مؤلفات الإمام الشهيد السيد محمد صادق الصدر ( قدس سره)

فلسفة الحج ومصالحه للسيد الشهيد محمد صادق الصدر (قد)

فلسفة الحج ومصالحه
بسم الله الرحمن الرحيم


مقدمة
الحمد لله المتعالي الذي خلق الخلق ليعبدوه ،وهداهم النجدين ليوحدوه،ولم يخلقهم عبثاً ولم يدعهم هملا ،بل كفلهم على قدر طاقتهم وكفل لهم تنظيم دنياهم وآخرتهم ليخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى الصراط المستقيم .
أما بعد:فإن الله تعالى لم يأمر بأمر عبثاً ولم يكلف بشيء شططا، بل على طبق حكمه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)الجمرة: جدار معين يرمى بسبع حصيات ، والجمرات ثلاث في (( منى )) أهمها (( العقبة )) وتطلق الجمرة على الصحية الواحدة أيضا مما يرمى ..
ومصلحة يتبع أثرها العبد المطيع ، ولا ينال الله منها شيئاً ، فإنه غني عن العالمين ، وحاشاه من اللهو والعبث ، وجل عما يقولون علواً كبيراً .
والمصالح والحكم المتصورة في الإحكام الشرعية الإلهية على وجهين ..


الوجه الأول:
ما ألمعنا إليه الآن من وجود مصلحة في الفعل المأمور به ، تعود إلى العبد الممتثل ، ووجود مفسدة في الفعل المنهي عنه ، ترجع إلى العاصي ، وهذا يشمل أغلب أحكام الشريعة ويندرج القسم الآخر في الوجه الثاني الآتي .
وهذه الحكم في الأفعال المتعلقة للأوامر والنواهي أمور أخذها الله تعالى بنظر الاعتبار في تشريعه ، وجعل على نفسه إيصال التشريع إلى المكلفين عن طريق أنبيائه ورسله ولكنه لم يتعهد بإبلاغ تفاصيل المصالح التي لاحظها إلى العباد أيضاً . كما أنه ليس من وظيفة أي مقنن عندما يصدر قانوناً نافذاً على شعبه أن يذكر له المصالح والدوافع الحقيقية التي أوجبت وضع كل تشريع من تشريعاته .
والله تعالى بكماله وعلمه الأزلي المطلق ، مطلع وعالم بتمام المصالح والمفاسد المتعلقة بالبشر ، فإنه خالقهم والعالم بآلامهم وآمالهم وحاجاتهم ومشاكلهم وطرق تذليل تلكم المشاكل وإشباع هذه الحجات ، وعلى هذا الأساس صدرت تفاصيل تشريعه .
ومن هنا قد لايمكن للإنسان - وهو المحدود القاصر - أن يطلع على التفاصيل الكبيرة للمصالح الأساسية التي أخذت بنظر الاعتبار في التشريع الإلهي الإسلامي ،بل قد يلتفت إلى بعض تلك المصالح وتفوت عن ذهنه جملة منها، فلا يفهم أن هذا التشريع أو ذاك مجعول على طبق أي مصلحة.
ونحن بعد علمنا بأن الله خالقنا وموجهنا وقائدنا ، وإنه لا يريد لنا إلا الخير والعدل والنظام في تشريعه وتكوينه فلا ضرورة لأن نتجشم عناء البحث عن المصالح الكامنة في تشريعه ، بل لنا أن نطمئن سلفاً إلى العدل الكبير والخير العميم الذي سوف يعمنا لو طبقت التعاليم الإسلامية بكامل تفاصيلها ، ولا تحتمل وجود الظلم أو الضرر في الشريعة إلا ما كان وارداً علينا من أنفسنا ومصالحنا الخاصة ، مما يكون التشريع منزهاً عنه .
إلا أننا - إذ نكون بصدد البحث عن هذه المصالح - قد نوفق إلى نعمة الاطلاع على بعضها فنشكره تعالى على توفيقه ، وأخرى نكون قاصرين عن إدراك ذلك فندعوا الله قائلين :رب زدني علماً .




الوجه الثاني :
للمصالح المتصورة في الأحكام الشرعية : أن تكون المصلحة في نفس الأمر لا في المأمور به .
وذلك لأن الله تعالى أمر ببعض الأفعال لا لخصوصية فيها أو لميزة بها، وإنما يريد الله عز وجل أن ينظر إلى مدى طاعة عباده له ومقدار انقيادهم لتشريعه وامتثالهم لأوامره ،فيختار فعلا - مما لا ضرر فيه - فيأمر به متوخيا ذلك الغرض ، وهو معنى أن المصلحة تكمن في نفس التوجيه الأمر المكلف لا المأمور به .
ولعل من ذلك عدد ركعات الصلوات اليومية ، وأوقاتها، وفي الحج - الذي نحن بصدده - عدد أشواط الطواف والسعي وعدد حصيات الرمي وعدد الجمرات الثلاث ،وبعض الأحكام الأخرى ، والله العالم بحقائق الأمور .
وإذا كنا جاهلين بمصلحة بعض التشريعات ، فيجب أن نكون حذرين في الجزم باندراج التشريع في القسم الأول آو الثاني من الوجهين أو القسمين السابقين ، فلعل المصلحة تكون في الفعل المأمور به ونحن نتخيلها في نفس توجيه الأمر أو بالعكس ،فإن جزمنا بأحد الأمرين من دون علم،كنا واقفين موقف المفتري على الله بدون مستند صحيح أو ركن وثيق.
على أننا يجب أن لا ننكر مصلحة أي حكم شرعي ، لمجرد كونها تناقص مصالحنا الخاصة أو مجتمعنا أو تقاليدنا أو غير ذلك ، فإن المنظور في مصالح الأحكام الشرعية أحد أمرين :
أحدهما :
تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ،الأمر الذي يقره العقل وسائر القوانين ، وليس أن القانون ذا ناقض المصلحة الخاصة كان خاطئاً أو ظالماً، إن كان موافقاً للمصلحة العامة .
ثانيهما :
تطبيق جميع الأحكام الإسلامية دفعة واحدة في مجتمع معين لكي يكون المجتمع الإلهي العادل الأمثل . وفي مثل ذلك المجتمع سوف لن توجد غالب الأحاسيس التي نحسها تجاه إطاعة الأحكام الشرعية وتجاه مصالحها ومبادئها ونتائجها ، مما نحسه ونحن نعيش في مجتمع منحرف قد طبق بعض الكتاب وكفر ببعض ، فإن المصالح تكون في ذلك المجتمع الأمثل أوضح ومنافياتها الظالمة من التقاليد والمصالح ونحوها اقل بكثير إلى حد لا يكون محل مقارنة وقياس .

السابق || التالي

السيرة الذاتية || الصور || المؤلفات || ما كتب حوله