موسوعة المصطلحات والمفاهيم
موسوعة
علوم القرآن والتفاسير

د. محمد حسين الصغير
المنهج القرآني

وهو كما يبدو يفضي إلى مراد الله تعالى من قرآنه الكريم، وذلك عن طريق مقابلة الآية بالآية، والنص بالنص ليستدل على هذه بهذه فإن قيل أي الطرق أصح في تفسير القرآن؛ فالجواب: إن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكان فإنه قد فسر في موضع آخر، وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر...".
وهذا أمر طبيعي تدل عليه وقائع القرآن، فقصة فرعون وموسى، وموسى وقومه، وعيسى والحواريين، بل وآدم وسجود الملائكة، وإبليس وتكبره، أوجزت في موضع وفصلت في موضع آخر، وأجملت في سورة وبينت في سورة أخرى، وما يقال هنا عن الأحداث يقال بعينه عن الأحكام والأزمنة والبقاع ما بيّن منها بعد الإجمال قال الإمام علي عليه السلام: "كتاب الله تبصرون به، وتنطقون به، وتسمعون به، وينطق بعضه ببعض، ويشهد بعضه على بعض، ولا يختلف في الله، ولا يخالف بصاحبه عن الله". وما إستدرك بعد الاستثناء، ونماذج ذلك كثيرة في القرآن حتى ليتعذر حصرها على وجه الدقة، ومن ذلك:
أ ـ في قوله تعالى: (فِيهِ أَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ) فسرت بالآية نفسها، وذلك قوله تعالى: (مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ أَمِناً).
ب ـ وفي قوله تعالى: (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) وهي الآية الرابعة من الفاتحة يبين الله هذا اليوم في سورة الانفطار. فقد أوضح فيها ما غم على الناس، وبين ما أشكل، فقال تعالى: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدَّينِ يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفسٌ لِّنَفسٍ شَيْئاً وَالأَمرُ يَوْمئِذٍ للهِ). فبدا من هذا أن يوم الدين هو يوم القيامة لانطباق الحالات والأوصاف عليه تهويلاً وافتقاراً، واختصاص الأمر بالله الواحد القهار.
ج‍ ـ في قوله تعالى: (فِي لَيْلةٍ مُّبَارَكةٍ) قد أبهم زمان تعيين هذه الليلة. ولكن الإبهام قد رفع بقوله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلةٍ القَدْرِ) فالمباركة في الزمان هي ليلة القدر في هذه السورة لأن الإنزال واحد.
دـ هناك كثير من الأحكام الشرعية أجملت بمكان، وفسر بمكان آخر من القرآن كالطلاق والقصاص، وحلال اللحوم وحرامها فالقصاص مثلاً أجمل في المائدة: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) وفسر مبيناً في قوله تعالى: (الحُرُّ بِالحُرِّ وَالعَبْدُ بِالعَبْدِ).
وفي قوله تعالى: (أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ) استثناء مجمل مبهم، بينته وأوضحته آية أخرى هي: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الخِنزِيرِ).
وبملاحظة ما تقدم يتجلى شأن القرآن الكريم في تفسير بعضه للبعض الآخر، ولهذا اعتمده كثير من السلف الصالح وسار عليه المتشرعة حتى زمننا الحاضر، والحق أن هذا المجال من المنهج يكون عاملاً مساعداً في كشف عيون التأويل، واستخراج كنوز القرآن، ولكنه لا يستوعب القرآن تفسيراً ما لم يضم إليه الأثر واللغة.
--------------------------------------------
المصدر : المبادئ العامة لتفسير القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق
 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم