مؤلفات الإمام الشهيد السيد محمد صادق الصدر ( قدس سره)

الأسرة في الإسلام للسيد الشهيد محمد صادق الصدر (قد)

الكفاءة في نظر الإسلام.

بعد أن عرفنا في الحديث السابق ما أعتبره الإسلام في الزوجين، اللذين هما الأساسان الرئيسيان للأسرة، من صفات حميدة كاملة، ناصحاً الأزواج والزوجات بالتحلي بها والسير على هداها لينالا السعادة والوئام وينجبا أفضل الأولاد، ويحضيا بخير الدنيا والآخرة.
ينبغي لنا الآن أن ننظر لنعرف مدى التكافؤ الذي يريده الإسلام بين الزوجين. وإذ ننظر في الحكم الإسلامي، نجد إن المشرع لهذا الدين العظيم، لم يشرع من التكافؤ بين الزوجين أكثر من كونهما معتنقين للإسلام معتقدين بعقائده وتعاليمه. فالمسلم كفؤ للمسلمة والمسلمة كفؤ للمسلم، ولا يراد بالإسلام في هذا المجال، إلا ذلك المقدار الذي تصان بمقتضاه النفس ويحفظ المال عن الهدر والضياع. ومن هنا روي عن الإمام الصادق {عليه الصلاة والسلام} انه قال: تتكافؤ دمائكم ولا تتكافؤ فروجكم.
فالدين الذي جعل معتنقيه سواسية كأسنان المشط ـ بتعبير النبي {صلى الله عليه واله} ـ أمام القانون وتجاه الحقوق والواجبات، هو الذي جعل الجنسين في الإسلام سواسية أمام الزواج.
وليس أدل على ذلك ولا أوضح مما روي من إن رسول الله {صلى الله عليه واله}، زوج جويبر الصحابي ابنة زياد بن لبيد وهو من أشرف بني بياضة حسبا. ولم يكن جويبر هذا ألا رجل دميما قبيحاً معدماً، إلا إن اعتناقه الإسلام وإخلاصه النية له، هو الذي جعله في نظر الدين الحنيف في مصافّ أعلى الناس شرفاً وفخراً. إذ إن الشرف والعز في نظر الإسلام ليس بالنسب ولا بالمال. وإنما مقاييس التفاضل عنده ثلاثة:
أحدها: التقوى: قال النبي {صلى الله عليه واله}: لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى.
ثانيهما: العلم: قال الله عزوجل: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) .
ثالثها: الجهاد: قال الله تعالى: (وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) .
وبهذه المقاييس أو ببعضها ربما كان جويبر الدميم المعدم أفضل بكثير من أبنة زياد بن لبيد.
وروي عن الإمام أبي جعفر الصادق {عليه السلام}، انه قال: إن رجلاً من أهل اليمامة يقال له جويبر أتى رسول الله منتجعا للإسلام، فاسلم وحسن إسلامه. وكان رجلاً قصيراً دميما محتاجاً عادياً وكان من قباح السودان … إلى أن قال: وان رسول الله {صلى الله عليه واله} نظر إلى جويبر ذات يوم برحمة ورقة عليه. فقال: يا جويبر لو تزوجت امرأة فعففت بها فرجك وأعانتك على دنياك وآخرتك.. فقال له جويبر: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، ومن يرغب فيّ، فوالله ما من حسبٍ ولا نسبٍ ولا مالٍ ولا جمالٍ، فأية امرأة ترغب فيّ؟.
فقال له رسول الله {صلى الله عليه واله}: يا جويبر إن الله قد وضع بالإسلام من كان في الجاهلية شريفاً، وشرّف بالإسلام من كان في الجاهلية وضيعاً واعز بالإسلام من كان في الجاهلية ذليلاً. وأذهب بالإسلام ما كان من نخوة الجاهلية وتفاخرها بعشائرها وباسق أنسابها. فالناس اليوم كلهم أبيضهم وأسودهم وقرشيّهم وعربيهم وعجميهم من آدم؛ وان آدم خلقه الله من طين. وان أحب الناس إلى الله أطوعهم له وأتقاهم. وما أعلم يا جويبر لأحد من المسلمين اليوم فضلاً، إلا لمن كان أتقى لله منك وأطوع.
ثم قال له: انطلق يا جويبر إلى زياد بن لبيد، فانه من أشرف بني بياضة حسبا فيهم، فقل له: أني رسول رسول الله إليك، وهو يقول لك. زوج جويبر ابنتك الذلفاء. وفي الحديث انه زوجه إياها بعدما راجع النبي {صلى الله عليه واله}. فقال له: يا زياد، جويبر مؤمن؛ والمؤمن كفؤ المؤمنة، والمسلم كفؤ المسلمة؛ فزوجه يا زياد، ولا ترغب عنه.
فمن هنا نعرف إن الإسلام حرص كل الحرص على جعل المقياس الأساسي في الكفاءة بين الزوجين، هو الإسلام نفسه. فما دام الزوجان أخوين في هذا الدين، لا يهم بعد ذلك أن يكون أحدهما أدنى من الآخر. بحسب المنزلة الاجتماعية أو النظرة الاقتصادية الضيقة. سواء كانت الضعة من جانب الزوج كما عرفت في جويبر وكتزويج رسول الله {صلى الله عليه واله} بنت عمه لزيد مولاه. أو كانت من جانب الزوجة كتزويج رسول الله {صلى الله عليه واله} بنفسه صفية بنت حي بن اخطب.
كتب الإمام السجاد علي بن الحسين {عليه السلام} يقول: إن الله رفع الإسلام كل خسيسة وأتم به الناقصة وأذهب به اللوم، فلا لوم على مسلم، وإنما اللوم لوم الجاهلية.
ولا يخفى إن الميزان في الكفاءة وان كان أصل الإسلام، إلا إن المشرع الإسلامي العظيم، أخذ بنظر الاعتبار أيضاً درجة إيمان الفرد بهذا الدين ومقدار إخلاصه له واستعداده لامتثال أوامره ونواهيه. فانه من المعلوم انه كلما كان الزوجان أحسن تدينا وأفضل أخلاقاً وأبعد عن ارتكاب الموبقات كان أحدهما أنسب للآخر وأكثر كفاءة.
قال الله عزوجل: (وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) . وقال رسول الله {صلى الله عليه واله}: إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه. ألا تفعلوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ.
ولا يخفى ما في هذا الحديث من حكمة كبرى وبعد نظر، فان أولياء الزوجة، إذا نظروا إلى الخاطب، زوج المستقبل، فلم يرضوا دينه وخلقه، فلهم كل الحق في رفضه والابتعاد عنه، فانه ليس مصداق الحق للمسلم الحق. إذن فلماذا يرتبطون معه بعقدة النكاح، مع إن بين المسلمين الآخرين من يرضون دينهم وخلقهم. وأما إذا اتصف الخاطب، زوج المستقبل، بهذه الصفات، وكان مرضي العقيدة والسلوك، يزنه ولي الزوجة من هذه الناحية بميزان الإسلام، فيجب على ولي الزوجة قبول خطبته وعدم رده، لأنه يعتبر محتويا في صفاته على المقياس الأمثل للكفاءة في الإسلام.
وأسمع إلى تعليل ذلك في كلام رسول الله {صلى الله عليه واله} إذ يقول: ألا تفعلوه (تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ). وهي آية من القران الكريم طبقها النبي {صلى الله عليه واله} على هذا المورد، فما أحسن التطبيق!. إذ لو صار بناء الأولياء على انتظار الزوج الأكثر مالاً وجمالاً والأعظم مركزا اجتماعيا، ويجعلون ذلك ذريعة لرد الخاطبين. فسوف تقل نسبة الزواج في المجتمع وتزداد تبعا له نسبة العزوبة. وسوف تؤثر العزوبة أثرها الكبير في نفوس الشباب، بما تتضمنه من اندفاع جنسي وحرمان، وسيرتب على ذلك عند كثير من ذوي الضعف في العقيدة أو الإرادة، الانحراف إلى طريق الفاحشة والفساد، وترتب أسوأ النتائج في المجتمع، وتكون فيه فتنة وفساد كبير. والإسلام يريد إنقاذ المجتمع من ذلك والحيلولة دون حدوثه.
على حين انه لو اكتفى الفرد من الناحية الجنسية، فحتما سينسد أمامه باب كبير من أبواب الفساد، وينفتح أمامه باب كبير إلى طريق الفضيلة والخير. ومن هنا ورد: إن من تزوج فقد حفظ نصف دينه. وبذلك يسود العدل في ربوع المجتمع الإنساني.

السابق || التالي

السيرة الذاتية || الصور || المؤلفات || ما كتب حوله