موسوعة المصطلحات والمفاهيم
موسوعة
السيرة والتاريخ

د. عبد الرحمن العيسوي
رسالة البيمارستانات في الإسلام

"بيمارستان" بفتح الراء وسكون السين، وهي لفظة فارسية مركبة من مقطعين هما بيمار بمعنى المريض أو العليل أو المصاب و"ستان" بمعنى الدار أو المكان، ومعنى ذلك أن البيمارستان هو "دار المرضى" ثم إختصرت فأصبحت مارستان. وهي بمثابة المستشفيات العامة التي تعالج فيها جميع الأمراض الباطنية والجراحية والرمدية والعقلية. ولما أصابتها الكوارث مجرها المرضى إلا من المجانين حيث لم يكن لهم مكان سواها فأصبحت الكلمة مرتبطة بهؤلاء المرضى فقط.
ولقد إنتشرت البيمارستانات إنتشاراً كبيراً في العالم الإسلامي. وكان منها نوعان، النوع الأول: هو البيمارستان الثابت وهو المقام في جهة من الجهات لا ينقل منها, وكان يوجد هذا النوع بنوع خاص في العواصم الإسلامية الكبرى كالقاهرة وبغداد ودمشق والاسكندرية والنوع الثاني: هو البيمارستان المحمول، وهو الذي ينقل من مكان إلى آخر بحسب إنتشار الأمراض والأوبئة والحروب. وكان هذا النوع معروفاً لدى خلفاء الإسلام، وهو عبارة عن مستشفى مجهزة بجميع ما يلزم للمرضى والمداواة من أدوات وأدوية وأطعمة واشربة وملابس وأطباء وصيادلة وكل ما يعين على ترفيه الحال على المرضى والعجزة والمزمنين والمسجونين، ينقل من بلد إلى أخرى من البلدان الخالية من بيمارستانات ثابتة أو التي يظهر فيها وباء أو مرض معد.
أهتم الإسلام إهتماماً كبيراً بصناعى الطب نظراً لحاجة الناس إليها، وكان في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام أناس يعلمون الطب ويعملون به وكان العرب يخلطون بين التطبيب وبين الرقي وبعضهم تعلم الطب في إحدى البلاد المجاورة للجزيرة العربية، ثم عاد إلى موطنه الأصلي، ومن هؤلاء الحارث بن كلدة الثقفي الذي تعلم الطب في جندى سابور أحد بلاد فارس وأبنه النصر بن الحارث بن كلدة وتعلم أيضاً في جنديسابور وعبد الملك بن أبحر الكناني وكان يقيم بالاسكندرية، ويتولى التدريس بها، وأبن أبي رمثه التميمي وكان جراحاً مشهوراً، وزينب طبيبة بني أود وكانت خبيرة بالعلاج وبطب الرمد وإجراء الجراحات، ومنهم كذلك الشمر دل بن قياب الكعبي الجرابي وكان في وفد نجرن بني الحارث بن كعب فنزل الشمر دل بين يدي النبي (ص) فقال:
"يا رسول الله بأبي أنت وأمي إني كنت كاهن قومي في الجاهلية وإني كنت أتطيب، فما يحل لي فإني تأتيني الشابة" قال: "فصد العرق وجسة الطعنة إن أضطررت ولا تجعل من دوانك شرماً وعليك بالسنا ولا تداو أحداً حتى تعرف داءه" فقيل ركبتيه وقال "والذي بعثك بالحق أنت أعلم بالطب مني". ومنهم كذلك ضماء بن ثعلبة الأزدي، ولقد أسلم بين يدي الرسول وشهد شهادة الحق. ومن طبيبات الإسلام أم عطية الأنصارية ويروي عنها أنها غزت مع النبي (ص) سبع غزوات، كانت تصنع لهم الطعام وتداوي الجرحى وتقوم على المرضى.
لقد كانت البيمارستانات في الإسلام تمارس أكثر من وظيفة، فكانت تتولى علاج المرضى. وكان العلاج نوعين: نوع خارجي: حيث يتم فحص المرضى وإعطاء الدواء لهم، ثم يعودون إلى بيوتهم، وكان هناك العلاج الداخلي، حيث يقيم المرضى في البيمارستان إقامة مستمرة حتى يتم شفاؤهم. ولم يكن العلاج قاصراً على الأمراض الجسمية وغنما كان يتناول أيضاً علاج الأمراض العقلية، وكان المرضى يعاملون معاملة إنسانية يشوبها العطف والحنان والرعاية الشاملة. وبلغ من إهتمام الأمراء أن بعضهم كان يشرف بنفسه على سير العمل بالبيمارستان ومن هؤلاء أحمد
بن طولون الذي أعتاد أن يتفقد أحوال المرضى في كل يوم جمعة في البيمارستان العتيق، وكان يلحق بالبيمارستان العتيق الذي أنشأه أحمد بن طولون سنة 259 هجري. حمامان أحدهما للرجال والآخر للنساء، وكان إذا جئ بالمريض تنزع عنه ثيابه ونفقته وتحفظ عند أمين البيمارستان، ثم يلبس ثياباً نظيفة ويفرض له ويغذى ويتناول الأدوية ويشرف عليه الأطباء حتى يبرأ فيؤمر بالإنصراف وتعاد له ماله وثيابه. وفي ذلك تعبير عن الأمانة والرعاية الإنسانية. وكان أحمد بن طولون ينظر إلى امرضى وسائر المعلولين والمحبوسين من المجانين. دخل مرة حتى وقف عند المجانين فناداه واحد منهم مغلول: "أيها الأمير أسمع كلامي ما أنا بمجنونـ وإنما عملت على حيلة، وفي نفسي شهوة رمانة عريشية أكبر ما يكون". فأمر له بها من ساعته ففرح بها وهزها في يده وزازها ثم غافل أحمد بن طولون ورمى بها في صدره فنضحت على ثيابه، ولو تمكنت منه لأنت على صدره فأمرهم أن يحتفظوا به، ثم لم يعاود بعد ذلك في البيمارستان.
----------------------------------
المصدر : الإسلام والعلاج النفسي

 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   ||  موسوعة السيرة والتاريخ