موسوعة المصطلحات والمفاهيم
موسوعة
السيرة والتاريخ

د. حسن حنفي
حضارة العرب

ويقارن البيروني كتب ماني مع النصرانية واليهودية بالرغم من ضياعها. ويبين فضل الإسلام. فالقرآن ناطق في الأشياء الضرورية، وأحكامه غير متشابهة على عكس اليهودية والزنادقة وأصحاب ماني.
ويقارن البيروني بين الحلول والاتحاد عند الصوفية المسلمين والنصرانية وإطلاق اسم الأبوة والنبوة على الله عند اليهود والنصارى. فالمسافة بين الحلول الهندي والنصراني ليست بعيدة. كما يقارن بين الصور في الهندوكية والنصرانية. واليهودية أيضاً دين من ديانات العرب. وإليها ينتسب لقمان الحكيم المذكور في القرآن العظيم. حكمه كثيرة مثل: لا خير في الكلام إلا بذكر الله، أخذ الحال بأمانة الله، الصبر عن محارم الله، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الصبر على المصائب، الاكثار من ذكر الله عز وجل فان الله يذكر من يذكره، الفرار بالذنوب إلى الله، تسبيح الله، أعلم الناس بالله أشدهم له خشية، ما يقرب إلى الله، الحب في الله والبغض في الله، والتقرب إلى الله. الله يحيي القلوب بتقوى الله. وكلها مستقاة من وصايا لقمان لابنه في القرآن وفي الحديث.
وتعطي صورة للقمان من خلال أقواله بعد وصف مكان دعوته. فقد نزل بين الرملة وبيت المقدس كي لا يختلط بالناس حتى لحق بالله عز وجل. وتعتمد على نمط الأسلوب القرآني ووصايا لقمان لابنه. تقوم على ذكر الله. فإذا أكثر الإنسان من ذكر الله يذكره الله، فالله ذاكر من يذكره. والله يحيي القلوب بذكر الحكمة كما تحيا الأرض بوابل السماء. ويجلس الذاكر مع الذاكرين لله عز وجل واطلاع الله عز وجل عليهم برحمته تنالهم، ولا يجلس مع من لا يذكر اسم الله. وفضل ذكر الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه، والذكر لا يخلو من الفم. وهمة الإنسان فيما يقربه إلى الله، الحب في الله والبغض في الله، والتقرب إلى الله عن طريق محبة أوليائه. ويستحي بقدر قربه من الله. فالله أحق أن يستحى منه، وذلك عن طريق تطهير النفس من أحاديث السوء ورضا الخالق بسخط المخلوق، وألا تأخذ الإنسان لومة لائم. الديك يصرخ بتسبيح الله، والإنسان يستعيذ بالله من شر النساء، ويتق الله عز وجل. ولا يخشى الناس كخشية الله عز وجل حتى يكرمه الناس. وتقوى الله حظ للإنسان وحق عليه. والاتكال على الله أروح، والقرب من الناس يجعل الإنسان سهلاً لأن الله يحب كل سهل طلق. وطاعة الله واجبة فان من أطاع الله كفاه ما أهمه وعصمه من خلقه. وما خلق الله خلقاً أهون عليه من الدنيا. نعمتها ثواب للمطيعين، وبلاؤها عقوبة للعاصيين. يفر الإنسان من الذنوب إلى الله، ويتخذ مع الله تجارة تأته بالأرباح. ويؤدي الصلاة المفروضة. والطريق إلى ذلك كله العلم والحكمة. فأعلم الناس بالله أشدهم له خشية. وهذا هو الانتفاع بما علم الله للناس. وأحق الناس بالتواضع أعلمهم بالله وأحسنهم له عملاً. إكرام حكمة الله واجب، ولا تُقدم إلى من تهون عليه، ولا يبخل بها عن من يريد حفظها. كل ذلك في لازمة قرآنية (يا بني لا تشرك بالله).
ويرى صاعد أن الصابئة هنود مع أنهم عراقيون آشوريون، وكأن الهوية تنبع من الفكر وليس من التاريخ. هم موحدون بالله. ولكن الخلاف في النبوة والبعث. العالم أزلي ومعلول بذات الله. وكانوا يقولون بالقدماء الخمسة: الباري، إبليس، الهيولي، الزمان المكان.
وتتم قراءة الفرق بقواعد العقائد الإسلامية، التوحيد والعدل، الخلق والبعث. فاليهود تنكر النسخ. والربانيون كالمعتزلة في خلق الأفعال، والقراؤون كالمجبرة. والفرق اليهودية والمسيحية هي الفرق العربية وليست الغربية كما نفعل نحن هذه الأيام. وقد تكون النسبة من المنطقة مثل السامرة نسبة إلى فلسطين. كذلك تراجع الفرق المسيحية من خلال تاريخ المسيحية العربية، وينقل إلى العقائد المسيحية من خلال العقائد الإسلامية، التثليث في مقابل التوحيد اعتماداً على القرآن، وأهمية الطهارة والشهادة كمقياس للعبادات الصحيحة. والصابئة في مقابل الحنيفية أي الخروج على أحدهما، كلاهما عين الفطرة، دين الوحي ودين الطبيعة ودين العقل بالرغم من الجدل بينهما. الصابئة من عذيمون وهرمس، والحنفاء من وحي الأنبياء. وكانت الصابئة تسمي الكواكب أربا آلهة، والله تعالى هو رب الأرباب وإله الآلهة. وكانوا يعبدونها لتقربهم إلى الله زلفى. وقد ناظرها الخليل بالعقل والتجربة عندما كسر الأصنام وتحداها بالرد. ومنهم من يقول بالتناسخ، وأن الله أجل من أن يخلق الشرور.
وكل عبدة الأوثان من العرب موحدة. عبادة الأصنام ما هي إلا وسائل لتقربهم إلى الله (وما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى)، ولكن الخلاف في النبوة والبعث. صحيح أن عبادة الأوثان والكواكب لا تتفق مع العقل ولكن العرب قبل الإسلام أقروا بالتوحيد والربوبية، والتزموا بالشريعة، وآمنوا بنهاية العالم والبعث النشور، وأقاموا العبادات من صلاة وصيام وحج. وقد أتت عبادة الأصنام من الشام، من اليونان والرومان والنصارى، وليست من الجزيرة العربية بطبيعتها. ويقارن البيروني علوم الهند وشرائعهم بعلوم العرب وشرائعهم قبل الاسلام، فالأنا الحضاري متصل قبل الإسلام وبعده. ويقارن علوم اللغة والشعر في الحضارتين. وكذلك تتم مقارنة الفلك والعلوم الرياضية والطبيعية في الحضارتين. وتتم مقارنة أنواع النكاح في الهند وأنواعها في الجاهلية، الاجتماع على امرأة واحدة إذ كانوا أخوة، الاستبضاع، التبادل، زواج الابن الكبير. وتبدأ العرب بالكتابة من اليمين إلى اليسار وهو أقرب إلى الطبيعة من البداية من اليسار إلى اليمين كما تفعل الهند. والعرب أميون لا يكتبون ولا يحسبون وإنما يعولون على العدد والعيان.
بل تتعدى القراءة إلى النظم السياسية. إذ يسمي صاعد الدولة العباسية بالهاشمية ربما تعاطف معها وهو الاندلسي الذي تدين الأندلس بفتحها للأمويين. والعرب أصناف معطلة ومحصلة. ومن المعطلة من تنكر الخالق والبعث والإعادة، وقالوا بالطبع المحيي والدهر المفني اعتماداً على الطبائع المحسوسة. وقد أشار إليهم القرآن في آية (نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر). وآخرون أقروا بالخالق، والبعض يعتقد بالتناسخ، وفريق ينكر بعثة الرسول.
ولقد استمرت الوثنية بعد الإسلام في الممارسات الشعبية. ولو وجدت العامة أو النساء صورة النبي أو الكعبة لقبلونها وعفروا خدودهم بها وكما يفعلون في مناسك الحج والعمرة. وهو نفس دافع إيجاد الأصنام وتسميتها بأسماء الأشخاص المعظمة من الأنبياء والعلماء والحكماء لتذكير الناس بأمرهم عند الغيبة أو بعد الموت. وبتقادم الأزمان نسي الناس بدايتها وحولوها إلى أصنام. فكأن الناس في البداية وفي النهاية كانت على عبادة الأوثان. فهي العنصر الثابت في الدين على مر الزمان.
---------------------------------
المصدر : من النقل الى الابداع/ مجلد1 / النقل

 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   ||  موسوعة السيرة والتاريخ