موسوعة المصطلحات والمفاهيم
موسوعة
السيرة والتاريخ

أحمد حامد
خديجة السكن.. المؤازرة.. أول المسلمات..!

" والله ما أبدلني خيراً منها ، آمنت بي حيث كفر الناس ، وواستني بمالها ، إذ حرمني الناس ، ورزقني الله منها ، الولد ، دون غيرها من النساء". محمد رسول الله
هي: خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية.
من سادات قريش، ذات حسب ونسب وجاه، كانت تُعدُّ _مؤسسة اقتصادية_ بتعبير عصرنا، فقد كانت تجارتها واسعة، يقوم عليها كثرة من العمال، يعملون بها في مكة، ويرافقونها في رحلتها إلى الشام، طلباً للرزق من ربح تجارتها.
إشتهرت بسمو ورفعة الأخلاق، وكانت قمة في الأمانة والصدق والإخلاص، مما جعل الناس يقبلون على العمل في تجارتها في اطمئنان.
تزوجت قبل محمد بن عبد الله، مرتين، من سادات قريش، هما:
الأول: كان يدعى: عتيق بن عائد المخزومي، أنجبت منه إبنة.
الثاني: كان يدعى: أبو هالة بن زرارة التميمي، أنجبت منه غلاماً.
عاشت بعد زواجها الثاني، متفرغة، تشرف على تجارتها، ورفضت عروضاً كثيرة للزواج من سادات قريش، الأثرياء الموسرين.
لما أرادت لتجارتها المزيد من الربح، طلبت ترشيح راع لتجارتها في رحلتها إلى الشام، يكون على مستوى المسئولية، لا شبهة فيه.
وكان محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، قد ذاع صيته بين الناس بالصدق والأمانة، فجذبها حديث الناس عنه، وحبهم له، ورشحته ليرعى رحلتها التجارية إلى الشام، واستدعته إليها، فارتاحت لهدوئه، وشعرت أن هذا الشاب، سيجعل رحلتها إلى الشام رابحة، وعرضت عليه الإشراف على تجارتها إلى الشام، ووافق محمد، وسافر على رأس الرحلة، وعاد بربح أوفر مما كانت عليه الرحلات السابقة، ومما توقعته خديجة، وسعدت خديجة بنت خويلد، بأمانة محمد، وتأكد لها صدق الناس، بأحاديثهم عنه، صادقاً، عفيفاً، أميناً.
وذاع صيت ربح تجارة خديجة على يديّ الأمين محمد، وسعدت خديجة بحديث الناس عن أمانته ورجولته، وصدقه وعفته، وأرادته زوجاً لها، رغم أنها تكبره بخمسة عشرة عاماً، وأسرّت بذلك إلى صديقتها الأمينة عليها "نفيسة بنت منيه"، وراحت صديقتها إلى محمد، وعرضت عليه الأمر بالزواج من خديجة، واستقبل محمد العرض الطيب، بالموافقة، وتزوجها.
وكانت خديجة بالنسبة له، الأم الحانية، الأخت العطوف، الخير الذي أرسله الله له، السكن الحقيقي، وكان هو نعم الزوج، الصادق الأمين، المحب الحاني، فكان لها سكناً حقيقياً، لم تلمسه في سابقيّه، وشعر محمد مع زوجه خديجة، بارتياح من آلام اليتم التي عاناها منذ كان جنيناً في أحشاء أمه، إلى ان خرج إلى الحياة، يعيش فيها مرارة الحرمان من الأم بعد الأب ثم الجد بعدهما.
وكان من عادة محمد الزوج، قضاء شهر رمضان معتكفاً في جبل حراء، وزوجته خديجة تحترم فيه هذه العادة التي ما خلف لها موعداً إلى أن بلغ الأربعين من عمره، وجاءه جبريل عليه السلام، يقرئه، وما كان محمد بقارىء، أو كاتب، فضمه جبريل بقوة، وكرر عليه كلمة "إقرأ"، فرد مرتعداً: ما أنا بقارىء. وتكرر الضم من جبرئيل، إلى أن كرر وراءه محمد: إقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم.
وما أن انتهى محمد، من ترديد أول كلمات القرآن، حتى انصرف جبريل من حيث أتى، وترك محمداً، الذي خرج من غار حراء، إلى أن صار وسط الجبل، ما زال يفكر فيما حدث، فإذا بصاحب الصوت ينادي عليه قائلاً: يا محمد، أنت رسول الله، وأنا جبريل.
واتجه محمد إلى داره، فاستقبلته الزوجة، فوجدته على غير عادته، فقد كان ينتفض، والعرق يتصبب منه، وراع خديجة ما كان عليه محمد، فأخذته إلى صدرها، وحكى لها ما حدث بالغار، فقال له بصوت حان واثق، صادق أمين: "الله يرعانا يا أبا القاسم، أبشر يا ابن العم واثبت، فو الذي نفس خديجة بيده، إني لأرجو أن تكون أنت نبي هذه الأمة، والله لا يخزيك أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ، وتقري الضيف".
وتحملت الزوجة الصالحة الأمينة، بكل الحب والصدق في الزوج المحب، الصادق الأمين، كل شيء في سبيل راحة زوجها الذي ما كان يخفي عنها شيئاً بعد ذلك من أمر الوحي ونزوله، إلى أن قال لها ذات مرة: انتهى يا خديجة عهد النوم والراحة، فقد أمرني جبريل أن أنذر الناس، وأن أدعوهم إلى الله، وإلى عبادته، فمن ذا أدعو، ومن ذا يستجيب.
وكان رد الزوجة الفاضلة الحريصة على رسالة الزوج العظيم هادئاً رزيناً، واثقاً، حيث قالت: أنا أستجيب يا محمد، فادعني قبل أن تدعو أي إنسان، وإني لمسلمة لك، مصدقة برسالتك، مؤمنة بربك.
وكانت خديجة أول المسلمات. وقفت إلى جوار زوجها الرسول، تؤازره في دعوته، بحبها الكبير له، وبكل ما تملك من مال، ولم تعد معه خطوة واحدة إلى الوراء، بل راحت تدعو معه إلى الوحدانية، وإلى الدين الجديد، الذي أعترض عليه الكارهون، فوقفت تناضل في سبيل نشر الدعوة إلى الاسلام، غير هيابة من فقر أو مرض. فما دامت قد ارتضت الإسلام ديناً، عليها أن تتحمل كل ما يلاقيه الزوج الرسول، لتثبيت دعائم هذا الدين.
ولم تتوان السيدة خديجة رضى الله عنها لحظة واحدة عن مؤازرة الدين الخاتم، والنبي، الرسول، الزوج الخاتم.
ومرضت رضى الله عنها، وانتقلت إلى خالقها مسلمة، مؤمنة، موحّدة، وساد حزن عظيم ذلك العام الذي انتقلت فيه إلى رحاب الله، ودفنت بالحجون بمكة.
وسمى العام الذي ماتت فيه أم المؤمنين رضي الله عنها، بعام الحزن.
قال عنها زوجها الرسول (ص):
"والله، ما أبدلني خيراً منها، آمنت بي حيث كفر الناس، وواستني بمالها، إذ حرمني الناس، ورزقني الله، الولد".
ألا فلتتمثل المرأة حالياً ما كانت تقوم به السيدة خديجة رضي الله عنها، لنعيش في مجتمع آمن، بعيد عن المعاكسات في محاكم الأحوال الشخصية، لتستمر الحياة بعيداً عن المشاحنات، ليتربى الأبناء دون تكدير من أم تبحث عن تكدير صفو الزوج بنفقة ومؤخر، رغم أخطائها لتثبت للناس، أنها الأفضل، ولا هي أفضل ولا أي شيء.
--------------------------
المصدر : قمم نسائية في الاسلام

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   ||  موسوعة السيرة والتاريخ