موسوعة المصطلحات والمفاهيم
موسوعة
علوم القرآن والتفاسير

الجهاد في القرآن الكريم

عرّف الراغب الاصفهاني الجهاد ، وهو من أئمة التفسير اللغوي للقرآن ، عرّفه بقوله : «الجَد والجهدُ : الطاقة والمشقة . .. والجهاد والمجاهدة : استفراغ الوسع في مدافعة العدو .. » .
وهكذا يتّضح لنا أنّ الجهاد هو بذل كل جهد ممكن لدفع العدو وليس للعدوان ، وقد اتّضح لنا أنّ الاسلام دين العقل والعلم ، والإرادة ، وليس دين الاكراه والجبر .. ويجب أن يتضح لدينا أيضاً أن ما ورد من آيات تتحدّث عن الجهاد في القرآن المجيد تقسم إلى ثلاثة أقسام .. ومن الخطأ الخلط بينها ، وحمل معنى بعضها على البعض الآخر ، وهذه التقسيمات هي :
1 ـ آيات شرّعت الجهاد ، وأذنت به بعد أن كان غير مأذون به وهي قوله تعالى : (أذن للذين يقاتلون بأنّهم ظُلموا وإنّ الله على نصرهم لقدير * الذين اُخرجوا من ديارهم بغير حق إلاّ أن يقولوا ربّنا الله .. ) الحج /39 ـ 40.
وهي أوّل آية نزلت للإذن بالقتال ، وكما سيتضح أنّ الإذن في هذه الآية هو للدفاع ، وليس للهجوم ، لأنه مرتبط ببيان سبب الإذن بالقتال ، وهو الظلم والاخراج من الديار لإيمانهم بالله سبحانه ..
2 ـ الآيات التي تحرّض على القتال والجهاد بالمال والنفس بعد توفر الموجبات والأسباب التي بيَّنتها الآيات الخاصة بهذا الشأن وهي نمط من أنماط الإعلام الحربي ، والحرب النفسية ضدّ العدو ، ومهمتها تعبوية ، ورفع الروح المعنوية مثل : (يا أيُّها النبي حرض المؤمنين على القتال ) الأنفال / 65.
(انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ) التوبة / 41.
(إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنّة .. ) التوبة / 111.
(ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربّهم يرزقون ) آل عمران / 169.
(وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّ الله وعدوكم ) الأنفال / 60.
3 ـ الآيات التي حددت الأسباب الموجبة للقتال .. ومن خلال دراسة وتحليل مضامين هذه الآيات نفهم أن الجهاد لم يشرّع للانتقام والتسلط والعدوان والارهاب ، بل شرع للدفاع ومواجهة الظلم والطاغوت والعدوان ونصرة الحق والمستضعفين .. الخ .
لنقرأ تلك الآيات ولنستنتج منها :
أ ـ قال تعالى : (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا انّ الله لا يحبّ المعتدين .. ) البقرة / 190 ـ 193.
ب ـ (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصدٌّ عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام واخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا .. ) البقرة / 217.
ج ـ (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربّنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً ) النساء / 75.
د ـ (.. فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السَّلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً ) النساء / 90.
هـ ـ (كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاًّ ولا ذمّة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم .. ) التوبة / 8.
(وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنّهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون ) التوبة / 12 .
ط ـ (أُذن للذين يقاتلون بأنّهم ظُلموا وإنّ الله على نصرهم لقدير * الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلاّ أن يقولوا ربّنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إنّ الله لقوي عزيز * الذين إن مكّناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ) الحج / 39 ـ 41.
وإذاً فلنقرأ تلك المجموعة من النصوص القرآنية المبيّنة لموجبات القتال ومجوزاته لتتضح أسباب القتال والجهاد في الاسلام ، ولنثبّت فقه هذه الآيات ، كما أوضحها المفسرون :
يستفاد من النص (أ) المعاني الآتية :
1 ـ إنّ الأمر بالقتال هو أمر دفاعي ، وان السبب هو الدفاع ، فالقتال هو ضد من يقاتل الأمّة الاسلامية ، وهذا البيان واضح من قوله تعالى : (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ) .. لذا فإنّ المسالم الذي لا يقاتل المسلمين ، ليس مقصوداً بالقتال ..
2 ـ لم تكتف الآية بأن توضح أن القتال ، هو دفاع ضد من يقاتل المسلمين ، بل وتنهى عن الاعتداء على الآخرين ، والبدء بالعدوان بالقتال .. وذلك واضح في قوله تعالى : (ولا تعتدوا ) .. بل يوضح القرآن إنّ الله سبحانه لا يرضى بالعدوان ولا يحب المعتدي . . وذلك يعني أنّ العدوان محرّم في الاسلام ، وإن كان باسم الجهاد ، أو القتال في سبيل الله .
إنّ النص (ب) يوضح أن هناك أسباباً أخرى للقتال هي :
1 ـ إن من واجب الأمّة الاسلامية أن تجاهد وتقاتل من أجل الحفاظ على الوطن ، وإن من حق المسلم أن يقاتل مَن يخرجه من وطنه ، أو يستولي عليه .. ورد هذا الموجب أيضاً في العهد المدني الذي كتبه الرسول بين أهل المدينة ، نقرأ هذا الموجب في النص الآتي : «وان أهل هذه الصحيفة بينهم النصر على مَن حاربهم ، وعلى مَن دهم المدينة» .
2 ـ يجب قتال مَن يفتن المسلمين عن دينهم ، ويعمل على إخراجهم من دينهم بالاغراء والارهاب ، أو غير ذلك . . جاء بيان هذا السبب في قوله تعالى : (والفتنة أكبر من القتل ) البقرة / 217.
3 ـ يجب قتال من يخطط ويهيئ لقتال المسلمين للقضاء على الاسلام ، وردّ المسلمين عن دينهم ، سواء باشر هذا القتال أو أعدَّ له .. قال تعالى : (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا .. ) البقرة / 217.
والنص (ج) يوجب القتال من أجل نصرة وإنقاذ المستضعفين من الرجال والنساء والأطفال الذين يشتد عليهم الظلم والطغيان ويستغيثون لطلب العون والانقاذ والنصرة . . قال تعالى : (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان يقولون ربّنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً ) .
والنص (د) يوضح ، إنّما يجب قتال من يقاتل المسلمين ، أمّا من يعتزل القتال ويسالم ولا يقاتل ، فليس للمسلمين حق مقاتلته .. قال تعالى : (فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السَّلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً ) النساء / 90.
والنص (هـ ) يوضح مسألتين أساسيتين هما :
1 ـ إنّ السبب الموجب للقتال أنّ المشركين ، وهم الذين لا يؤمنون بتوحيد الله الحق يتحالفون فيما بينهم ليقاتلوا المسلمين كافة ، لذا يجب قتالهم كافة . . وهذا القتال والجهاد هو أيضاً دفاعيّ لأن أولئك الأعداء قد اجتمعوا وتحالفوا على قتال المسلمين، قال تعالى : (وقاتلوا المشركين كافّة ، كما يقاتلونكم كافّة ) التوبة / 36.
2 ـ يؤكد القرآن إنّ الله مع المتقين وهي دعوة للمسلمين أن يلتزموا جانب التقوى ، ومن التقوى أن لا يكون القتال لمطامع دنيوية ، كالتسلط والعدوان والانتقام ، بل يكون القتال لأسبابه المشروعة ، والتي مرَّ ذكرها آنفاً (واعلموا أنّ الله مع المتقين ) .
كما يوضح ذلك قوله تعالى : (الذين إن مكّناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ) .
إن هذه الآية تصف المؤمنين إذا تحقق لهم النصر والغلبة والسيادة في الأرض بأنهم مصلحون في الأرض ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .
وهكذا تتضح أسباب القتال وموجباته في الاسلام ، وهي أسباب وموجبات مشروعة يقرها العقل والمنطق والأخلاق .
*المصدر : البلاغ

 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم