موسوعة المصطلحات والمفاهيم
موسوعة
علوم القرآن والتفاسير

عالم سبيط النيلي
آية (متى هذا الفتح) وعلاقتها بالظهور المهدوي

(ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين * قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون * فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون) السجدة/ 28 ـ 30.
ذكر المفسرون ثلاثة احتمالات لتفسير هذا الفتح، وجمعوا بين الاحتمالات الثلاثة في محاولة لتضييع الحقيقة بينها، وذلك لعدم انطباق أي واحد منها على الآية، ولأن كل عاقل لابد أن يتساءل عن مدى صحة هذه الاحتمالات فإن كتاب الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه، ويستحيل تفسيره بصورة خاطئة ما لم يقع المفسر في تناقض أما في نفس الآية أو في المجاورة لها أو نفس السورة أو مع آيات أخرى بعيدة.
الاحتمالات التي ذكروها هي: يوم القيامة أو فتح مكة أو يوم معركة بدر.
الأول ـ يوم القيامة:
لا تنطبق الآيات على يقوم القيامة، لأنه:
1 ـ ليس في يوم القيامة إيمان وكفر، ليقول: لا ينفع الذين كفروا إيمانهم .. فهل يصبح الكافر مؤمناً يوم القيامة وهو قد مات كافراً، أليس هذا من التخليط المتناقض لحد مضحك؟ ألم يقرؤوا الآيات التي تؤكد على التوبة إلى لحظة الموت وآيات أخرى تؤكد أنهم كفار داخل النار ويظلون كفاراً حتى لو أعيدوا إلى الدنيا؟ إذ يعودون لما نهوا عنه؟
2 ـ لفظ الفتح لفظ عسكري، خاص بالدنيا، إذ ليس في يوم القيامة معارك ولا فتوحات.
3 ـ ذكر سياق الآيات السابقة عليها يوم القيامة مرتين. وإنما جاء التساؤل الجديد بعد المثل المضروب لأحياء الأرض .. وهو واضح إذ يريد به التنويه عن قدرته على إحياء الأرض وإنزال البركات فتساءل المجرمون: متى هذا الفتح؟ فأجاب: قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم إذا ادعوا الإيمان .. كما نفعهم في عصر الرسالة بدخولهم في النفاق .. ففي الطور المهدوي تزل الملائكة ويحدث الوسم على الجباه وذلك منتهى المهلة لهم فلا ينفعهم إيمانهم.
4 ـ قوله تعالى: (ولا هم ينظرون) خاص بالدنيا لانتهاء المهلة، إذ ليس هناك أنظار يوم القيامة! بل إبليس نفسه لا يأمل بهذا الأنظار ـ ثم أكد المعنى بقوله (فانتظر) المشتق من نفس الجذر اللغوي. (أنهم منتظرون) ـ اشتقاق آخر من نفس المفردة عن الكفار وكل ذلك في الدنيا.
الثاني ـ يوم فتح مكة:
ويكفي لإبطاله وتهافته أن الذين كفروا قد نفعهم إيمانهم في فتح مكة من السوء كثيراً فأطلق سراحهم النبي (ص) وقال: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء)) لدرجة أن القائد العسكري للذين كفروا ـ أبو سفيان ـ نفسه قد انتفع به، فبعد جمعه العساكر مدة عشرين سنة، شهد الشهادتين. فأطلق سراحه ـ بل رجعت السلطة لأولاده وأحفاده وأحيط بمجموعة من الفضائل لازال يرددها إلى الآن مَن هم على شاكلته بل حاز على فضيلة مذكورة للآن في أول لحظة لإسلامه بل وقبل فك قيوده فبعد ن كان بيته مأوى لإبليس والشياطين خمسين سنة، أصبح في لحظة أماناً للخائفين، فروى أصحابه عن النبي (ص) أنه قال: ((ومَن دخل دار أبي سفيان فهو آمن)) فكيف لم ينفع الذين كفروا إيمانهم يوم فتح مكة؟
أما إذا افترضنا وجود مستضعفين ونساء لا يعلمون شيئاً عن حقيقة الرسالة ثم رأوا الآيات يوم الفتح ودخل الإيمان إلى قلوبهم حقاً فآمنوا فلماذا لا ينفعهم إيمانهم يوم الفتح، فلا يمكن أن ينسب إلى الخالق تعالى مثل هذا المراد من الآيات، ولو أخذنا به وجب تكفير جميع مَن أسلم يوم فتح مكة .. وهي نتيجة لا نقبلها نحن ولا المفسرون.
فانظر كيف يحيق المكر السيئ بأهله بعدما أرادوا إخراج الآيات عن معناها في اليوم المهدوي، فأينما يذهبون تصفعهم الآيات.
(الر * كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير) هود/ 1.
الثالث ـ يوم بدر:
لقد أحس المفسرون بهذا التخبط، ولذلك رموا سهامهم نحو معركة بدر فإذا هي أكثر طيشاً مما هناك .. إذ كانوا يحلمون أن تنقذهم معركة بدر لتفسير هذه الآيات باعتبارها أول فتح فتحه الله لنبيه (ص).
ومن هنا تورطوا أكثر لأنه لا يوجد أي مبرر لعدم قبول إيمان مَن يؤمن والمعركة قائمة! فربما وجد انسان نقي السريرة فرأى الآيات ومدد الملائكة وبهاء رسول الله 0ص) وأصحابه فآمن .. فلماذا لا ينفعه إيمانه؟!
من أجل ذلك قال البيضاوي ليخلص من هذه الورطة: والمراد بالذين كفروا الذين قتلوا منهم يوم بدر.
كيف يحصر الذين كفروا ـ وهو عام ـ بقتلاهم فقط يوم بدر فعلى رأيه إن الكفار إذا ماتوا موتاً طبيعياً، ينفعهم إيمانهم .. ثم ما هذه المضحكات فكيف يموت الكافر أو يقتل ويجري الحديث عن إيمانه أو ليس قد قتل كافراً .. فالرجل يتحدث عن شيء لا وجود له لا في القرآن ولا في العقول .. بل يتحدث بلا موضوع أصلاً، لأنه لا موضوع أصلاً عن إيمان بعد موت، فهذا الموضوع منتفي من أساسه.
والظاهر أن هؤلاء لا يفرقون بين هذه الآيات الخاصة بالطور المهدوي وبين آية القيامة في سورة الروم: (فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون) الروم/ 57، والفارق بينهما كبير جداً فهذه الآيات هي التي تخص حالهم يوم القيامة لأنها:
1 ـ جاءت في سياق الحديث عن قيام الساعة ووصف حالهم بعد قيام الساعة مباشرة.
2 ـ سماهم هنا الذين ظلموا بدل الذين كفروا، إذ يظهر ظلمهم علاوة على كفرهم لوجود الصحف وسجلات الأعمال.
3 ـ لا تنفعهم يوم القيامة معذرتهم بدل إيمانهم، لأنه لا يوجد إيمان يوم القيامة ولكن يمكن أن يعتذروا.
4 ـ ولا هم يستعتبون بدل ولا هم ينظرون، لأنه لا يوجد نظار يوم القيامة، بل الحساب الذي يحاولون تحويله إلى عتاب، ليعتذروا. ولذا يؤكد القرآن على عدم منفعة اعتذارهم بشكل دائم في يوم القيامة.
قوله تعالى: (فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون) السجدة/ 30.
أمر الله نبيه بالإعراض عنهم وانتظار ما يحدث فهم منتظرون، فإن كانوا قتلى بدر فكيف يأمره بالإعراض عن القتلى الميتين؟ وإن كان الفتح فتح مكة أو القيامة فكيف يأمره بالإعراض عنهم وهو إنما جاء لينذرهم؟ فمن أجل التخلص من هذه الإشكالات، قال البيضاوي: فأعرض عنهم أي لا تبال بتكذيبهم وقيل منسوخ بآية السيف.
فما أعجله بذكر النسخ كي لا يعطيك مهلة للتفكير في قوله الأول. ثم اسأله وأسأل غيره من الذي قال أنه منسوخ ومتى وكيف يعود مجدداً ليناقض ما قاله أولاً حينما يقول في قوله تعالى: (فانتظر إنهم منتظرون): ((انتظر النصرة عليهم إنهم ينتظرون الغلبة عليك)) فكيف يقول له أعرض ثم يقول له أنتظر النصرة عليهم؟
أما عند فهم الآيات بمعناها الحقيقي ليوم الفتح العظيم لكافة الأرض تزول جميع هذه التناقضات التي تسببها التركيبة الإعجازية لكل مفردة فيها والتي لا تقبل أي عوج أو تناقض في المعنى. فقوله تعالى فأعرض عنهم لا يعني الإعراض عن محاربتهم ليحتاج إلى نسخ أو صد هجماتهم العسكرية وتحصين قوته الذاتية، بل أعرض عن البرهنة على وقوع الفتح لأن عليك أن تنتظر وقوعه لأنه وعد ربك، فإنهم منتظرون عدم تحقيقه أو منتظرون بالضم أي ان لهم مهلة وانظار حتى يوم الفتح حيث لا ينفعهم يومئذ إيمانهم ولا هم ينظرون مزيداً من الوقت كثر من الذي أمهلناهم.
*المصدر :طور الاستخلاف/ج1

 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم