موسوعة المصطلحات والمفاهيم
موسوعة
علوم القرآن والتفاسير

د.محمد شحرور
أسباب النزول هي للأحكام ولتفصيل الكتاب، وليس للقرآن أسباب نزول ويليه رد أحمد عمران في كتابه ( القراءة المعاصرة للقرأن في الميزان )

بما أن القرآن علم بالحقيقة الموضوعية "الموجودة خارج الوعي الإِنساني" وفيه قوانين الوجود وقوانين التاريخ، نستنتج بالضرورة أن له وجوداً مسبقاً عن التنزيل. لذا قال تعالى عن القرآن: (قرآن مجيد* في لوح محفوظ) (سورة البروج/ 21-22) وهو القوانين العامة الناظمة للوجود منذ الانفجار الكوني الأول وحتى البعث والجنة والنار والحساب، وأنه في إمامٍ مبينٍ وذلك بالنسبة لأحداث الطبيعة الجزئية "ظواهر الطبيعة" المتغيرة وأحداث التاريخ بعد وقوعها. ولم يقل ذلك أبداً عن أم الكتاب ولا عن الذكر ولا عن الفرقان. وهذا يجرنا إلى الموضوع التالي: ما هو "اللوح المحفوظ" و"الكتاب المكنون" و"الإِمام المبين"؟
ـ اللوح المحفوظ: هو لوحة التحكم في الكون الذي نشأ فعلاً، وقد برمج القرآن المجيد في داخلها. ويمثل اللوح المحفوظ:
(INFORMATION IN ACTION)
ـ الكتاب المكنون: هو البرنامج الذي بموجبه تعمل قوانين الكون العامة كمعلومات(INFORMATION)
ـ الإِمام المبين: فيه قوانين الطبيعة الجزئية (ظواهر الطبيعة المتغيرة) آيات الله. وفيه أرشفة الأحداث التاريخية بعد وقوعها: (إنا نحن نحيى الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) (سورة يس/ 12). من هذا الإِمام المبين جاءت قصص القرآن، لذا سماها "الكتاب المبين" ففي أول سورة يوسف الآية (1) جاءت (آلر تلك آيات الكتاب المبين) وفي أول سورة القصص الآية (1-2) (طسم* تلك آيات الكتاب المبين) وفي أول الشعراء الآية (1-2) (طسم* تلك آيات الكتاب المبين) فإذا أخذنا محتويات هذه السور الثلاث نراها كلها قصص أحداث تاريخية.
أما إذا أخذنا سورة النمل فنراها تبدأ (طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين) فإذا نظرنا إلى محتويات السورة نرى أنّ فيها آيات كونية وقصصاً معا وجاء فيها ذكر "كتاب مبين" الآية رقم 75(وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين). لذا نجد هنا عطف "كتاب مبين" على "القرآن" من قبيل عطف الخاص على العام.
ولهذا فإن القرآن ليس له أسباب نزول وقد قال عنه إنه أنزل دفعة واحدة عربياً وفي رمضان (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس.. الآية) (سورة البقرة/ 185)، (إنا أنزلناه في ليلة القدر) (سورة القدر/ 1).
علوم القرآن
احمد عمران: أسباب النزول
"ليس للقرآن أسباب نزول لأن أسباب النزول هي للأحكام وتفصيل الكتاب" [ص ـ92]" (الكتاب والقرن/ د. محمد شحرور).
هذا العنوان بحرفيته للمؤلف، وهو مبنيٌّ على إحدى مشتقات نظريته في التقسيم، التي يكررها على الدوام، فالقرآن ـ على مقتضى هذه النظرية ـ مستقل تماماً عن الكتاب، ومغايرٌ له مغايرة كاملة، ولا يلتقيان إلا أنهما مجتمعان في مجموع واحد.
في الواقع:
ينبغي الاعتراف بأنه من المرهق جدّاً تتبُّع المؤلف في توزيعه لأنشطة القرآن، والجهات التي تمارس فيها هذه الأنشطة. فهو: إما أنه يقول ما يريد ألا يُفهم، وإما إن القارئ لا يستطيع أن يفهم ما يقولُه. وإليك أنموذجاً من أقواله:
"القرآن في اللوح المحفوظ واللوح المحفوظ هو لوحة التحكم في الكون التي بُرمج القرآن داخلها".
"والكتاب المكنون هو البرنامج الذي تعمل بموجبه قوانين الكون العامة كمعلومات".
"والإمام المبين يتضمن أرشفة الأحداث التاريخية وقوانين الطبيعة الجزئية" [ ص ـ 92].
ثم:
لا ينسى أن يضع أمام اللوح المحفوظ تعبيراً إنكليزياً " Information in action" وكذلك أمام الكتاب المكنون "Information" أما الإمام المبين فقد ظل حرّاً يتمتع بعروبته.
ملاحظات حول الموضوع
ـ إن القرآن والكتاب والفرقان والذكر جميعها من أسماء الوحي التنزيلي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم من أول الفاتحة حتى آخر الناس.
ـ وأن القرآن وصف بأنه في (كتاب مكنون) في 56/78 ـ من سورة الواقعة.
كما وُصف بأنه في (لوح محفوظ) في 85/22 ـ البروج.
ووصف بأنه (مبين) في 15/1 ـ الحجر.
ـ وأن معنى المكنون، هو أقصى حالات الحفظ والصون.
ـ ما دام أن هذه "الكتب" صدرت عن الله وأُبلغت إلى النبي بوحي "من أمره".
وما دام أن ليس للإنسان يدٌ في تحديد وظائفها وتوزيعها، لأن ذلك منوط بمشيئة من أصدرها وأوحاها وأمر بإبلاغها.
وما دام أن "البرمجة" تعني الترتيب والتبويب التي تستعين به الذاكرة لحفظ المعلومات وتنسيقها فهي إحدى حاجات الذاكرة الإنسانية التي فُطرت "محدودةً عن الكمال" ومتَّصفةً "بدواعي النقص والسهو" وهي عوارض وحاجات، لا يمكن تصورها في الله عزَّ وجلَّ الذي هو الكمال المطلق المنزه عن السهو والنقص والحاجة إلى وسائل التذكير.
فالخطأ الجسيم الذي وقع فيه المؤلف، هو في أنه تعامل مع الذات الإلهية مثلما يتعامل مع الذات الإنسانية، فأخضعها للمؤثرات والعوامل التي يخضع لها الإنسان، وجعل ذاكرة الله عاجزة عن الإحاطة بقضايا الكون وإدارته وتنظيمه ما لم تستعن بالبرمجة والتقسيم والتبويب وإلا وقعت فيما تقع به ذاكرة الإنسان عندما تزدحم عليها المهمات وتتعقَّد الإجراءات.
وحاشَا لله.
ـ ثم كيف استطاع الجزم بأن القرآن نزل دون سبب (هذا عنوانه)؟ وهل يعقل أن يكون نزول هذا المعجز الإلهي عبثاً بلا سبب؟
إن فقدان السبب، يعني فقدان الغاية والهدف، وهذا يعني، أن القرآن نزل عبثاً؟ ألم يقل المؤلف؟
إن القرآن جمع الحقائق الموضوعية المطلقة وأوجب على العلماء أن يبحثوا عنها في آياته، فأعطاهم القدرة على تأويلها، واستخراج القوانين منها ومطابقتها مع الحياة؟
لقد كرَّر هذا القول أكثر من عشرين مرة في كتابه.
ونحن ـ مع تحفظنا على أقواله من حيث المبدأ ـ كنا ننتظر منه أن يظل منسجماً مع نظرياته فلا ينقض هنا ما فَتَله هناك، وأن تظل حاجة الناس إلى اكتشاف حقائق الكون سبباً كافياً لنزول آيات القرآن.
ـ ثم، ألم يقل: إن آيات القرآن هي الآيات البينات التي أوكل إليها تصديق الرسالة وقيامها بين يدي آيات الرسالة، بمهمة الحراسة والحماية من الوضع والرفع والتحوير؟
ألا يصلح هذا أن يكون سبباً لنزول آيات القرآن؟
-----------------------
المصدر : الكتاب والقران ( قراءة عصرية )

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم