موسوعة المصطلحات والمفاهيم
موسوعة
علوم القرآن والتفاسير

د. محمد حسين الصغير
الألفاظ دالة على الأصوات

توافرت طائفة من الألفاظ الدقيقة عند إطلاقها في القرآن، وتتميز هذه الدقة بكون اللفظ يدل على نفس الصوت، والصوت يتجلى فيه ذات اللفظ، بحيث يستخرج الصوت من الكلمة، وتؤخذ الكلمة منه، وهذا من باب مصاقبة الألفاظ للمعاني بما يشكل أصواتها، فتكون أصوات الحروف على سمت الأحداث التي يراد التعبير عنها.
ونضع فيما يأتي أمثلة لهذا الملحظ في بعض ألفاظ القرآن العظيم:
1- مادة "خر" توحي في القرآن بدلالتها الصوتية بأن هذا اللفظ جاء متلبساً بالصوت على سمت الحدث في كل من قوله تعالى:
أ ـ (وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَكأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ).
ب ـ (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهمْ).
ج‍ ـ (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الغَيْبَ).
د ـ (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ).
فإن هذا اللفظ وقد جاء بصيغة واحدة في عدة استعمالات، يدل بمجمله على السقوط والهوي، وهذا السقوط، وذلك الهوي: مصحوبان بصوت ما، وهذا الصوت هو الخرير، والخرير هو صوت الماء، أو صوت الريح، أو صوتهما معاً، فالحدث على هذا مستلٌّ من جنس الصوت، ومن هنا يستشعر الراغب (ت: 502ه‍) دلالة اللفظ الصوتية فيقول:
"فمعنى خرّ سقط سقوطاً يسمع منه خرير، والخرير يقال لصوت الماء والريح وغير ذلك مما يسقط من علو؛..
وقوله تعالى: (خَرُّوا سُجَّداً) فاستعمال الخر تنبيه على اجتماع أمرين: السقوط، وحصول الصوت منهم بالتسبيح، وقوله من بعده (وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ). فتنبيه أن ذلك الخرير كان تسبيحاً بحمد الله لا بشيء آخر".
2- مادة "صرّ" في كلمة "صر" من قوله تعالى:
(كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ).
أو كلمة "صرصر" في كل من قوله تعالى:
أ ـ (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ).
ب ـ (إِنَّا أَرْسَلنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِّرٍ).
هذه المادة في هذه الصيغ الثلاث: مرفوعة، مجرورة، منصوبة، وردت في القرآن وأنت تلمس فيها اصطكاك الأسنان، وترديد اللسان، فالصاد في وقعها الصارخ، والراء المضعّفة، والتكرار للمادة في صرصر، قد أضفى صيغة الشدة، وجسّد صورة الرهبة، فلا الدفء بمستنزل، ولا الوقاية متيسرة، وذلك ما يهد كيان الإنسان عند التماسه الملجأ فلا يجده، أو النجاة فلا يصل شاطئها، أو الوقاية من البرد القارس فلا يهتبلها.
في لفظ "الصر" ذائقة الشتاء، ونازلة الثلوج، وأصوات الرياح العاتية، مادة الصر إذن: كما عبر عنها الراغب (ت: 502ه‍) "ترجع إلى الشدة لما في البرودة من التعقد".
والذكر الحكيم حافل بالألفاظ دالة على الأصوات، جرياً على سنن العرب في تسمية اللفظ باسم صوته.
والله تعالى أعلم.
--------------------------------------------------
المصدر: الصوت اللغوي في القرآن
 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم