موسوعة المصطلحات والمفاهيم
موسوعة
السيرة والتاريخ

احمد حامد
فاطمة بنت محمد.. الحبيبة.. أم الحسن والحسين

" إن الله أمرني ، ان ازوج فاطمة من علي ، على السنة القائمة والفريضة الواجبة ، أطالب الله نسلهما ، وجعل نسلهما من مفاتيح الرحمة ، ومعارف الحكمة وأمن الأمة" محمد رسول الله
هــي: فاطمة بنت محمد رسول الله، الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه، والذي كان خلقه القرآن. أمها سيدة سيدات بيت النبوة، خديجة بنت خويلد.
ولدت فاطمة، قبل أن ينزل الوحي على أبيها بخمس سنوات، وكانت فرحة الأم خديجة بمولد فاطمة، فرحة لا تجاري، إذ جاءت شبيهة بأبيها، مما أسعد الأب ايضاً، أن يكون له شبيه في بناته.
كان مقدم فاطمة، مقدم خير، إذ تم تجديد الكعبة من بناء وستر، وكادت القبائل أن تتقاتل، إذ من يضع منها الحجر الأسود ويفوز بهذا التكريم. وبعد مناقشات كثيرة، على من له سبق وضع الحجر اتفقوا أن يحتكموا إلى أول قادم إلى الكعبة، ليحسم جدلهم الذي كاد أن يصل بهم إلى قتال، فإذا بالقادم، محمد بن عبد الله، الصادق الأمين، الذي حسم الموقف، بأن وضع الحجر في ردائه وجعل من كل قبيلة فرداً، يمسك بالرداء، ليرفعوا جميعاً الحجر، ليمسك به الصادق الأمين، محمد، ويرفعه بيديه الكريمتين، ويضعه في مكانه، ليستقر المتخالفون بعد ذلك.
شبت فاطمة في بيت الحب والوفاء والصدق والإخلاص، وكانت صغرى البنات ورابعتهن، فشربت الحب والرحمة والإخلاص، من الأبوين الكريمين، وفازت بتدليل أبويها، وبحب الأب، فما كانت تترك مكاناً يجلس به إلا وهي تداعبه ويلاعبها، ويحنو عليها، ويأخذها إلى صدره هاشاً، باشاً، سعيداً بذكائها الذي اتقد بين أحضانه.
كانت فاطمة في الخامسة، حينما نزل الوحي على أبيها، فوجدت الاهتمام من الأم بالزوج، تؤنس وحشته، وتسري عنه، وتعمل على راحته.
وعت فاطمة بنت محمد، كل الأمور من صغرها، وشهدت الأحداث العظيمة لأبيها، الرسول، كما شهدت، زواج اختها الكبرى زينب، وزواج اختيها رقيّة وأم كلثوم.
وشهدت الأحداث الجسام، التي مر بها أبوها الرسول، وهو يجهر بالدعوة، وشعرت أنها ابنة النبي الرسول، المصطفى من الخالق والمختار، ليختم الرسالات والأنبياء.
وهالها، أن ترى قوم أبيها يقفون ضده، ليترك ما جاء به كما ادّعوا عليه، لكنها أكبرت فيه التمسك بالدين العظيم.
وأكبرته حينما عادت أختاها _رقية وأم كلثوم _ من بيت حمالة الحطب. لتشغله بهما، لكنه لم يُشغل عن رسالته التي كلفه الله بها بشيراً، ونذيراً، للعالمين.
وهاجت ظنونها، وهي في المحبس بشعب أبي طالب، مع أمها وأم كلثوم والأب الرسول، يجاهد مع صحبه الحصار العنيد.
وشهدت لوعة شقيقتها الكبرى، زينب على الزوج، إلى أن دخل الإسلام، وانضم إلى صحب أبيها. وشهدت وفاتها.
وشهدت وفاة رقية، ووفاة ابنها عبد الله.
وزواج عثمان بن عفان من أختها الثالثة أم كلثوم.
ووفاة الأم الحنون، خديجة بمكة.
ووفاة أم كلثوم.
كان الأب الرسول يشفق عليها مما شاهدت وسمعت وهي التي بقيت له. وصُقلت فاطمة بنت محمد، لما مرّ عليها من أحداث لأبيها وهو ينشر دعوته، ومن الأحداث التي مرت بشقيقاتها وأمها، فكانت تجتر ذكرياتهن بالدمع الساخن، يخفف من وطأة الفراق.
فكان حبه لها لا يجاري، فهو الذي قال فيها:
"وإنما فاطمة بضعة مني، يؤذيني من آذاها، ويريبني من رابها".
وقال أيضاً: "خير نساء العالمين أربع: "مريم وآسيا وخديجة وفاطمة".
وكان شعور فاطمة بحب أبيها، يلقي عليها مسئولية تحملتها في عمر مبكر.
عندما وصلت إلى الثامنة عشرة من العمر. وتقدم لها أغلب صحبه للزواج منها، وكان يرفض رفضاً حانياً. في انتظار ما يحبه لها زوجاً، إلى أن جلس إليه علي بن أبي طالب، وطلبها زوجاً له، ونظر إليه رسول الله، يتذكر أن علياً، يكبر فاطمة بخمس سنوات، شهد ما شهدته فاطمة في بيت النبي، وكان يعيش في بيته، ويعتبر فاطمة أختاً له، ومر شريط حياة علي في بيت محمد، يرقب فاطمة تكبر أمامه، وتتحمل المسئولية في غياب أمها وشقيقاتها بموت لا يرد غائبه.
ورحب رسول الله بزواج علي بن أبي طالب، من حبيبته التي أسرف في حبها، كما أسرف في حب عليّ، وكأنه كان يريد لحبيبيه أن يضمهما بيت واحد.
ولما لم يكن علي ذا مال، عزّ عليه أن يقول لرسول الله أنه لا يملك ما يمهرها به. وسأله الرسول عن شيء عنده، وأجاب علي بن أبي طالب، أنه لا شيء عنده. فذكّره الرسول بدرع كان قد أعطاه إياه. وقال علي: إنه عندي يا رسول الله.
وأحضر علي بن أب طالب الدرع، وأمره الرسول ببيعه، فاشتراه عثمان بن عفان، وأمهر على عروسه.
وتزوجت فاطمة بنت محمد رسول الله إلى العالمين، ابن عمه عليّ ابن أبي طالب. الذي استأجر مسكناً خاصاً للزوجية.
وذهبت فاطمة بيت علي، وزارها النبي الأب عشاء نفس الليلة التي دخلت فيها بيت ابن العم الزوج، وباركهما ولما هم بالانصراف قال رسول الله:
"اللهم بارك فيهما، وبارك عليهما، وبارك لهما في نسلهما".
وقال لفاطمة وهي تنظر إليه بعيون دامعة وهو يودعها:
"إنما تركتك وديعة عند أقوى الناس إيماناً، وأكثرهم علماً، وأفضلهم أخلاقاً، وأعلاهم نفساً".
وأنجبت فاطمة السبطين الخالدين العظيمين، الحسن والحسين، لتنعم بهما مع الزوج الحبيب، وتسعد بقربهما من جدهما الرسول الكريم الذي أعطاهما، كل الحب والحنان والرعاية، مما زاد في حب أبويهما لهما، فقد شرب الحفيدان، من الجد الرسول، أعظم العادات التي تمثلت في مكارم الأخلاق، التي حرص عليها الأبوان، ليستمد عطاء الجد الرسول في سبطيه إلى ما شاء الله.
وتلد الزهراء أيضاً، بنتين جميلتين، أسمت الأولى زينب، والثانية أم كلثوم، كما طلب الأب الرسول.
وكان الرسول الكريم، يجد في ملاطفة ومداعبة أحفاده، راحة لما فقد من الأولاد والبنات، وكأن الله أراد أن يعوضه فقد الولد من خديجة، في ولدي فاطمة، وفقد البنات من خديجة، في ابنتيها زينب وأم كلثوم، وكان الزوج العظيم علي بن أبي طالب، يجد أن الله يسرّ عن رسوله بأولاده وبناته، فكانت سعادته لا توصف بذلك.
وما كان علي بن أبي طالب، بأقل مكانة عند النبي الكريم، من ابنته فاطمة، فهو الذي زوجها له، وانتظر عليها إلى أن بلغت الثامنة عشرة من العمر يرفض خطابها ليأتيها علي بن أبي طالب، طالباً أن يكون زوجاً لها، فقد كان هدف الرسول الكريم، أن يتزوج الهاشميان، فيعطي أحب البنات إلى قلبه، إلى أعزّ الصحب إلى نفسه، ليأتيا بأطهر نسل لهما في تاريخ الإسلام، إن لم يكن في تاريخ البشرية.
فلقد كان علي بن أبي طالب، أشدُ قرباً للرسول، من كل الصحابة، فهو الذي قال فيه: ألا ترضى بأن تكون مني بمنزلة هارون؟ إلا أنه لا نبي بعدي. وقال له وفيه وعليه الرسول الكريم أيضاً: "أنت ولي كل مؤمن بعدي".
ولما آخى الرسول بين المهاجرين والأنصار، آخى بينه وبين علي بن أبي طالب وقال يمسك يمينه: "وهذا أخي".
وتمر الأيام، والرسول الكريم في بيته، لا يمر يوم إلا ويرى فيه أحفاده في بيت فاطمة وعلي، ليزيح برؤيتهم ما كابده من أفعال نسائه الضرائر، إلى جانب الأحداث الجسام التي عبرها الرسول الكريم، إلى أن أراده الله إلى جواره، فأمرضه، وطلب أن يعالج في بيت عائشة، التي ذهبت إليه الزهراء فاطمة، لتسهر فيه على راحة أبيها الرسول، وتمرضه، وأحزنه وهو في شدته أن يرى الابنة الحبيبة محزونة القلب، ليقرّ بها منه فيقول لها: لا كرب على أبيك بعد اليوم، لتعرف أنه مفارق. فتبكي كثيراً، مما جعله يقرّبها منه ثانية ليحدثها، فتضحك من بين حزنها ودموعها، لأنه قال لها أنها أول اللاحقين به من آل بيته.
وانتقل الرسول الكريم، إلى رحاب الله، وعاشت الزهراء حزينة، إذ راحت فاطمة بنت محمد رسول الله، تذكر كل الأحداث الجسام التي مرت بها، منذ أن وعت الحياة صغيرة، إلى أن مات كل أفر اد أسرة النبي أمام عينيها، تذرف عليهم الدموع الغالية، إلى أن أرادها الله إلى جواره، بعد انتقال الأب الرسول بشهور ستة، لتكون أول اللاحقين به من أهله، كما ذكر لها الأب الرسول.
وكانت فاطمة بنت محمد، قد عرفت أنها ستلقي ربها، فاغتسلت، وتكفنت، وأمرت عليّاً، ألا يكشفها إذا توفاها الله، وأن يلفها في ثيابها كما هي، ويدفنها ليلاً.
وكان ذلك في العام الحادي عشر للهجرة.
-----------------------------------
المصدر : قمم نسائية في الاسلام

 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   ||  موسوعة السيرة والتاريخ