سياستنا تجاه عوائل الشهداء والمضطهدين / أسعد تركي

إن رعاية عوائل الشهداء والمضطهدين واجب شرعي وأخلاقي لأن هؤلاء المجاهدين الذين قارعوا اللانظام المقبور قد قدَّموا أغلى ما لديهم قرباناً على مذبح الحرية ويجب أن يكون واضحاً للجميع بأن كل المزايا والمكاسب التي يحضى بها السياسيون والمجتمع اليوم ما هي إلا ثمرات لتضحية أولئك الشهداء والمجاهدين ولذلك يجب إستثمار الكفاءات الفكرية والثقافية من المجاهدين الذين قدموا التضحيات الكبيرة أثناء مواجهتهم للنظام المقبور ويجب تقديمهم لاستلام أهم المراكز السياسية والإدارية حتى لو لم يكونوا حاملي شهادات عليا فيمكن أن يستلموا هذه المراكز السياسية والإدارية وفي نفس الوقت يتم إدخالهم في دراسات مسائية وفي مختلف المراحل والاختصاصات وذلك لعدة أسباب :
1- إنَّ هؤلاء المفكرين والمجاهدين المخلصين يحملون فكراً راقياً وهم يمثلون خلاصة الفكر الخالد لعلمائنا الأعلام وهم يحملون ثقافة ودراية اجتماعية وسياسية اكبر بكثير من حملة الشهادات العليا.
2- إنهم لم يكملوا دراساتهم بسبب الاضطهاد السياسي والاضطهاد الفكري والإقصاء القسري هذا فضلاً عن التصفيات الجسدية فمَن نجا منهم من الاغتيال لم ينجوا من الاعتقال ومن نجا من الاعتقال يضل طريداً مهاجراً مُهَجَّراً ، إما متخفياً داخل الوطن ً بعيداً عن الأضواء يمارس جهاده ومعارضته للطاغية المقبور أو هاجر خارج الوطن ليؤدي دور المعارضة ونشر ظلامة العراقيين المظلومين المؤمنين وبطبيعة الحال أنّ مَنْ ينذر نفسه للدفاع عن حقوق هذا الشعب المظلوم لا يمكن له إكمال دراسته في هكذا أجواء فهل يكون جزاء هذا الجهاد العظيم هو الإقصاء عن قيادة الجماهير بشكل رسمي وعلني بعدما كانوا يحملون في أعناقهم هذه الأخطار الجسام دفاعاً عن الإسلام والإنسانية والوطن ضد قوى الإستكبار العالمي وأذنابه .
3- إن الحصول على الشهادة العليا هي على نحو المستوى الإثباتي وليست على نحو المستوى الثبوتي فإننا نرى أنه هنالك الكثير ممن يكون بمستوى حامل الشهادات العليا في مجال تخصصه بل أن هناك من المفكرين والمبدعين الذين إرتقوا بالإنسانية وأحدثوا طفرات نوعية في شتى مجالات الفكر ولم يكونوا قد حصلوا على شهادات علمية لظروف قاهرة وما محمد باقر الصدر عنا ببعيد الذي إبتكر المذهب الذاتي في نظرية المعرفة ، وهناك من العوام من هو متفوق على حاملي الشهادات العليا بسبب العمل الميداني من جهة والإطلاع الخارجي من جهة أخرى وبذلك يكون تقديم أصحاب الفكر والخبرة أجدى نفعاً من حملة الشهادات العليا.
4 – إن الخطورة تكمن فيما لو كان المعيار الرئيسي أو الوحيد هو الجانب العلمي من دون الأخذ بنظر الإعتبار الجانب الأخلاقي والتهذيب الروحي والموقف المبدأي وكنا قد رأينا الكثير من الذين يمتلكون العلم وكانوا يفتقدون إلى الإنسانية والأخلاق كيف قادوا البشرية إلى الدمار وما مدينتي هيروشيما و نكازاكي اليابانيتين عنا ببعيد فالإرتقاء العلمي يجب أن يتزامن معه إرتقاءً إنسانياً فتتهذَّب الروح وتتطهَّر النفوس من الأطماع الدنيوية الزائلة والأحقاد و إلا فالمسير إلى الهاوية .

5 - إن الذين حصلوا على شهادات عليا في ظل النظام المقبور هم في الأعم الأغلب ينقسمون إلى ثلاثة أصناف:
الصنف الأول : كان بعثياً حاملاً لفكرهم مدافعاً عن أطروحاتهم الهمجية والجميع يعلم انه يندر جداً قبول طلبة الماجستير من دون أن يكون بعثياً بدرجة عضو عامل فما فوق وبالتالي فهل يصح الاعتماد على هذا الصنف العميل المجرم بحق كل القيم والمفاهيم الإنسانية.
الصنف الثاني:هو الذي حصل على شهادته العليا واستمر بالخدمة معهم بالتملق والانتهازية والوصولية كأن يعمل معهم على شكل ما يسمى ب(وكيل امن) في الجامعات وغيرها فهل يصح الاعتماد على هؤلاء الخونة.
الصنف الثالث: هو الذي أسعفه الحظ وحماه جبنه وتخاذله وانهزاميته وتقاعسه عن أداء تكليفه الشرعي الذي فرض عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا الصنف الجبان هل يصح أن يتقدم لقيادة الركب وتوجيه الأمة فمن لا يستطيع قيادة نفسه فهو عن قيادة غيره اعجز لان فاقد الشيء لا يعطيه.
6 - إن المفكرين الواعين من المجاهدين المخلصين هم اقدر الناس على تقييم خطورة المرحلة وقيادة هذا المنعطف التاريخي الخطير وهم احرص الناس على الإنجازات التي تتحقق لأنها تحققت بفضل دماء شهداءهم وبفضل جهادهم وتضحياتهم وهذا الاختيار هو الأفضل بعشرات المرات من الذين وصلوا إلى هذه المراكز السياسية والإدارية من دون عناء ولا يهمهم نجاح التجربة الإسلامية السياسية في العراق بل كل ما يهمهم مصالحهم الشخصية بينما نرى في الاتجاه الآخر أن المفكرين المجاهدين يشعرون بأن نجاح التجربة هو واجب شرعي وهو يمثل نجاحاً لهم بكل المقاييس لذلك سيذوبون في هذه التجربة وسيبذلون الغالي والنفيس للدفاع عنها وإنجاحها.
7- إن عدم تقديم هؤلاء المفكرين المجاهدين المضحّين لاستلام زمام الأمور في كافة المراكز السياسية والإدارية سيحدث خللاً في المقاييس وستضيع الموازين في نظر الجماهير فيتسائل الجميع إذا كان هؤلاء المضحين المجاهدين قد اُبْعِدو عن أماكنهم المتقدمة وأهملتهم القيادة السياسية العليا لأسباب واهية كذريعة عدم حصولهم على شهادات علمية وتقدم عليهم أشخاص لم يكن لهم أي دور يذكر في مواجهة الطغاة إذن لماذا نعرض أنفسنا للمخاطرة والموت دفاعاً عن هذه العناوين والقيادات فيمكن لنا أن نختبئ في الأوقات العصيبة وننتظر الفرصة المناسبة للظهور واغتنام المكاسب وبالتالي ستخسر هذه القيادات كل قواعدها المخلصة.
8- إن اعتماد هذه المقترحات وكيفية إجرائها عملياً يكون بتقديم كل هؤلاء المفكرين من المجاهدين المخلصين لاستلام المراكز السياسية والإدارية وخلال ذلك يمكن إدخالهم في دراسات مسائية لإكمال دراستهم أو عن طريق الامتحانات الخارجية وهكذا لان المعيار الأهم في هذه المرحلة لتقديم هذا الإنسان أو ذاك هو الولاء والإخلاص التام لهذه التجربة الإسلامية السياسية واعتقد بأن تضحيات وجهاد هؤلاء المخلصين أثبتت نجاحهم في هذا المعيار، وكذلك يجب أن تكون هنالك أولويات ودرجات مفاضلة يراعى فيها عامل الأسبقية في التضحية أي يجب أن لا ننسى من ضحى في سبيل الله والوطن كل الذين عاصروا الشهيد الخالد محمد باقر الصدر سلام الله عليه والذي على إسمه وعنوانه ذبح الطغاة كل أبناء العراق الغيارى فيجب أن يتقدم أنصار الصدر الأول على أنصار الصدر الثاني وأنصار الصدر الثاني على من تلاهم وهكذا ثم بعد ذلك تكون هناك درجات مفاضلة في مستوى التضحية فمن أعطى اكبر عدد من الشهداء يتقدم على من ضحى بالأقل ومن قدَّم شهيداً يتقدم على من أعتقل ومن أعتقل يتقدم على من هُجّر وهكذا، وهذه الرعاية تكون على شكل:-
1 - رواتب مجزية لعوائل هؤلاء المضحّين سواء كانوا شهداء أو معتقلين أو مهجرين.
2- منحاً مالية مجزية تمكنهم من إنشاء مشاريع اقتصادية ترتقي بمستواهم المعاشي.
3- توزيع أراضي لهم وهذا يمكن إتمامه بشكل سريع بعد تحديد الأسبقيات.
4- تكون الأولوية لهم في كافة الوظائف والمراكز والمؤسسات والمعاملات الرسمية، مع مراعاة الأسبقية للأكفأ ، وسواء كان ذلك في تعيينهم في وظائف أو تسيير معاملات قروض مصرفية لهم وغيرها.