ما كتب عن الشهيد السيد محمد صادق الصدر ( قدس سره)

محمد محمد صادق الصدر
فقيه مجدد وقائد وطني

 


جريدة  الصباح
قدم السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر تصورا عن القيادة الاسلامية والمرجعية، عبر التجربة العملية التي قدم نفسه من خلالها كقائد، وجسد كل هذا ليس بالقول بل بالفعل والسلوك والدور،


فكان قائدا ناطقا ميدانيا متواضعا تحسس آلام الناس وهمومهم ووقف في الميدان معهم، وكان يردد بانه يعلم انه سيقتل لكنه لم يتردد، فوضع شرط التضحية من اجل البناء، بناء الانسان الذي عده اهم اهدافه كان صاحب تجربة فريدة لم تمر الامة بمثلها، ولم تجد قائدا بهذا المستوى من التحدي والاصرار، وفي ظل كل هذه الظروف الشائكة. يقول الدكتور على شريعتي: (ان رجل الدين يمد يديه يأخذ باحداها الخمس ويقدم الثانية للتقبيل) الا ان السيد الشهيد كسر هذه القاعدة، في كلا طرفيها،ومن فتاواه المهمة تحريم وضع النذور للأئمة في داخل الاضرحة، لانه كان يرى ان هذه الاموال سوف تستولي عليها السلطة، فضلا عن انها لاتخدم الا الطفيليين والعاطلين.
النشأة والتكوين
ولد السيد الشهيد محمد محمّد صادق الصدر في (17 ربيع الأول عام 1362 هـ الموافق 23 / 3 / 1943م في مدينة النجف الاشرف ، تخرج من كلية الفقه في دورتها الاولى 1964 ،باشر بتدريس الفقه الاستدلالي(الخارج) اول مرة عام 1978 ، وقد نشأ سماحته في بيت علم وفضل وزرق العلم منذ صباه بواسطة والده السيد محمد صادق الصدر. وكان لنشأته وتربيته الدينية انعكاس في خلقه الرفيع وسماحته وبشاشته وصدره الرحب الذي يستوعب كل الأسئلة الموجهة إليه حتى المحرجة منها ، قال عنه محمد حسين فضل الله :(سيبقى الصدر عنوانا كبيرا للاخلاص وللتقوى والعلم والمحبة )وقال عنه عبد الهادي المدرسي: (الشهيد الصدر هز عرش الطاغوت من دون دبابات وطائرات او تكون له قوة عظمى,كانت قوته الايمان) . يقول السيد الشهيد:( ان افضل ماتفعله دولة لمجتمعها وشعبها هو اعطاء الحرية للتصرف).
العالم والفقيه المجدد
وقد تميزت محاضراته بروح التجدد والجرأة في نقد الآراء وتفنيدها فلقد خرق عادة المفسرين في تفسير القرآن الكريم من سورة الفاتحة مبتدئاً بالعكس من سورة الناس، وهو منهج في البحث لم يسبق إليه سابق. من مؤلفاته ،موسوعة ماوراء الفقه عشرة اجزاء، فقه الفضاء (اشتمل هنا الكتاب على بحوث شرعية تعد نادرة وجديدة في ميدان الفقه، حيث خرج هذا الكتاب إلى التكليف الشرعي خارج نطاق الأرض) الذي يقول عنه السيد الشهيد: (انه يبرز مواكبة الفقه الاسلامي للتصور الحديث والعلم الحديث وانه ليس خاصا بالوضع القائم باي حال من الاحوال كما يبدو للبعض، وانما هو مطابق للقاعدة القائلة: حلال محمد حلال الى يوم القيامة ووحرامه حرام الى يوم القيامة،انتج فقها عمليا، بمعنى فقه يواكب حركة الحياة،بتطوراتها ومستجداتها وتحدياتها وافاقها المستقبلية، اذ انه اراد ان يربط الفقه بالواقع وان يبعث فيه روح التجديد، ويمكن عده فقيها عمليا واقعيا معاصرا ثوريا. الموسوعة المهدوية التي اثنى عليها الصدر الاول واعتبرها اهم ماكتب في هذا الموضوع(موسوعة الامام المهدي تتكون من : تاريخ الغيبة الكبرى ،تاريخ الغيبة الصغرى، تاريخ مابعد الظهور، اليوم الموعود) قال عنها محمد باقر الصدر:(لم يسبق لها نظير في تاريخ التصنيف الشيعي حول المهدي). نظرات اسلامية في اعلان حقوق الانسان، وهو مناقشة إسلامية للائحة حقوق الإنسان ، وكتاب تفسير القرآن الذي اسماه (منة المنان في الدفاع عن القرآن)،(يقول عنه احد الباحثين انه قد يصل الى خمسين مجلداًالا انه لم يكتمل في حياة السيد الشهيد، وهو اطرف تفسير في منهجه ، حتى كتب احد تلاميذ السيد الشهيد: ان هذا التفسير جاء على وفق منهج جديد سماه المنهج اللاتفريطي).
القائد الميداني
كان قائد لحظة التغيير ومنظرها وكاتب شعاراتها، ومبتكر اساليبها التعبوية ، والقائد المجدد في كل شيء ، الصدر نال ثقة الجماهير بالرغم من الهجمة الكبيرة التي وجهت ضده من قبل الحكومة ومن قبل المؤسسة الدينية،ولأن لاشيء يوقظ الشعوب من سباتها إلا العلماء والعباقرة والمبدعون لذلك تحارب الحكومات هذه الفئات الاجتماعية!
عرف بزهده وتواضعه واخلاقه الكبيرة، واحتفظ لنفسه بسلوكية خاصة،اذ رفض طيلة حياته ان يقبل يده احد، وقد حرم تقبيل اليد بعدما تصدى للمرجعية، كان مجلسه بسيطا عكس بقية الفقهاء، اذ تستطيع ان تقابله متى شئت بدون بروتوكولات،او مواعيد ،وتستطيع ان تتحدث معه في شتى المواضيع. اعتمد منهجا تربويا استطاع من خلاله ان يعيد للمجتمع ثقته بنفسه وبقوته وامكانية المواجهة، فبعث في النفوس الشجاعة، وحزم الشباب بانطقة الثقة وكانت كلماته كأنها اسلحة فتاكة يوزعها بين اتباعه فلايهابون شراسة النظام وقوته وقهره،اذ كان مصدرا للشجاعة ليوزعها على الالاف وهي تتحدى آلة النظام القاهرة،كان ابناء المدن العراقية يستقوون به وكأنه يملك جيوشا جرارة، وهكذا اثبت امكانية تحدي النظام،وأثبت هشاشته وخواءه وكذب تفرعنه.
مواجهة الواقع الاجتماعي
يمكن القول انّ الثقل الأساسي الذي اتخذته تجربة الشهيد محمد محمد صادق الصدر في الواقع العراقي، هو الثقل الاجتماعي، فلقد طغى هذا الجانب الاجتماعي على الكثير من مضامينها وآليات وأساليب عملها وحتى على ما يمايزها ـ اي هذه التجربة - عن غيرها من تجارب العمل والتحرك المرجعي. وكذلك في وعيها المسبق لضرورة رصد الحركة الاجتماعية وعلاقاتها بصورة عامة،في نشاطه الفقهي في فترة تصديه للقيادة، لم يكرر ماهو متوفر من معالجات فقهية، بل انه انطلق مع واقع الحياة وتطوراتها وحاجاتها والموقف الاسلامي منها، ولعل السيد الصدر الثاني اول من وضع فقها خاصا للعشائر يعالج التناقض القائم في البنية الفكرية للامة وتعدد الولاءات.
يروى انه كان قد اتفق مع بعض العشائر على ان لايتم تنفيذ اية سانية لاتتفق مع الاحكام الاسلامية الشرعية، اما مايختلفون فيه فعليهم الرجوع به الى المراجع.
صلاة الجمعة ورمزية الكوفة
تجاوز خطاب الفقيه المكتوب الى خطاب الفقيه المسموع،ومن اهم معالم تجربة السيد الشهيد تمثل في علاقة الامة بالمؤسسة الدينية واكتشاف الاليات والاساليب والطرق الكفيلة بايجاد علاقة من نوع اخر بينهما، وكانت صلاة الجمعة اكبر الية تواصلية بين الفقيه والمجتمع وبين المؤسسة الدينية والامة ،اذ لم يعمل بهذه الالية من قبل،الا بشكل محدود، كانت تمثل تلاحما بين القائد والجماهير التي تردد هتافات القائد وشعاراته،فلم يكن هناك هتافون بل كان القائد هو الذي يهتف وهو الذي يؤلف الشعارات والاهازيج، فحفرت حضورا عميقا في العقل الجمعي للامة واثارا لايمكن ان تنسى، كانت صلاة الجمعة تمثل اجراء تعبوياً مهماً من خلال بعدها الجمعي السياسي والمجتمعي، اذ تحولت الى صلاة مليونية، متصاعدة في ارقامها العددية بشكل اخاف النظام وقض مضجعه،بزمن مشروعه التغييري، فهو زمن لا يكاد يستوعب ضخامة هذا المشروع وأبعادِه ومفرداته ومجالاته، بضع سنوات استطاع فيها الشهيد محمد محمد صادق الصدر انجاز ما لا يمكن انجازه ربما في عقود.وتكمن اهمية المشروع نسبة للمكان الذي انطلق منه، وهو العراق المحكوم بأعتى دكتاتورية في العالم وبقيود سياسية هائلة، والى تجارب سياسية، لا يمكن ان تشجع أحداً على ان يُفكّر بالقدرة على "تحييد" السلطة، ومن ثمّ الانطلاق برحلة تأسيســية متسارعة لعمل اسلامي كان قبل سنوات يستفزّ هذه الســلطة في أبسط مظاهره.يقال ان السيد الشهيد حين اختار مسجد الكوفة،كان يقصد عدم تكليف العلماء عناء حضور صلاة الجمعة .الكوفة مركز الثورة ،وانطلاقة المشروع التغييري ،ماذا تعني الكوفة للسيد الشهيد؟ وماذا تعني في المخيال الشعبي العراقي؟ يتضمن هذا المكان رمزية الزهد والثورة العلوية والثورات التي تلتها، وتعني موطن العلم ومنابع الحكمة، ومدرسة الجهاد، ونموج الحكم العلوي، رمز العدل والحكم الصالح، انفتح الشهيد الصدر على جيل الانتفاضة الشعبانية، هذا الجيل الذي قام بأعظم حركة سياسية شعبية في تاريخ العراق المعاصر حين تمكن من اسقاط سلطة النظام في 14 محافظة عراقية لمدة ثلاثة اسابيع. ورغم أنّ الصدر نفسه تعرض للاعتقال والتعذيب بسبب اصداره بياناً شديد اللهجة مؤيداً للانتفاضة، لكن ذلك لم يمنعه من التخطيط للمواجهة واحتمال التعرض للاعتقال أو الاعدام.

 

السيرة الذاتية || الصور || المؤلفات || ما كتب حوله