كان العالم الإسلامي كرقعة جغرافية عرضة
للتغيّر الطردي في اتساعه بين ما اشتمل عليه مسبقاً من أقاليم عند
ظهور الإسلام أو العصر الكلاسيكي وبين ما يمثله الآن من رقعة
جغرافية سياسية خاصة.
لقد خضعت هذه الرقعة الجغرافية الى الكثير من التوسع، أو بالأحرى
إلى الكثير من الاتساع الاقليمي الطردي الذي تفاقم امتداده في
مرحلتين، الأولى هي الفترة التاريخية الكلاسيكية المبكرة التي
اصطلح على تسميتها بعصر صدر الإسلام، أي عهد الخلفاء الراشدين (رض)
وبالخصوص عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب. والمرحلة الثانية هي
عصر الدولة الأموية. وان هذا الاطراد في السعة للرقعة الجغرافية لم
يتواصل بعد ذلك إلا خلال فترة حكم الدولة العثمانية التي تغلغلت
إلى أقاليم جديدة مثل شرق أوروبا لكنها لم تكوّن دولاً اسلامية
جديدة مضافة، بل نجحت في تكوين أقليات اسلامية داخل منطقة شرق
أوروبا التي سميت بعد ذلك بأوروبا الشرقية. وخلقت الدولة العثمانية
كذلك امكانية اسلامية داخل بقاع جديدة أخرى. ولذلك فإن ما يمكن أن
يوصف بأنه رقعة جغرافية للعالم الإسلامي منذ الأصل ما هو إلا وصف
لوضع جغرافي سياسي متغير.
إن المفهوم الجغرافي للعالم الإسلامي يتواكب مع مفهوم الاتساع
التدريجي الذي شمل في النهاية الرقعة الجغرافية السياسية القائمة
حالياً. ففي بداية انطلاقة الإسلام كانت فترة الرسول محمد (ص) مصدر
هذا الانتشار للإسلام. وعبر عملية التتبع التاريخ لرصد التوسع
الجغرافي لانتشار الإسلام يمكن تحديد بعض المراحل الزمنية منذ
انطلاق الدعوة الإسلامية وحتى عصرنا الراهن.
انطلقت الدعوة الإسلامية من مكة المكرمة، وطيلة عهد الرسول (ص) كان
توسع الرقعة الجغرافية لانتشار الاسلام محصوراً بالجزيرة العربية.
حيث بدأت الدعوة في بداية الأمر من شمال مكة نحو المدينة المنورة،
وبعد غزوات الرسول (ص) المتعددة شمل الإسلام الرقعة الممتدة غربي
شبه الجزيرة العربية على طول السواحل الشرقية للبحر الأحمر الممتدة
من منطقة الحجاز شمالاً وحتى اليمن جنوباً. ثم امتد الإسلام من غرب
شبه الجزيرة العربية حتى وسطها في منطقة نجد والمناطق الغربية
المحاذية لصحراء الربع الخالي. وبقيت المناطق الشرقية القصوى
الواقعة على السواحل الغربية للخليج والجنوبي الشرقي لم ينتشر فيها
الاسلام، بل انتشر في اقصى الجنوب الشرقي للجزيرة العربية وفي
المنطقة التي فيها الآن سلطنة عُمان والمنطقة الواقعة على مضيق
هرمز وفي الشمال الشرقي لبحر العرب حتى ظفار جنوباً.
وبذلك يكون الإسلام حتى وفاة الرسول الأعظم (ص) عام 632 ميلادية قد
شمل مناطق غرب الجزيرة العربية كلها وحزاماً صغيراً في الجنوب
الشرقي للجزيرة هذا مع بقاء وسط الجزيرة العربية من الشمال الى
الجنوب منطقة لم ينتشر فيها الإسلام.
وفي زمن الخليفة الأول أبو بكر وبعد قضائه على المرتدين في حروب
الردة شمل الاسلام كل شبه الجزيرة العربية حيث امتد من سواحل
الخليج وبحر العرب شرقاً حتى السواحل الشرقية للبحر الأحمر غرباً
ومن مناطق سوريا والعراق في شمال الجزيرة حتى كل شبه سواحل الجزيرة
الجنوبية المطلة على بحر العرب وقد استمر هذا الانتشار الجغرافي
للدين الإسلامي حتى عام 634م.
غير ان الامتداد الجغرافي الأساسي للاسلام قد جاء في عهد الخلفاء
الراشدين الثلاثة التالين وخاصة في عهد الخليفة الثاني عمر بن
الخطاب فإن الفتوحات التي شهدتها فترة خلافته كانت هي الأساس
الجغرافي الذي انطلقت منه الفتوحات الأخرى في العصر الأموي.
إن التأسيس الجيوستراتيجي عسكرياً لمناطق النفوذ في الدولة
الإسلامية، حسب توسعها في زمن عمر بن الخطاب قد كانت القاعدة التي
انطلقت منها الفتوحات الإسلامية، كما أن هذا الخليفة لم يكتفِ
بعمليات الفتح بل بدأ يركز له أساساً لبناء دولة وأمصار على أساس
إسلامي. فقد وضع قاعدة اقتصادية ونظام ولاية سياسية ينبثق من
الشريعة وتعاليم الإسلام وكان يستفيد ايضاً من النظم الإدارية التي
كانت سائدة سابقاً عندما كانت الأقاليم الجديدة المفتوحة تحت هيمنة
الدولة الساسانية أو الدولة البيزنطية، أي أن الفتح الإسلامي في
زمن عمر كان يؤسس لدولة إسلامية في الوقت نفسه على صعيد جميع النظم
الإدارية والمالية من نظام ضرائبي الى نظام خراج... لكي تكون هذه
البلدان إسلامية دائماً ومستقبلاً. ومن هنا كانت الأقاليم والبلدان
المفتوحة في عهد الخليفة الثاني هي النواة للرقعة الجغرافية التي
انتشر فيها الاسلام والتي كانت المركز الجغرافي الذي انطلقت منه
الفتوحات الاسلامية الأخرى في عهد الخلفاء الراشدين الذين تلوه في
الخلافة ثم في العهد الأموي وما بعده.
وفي نهاية عهد الخلفاء الراشدين الذي انتهى عام 661 ميلادية، كانت
الرقعة الجغرافية للإسلام قد شملت كل منطقة شبه الجزيرة العربية
وتوسعت نحو الشرق والشمال الشرقي للجزيرة العربية حتى وصلت شمالاً
الى المنطقة التي كانت تعرف بارمينيا آنذاك والتي تمثل تركيا
الحالية. ثم بلغت في الشمال الشرقي حدود سمرقند في الشرق. وضمت
المنطقة التي تعرف الآن بايران وافغانستان وجزءاً من الباكستان،
وتقارب شرقاً الحدود الغربية للهند الحالية.
أما في الاتجاه الشمالي لشبه الجزيرة العربية فقد شملت الفتوحات
الإسلامية كل بلاد الشام والعراق والجزء الشرقي لتركيا الحالية
الواقع في الجنوب الشرقي للبحر الأسود، ثم شملت جزءاً من منطقة
القوقاز وكذلك البقاع الواقعة على السواحل الجنوبية الغربية لبحر
قوزين. أما في الغرب فقد شملت الفتوح الاسلامية في عهد الخلفاء
الراشدين وحتى العام 662 كلاً من مصر الحالية والأجزاء الشمالية
والشمالية الشرقية من ليبيا الحالية، حتى وصلت مدينة طرابلس
والمنطقة الجنوبية الغربية لها والتي تشكل حالياً الجزء الشمالي
الوسطي والغربي من ليبيا.
وبذلك كانت الرقعة الجغرافية للدولة الإسلامية في نهاية عهد
الخلفاء الراشدين تضم كافة مناطق شبه الجزيرة العربية، أي دول
الخليج الحالية والعراق وسوريا والأردن وفلسطين ثم شرقاً إيران
وأفغانستان وجزءاً من الباكستان، وشمالاً جزءاً من روسيا وجزءاً من
تركيا الحالية، وغرباً شبه جزيرة سيناء ومصر والجزء الشمالي
والشرقي والأوسط من ليبيا الحالية وتصل في حدودها الشمالية الغربية
الى حدود تونس الحالية.
كانت هذه الرقعة الجغرافية المُشكّلة للعالم الإسلامي هي القلب
الذي ما زال يشكل الدولة الإسلامية المعاصرة والتي انطلقت منها
الفتوحات التالية في العصر الموي ثم استمرت بعد ذلك في العصر
الحديث خلال عهد الدولة العثمانية. وعلى الرغم من أن الفتوحات التي
حصلت في العصر الأموي قد شملت بعد ذلك منطقة شمالي أفريقيا وجزءاً
من بعض بلدان القارة الأوروبية شمالاً "اسبانيا". وكذلك في
الفتوحات التي حصلت في العصر العثماني وتوغلها في منطقة شرقي
أوروبا إلا أن هذه الفتوحات الأموية والعثمانية لم تؤسس رقعة
جغرافية ثابتة لحد الآن، فإن ما كسبه الأمويون في بعض فتوحاتهم مثل
اسبانيا وبعض المناطق الاوروبية وكذلك في المناطق الشمالية الشرقية
التي وصلتها الفتوحات في عهدهم ما لبثوا أن فقدوها أثناء الصراعات
العسكرية التي نشبت في فترات تاريخية مختلفة بعد ذلك بينهم وبين
الدول الأجنبية الأخرى.
-----------------------------------------
المصدر : العالم الاسلامي في الاستراتيجيات العالمية المعاصرة