موسوعة المصطلحات والمفاهيم
موسوعة
السيرة والتاريخ

فاطمة البنت

وهكذا ولدت فاطمة، ودرجت في بيت النبوة، وترعرعت في ظلال الوحي، ورضعت مع لبن خديجة، حب الإيمان، ومكارم الأخلاق .. وحنان الأب الرسول (ص) والأم، أم المؤمنين الطاهرة، وهكذا عاشت فاطمة في ظلال هذا الجو الروحي، والسمو العائلي، وتشبعت روحها بالحنان النبوي الكريم.
وشاء الله تعالى أن تبدأ فاطمة طفولتها الطاهرة، في مرحلة من أشد مراحل الدعوة الاسلامية ضراوة ومحنة، وأكثرها قسوة وأذى لأمها وأبيها ..
لقد ولدت فاطمة في حدة الصراع بين الاسلام والجاهلية. وفتحت عينيها في ضراوة الجهاد بين الطليعة المؤمنة، وقريش الوثنية الجائرة .. وها هي قريش تفرض المقاطعة والحصار على رسول الله، وأعمامه بني هاشم، وأصحابه من الدعاة وطلائع الجهاد، فيدخل رسول الله (ص) شعب أبي طالب، وتدخل معه زوجته المجاهدة رفيقة حياته، وشريكته في جهاده وتدخل معهم فاطمة، وتحاصرهم قريش ثلاث سنين، في هذا الشعب، ذاق (ص) ومَن معه فيها شظف العيش، وقساوة المقاطعة، ومرارة الجوع والحرمان، دفاعاً عن الحق وتضحية من أجل المبدأ، وكانت بداية هذا الحصار في السنة السابعة بعد البعثة النبوية .. ، وبذا عايشت الزهراء الحصار، وذاقت في طفولتها مرارة الجهاد، وألم الكفاح ..
وتمر سنون الحصار، صعبة ثقيلة، ويخرج رسول الله (ص) ومَن معه من الحصار والمقاطعة، وقد كتب الله تعالى لهم النصر والغلبة، وتخرج خديجة وقد أثقلتها السنون، وأرهقها عناء الحصار والحرمان .. وها هي قد بلغت الخامسة والستين من عمرها الجهادي المشرق وحياتها المثالية الفريدة في دنيا المرأة .. لقد قرب أجل خديجة .. وشاء الله تعالى أن يختارها لجواره .. فتتوفى في ذلك العام، الذي خرج فيه المسلمون من الحصار، وكان العام العاشر من البعثة ..
وتوفي في العام ذاته أبو طالب عم الرسول (ص)، وحامي الدعوة الاسلامية، وناصر الاسلام، ولقد شعر رسول الله بالحزن والأسى .. وأحس بالفراق والوحشة .. إنه فقد الحبيب والعون والمواسي، فقد خديجة، زوجته، وحبيبته وعونه، وفقد عمه، الحامي والمدافع عنه .. فسمى ذلك العام بعام الحزن، حقاً إنه عام الأحزان .. عام فقد فيه رسول الله (ص) أحب الناس إلى قلبه، وأكثرهم عطفاً عليه ..
وليس رسول الله (ص) وحده هو الذي رزئ في ذلك العام، بل وفاطمة الصبية الصغيرة التي لم تشبع من حنان الأمومة، وعطف الوالدة بعد .. فقد شاطرته هذه المأساة، ورزئت هي الأخرى، فشملتها المحنة في ذلك العام الحزين .. عام الألم والمأساة، وشعرت بغمامة الحزن واليتم تخيم على حياتها الطاهرة ...
لقد فقدت أمها، وفارقت مصدر حبها وحنانها .. فشعرت بالألم والفراق وغياب الأم يملأ قلبها، ويحز في نفسها، فتسأل أباها بلهفة وحزن: (أبي، أبي، أين أمي، أين أمي!؟) ثم تفيض الحزن دموعاً .. والفراق حسرة.
ويحس الأب الرسول (ص) بوطأة الحزن على نفس فاطمة (ع)، ويرى دموع الفراق تتسابق على خديها، فيرق القلب الرحيم، وتفيض مشاعر الود والأبوة الصادقة، فيحنو رسول الله (ص) على فاطمة، يعوضها من حبه وحنانه ما فقدته في أمها، من حب ورعاية وحنان ..
لقد أحب رسول الله (ص) فاطمة وأحبته، وحنا عليها وحنت عليه، فلم يكن أحد أحب إلى قلبه ولا انسان أقرب إلى نفسه من فاطمة .. لقد أحبها وصاغ حبه لها، وقربها منه؛ أوسمة شرف، وعبارات خلود، فكان يؤكد كلما وجد ذلك ضرورياً، هذه العلاقة بفاطمة، ويوضح مقامها ومكانتها في أمته، وهو يمهد لأمر عظيم، وقدر خطير، يرتبط بفاطمة، وبالذرية الطاهرة التي أعقبتها فاطمة، وبالأمة الاسلامية كلها .. كان يؤكد ذلك ليعرف المسلمون مقام فاطمة، ومكانة الأئمة من ذريتها، ليعطوا فاطمة حقها، ويحفظوا لها مكانتها، ويرعوا الذرية الطاهرة حق رعايتها ..
فها هو رسول الله (ص) يعرّف فاطمة، ويؤكد للمسلمين:
(فاطمة بضعة مني مَن أغضبها أغضبني).
(إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها).
ويسأل الإمام علي (ع) رسول الله (ص) فيقول: (يا رسول الله أي أهلك أحب إليك؟ قال: فاطمة بنت محمد .. ).
إن قولة الرسول (ص) هذه ليست عاطفية بقدر ما هي توجيه للأمة نحو هذه المرأة الأسوة القدوة.
وتكبر فاطمة وتشب، ويشب معها حب أبيها لها، ويزداد حنانه عليها، وتبادله فاطمة هذا الحب، وتملأ قلبه بالعطف والرعاية فيسميها (أم أبيها).
لقد كانت تحنو عليه (ص) حنو الأمهات على أبنائهن، وترعاه رعاية الوالدات لصغارهن.
انه النموذج القدوة من العلاقة الأبوية الطاهرة التي تساهم في بناء شخصية الأبناء، وتوجه سلوكهم وحياتهم، وتملأ نفوسهم بالحب والحنان، لقد كانت هذه العلاقة هي المثل الأعلى في رعاية الإسلام للفتاة والعناية بها، وتحديد مكانتها.
 

مركز الصدرين للمصطلحات والمفاهيم   ||  موسوعة السيرة والتاريخ