موسوعة المصطلحات والمفاهيم
موسوعة
السيرة والتاريخ

خلدون حسن النقيب
الانتقال من النموذج القبلي إلى نموذج الحكم الأوتوقراطي (الحكم الفردي المطلق)

أثر الإسلام، بوصفه نمطاً من أنماط الحكم، في الانهيار النهائي لنموذج التنظيم الاجتماعي، السائد والقائم على القرابة القبلية. فالرابطة التي كانت تجمع أعضاء المجتمع الإسلامي الأول، هي رابطة الإيمان، وليس رابطة القرابة أو الروابط العنصرية أو العرقية. ولكن النظام الاجتماعي الإسلامي، لم يستأصل النموذج القبلي استئصالاً جذرياً، فقد كان المجتمع الديني أشبه بقبيلة يرأسها النبي...
ولكن هذا النمط من التنظيم الاجتماعي، سرعان ما اختفى مع اتساع الفتح الإسلامي، وبروز الحاجة إلى إدارة مناطق شاسعة. ولقد وقعت معركة حاسمة، العام 657م، بين الذين أرادوا المحافظة على المبادئ الدينية الأخلاقية للدولة الإسلامية، وبين أولئك الذين تحالفوا مع حكم السلالة الأموية... وانتصر الأمويون، ونجحوا في إقامة حكم إمبراطوري لأسرة حاكمة، مما أثر، في النهاية، في أنماط الحكم الإسلامية اللاحقة (حتى، 1953، 178, 186).
كان حكم الأمويين الإمبراطوري (الذي أنشئ العام 661م) إيذاناً ببداية عملية بناء الإمبراطورية وترسيخ البيروقراطية، ونهاية النزعة الإسلامية الإصلاحية، التي اتسمت بها أيام الإسلام الأولى، والتي تميزت بالمساواة والمشاركة في الحكم. وقد قوبلت هذه التطورات بالثورة والمقاومة من قبل الشيعة والخوارج، الذين اعتبروا أنفسهم أنهم يقاتلون من أجل الشرعية والنقاء الإسلامي، وضد اغتصاب السلطة غير المشروع (زبيدة، 1972 _ حتى, 1953).
وقد أعطت الحركات الصوفية، التي ظهرت خلال الفترة الأخيرة من هذه المرحلة، وخلال تولي العباسيين مقاليد الحكم، عمقاً دينياً وفكرياً لهذه الأحداث بوجوه مختلفة.
وقد أثبت قيام الحكم العسكري البيروقراطي، والحكومة المركزية القوية، على غرار نظام الحكم لدى الفرس والبيزنطيين، أنه وسيلة ناجحة في تنظيم شؤون المناطق المفتوحة الواسعة، ككيان سياسي واحد. وشهدت الفترة ما بين القرنين السابع والثامن عملية تحضر واسعة، وأدى إصلاح نظامي الأراضي الفارسي والبيزنطي، وفرض ضريبة عالية على الأراضي (الخراج) على غير المسلمين، إلى دفع الكثيرين إلى الهجرة في اتجاه المراكز الحضرية، التي أقامها الفاتحون العرب (الدوري 1969: 23 _ 30).
ورافق ذلك كله اتساع التجارة والتمويل، وازدهار الأعمال الحرفية في المراكز الحضرية. وقد بلغت عوائد الحكومة، في أوائل القرن الثامن، مستويات ضخمة. ولكن مع نهاية التوسع العسكري،في أوائل القرن التاسع، والانخفاض الكبير في الخراج، نتيجة اعتناق المحكومين الإسلام، ومع تراكم الثروات الفردية لدى شرائح التجار والطبقة الحاكمة، وصلت الإمبراطورية، القائمة على التوسع العسكري، غاية حدودها الاقتصادية (حتى، 1953 _ زبيدة، 1972 _ الدوري، 1969).
وبدأ تفكك الإمبراطورية العام 755 م, مع انفصال الأندلس (أسبانيا), ثم حققت بلاد شمال أفريقيا استقلالاً نسبياً عن الحكومة المركزية، العام 800م، وحذت خراسان (شرق فارس) حذوها، العام 820م. وأدى استيراد الخلفاء العباسيين الواسع للعبيد العسكريين، لاستخدامهم في قمع الثورات الداخلية، وفي استعادة الحكم المركزي، إلى استيلاء هؤلاء العبيد العسكريين على الحكم، وإنشائهم عائلات حاكمة صغيرة، تقدم ولاءً اسمياً للخليفة. وقد دامت هذه الحال حتى الفتح العثماني.
---------------------------
المصدر : في البدء كان الصراع


 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   ||  موسوعة السيرة والتاريخ