موسوعة المصطلحات والمفاهيم
موسوعة
علوم القرآن والتفاسير

د. محمد شحرور
مصطلح (الحديث) للقرآن فقط

عرفنا أن القرآن هو النبوة وأنه "الحقيقة". ولكن لماذا قال تعالى عنه: إنه "الحديث"؟: (ما كان حديثاً يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه) (سورة يوسف/ 111) (فذرني ومن يكذب بهذا الحديث) (سورة القلم/ 44) (أفبهذا الحديث أنتم مدهنون) (سورة الواقعة/ 81) (فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً) (سورة النساء/ 78) (فبأي حديث بعده يؤمنون) (المرسلات/ 50) (هل أتاك حديث موسى) (سورة النازعات/ 15) (هل أتاك حديث الجنود) (سورة البروج/ 17).
الحديث مشتق من فعل "حدث". والحدث هو واقعة ذات شقين: إمّا واقعة إنسانية (هل أتاك حديث موسى) أو واقعة كونية: (أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون) (سورة الأعراف/ 185)، أي حدث إنساني أو حدث كوني. والقرآن قرن الأحدث الكونية الكلية والجزئية مع الأحداث الإنسانية "القصص القرآني، أحسن القصص" لذا سمي حديثاً وسمي قرآناً.
سمي حديثاً لأن فيه أحداث الكون والإنسان "التاريخ" والقوانين الناظمة للمادة والقوانين الناظمة للتاريخ الإنساني وربطهما بعضهما ببعض في قوله: (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن ... الآية) (سورة يوسف/3).
وسمي قرآناً لأن القرآن جاء من "قرأ" وعلى قول بعضهم من "قرن" وكلاهما يعني الجمع والمقارنة، كأن تقول قرأت الماء في البئرِ أي جمعته، أو قوله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) (سورة البقرة/ 228) فالقرء هو جمع فترة الطهر مع فترة الحيض. والأساس في اللسان العربي هو فعل "قرن"، فعند ابن فارس نرى أن فعل "قرأ" اشتق من فعل "قرن"، ومن هنا جاء معنى القراءة عند العرب وهو العملية التعليمية، لأنها لا تكون إلا بالمقارنة أي مقارنة الأشياء بعضها ببعض، لذلك لا تقول العرب قراءة إلا على العلم كقولهم "قرأت العلم على فلان"، هنا يجب أن نميز بين القراءة والتلاوة، فالمذيع في التلفاز يتلو الأخبار ولا يقرؤها، والأستاذ في الجامعة يقرأ المحاضرة ولا يتلوها. فالتلاوة هي إعادة لفظ نص بحرفيته، دون شرح ولا تعليق وبشكل متتال ومنه جاءت التلاوة، فإذا أراد المذيع في الإِذاعة أن يقرأ الأخبار عوضاً عن تلاوتها فهذا يعني أن يشرح الخبر ويعلق عليه ويقارنه بأخبار وأحداث أخرى وذلك بهدف تفهيم السامع. وإذا أراد الأستاذ في الجامعة أن يتلو المحاضرة عوضاً عن قراءتها فهذا يعني أن يفتح الكتاب ويتلو نص بالتتالي كما جاء في الكتاب دون أي تعليق وأي شرح وأي مقارنة. فالتلاوة يقابلها باللغة الإِنكليزية (Citation) والقراءة يقابلها(Reading).
هنا يجب أن نفهم قوله تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) (سورة الأعراف/ 204) أي عندما يأتي شخص ويشرح القرآن فأنصتوا له، هذه الآية من القراءة وليست التلاوة. وكذلك نفهم قوله تعالى: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) (سورة النحل/ 98) أي إذا أراد الإِنسان أن يفهم القرآن فعليه الاستعاذة بالله من الشيطان، لأن الشيطان يدخل في الإِنسان حين يريد فهم آيات القرآن "تأويلها".
أما التلاوة فهي لفظ الآيات بالتتالي وتختلف عن القراءة فنقول عن القرآن إنه المتعبد بتلاوته، فالكتاب كله يتلى (إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة ... الآية) (سورة فاطر/ 29) (إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين* وأن أتلوا القرآن) (سورة النمل/ 91-92) هنا نلاحظ كيف ذكر التلاوة لكتاب الله وللقرآن وعن الكتاب كله قال: (الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته) (سورة البقرة/ 121).
----------------------------------
المصدر : الكتاب والقرآن ـ قراءة عصرية
 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم