موسوعة المصطلحات والمفاهيم
موسوعة
علوم القرآن والتفاسير

سيد قطب
آثار خضوع القصة للغرض الديني

خضعت القصة في القرآن للغرض الديني فترك هذا الخضوع آثاراً واضحة في طريقة عرضها، بل في مادتها. ونحن نعرف فيما يلي، أوضح هذه الآثار:
1_ لقد كان أول أثر لهذا الخضوع أن ترد القصة الواحدة _في معظم الحالات _ مكررة في مواضع شتى. ولكن هذا التكرار لا يتناول القصة كلها _غالباً _ إنما هو تكرار لبعض حلقاتها، ومعظمه إشارات سريعة لموضع العبرة فيها؛ أما جسم القصة كله، فلا يكرر إلا نادراً ولمناسبات خاصة في السياق.
وحين يقرأ الانسان هذه الحلقات المكررة ملاحظاً السياق الذي وردت فيه يجدها مناسبة لهذا السياق تماماً، في اختيار الحلقة التي تعرض هنا أو تعرض هناك، وفي طريقة عرضها كذلك. ويجب أن نذكر دائماً أن القرآن كتاب دعوة دينية، وأن التناسق بين حلقة القصة التي تُعرض والسياق الذي تعرض فيه هو الغرض المقدم. وهذا يتوافر دائماً، ولا يخل بالسمة الفنية إطلاقاً.
على أن هناك ما يشبه أن يكون نظاماً مقرراً في عرض الحلقات المكررة من القصة الواحدة _يتضح حين يقرأ بحسب ترتيب نزولها _ فمعظم القصص يبدأ باشارة مقتضبة، ثم تطول هذه الاشارات شيئاً فشيئاً، ثم تعرض حلقات كبيرة تكوّن في مجموعها جسم القصة _وقد تستمر الاشارات المقتضبة فيما بين عرض هذه الحلقات الكبيرة عند المناسبات _حتى إذا استوفت القصة حلقاتها، عادت هذه الاشارات هي كل ما يعرض منها.
ونضرب مثالاً على هذا النظام، قصة موسى. إذ أنها أشد القصص في القرآن تكراراً. فهي من هذه الوجهة تعطي فكرة كاملة عن هذا التكرار.
وردت هذه القصة في حوالي الثلاثين موضعاً. نذكر أهمها ونهمل بعض المواضع التي ورد فيها الاسم مجرداً. فكيف جاءت في هذه المواضع؟ إنها تسير في المراحل التالية:
1_ في سورة الأعلى (السورة الثامنة في النزول) إشارة قصيرة: "إن هذا لفي الصحف الأولى، صحف إبراهيم وموسى". وإشارة قريبة منها في النجم (السورة 23).
2_ وفي الفجر (السورة العاشرة) إشارة إلى فرعون بدون ذكر موسى مع عاد وثمود: (... وفرعون ذي الأوتاد، الذي طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، فصب عليهم ربك سوط عذاب). وإشارة قريبة منها في سورة البروج (السورة27).
3_ وفي سورة الأعراف (39) بدأ التفصيل الأول للقصة في معرض قصص مشترك مع نوح وهود ولوط وشعيب، اتحدت فيه صيغة الدعوة وصيغة التكذيب، والعقاب الذي أخذ المكذبين.
وقد بدأت القصة هنا برسالة موسى وهارون إلى فرعون وملئه (ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملئه...) ثم ذكرت معجزة العصا واليد البيضاء. وجمع السحرة والمباراة بينهم وبين موسى، وغلبته عليهم، وإيمانهم به. وتعذيب فرعون لبني إسرائيل بعد ذلك، وتسليط الجراد والقُمّل والضفادع والدم على فرعون وقومه، واستغاثتهم بموسى، وكف الأذى عنهم، وعودتهم لتعذيب بني إسرائيل. ثم خروج هؤلاء من مصر، وبعد الخروج طلبهم من موسى أن يتخذ لهم إلها كما للمصريين آلهة، وتذكيره لهم بربهم ثم ميعاد موسى مع ربه بعد ثلاثين ليلة زيدت إلى أربعين، وطلبه رؤية ربه، ودك الجبل وانصعاق موسى وإفاقته. وعودته إلى قومه حيث وجدهم قد اتخذوا لهم عجلاً إلهاً، وغضبه على أخيه. ثم اختيار سبعين رجلا منهم لميقات ربه، وغشيتهم بالجبل لما طلبوا رؤية الله جهرة وإفاقتهم، ثم دعائهم بطلب الرحمة، فالرد عليهم بأن الرحمة قد كتبت للمؤمنين الذي يتبعون النبي الأمي...
4_ ثم ترد إشارتان للرسالة والتكذيب وإهلاك المكذبين، في قصص مشترك إحداهما في الفرقان (42) والثانية في مريم (44).
5_ وفي سورة طه (45) يبدأ تفصيل آخر، يبدأ من حلقة أسبق من حلقة الرسالة التي ذكرت في "الأعراف" تلك هي رؤية موسى للنار من جانب الطور: (وهل أتاك حديثُ موسى، إذ رأى ناراً فقال لأهله امكثوا إني آنستُ ناراً لعلي آتيكم منها بقبسٍ أو أجد على النار هُدى. فلما أتاها نُودي يا موسى: إني أنا ربك فاخلع نعليك، إنك بالوادي المقدس طوى، وأنا اخترتك فاستمع لما يُوحى...) وبعد أن يكلّف الذهاب إلى فرعون، يحاور ربه ليرسل معه هارون، يشد أزره ويكون وزيراً له، فيذكّره الله بنعمته عليه في مولده، ورده إلى أمه _في إشارة سريعة _ ثم تسير القصة كما سارت في الأعراف (مع حذف آيات الجراد والقمل والضفادع والدم، وعهد فرعون لبني إسرائيل ونكثه. ومع زيادة حلقة وهي أن السامري هو الذي صنع العجل، وتفصيل قصة صنعه. ويذكر الميعاد بسرعة ويغفل الميقات).
6_ وفي سورة (الشعراء 47) تبدأ القصة من حلقة الرسالة، وتسير في الخطوات التي سارت فيها إلى حلقة الخروج، ولكنها تزيد هنا أمرين: الأول ذكر موسى أنه قتل رجلاً من المصريين فهو يخشى أن يؤخذ به، وتذكير فرعون له بأنه قد رُبي فيهم وليداً وفعل هذه الفعلة ومضى. والثاني ذكر انفلاق البحر كالطود العظيم. وهذا وذلك مع تنويع في الحوار بين فرعون وموسى، وإثبات إلهة بصفاته وتنويع في الحوار مع السحرة كذلك.
7_ ثم تذكر في سورة النمل (48) حلقة التكذيب والعقاب مجملة مع قصص مشترك.
8_ وفي سورة القصص (49) تبدأ القصة من أول حلقة فيها: من مولد موسى في إبان اضطهاد قومه. فوضعه في التابوت وإلقائه في البحر. والتقاط آل فرعون له، وتحريم المراضع عليه. وقول أمه لأخته أن تقص أثره. ومعرفتها بأمره، وإشارتها على آل فرعون بمرضع للطفل هي أمه. ثم كبره. ثم قتله للمصري، ومحاولته قتل آخر، وتهديده إياه بافشاء سر القتلة الأولى، ونصح رجل له بالهرب وقد جاءه من أقصى المدينة يسعى، وخروجه إلى أرض مَدينَ، والتقائه ببنتي الشيخ الكبير، وسقيه لهما، وإعجاب إحداهما به، وحضها أبيها على استخدامه، وعمله مع حميه. وزواجه بابنته حسب شرطه، ثم انفصاله عنه وذهابه بأهله، ثم رؤيته النار (التي بدأ منها القصة في سورة طه)، ثم تسير القصة كما سارت هناك، بزيادة واحدة هي تهكم فرعون في قوله: (فأوقد لي يا هامانُ على الطين فاجعل لي صَرحاً، لعلي أطلعُ إلى إله موسى‍). وتنتهي عند حلقة غرق فرعون، بعد خروج موسى.
9_ ثم في سورة الاسراء (50) إشارة سريعة إلى إغراق فرعون والتمكين لبني إسرائيل.
10_ وفي سورة يونس (51) عرض قصير _في وسط قصص مشترك _ لبيان عاقبة التكذيب، وقد ذكرت فيه حلقة السحرة باختصار، وتجاوز بني إسرائيل البحر، واتباع فرعون لهم وغرقه. ولكن زاد في حلقة الغرق أن يقول: (حتى إذا أدركه الغرق قال: آمنت أنه لا إله إلاّ الذي آمنت به بنو إسرائيل)‍ فكان الرد عليه: (الآن؟ وقد عصيت قبلُ وكنت من المفسدين؟ فاليومَ نُنَجيكَ ببدنكَ لتكون لمن خلفك آية). وهي زيادة لا ترد إلا في هذا الموضع.
11_ ثم في سورة هود (52) إشارة سريعة إلى الاهلاك بعد التكذيب في صدد قصص مشترك.
12_ وفي سورة غافر _أو المؤمن _ (60) تعرض حلقة الحوار بين فرعون وموسى. ولكن يزيد في هذا الحوار قول فرعون، (ذروني أقتل موسى وليدعُ ربه). وظهور رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه، وينافح عن موسى ويشير عليهم ألا يقتلوه، فقد يكون على صراط مستقيم. وهي زيادة لا ترد في غير هذا الموضع.
13_ وفي سورة فُصّلت (61) إشارة سريعة. وكذلك في سورة الزخرف (63) إشارتان سريعتان. ولكن يزيد هنا أن فرعون يقول: (أليس لي مُلكُ مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي؟ أفلا تبصرون؟ أم أنا خيرٌ من هذا الذي هو مهين ولا يكادُ يبين؟) وهي زيادة لا ترد إلا في هذه السورة.
14_ وفي سورة الذاريات (67) إشارة خاطفة إلى إرسال موسى إلى فرعون بسلطان مبين، وتكذيبه وإهلاكه.
15_ وفي الكهف (69) تعرض حلقة مقابلة موسى لعبد من عباد الله أوتي من لدنه رحمة وعُلم علماً. وقد طلب إليه موسى أن يصحبه ليستفيد من علمه، فأخبره أنه لن يصبر معه ليعلمه فوعده موسى أن يصبر ثم لم يستطع معه صبراً، لأن الرجل أخذ في تصرفات لا يدرك كنهها موسى، ولا يعرف لها مغزى. فشرح له الرجل العالم سرها وافترقا. وهي حلقة تذكر مرة واحدة.
16_ ثم في سورتي إبراهيم والأنبياء (72 _ 73) إشارتان سريعتان، المهم في ثانيتهما وصف التوراة بأنها "فرقان".
17_ ويأتي تفصيل آخر في سورة البقرة (87) في معرض تذكير بني إسرائيل بنعم الله عليهم، ومقابلتهم هذه النعم بالمماطلة والجحود _وفي هذا المعرض تكرر بعض الحلقات التي سبقت في قصة موسى _ ومن ذلك إعطاؤهم المنّ والسلوى _ولكن يزيد هنا تبطرهم على هذه النعم، وطلبهم أطعمة منوعة بدل المن والسلوى. ثم حلقة البقرة التي أمرهم الله بذبحها، فجعلوا يتلكأون، ويسألون عن صفاتها ويتمحلون فيها، حتى استنفذوا المعاذير، (فذبحوها وما كادوا يفعلون)، وهي _كما ترى _ حلقة جديدة لم تذكر من قبل أصلاً.
18_ وفي سورة النساء (92) إشارة إلى طلبهم أن يروا الله جهرة للتدليل على عنتهم ومِحَالهم.
19_ وفي سورة المائدة (112) تذكر حلقة وقوفهم على أبواب الأرض المقدسة "فلسطين" لا يدخلون: (قالوا: ياموسى إن فيها قوماً جبّارين، وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها، فان يخرجوا منها فانّا داخلون)‍... إلى قوله: (قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون، قال: ربّ إني لا أملكُ إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين. قال: فانها محرّمةٌ عليهم أربعينَ سنة يتيهون في الأرض، فلا تأس على القوم الفاسقين). ويتركهم هنالك في التيه فلا يأتي بعد ذلك ذكر لموسى. ولا يذكر عن بني إسرائيل إلا تفرقهم وعداؤهم للمسيح والمسلمين.
هذه القصة أشد القصص تكراراً في القرآن. وقد رأينا من هذا الاستعراض نوع التكرار؛ وأنه _فيما عدا ستة مواضع _ إشارات توجيهية إلى القصة اقتضاها السياق؛ أما الحلقات الأساسية فلم تكرر تقريباً؛ وإذا كررت حلقة منها جاءت بشيء جديد في تكرارها. وهذه القصة نموذج للقصص الأخرى، وعلى ضوئها ندرك أن ليس في القصص القرآني ذلك التكرار المطلق، الذي يُخيّل لبعض من يقرأون القرآن، بلا تدقيق ولا إمعان.
***
ب) وكان من آثار خضوع القصة في القرآن للغرض الديني _غير التكرار _ أن تعرض بالقدر الذي يكفي لأداء هذا الغرض، ومن الحلقة التي تتفق معه؛ فمرة تعرض القصة من أولها، ومرة من وسطها، ومرة من آخرها؛ وتارة تعرض كاملة. وتارة يكتفي ببعض حلقاتها، وتارة تتوسط بين هذا وذاك، حسبما تكمن العبرة في هذا الجزء أو ذاك، ذلك أن الهدف التاريخ لم يكن من بين أهداف القرآن الأساسية كالهدف القصصي سواء؛ فسارت القصة وهدفها الأول هو الهدف الديني، على النحو التالي:
1_ نجد قصصاً تعرض منذ الحلقة الأولى: حلقة ميلاد بطلها، لأن في مولده عظة بارزة، وذلك مثل:
قصة آدم (منذ خلقه) وفيها مظهر لقدرة الله، وكمال علمه، ونعمته على آدم وبنيه. وفي حادثة إبليس معه ما فيها من أغراض دينية أشرنا من قبل إليها.
ومثل مولد عيسى ابن مريم: وهو يعرض بتفصيل كامل، ذلك أن مولده هو الآية الكبرى في حياته؛ وحول هذا المولد قام الجدل كله؛ وعنه تفرعت كل قضايا المسيحية قبل الاسلام وبعده.
وقصة مريم: فقد نذرت لله وهي في بطن أمها، وتولى كفالتها زكريا؛ ثم رزقت منذ مولدها رزقاً حسناً من عند الله، فكانت (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً. قال: يا مريمُ أنىّ لك هذا؟ قالت: هو من عند الله)... ثم تطوي حلقاتها حتى تأتي حلقة ميلاد عيسى. وهي الحلقة الهامة الثانية في حياتها.
وقصة موسى: لأن لمولده في عهد اضطهاد بني اسرائيل، وتذبيح الذكور من أطفالهم، ونجاته هو من ذلك مع وجوده بين آل فرعون أنفسهم.. قيمة خاصة في بيان رعاية الله له، وإعداده إعداداً خاصّاً للمهمة التي سينهض بها. ثم تذكر من حياته حلقاتها ذات المغزى.
وإسماعيل وإسحاق تعرض حلقة مولدهما، لأن في هذا المولد عبرة. فأولهما رزقه إبراهيم على الكبر، وأسكنه _على الرغم منه _ بجوار البيت المحرم؛ والثاني بُشر به وامرأته عجوز. وقد بلغ من الكبر عتيّاً.
وكذلك يذكر مولد يحيى لزكريا؛ بعد أن وهن منه العظم واشتعل الرأس شيباً.
2_ ونجد قصصاً أخرى تعرض من حلقة متأخرة نسبيّاً.
فيوسف تبدأ قصته صبيّاً، فمن هذه الحلقة يرى الرؤيا التي تُسيّر حياته كلها، وتؤثر في مستقبله جميعاً، إذ يرى أحد عشر كوكباً والشمس والقمر له ساجدين؛ فيدرك أبوه مغزاها ويقربه إليه، فيغار إخوته منه... ثم تسير القصة في طريقها المرسوم بعد هذه الرؤيا.
وإبراهيم تبدأ قصته فتىً ينظر في السماء فيرى نجماً، فيظنه إلهه، فاذا أفل قال لا أحب الآفلين، ثم ينظر مرة أخرى فيرى القمر، فيظنه ربه؛ ولكنه يأفل كذلك، فيتركه ويمضي، ثم ينظر إلى الشمس فيعجبه كبرها؛ ويظنها _ولا شك _ إلهاً‍ ولكنها تخلف ظنه هي الأخرى، فيفيء إلى ربه الذي لا يُرى... ويدعو أباه وقومه إلى هذا الاله الواحد فلا يجيبونه، فيحطم أصنامهم في غفلة منهم حيث يقولون (سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم) ويهمون باحراقه، فينجيه الله منهم: (قُلنا: يا نارُ كوني برداً وسلاماً على إبراهيم).
3_ ثم نجد قصصاً لا تعرض إلا في حلقة متأخرة جداً:
فنوح وهود وصالح ولوط وشعيب، وكثيرون غيرهم، لا تعرض قصصهم إلا عند حلقة الرسالة، وهي الحلقة الوحيدة التي تعرض من حياتهم، لأنها أهم حلقة منها، والعبرة كامنة فيها.
هذا كله من ناحية الابتداء. وأما من ناحية الاطناب والايجاز فهما كذلك خاضعان لما في حلقات القصة من عظة وأهمية. نضرب لذلك الأمثال فيما يلي:
1_ قصة كقصة موسى تذكر بجميع حوادثها وتفصيلاتها، منذ مولده _بل قبل مولده _ إلى وقوفه بقومه أمام الأرض المقدسة، حيث كتب عليهم التيه أربعين سنة، جزاءً وفاقاً. لأن في كل حلقة من حلقات القصة غرضاً دينياً يبرز، وله صلة بأهداف القرآن العليا، وبالتصور الاسلامي الأصيل.
2_ وهناك قصص متوسطة التفصيل:
فقصة نوح تذكر منها تفصيلات رسالته ودعوته لقومه واستكبارهم عنها.
وحلقة صنع السفينة. وحلقة الطوفان، وغرق ابنه، ودعائه الله أن يحييه، وعدم استجابته له، لأنه ليس من أهله، ولو كان ابنه: لأنه عملٌ غير صالح!.
وقصة آدم تفصل تفصيلا في نشأته وخطيئته، وهبوطه، وتوبته، واستجابة الله له.
3_ وهناك قصص قصيرة:
فقصص هود وصالح ولوط وشعيب _مع تكرارها _ قصيرة لأنها تعرض عند حلقة الرسالة وحدها، فتتضمن الرسالة والحوار مع قومهم، وتكذيب هؤلاء القوم، ثم إهلاكهم جميعاً.
وقصة إسماعيل تذكر عند مولده، وعند افتدائه من الذبح، وعند اشتراكه في بناء الكعبة مع أبيه، في اختصار نسبي، في هذه الحلقات جميعاً.
4_ وهناك قصص متناهية في القصر:
فقصة زكريا تذكر عند مولد يحيى، وعند كفالته لمريم. وقصة أيوب تذكر عند مس الضر له، ثم استغاثته بالله وشفائه ورد أهله إليه. وقصة يونس تذكر عند ابتلاع الحوت له ثم نبذه بالعراء، ورسالته لقومه وإيمانهم به.
5_ وقصص يشار إليها ولا يذكر شيء عنها _إلا وصفاً خاطفاً لأصحابها: كقصص إدريس واليسع وذي الكفل؛ وطائفة أخرى لا تذكر إلا أسماؤهم في صدد استعراض سجل الأنبياء.
6_ فأما القصص الأخرى المتفرقة كقصة أصحاب الأخدود. وأهل الكهف، وابني آدم. وصاحب الجنتين. وأصحاب الجنة. وسد مأرب. والذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها... وهي القصص الوعظية البحتة، فتعرض بالقدر الذي يبلغ العظة.
***
"ح" وكان من أثر خضوع القصة للغرض الديني أن تمزج التوجيهات الدينية بسياق القصة، قبلها وبعدها وفي ثناياها كذلك.
فأما ما يذكر من التوجيهات قبلها فقد ذكرنا منه مثالين فيما مضى. أولا: التنبيه إلى دلالة القصص على الوحي بها، كما في قصة يوسف وقصة آدم. وثانياً: مجيء القصص مصدقة للانباء مثل: (نبيء عبادي أني أنا الغفور الرحيم، وأن عذابي هو العذاب الأليم) ثم سرد القصص التي تدل على الرحمة والتي تدل على العذاب.
وأما ما يذكر منه بعدها، فقد ذكرنا منه كذلك مثالين فيما مضى: أولا: التنبيه إلى دلالة القصص على الوحي بها، كما في أعقاب قصة موسى في سورة القصص، وما في أعقاب قصة نوح في سورة هود. وثانياً: التنبيه إلى أن أعقاب الله عادل، وأنه لا يأخذ القوم إلا بعد الانذار، كالذي ورد في سورة العنكبوت عقب قصص الأنبياء المجتمعة: (فكلاً أخذنا بذنبه. فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً، ومنهم من أخذته الصيحة، ومنهم من خسفنا به الأرض، ومنهم من أغرقنا. وما كان الله ليظلمهم، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون).
والذي يتتبع قصص القرآن يجد عقب كل قصة تعقيباً دينياً يناسب العبرة فيها.
والقارىء لقصص القرآن يجد هذه التوجيهات منثورة في ثناياه على هذا النحو أو على نحو سواه؛ ولكنه يجدها بكثرة ووفرة، تدل على الغرض الأساسي من سياق القصة، وهو الغرض الديني أولا وقبل جميع الأغراض.
---------------------------------------
المصدر : عن ( التصوير الفني في القرآن )
 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم