال الميول النفسانية، والدواعي الشهوانية، وقد قال تعالى: (إن كيدكن عظيم) يوسف/ 28)).
------------------------------------
* المصدر: مراجعات في عصمة الانبياء (من منظور قراني)

 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم