موسوعة المصطلحات والمفاهيم
موسوعة
السيرة والتاريخ

جاك ريسلر
الذمّيون

لئن كان الوثنيّون خارج الأمّة الإسلاميّة، فإنّ إسم "ذميين" كان يُطلق على غير المسلمين المقيمين على أراضي الإسلام، والمنتمين إلى أديان منزّلة، سواء كانوا جماعات مسيحية أم مذاهب يهودية أو صابئة.
كان عدد المسيحيين يتجاوز الخمسمئة ألف في بلاد الرافدين، وأربعين ألفا في بغداد و 12 مليوناً في مصر؛ وبما أنهم كانوا في أغلبيتهم فلاحين أقباطاً يوفّرون الثروة للفاطميين، فقد تعين عليهم أن يتلاشوا شيئاً فشيئاً، لا من جرّاء اعتناقهم الإسلام، بل من جرّاء انطفائهم وانقراضهم. وكان عدد اليهود ستمئة ألف في بلاد الرافدين السُفلى وحوالي المليون في إيران؛ وكانوا يقيمون بأغلبيتهم متخفّين في المدن حيث يتعاطون الأعمال التجارية، لا سيما في المدن الإيرانية. ونظراً لتمسكهم الشديد بتوحيدهم، تمكّنوا من الحلول محل التجار الهنادكة الذين طردوا بتهمة الوثنيّة. إلاّ أن اليهود لم يتمكّنوا، على الرغم من قوّتهم الاختراقية ومن شراستهم، من التغلغل بسهولة في فلسطين ويهودا حيث كان السكان الأصليّون المسيحيّون، الذين لا يقلّون عنهم مهارةً وخبرةً، ينافسونهم بشدّة.
أما الصابئون اللاجئون في بلاد الرافدين السفلى فقد كانوا ملاحين ممتازين، صيادي لآلىء في معظمهم، فكانوا يكملون لائحة الذميين، مع الفرس الزرداشتيين، المنتشرين في بلاد الرافدين، والمزدكيين الذين كانوا يقطنون بلاد القوقاز والأمصار الواقعة على ساحل بحر قزوين.
الخلافة الأموية أظهرت تجاههم تسامحاً كبيراً جداً. فتركت لهم حرية إقامة الشعائر الدينية والاحتفاظ بكنائسهم. وبعد ذلك بقليل، في عهد العباسيين، كان يُنظر إلى طبقة الذميين تارة بحلم وتسامح، وتارة بشدّة. وفي كل حال كانت تعامل دائماً بتساهل كبير على صعيد الحريّات الدينية. ولم يكن اليهود وحدهم يفضلون شريعة الإسلام على القانون المسيحي، بل كانت الهرطقات المسيحية، التي اضطهدها البطاركة في الماضي، تنظر إلى السلطة الإسلاميّة بوصفها شراً أقل من شرّ بيزنطة. ولقد ازدهرت الأديرة والمناسك والكنائس اليهودية والمعابد لدرجة أن الإسلام في عهد المأمون، في مطلع القرن التاسع، كان يملك فوق أرضه أكثر من 11000 كنيسة مسيحية، وبضع مئات من الكنائس اليهودية ومعابد النّار.
في القرن العاشر، صارت الحياة العامّة أفضل بكثير، فبدأ الذميّون يتكوّنون في مُتحدات ودوائر. ومنذ ذلك الحين، تُركت لهم حريّة إدارة ذاتهم بذاتهم بإشراف رؤسائهم المختارين من قبلهم؛ ووضع في تصرّفهم قضاتهم وقوانينهم، وسُمح لهم بدخول الوظائف العامّة، باستثناء وظيفة القضاء. وسرعان ما صار الذميّون أطباء وممرضين عامين ومصرفيين وصرافين وتجار جملة، وشكلوا نوعاً من أنواع الاختصاص في أوساط المتحدرين من شتى الملل أو الأديان؛ فكان رجال المال من اليهود بوجهٍ عام، والأطباءُ من المجوس، والكتبة من النصارى، وغدا عدد منهم في عداد القضاة والوزراء. ولقد تكرّرت هذه الظاهرة لدرجة أنّها أصبحت غالبة ومألوفة. زد على ذلك أنّ المراكز الرفيعة التي تبّوأها المسيحيون واليهود في مصر، في عهد العزيز الفاطمي، أواخر القرن العاشر، راحت تثير حفيظة المغنيين والشعراء.
في منتصف القرن الحادي عشر، وعلى الرغم من بعض الآيات القرآنية غير المؤاتية، غزا اليهود أرفع المناصب، وتمكّنوا من إزالة الذميّين الآخرين. فقد شغل يهوديّ وظيفة الوزارة في القاهرة العتيقة، وتولى آخران، أبو سعد والتُستري، إدارة الامبراطورية. ومنذ الآن فصاعداً، صار الهجاءُ والتهكُم يطاردانهم بشدّة ولم يقفا عند حدّ:
ها هم يضمّون حكم الإسلام إلى المصرف
فهم مستشارو دولةٍ وسلاطين
فيا أيّها المسلمون، تهوّدوا
لأنّ السماء ذاتها صارت يهوديّة
---------------------------------
المصدر : الحضارة العربية

 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   ||  موسوعة السيرة والتاريخ