مؤلفات الإمام الشهيد السيد محمد صادق الصدر ( قدس سره)

كتاب تاريخ ما بعد الظهور للسيد الشهيد محمد صادق الصدر (قد)

وقد شكى المجتمع المتضرر لهذا القائد من حملات اؤلئك البدائيين : " قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض ، فهل نجعل لك خرجاً "(1) اي أجرة ، لكي تكفينا شرهم وتكسر سوكتهم .
وقد استطاع هذا القائد الكبير أن يعلن دعوة الله في الأرض ، ويحصر نشاط ذلك المد المادي في أضيق نطاق، وأن يعيد المجتمع البشري إلى سابق عهده ، من كون الإتجاه المسيطر هو الشكل الثاني للأيدولوجية ، ويبقى الإتجاه الأول إتجاهاً شخصياً متفرقاً .
وقد اتخذت تدابير ذي القرنين في هذا الصدد ، شكلين أساسين :
الشكل الأول : بناء السد الموصوف في القرآن الكريم المتكون من الحديد والصفر ،وهو يحتوي على الحماية (العسكرية) من هجمات القبائل البدائية الملحدة .
الشكل الثاني : بناء السد المعنوي في المجتمع المؤمن، وزرع المفاهيم وقوة الإرادة الكافية ضد الإنحراف والفساد.
ولعل في الإمكان مع بعض التوسع في فهم القرآن الكريم ، أن نحمل السد الموصوف فيه على السد المعنوي الذي يفصل بين الحق والباطل .وأن الحديد والصفر عبارة عن مكوناته المفاهيمية . إلا أننا نعرض ذلك كأطروحة محتملة ، على غير اليقين … وإن كان ذلك ممكناً في لغة العرب .ولكننا سنسير بهذا الإتجاه ريثما تتم هذه الأطروحة .
" قال: ما مكني فيه ربي خير" مما لديكم من المال والحطام ، بعد ان مكنه الله تعالى من الملك والهداية معاً.
وكان السد الذي بناه ذو القرنين ، ضخماً ومهماً إلى حد يكفي لكبح جماح البدائيين الملحدين ورد عاديتهم ، "فما استطاعواأن يظهروه وما استطاعوا له نقبا " . فإن الإتجاهات الملحدة تكون دائبة في نشرعقيدتها واختراق السد الإيماني وقهر قوة الإرادة والإخلاص عند المؤمنين وإلا أن سد ذي القرنين ، كان منيعاً لا يمكن لهذه الاتجاهات أن تؤثر فيه .
ولكنه على أي حال ، لم يستطع القضاء عليه نهائياً ، بل بقي بوجوده الضعيف مؤثراً في المجتمع الإنساني بمقدار ما يستطيع "وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض" . ولم يكن مقدراً في التخطيط الإلهي استئصاله عن الوجود . لإمكان مشاركته في التمحيص العام الذي حملنا عنه فكرة كافية ، ولذا كان لا بد من الإقتصار على كبح جماحه وكسر شوكته فقط ، ببناء السد ضده ، على وجه الأرض أو في نفوس المؤمنين .
ـــــــــــــــــ
(1) الكهف : 18 / 49


صفحة (151)




ومن هنا بقي هذا الإتجاه في التاريخ ، لكي يتمحض بعد حوالي ثلاثة آلاف عام من السيطرة الجديدة للمادية على البشر للمرة الثانية ، ولكنها في هذه المرة لست بدائية ، ولكنها مادية (تقدمية) ومعقدة ومفلسفة وذات شعارات براقة .وذات قوة ومنعة بحيث يصعب مجرد التفكير في منازلتها فضلا ًعن القضاء عليها .وهو معنى قوله في احد الاخبار السابقة : لا يدان لأحد في قتالهم .
لقد خرقت السد القديم ، ولم يعد كافياً للسيطرة عليهم وكبح جماحهم ، إن ذلك السد كان مناسباً مع مستوى عصره العقلي والثقافي والعسكري ، ولم يعد الآن كافياً " حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج ، وهم من كل حدب ينسلون " (1) أي من كل جهة ينتشرون .كذلك انتشرت المادية الحديثة .
وتسيطر الحضارة المادية على خيرات البلاد الإسلامية ، في ضمن سيطرتها على العالم كله. وتستولي مصادرها الطبيعية ، فتشرب البحيرات ،والأنهار – كما أشارت الأخبار – بمعنى أنها تستغلها تماماً لصالحها ،وتمنع أهلها من الإستفادة منها . فيحصل الفقر والقحط في البلاد المحكومةا لمستعمرة " حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيراً من مئة دينار لإحدكم اليوم ".
وتأتي الأجيال المتأخرة من أتباع الحضارة المادية ، فيقولون :" لقد كان بهذا المكان ماء " فإنهم عرفوا من التاريخ أن هذه المنطقة كانت تغل لأهلها وتفيدهم ،وأما الآن – بعد سيطرة الحضارة الكافرة – فقد أصبحت الغلات لها . وأصبح وجود الماء كالعدم بالنسبة إلى أهل البلاد .
وأما المسلمون المخلصون ، فينحازون عنهم ويبتعدون عن ممالأتهم والسير في طريقهم ، خوفاً على إيمانهم من الإنهيار ، وعلى سلوكهم من التفسخ والإنحلال .
وحين تتم للحضارة المادية الملحدة ، بسط السيطرة على الأرض ، تتجه أطماعها إلى السماء ،ومن هنا نجدهم " يقولون :هؤلاء أهل الأرض قد فرغنا منهم ، ولننازلن أهل السماء " .
ـــــــــــــــــ
(1)الأنبياء : 21/ 96


صفحة (152)



وهذا بمعناه – الرمزي – مما حدث فعلاً ،فإن الحضارات المادية بعد أن أحكمت قبضتها على الأرض ، طمعت بغزو السماء ، بدئة بالأقرب من الكواكب .ومنهنا انبثقت فكرة غزو الفضاء الخارجي والسير بين الكواكب .
" فيرمون نشابهم إلى السماء ، فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة بالدم " . وهذا – بمعناه الرمزي – مما حدث فعلاً ، متمثلاً بإطلاق الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية والصواريخ الكونية .فأعجب لمثل هذه التنبؤ الصادق الذي لم يكن للنبي (ص) أن يصرح به في عصره إلا بمثل هذا الرمز ، طبقاً لقانون " كلم الناس على قدر عقولهم ".
ومعنى كونها تعود مخضبة بالدم ، هو أنها محاولات ناجحة ، تنتج الأثر المطلوب المتوقع ... فكما أن المتقع من القتل بالحربة أو السهم أن تتخضب بالدم ، كذلك من المتوقع للمركبات أن تنتج الخبرات العلمية المطلوبة ،وأن تجلب التراب من القمر – مثلاً – ولعل في التعبير بان السهام " ترجع ، عليها الدم الذي اجفظ " أي فاض وغزر.... فيه إشارة واضحة على ذلك ...بعد العلم أن السهم الإعتيادي لايفيض منه الدم ، وإنما يراد بذلك التأكيد على مدى نجاح الرحلات الفضائية ،وسعة ما تنتجه من تنتائج ومن حيث العمق والإنتشار في العالم .
وحين يتم لهم ذلك ، ينالهم الغرور بعلومهم ومدنيتهم " فقولون : قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء ". وكل حضارة ينالها الغرور ، وتفشل في التمحيص الإلهي العام للبشرية ، لا بد أن يحكم عليها بالزوال ،ويكون غرورها نذير فنائها واندثارها ... طبقاً للقانون الذي يعرب عنه قوله تعالى :" حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنها قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً ، فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس ، كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون" (1) .
وكما كان للإسكندر ذي القرنين الدور الأهم في منازلة المادية الأولى ... سيكون للقائد المهدي (ع) الدور الأهم في منازلة المادية الحديثة .ولذا قورن الإمام المهدي (ع) بذي القرنين بعدد من الرزايات ، كما سنسمع بعد ذلك وسيكون للمسيح (ع) مشاركة فعالة في هذا الصدد، تحت قيادة القائد المهدي (ع) ... إلى حد يمكن أن نعبر عنه بأنه السبب المباشر لذلك ، مع شيء من التجوز والتعميم .ومن هنا تسبب موت ياجوج ومأجوج إلى عمله وجهوده ، كما سمعنا من بعض الأخبار .
ـــــــــــــــــ
(1) يونس 10/24


صفحة (153)


واما اسلوب موت هؤلاء ، فيمكن أن نطرح له أطروحتان :
الأطروحة الأولى : موتهم عن طريق تفشي الأمراض والأوبئة فيهم ...كما هو الموافق مع ظاهر الأخبار ، على المستوى (الصريح) دون الرمزي ففي خبر مسلم :فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم .وفي خبر ابن ماجة : فبينما هم كذلك ، إذ بعث الله دواب كنغف الجراد ،فتأخذ بأعناقهم فيموتون كموت الجراد ، يركب بعضهم بعضاً . والنغف دود صغار يكون في الإبل ، وكل ما هو حقيرعند العرب فهو نغفة(1)، ومن هنا يكون الأرجح كونه تعبيراً عن مكنونات الأمراض (الميكروبات) .ومن هنا يكون الخبر نبوءة عن هلاك الماديين الجدد عن طريق الأوبئة الفتاكة أو الحرب الجرثومية ونحوها .
الأطروحة الثانية :أن نفهم من الموت موت الكفرة الإنحراف ، لا موت الأبدان .
وهي المهمة الكبرى التي يقوم بها المهدي والمسيح(ع) في العالم .ولئن كان الكفر قاتلاً للإيمان ،وهو أشد من موت الأبدان " والفتنة أكبر من القتل "(2) .فإن الإيمان قاتل للكفر ، وهو أفضل شكلي الحياة .
وهذا هو الذي يفسر لنا ما يظهر من الأخبار السابقة ، من أن موتهم جميعاً يكون سريعاً وفي زمان متقارب جداً ، فإنه طبقاً – للأطروحة الثانية – نتيجة للجهود الكبيرة المركزة في السيطرة على العالم بالعدل وتربية البشرية بإتجاه الكمال . وهو – ايضاً – دليل على النجاح الفوري لتلك الجهود في اليوم الموعود .
وستكون مخلفات الحضارة المادية كبيرة جداً من الناحية الصناعية والعلمية .وسيكون لذلك الأثر الكبير في دعم الدولة العاليمة العادلة ، وترسيخ جذور التربية في المجتمع البشري ." فما يكون لهم(3) رعي إلا لحومهم ، فتشكر عليها كأحسن ما شكرت على نبات قط "
ـــــــــــــــــ
(1) راجع أقرب الموارد، مادة نغف .
(2) البقرة : 2/217 وانظر ايضاً : 2/191 .
(3) الضمير في العبارة راجع إلى المواشي ، والملحوظ أنه ضمير لمن يعقل ، ولو اراد الماشي على التعيين لقال : لها .ومن هنا يمكن أن نفهم التعميم


صفحة (154)



فلحومهم – طبقاً لهذه الطروحة – ومخلفاتهم (1)، ومن المعلوم أن المستوى التكتيكي الرفيع إذا اقترن بمستوى اجتماعي عادل وأنتج أضعافاً مضاعفة من النتائج ، مما إذا لم يقترن بالمستوى الإجتماعي العادل .
ولم تنج البشرية ، ما بين الماديتين : البدائية والتقدمية !!!! من جذور وبذور وإرهاصات للتجدد والإشتعال، ومن هنا تأسف نبي الإسلام (ص) أسفاً شديداً ، لأنه قد " فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه ، وعقد عشراً " . من حيث أن هذا الردم الإيماني قد بدأ بالتصدع مقدمة لوجود المادية التقدمية !!!...
غير أن موقف المهدي والمسيح (ع) ، سيختلف عن موقف ذي القرنين ، فلئن اكتفى ذو القرنين ببناء السد ،مع الحفاظ على وجودهم إجمالاً ، طبقاً للتخطيط العام . فإن المهدي (ع) سيتخذ موقف الإستئصال التام لكل العقائد المنحرفة والكفر والضلال ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، " فيموتون موت الجراد ، يركب بعضهم بعضاً " .
الناحية الثالثة : في الفرق بين يأجوج ومأجوج ، والدجال .
فإنه قد يرد إلى الذهن :أننا بعد أن فسرنا الدجال بالحضارة المادية ، كيف صح لنا أن نفسر يأجوج ومأجوج بنفس التفسير ،وهل يمكن أن نعترف أنهما تعبيران عن حقيقة واحدة ، مع العلم أن تعدد الأسماء والعناويين دليل على تعدد الحقائق .
ويمكن أن يجاب ذلك بعدة أجوبة ’ يصلح كل منها تفسيراً كاملاً للموقف :
الجواب الأول :إن مفهوم (الدجال) ناظرا إلى الحضارة المادية ككل ، ومستوعب لها على نحو المجموع .وأما مفهوم ( يأجوج ومأجوج) فيقسم تلك الحضارة إلى قسمين متميزين .
فإنه بالرغم من أن للحضارة المادية ككل مميزاتها وخصائصها التي تفصلها عن الإتجاه الآخر بميزاته وخصائصه ،ولها فروقها عن الحضارة الإسلامية والمفاهيم الدينية الإلهية .
وهذه الحضارة المادية المنظر إليها بهذا الشكل ، هي التي تمثل مفهوم الدجال .
ـــــــــــــــــ
(1) وأوضح في الإستفادة من المخلفات ما أخرجه ابن ماجة (ج2ص1359 ) : قال رسول الله (ص) : سيوقد المسلمون من قسي يأجوج ومأجوج ونشابهم وأترستهم سبع سنين .أقول : ذلك النشاب الذي سمعنا أنهم يرسلونها إلى السماء .


صفحة (155)




.... بالرغم من ذلك ، فإن للحضارة المادية انقساماتها الداخلية التي تجعلها في معرض الصراع الداخلي ، الذي يكون في الأعم الأغلب عنيفاً وعميقاً. وهذا الإنقسام هو المعبر عنه بمفهوم (يأجوج) مرة ومفهوم (مأجوج) أخرى .
وهذا الإنقسام لبس حديثاً ، بل هو قديم قدم المادية نفسها .فالمادية البدائية كانت منقسمة ،وكان انقسامها مشوباً بالشعور القبلي .والمادية (التقدمية) منقسمة ، ولكن انقسامها ايدولوجي ومصلحي معاً.
الجواب الثاني: إن مفهوم الدجال يمثل المادية الحديثة ... ولذا لم ينقل عنه قبل الإسلام أي وجود .وإنما بدأت إرهاصاته –حسب إفادات الأخبار التي عرفناها في التاريخ السابق (1)- أي بعد بدء الإسلام ،وكان وجوده الكامل متأخراً عنه بألف عام .
وأما مفهوم (يأجوج ومأجوج) فهو يمثل الخط المادي بتاريخه الطويل .ولذا كان له وجود بدائي ووجود حديث. ولم يخل التاريخ المتوسط بينهما من التأثيرات والإرهاصات .
وهذا يعني أن الوجود الحديث ليأجوج ومأجوج ، هو الدجال نفسه ، وليس شيئاً آخر .
الجواب الثالث : إن مفهوم يأجوج وماجوج ، يعني الحضارتين الماديتين بوجودهما الأصيل .وأما عنوان الدجال فلا يعني ذلك بالضبط ، وإنما النظر فيه إلى نقطة تأثر المسلمين بتلك الحضارة المادية .فالدجال يعبر عن عملاء تلك الحضارة في البلاد الإسلامية ،وهم متصفون بنفس أوصافهم ومتخذون نفس منهجهم في الحياة .... وكثيراً ما مارسوا الحكم وزرعوا الشبهات ،وحاولوا فك المسلمين عن دينهم وإبعادهم عن طريق ربهم .
ويؤيد ذلك اتخاذ مفهوم الدجال ، الدال على انه مسلم بالأصل ، ولكنه أصبح كافراً ومنحرفاً ، يدعو الناس إلى الكفر والإنحراف ، وقد ينطلق في إثبات أفكاره في الأذهان عن طريق الخداع والتمويه ، بإستعمال المفاهيم الإسلامية بشكل مشوه ومستغل للمنافع الشخصية والنتائج الباطلة . كما يدل عليه الحديث الذي أخرجه أبو داود (1)، قال : قال رسول الله (ص) : من سمع الدجال فلينأ عنه ، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن ، فيتبعه مما يبعث به من الشبهات .
ـــــــــــــــــ
(1) انظر ص644 . (2) انظر السنن ج2ص431


صفحة (156)


وهناك اجوبة أخرى محتملة للجواب على الأسؤال الذي ذكرناه في هذه الناحية ، لا حاجة إلى سردها .
وللقارىء أن يختار أياً من هذه الوجوه الثلاثة شاء ....فإن أياً منها كاف في تصحيح تفسيرنا للدجال وليأجوج ومأجوج معاً .
الناحية الرابعة : طبقاً للأطروحة التي فهمناها عن يأجوج ومأجوج . فإن انتشارهما من ردمهما سيكون قبل عصر الظهور .وسيظهر المهدي (ع) وينزل المسيح عيسى بن مريم ، وهم حلبة العالم ، فيتم القضاء عليهم تماماً .دال على تأخر انتشارهما عن عصر الظهور .
منها : ما أخرجه الحاكم في المستدرك(1) في حديث يتحدث فيه عن نزول المسيح وسيطرة المسلمين وقتلهم لليهود ، ويقول : يظهر المسلمون فيكسرون الصليب ويقتلون الخنزير ويضعون الجزية .فبينما هم كذلك ، أخرج الله أهل يأجوج ومأجوج .... الحديث .
فإذا عرفنا أن نزول المسيح وكسر الصليب وقتل الخنزير تعبير آخر عن قيام الدولة العالمية المهدوية العادلة.... كان الحديث دالاً على خروج يأجوج ومأجوج بعد تأسيس هذه الدولة .
ومنها ما أخرجه مسلم(2) ورويناه في التاريخ السابق(3) في حديث يذكر فيه حادثة نزول المسيح ثم يقول :
فبينما هو كذلك ، إذ أوحى الله إلى عيسى أني قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم ، فحرز عبادي إلى الطور .ويبعث الله يأجوج ومأجوج ، وهم من كل حدب ينسلون ... الحديث .
فإذا استطعنا أن نبرهن – كما سيأتي – على تأخر نزول المسيح (ع) عن ظهور المهدي (ع) ،وكان انتشار يأجوج ومأجوج بعد نزول المسيح – كما قال الخبر – إذاً ، فسيكون انتشارهم بعد ظهور المهدي (ع) .
ـــــــــــــــــ
(1) انظر المستدرك على الصحيحين ج4ص491.
(2) انظر صحيح مسلم ج8 ص197وما بعدها .
(3) انظر تاريخ الغيبة الكبرى ص633.


صفحة (157)



إلا أنه يمكن المناقشة في هذه الأخبار من وجهين :
الوجه الأول : وجود الدلالات المعارضة في الأخبار لهذه الدلالة . وتدل على تقدم ظهور يأجوج ومأجوج على الظهور .
ولعل أهم ما يدل على ذلك :ما دل من الأخبار على خوف المسلمين من فتح يأجوج ومأجوج .وهي عديدة وقد سمعنا بعضها ،وهي دالة بوضوح على تحصن المسلمين منهم وعجزهم عن قتالهم وسحبهم لمواشيهم معهم وهذا الخوف إنما يمكن تحققه قبل تأسيس الدولة العالمية ،بل قبل ظهور المهدي (ع) أساساً . إذ لا معنى للخوف بعد الظهور ، حين يكون النصر محرزاً والأمن مستتباً ...طبقاً لقوله تعالى :" وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض ، كما استخلف الذيم من قبلهم ، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً ، يعبدونني لا يشركون بي شيئاً "(1)
اذاً ، فيتعين أن يكون انتشار يأجوج ومأجوج الموجب للخوف والتحرز بين المسلمين ، سابقاً على الظهور حين لا يكون للمسلمين قوة مهيمنة عليا.
وقد يخطر في الذهن : أن هذه الأخبار دلت على وجود هذا الخوف بين المسلمين بالرغم من وجود المسيح (ع) فيهم . وأنه (ع) مأمور بتحصينهم ضد اعتداءات يأجوج ومأجوج .فإذا كان نزول المسيح (ع) بعد الظهور كما أسلفنا ، إذاً فسيكون فتح يأجوج ومأجوج بعده أيضاً.
والصحيح : أن هذه الرواية إنما تدل على تقدم نزول المسيح على الظهور ، وأنه ينزل في زمان اضطراب المسلمين وضعفهم ووجود الفتن فيهم .وهذا ما سوف نناقشه في القسم الثاني من هذا التاريخ ..ويكفينا الآن أن نعلم بوجود عدد من الأخبار دال على تأخر نزوله (ع) عن الظهور .
ـــــــــــــــــ
(1) النور : 24/ 55


صفحة (158)



إذاً ، فلا بد من الإلتزام بأن انتشار يأجوج ومأجوج سابق على النزول والظهور معاً ، ونرفع اليد عن دلالة هذ االخبر بهذا المقدار .وهو المطابق مع الأطروحة التي عرفناها قبل قليل .
الوجه الثاني : وجود الدلالات المعارضة من ناحية أخرى .
وذلك : أننا سنسمع الروايات الواردة لسرد حوادث ما بعد الظهور ،وسنجدها جميعاً خالية من التعرض ليأجوج ومأجوج .وإنما سنجد العالم هو العالم الذي نعرفه خالياً من الغرائب التي نسبت إلى هاتين القبيلتين ، يظهر المهدي (ع) وينزل المسيح (ع) فيحكمان فيه بالعدل .ومعه تكون تلك الأخبار ككل دلالة على عدم انتشار يأجوج ومأجوج يومئذ.
وحيث علمنا من القرآن المكريم والسنة الشريفة ، أنهم لا بد أن ينتشروا في يوم ما ، إذاً فهذا واقع قبل الظهور لا محالة .
وهنا لا بد لنا أن نتنازل عما دلت عليه بعض الأخبار السابقة عن تأخر انتشار هاتين القبيلتين عن نزول المسيح .تماماً كما قلنا في الجواب السابق .
وينبغي أن نلاحظ أيضاً ، أنه طبقاً للأطروحة التي فهمناها لا تكون هناك أية معارضة بين أخبار يأجوج ومأجوج المادية على الظهور ، تنفي عن هاتين القبيلتين كل الغرائب ،وإنما هما يمثلان العالم نفسه كما نعرفه ، فيما عرفناه من دلالة الأخبار على سيطرة المهدي (ع) على العالم كما نعرفه ، يكون منسجماً مع الأطروحة كل الإنسجام .
نعم ، طبقاً للأطروحة يكون عمل المهدي (ع) مكرساً في أول ظهوره للسيطرة على يأجوج ومأجوج ، أو المادية السابقة على ظهوره .وهذا المفهوم لم يرد فيأخبار ما بعد الظهور .وهذا يعني تحول المفهوم في هذه الأخبار وترك التعرض إلى عنوان يأجوج ومأجوج ...ولا يعني وجود الأشكال في هذه الأطروحة .


صفحة (159)


السفياني
وهو من الحركات الإجتماعية التي أكدت عليها المصادر الإمامية تأكيداً كبيراً .
وأهملتها مصادر العامة إلى حد كبير، على العكس من الدجال ، كما أشرنا في التاريخ السابق .(1) وقد سبق هناك أن ذكرنا العديد من تفاصيل أوصافه وأعماله ، وأعطينا عنه فهماً خاصاً ،وهو كونه يمثل حركة الإنحراف، او حركة منحرفة واسعة النفوذ ، في داخل المجتمع المسلم .
والمهم في تاريخنا هذا أن ننظر إلى أعمال السفياني ،كشيء سبق على الظهور بقليل ،بحيث يتم الظهور ، ولا يزال السفياني يعمل عمله وينشر حكمه ودعوته ، كما عليه ظاهر الأخبار .
وينبغي أن نتكلم حول ذلك ضمن عدة نواحي .
الناحية الأولى : في سرد الأخبار التي تفيدنا في حدود الغرض الذي أشرنا إليه ، بعد سردنا من أخبار السفياني في التاريخ السابق(2) الشيء الكثير وعرفنا أنها متواترة لا مناص من الأخذ بها إجمالاً .
أخرج الصدوق(3) عن أبي منصور البجلي ، قال: سألت أباعبد الله (ع) عن اسم السفياني .فقال :
وما تصنع بإسمه؟ إذا ملك كور الشام الخمس : دمشق وحمص وفلسطين والأردن وقنسرين ، فتوقعوا الفرج .قلت : يملك تسعة أشهر ؟ قال : لا ، ولكن يملك ثمانية أشهر لا يزيد يوماً .
وأخرج النعماني في الغيبة(4) عن أبي جعفر محمد بن علي (ع) في حديث طويل يقول فيه :
لا بد لبني فلان من أن يملكوا . فإذا ملكوا ثم اختفوا تفرق ملكهم أو تشتت أمرهم ، حتى يخرج عليهم الخراساني والسفياني .هذا من المشرق وهذا من المغرب . يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان .هذا من هنا وهذا من هنا حتى يكون هلاك بني فلان على ايديهما ،أما أنهم لا يبقون منهم أحداً .
ـــــــــــــــــ
(1) انظر ص621 وما بعدها . (2) انظر ص622 وما بعدها .
(3) انظر إكمال الدين ( المخطوط ) . (4) ص135.


صفحة (160)



ثم قال : خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة ، في شهر واحد ، كنظام الخرز ، يتبع بعضه بعضاً . الحديث .
وأخرج النعماني أيضاً (1) بسنده عن الحارث عن أمير المؤمنين (ع) في حديث يقول فيه :
وإذا كان ذلك ، خرج السفياني ، فيملك قدر حمل امرأة ، تسعة أشهر ، يخرج بالشام ، فينقاد له أهل الشام إلا طوائف من المقيمين على الحق ، يعصمهم الله من الخروج معه .ويأتي المدينة بجيش جرار ، حتى إذا انتهى إلى بيداء المدينة خسف الله به .وذلك قول الله عز وجل في كتابه : " لو ترى إذ فزعوا فلا فوت وإخذوا من مكان قريب" (2).
وأخرج أيضاً (3) بسنده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر(ع) قال : السفياني أحمر أصفر أزرق ، لم يعبد الله قط ، ولم ير مكة ولا المدينة قط . يقول : يا رب ثأري و النار ، يا رب ثأري والنار .
وأخرج الشيخ في الغيبة(4) عن بشر بن غالب (قال): يقبل السفياني من بلاد الروم منتصراً في عنقه صليب ، وهو صاحب القول .
وأخرج أيضاً(5) عن أبي عبدالله (ع) قال : كأني بالسفياني – أو لصاحب السفياني – قد طرح رحله في رحبتكم بالكوفة .فنادى مناديه :من جاء برأس شيعة علي ، فله ألف درهم ، فيثب الجار على جاره ، ويقول : هذا منهم . فيضرب عنقه ويأخذ ألف درهم ،أما أن إماراتكم يومئذ ، لا تكون إلا لأولاد البغايا.
ـــــــــــــــــ
(1) ص163. (2) سبأ 34/51.
(3) الغيبة ص164. (4) ص278.
(5) المصدر ص273.


صفحة (161)




ولعل أهم الأخبار التي تحدد حركات السفياني وحروبه ، خبران :
أحدهما : ما أخرجه الشيخ(1) عن عمار بن ياسر(انه قال) :
أن دولة أهل بيت نبيكم في آخر الزمان ، ولها إمارات ...إلى أن قال : ويظهر ثلاثة نفر بالشام كلهم يطلب الملك: رجل أبقع ورجل أصهب ورجل من أهل بيت أبي سفيان ، يخرج من كلب ،ويحضر الناس بدمشق .ويخرج أهل الغرب إلى مصر، فإذا دخلوا فتلك إمارة السفياني .
ويخرج قبل ذلك من يدعو لآل محمد ، وتنزل الترك الحيرة . وتنزل الروم فلسطين .ويسبق عبد الله عبد الله حتى يلتقي جنودهما بقرقيسيا على النهر ويكون قتال عظيم . ويسير صاحب المغرب فيقتل الدجال ويسبي النساء . ثم يرجع في قيس حتى ينزل الجزيرة السفياني .فيسبق اليماني ، ويحوز السفياني ما جمعوا . ثم يسير إلى الكوفة فيقتل أعوان آل محمد (ص) ويقتل رجلاً من مسميهم ، ثم يخرج المهدي على لوائه شعيب بن صالح.
وإذا رأى اهل الشام قد اجتمع أمرها على ابن أبي سفيان ،فألحقوا بمكة ، فعند ذلك تقتل النفس الزكية ، وأخوه بمكة ضيعة .فينادي مناد من السماء : أيها الناس ، اميركم فلان .وذلك هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً .كما ملئت ظلماً وجوراً .
ثانيهما : ما أخرجه النعماني(2) بسنده إلى جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي (ع) في حديث طويل يقول فيه :
يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات ، راية الأصهب وراية الأبقع وراية السفياني .فيلتقي السفياني بالأبقع فيقتتلون ، فيقتله السفياني ومن تبعه ، ويقتل الصهب . ثم لا يكون له همة إلا الأقبال نحو العراق .ويمر جيشه بقرقسيا ، فيقتتلون بها ، فيقتل بها من الجبارين مائة ألف . ويبعث السفياني جيشاً إلى الكوفة ، وعدتهم سبعون ألفاً ، فيصيبون أهل الكوفة قتلاً وصلباً وسبياً . فبينما هم كذلك ، إذ اقبلت رايات من خراسان ، وتطوى المنازل طياً حثيثاً ، ومعهم نفر من أصحاب القائم .
ـــــــــــــــــ
(1) المصدر ص278
(2) انظر الغيبة للنعماني ص149


صفحة (162)


ثم يخرج من موالي أهل الكوفة في ضعفاء ، فيقتله أمير جيش السفياني بين الحيرة والكوفة .ويبعث السفياني بعثاً إلى المدينة ، فينفر المهدي (ع) منها إلى مكة .فيبلغ أمير جيش السفياني أن المهدي قد خرج إلى مكة . فيبعث جيشاً على أثره ، فلا يدركه حتى يدخل مكة خائفاً ترقب على سنة موسى بن عمران .
قال : وينزل أمير جيش السفياني البيداء ، فينادي مناد من السماء :
يا بيداء ابيدي القوم ، فيخسف بهم ، فلا يفلت منهم إلا ثلاثة نفر ... الحديث .
ثم يبدأ الحديث بشرح حوادث الظهور التي ستسمعها في القسم الثاني .
وسنذكر الأخبار الدالة على قتال السفياني للمهدي ومقتله على يده في ناحية آتية .
الناحية الثانية: في إمكان الإعتماد على هذه الأخبار في الإثبات التاريخي ، طبقاً لمنهج الذي سردنا عليه في هذا الكتاب .
إن الإتجاه العام لهذه الأخبار منطبق على هذا المنهج ، لولا بعض نقاط الضعف:
النقطة الأولى : أن الخبر الذي رواه الشيخ عن عمار بن ياسر، لم يرو عن أحد المعصومين (ع) ، بل عن عمار نفسه.وإن كان من المرحج أنه اتقى هذه المعلومات عنهم (ع) . إلا أن الكلام كلامه ، بدليل قوله في أول الخبر :أن دولة أهل بيت نبيكم في آخر الزمان .الدال على أن المتحدث لم يعتبر نفسه من أهل البيت ، وهذا ما لا يحدث لو كان المتحدث أحد المعصومين (ع) ومعه يسقط الخبر عن الإثبات التاريخي .وتكون صحته متوقفة على القرائن أو اشتراك نقله مع الأخبار الأخرى ، أو تحقق ما أخبر به في العالم الخارجي .
وهذا هو الحال في الخبر الذي أخرجه الشيخ عن بشربن غالب ، فإن الظاهر منه أنه هو المتكلم ، فلا يكون قابلاً للإثبات التاريخي .
النقطة الثانية : أن خبر عمار غير مرتب من حيث الزمان ، فهو يحتوي على حوادث مختلطة : متقدمة ومتأخرة ، وغير محددة على ما يبدو .
فنزول الترك الحيرة ، تعبيرعن السيطرة العثمانية عل العراق .ونزول الروم فلسطين هو الغزو الصليبي.


صفحة (163)


وصاحب المغرب هو – على الأرجح – أبو عبد الله الشيعي الذي مهد بقتاله الواسع في شمال افريقيا لحكم المهدي الإفريقي (محمد بن عبد الله) (1) جد الفاطميين الذين حكموا بعدئذ مصر ردحاً من الزمن .
وهذه الحوادث وردت في الحديث على عكس حدوثها التاريخي تماماً كما يتضح بمراجعة التاريخ الإسلامي. وإذا كانت حوادث الماضي فيه غير مرتبة فلعل حوادث المستقبل فيه كذلك .
النقطة الثالثة : أن هناك تهافتاً بين بعض مضامين هذه الأخبار .
فمن ذلك : مدة بقاء حكم السفياني ، فينما يصرح أحد الأخبار أنه يملك قدر حمل امرأة تسعة أشهر ، نرى خبراً آخر ينفي ذلك بصراحة ، وأنه لا يملك إلا ثمانية .
ومن ذلك : موعد وجود حركة السفياني ، فينما يظهر من بعض هذه الأخبار أن زوال دولة بني العباس يكون على يده ، إذا فهمنا من بني فلان وذلك كما هو الظاهر .ومعنى ذلك أن حركة السفياني قد وجدت وانتهت منذ أمد بعيد .
نجد – إلى جنب ذلك – ارتباط حركة السفياني بالخسف ، وأن المهدي (ع) نفسه هو الذي يقتله .ومعنى ذلك أن حركته لم تحدث لحد الآن .وكم بين هذين الموعدين من بعد شاسع .
غير اننا في التاريخ السابق(2) ناقشنا الخبر الدال على إزالته لدولة بني العباس .ومعه يكون هذا الموعد منتفياً، ويتعين الموعد الآخر .
ومن ذلك : تعين دين السفياني .فبينما نسمع من احد الأخبار أنه مسيحي بشكل وآخر ( في عنقه الصليب ) نجد في خبر آخر أنه من المسلمين المهتمين باستئصال شيعة على (ع) . مع الإلتفات إلى أن المسيحي قلما يكون له اهتمام خاص بذلك .
ومن ذلك : أن هناك تشويشاً وتضارباً في تسمية القادة الموجودين قبل الظهور .فإن ظاهر الأخبار تعاصر هذه الحركات تقريب، وكلها ذات أهمية في المجتمع ، إلى درجة يكون إهمال الخبر لذكر بعض قرينة على عدمه أساساً ، لعدم إمكان الإغراض عن ذكره – عادة – مع وجوده .
ـــــــــــــــــ
(1) انظر تاريخ الغبة الصغرى ص354.
(2) انظر تاريخ الغيبة الكبرى ص624.


صفحة (164)



ففي بعض الأخبار لا نجد غير السفياني ، وفي بعضها نجد الخراساني والسفياني دون غيرهما ، وفي اخبار أخرى نسمع بوجود عدة قواد : أبقع واصهب وسفياني ويماني .
وقل مثل ذلك في المنطقة التي يحكمها السفياني .فإن المقدار الواضح من الأخبار اطلاقة من دمشق وسيطرته عليها ، إلى جنب عدم وصوله إلى مكة والمدينة المشرفتين .
وأما بالنسبة إلى باقي البلدان ، فالأمر لا يخلو من تشويش .
ولعل من اوضح موارد التشويش هذه : الكوفة . حيث نسمع من بعض الأخبار ارتكازه فيها وسيطرته عليها . نجد في بعضها الآخر أن (الخراساني) يحتلها معه أيضاً .
بل أن انطلاقه من دمشق أيضاً لا يخلو من ظلال، نظراً إلى الخبر القائل: بأن السفياني يقبل من بلاد الروم .
غير أن الذي يهون الخطب ، أن أكثر منطلقات هذه النقطة قابلة للتذليل مع شيء من التفكير ، كما سوف نطبق بعضه فيما يلي :
الناحية الثالثة : من الحديث عن السفياني : في محاولة فهم الحوادث التي تدل عليها هذه الأخبار ، ومحاولة ضبطها وترتيبها وانطلاقاً من ظاهرها على المستوى (الصريح) دون (الرمزي) ... ما لم تعن الحاجة إلى الحمل على الرمز أحياناً .
إن منطلق السفياني سيكون هو الشام دون بلاد الروم .وأما الخبر الدال على إقباله من هناك .فسنذكر له فهماً خاصاً في حديثنا عن علاقة السفياني بالدجال .
إن دمشق ستكون في يوم من الأيام مسرحاً لحروب داخلية وصدام مسلح بين فئات ثلاث كلها منحرفة عن الحق ،وكل منها يريد الحكم لنفسه .ولا تعبر لنا الأخبار عن اتجاهات هؤلاء وعقائدهم بوضوح ، غير أنها توضح وجود الإختلاف بينها عن طريق اختلاف الوانها ... وهي تعبرعن ألوان الأمراء باعتبارهم مركز الثقل في التوجيه الفكري والعسكري لقواعدهم الشعبية ، فأحدهم ابقع. والآخرأصهب. والآخر احمر أصفر أزرق، وهو السفياني .وهو الذي يكتب له النصر في المعمعة ، ويستطيع السيطرة على الموقف في الشام ،ويتبعه أهلها ، إلا أن عدد قليل من الناس و يعصمهم الله تعالى عن اتباعه ، وهم جماعة من المخلصين الممحصين الكاملين ، المعبر عنهم في بعض الأخبار بالأولياء والأبدال وكما اسلفنا ، ويحكم السفياني الكور الخمس : دمشق ، وحمص وفلسطين والأردن وقنسرين(1) إلى جنب ما سوف يملكه من مدن العراق .
ـــــــــــــــــ
(1) الكور جمع كورة ، وهي المدية والبقعة (انظر أقرب الموارد ج2 ص1112) .وقنسرين كورة بالشام بالقرب من حلب ،وهي إحدى أجناد الشام ، قال ابن الأثير :وكان الجند ينزلها في ابتداء الإسلام ولم يكن لحلب معها ذكر ( تاج العروس ج3 ص508 مادة : قنسر ) .


صفحة (165)



وحين يستتب له الأمر يطمع بالسيطرة على العراق ، ويفكر في غزوها عسكرياً ، فيوجه إليها جيشاً يكون هو قائده .فيلتقي في طريقه جيش أرسله حكام العراق من أجل دفعه ، فيقتتل الجيشان في منطقة تسمى بقرقيسيا(1) ويكون قتالهم ضارباً ، يقتل فيه من الجبارين حوالي مئة ألف .والجبار العنيد هو كل حاكم منحرف ... وهو كناية عن أن كل من يقتل يومئذ من أي الجشين هو من الفاسقين المنحرفين .وبذلك تتخلص المنطقة من أهم القواد العسكريين الذين يحتمل أن يجابهوا المهدي (ع) عند ظهوره .
وعلى أي حال ، فالنصر سوف يكون للسفياني أيضاً ، فيدخل العراق ، ويضطر إلى منازلة (اليماني) في ارض الجزيرة(2) فيسيطر عليه أيضا ويحوز من جيش اليماني ما كان قد جمعه من المنطقة خلال عملياته العسكرية .
ثم يسير إلى الكوفة ، فيمعن فيها قتلاً وصلباً وسبياً ... ويقتل أعوان آل محمد (ص) ورجلاً من مسميهم يعني المحبوسين عليهم .وقد سمعت ما في أحد الأخبار من أنه ينادي مناديه في الكوفة : من جاء برأس من شيعة علي ، فله ألف درهم ، فيثب الجار على جاره ،وهما على مذهبين مختلفين في الإسلام ، ويقول : هذا منهم ، فيضرب عنقه ، ويسلم رأسه إلى سلطات السفياني ، فيأخذ منها ألف درهم .
ولا تستطيع حركة ضعيفة وتمرد صغير يحدث في الكوفة من قبل مؤيدي اتجاه أهلها ... لا تستطيع التخلص من سلطة السفياني ، بل سوف يفشل وسيتمكن السفياني من قتل قائد الحركة بين الحيرة والكوفة ، وكأنه يكون قد انهزم بعد فشل حركته ، فيلقي السفياني عليه القبض في الطريق فيقتله .
وفي بعض الأخبار أنه تراق بين الحيرة والكوفة دماء كثيرة ،وهو إشارة إلى هذه الحادثة ... فيها الدلالة على أن لقائد الحركة مركزاً مهماً هناك ، لن يستطيع السفياني السيطرة عليه بسهولة .
ـــــــــــــــــ
(1) في مراصد الإطلاع بالمد : بلد على الخابور عند مصبه ، وهي على الفرات ، جانب منها عل الخابور وجانب على الفرات ، انظر ج3ص1080 .أقول : وهي منطقة واقعة في سوريا الآن قريبة من الحدود العراقية .
(2) وهي أرض ما بين النهرين في العراق .


صفحة (166)



وحين يستتب له الأمر في العراق أيضاً ، يطمع في غزو الأراضي المقدسة في الحجاز .فيرسل جيشاً ضخماً إلى المدينة لإحتلالها .وظاهر اغلب الأخبار أن السفياني نفسه ليس فيه . فيسير هذا الجيش بعدته وسلاحه متوجهاً نحو المدينة المنورة : ويكون الإمام المهدي ( ع) يومئذ في المدينة . فيهرب منها إلى مكة فيعرف السفياني ذلك عن طريق استخباراته ، فيرسل جيشاً في أثره متوجهاً نحو مكة . محاولاً قتله والإجهاز عليه وعلى أصحابه ،وظاهر سياق الأخبار أن الجيش المتوجه إلى مكة هو جزء من الجيش الذي كان متوجهاً إلى المدينة المنورة .
إلا أن مكة حرم آمن بنص القرآن الكريم ، لايمكن أن يخاف فيه المستجير كما أن الإمام المهدي (ع) قائد مذخور لليوم الموعود وهداية العالم . لايمكن أن يقتل .ولا بد من حمايته ... ومن هنا تقتضي الضرورة إفناء هذا الجيش ، والقضاء عليه بفعل إعجازي إلهي ، فيخسف به في البيداء .ولا ينجو منه إلا نفر قليل: اثنين أو ثلاثة . يخبرون الناس عما حصل لرفاقهم .
إلا أن ذلك لا يعني الكفكفة من غلواء السفياني ، بعد أن ملك سوريا والعراق والأردن وفلسطين ومنطقة واسعة من شبه الجزيرة العربية ، وهدد الإمام المهدي وحاربه ... بل سيبقى حكمه ريثما يظهر المهدي (ع) بعد الخسف بقليل ويرد جيشه إلى العراق ، ويناجزه القتال فسيطر عليه ويقتله ، كما سنذكر .
هذا وقد اعتبرنا في هذا الفهم لتسلسل الحوادث ، أن كل ما ورد في شيء من الأخبار من دون أن يكون له ناف أو معارض في خبر آخر ، فهو ثابت .وهذا صحيح في سائر الأخبار ، غير الخبرين اللذين عرفنا ورودهما من غير المعصومين (ع) ووهما من نقاط الضعف في هذا الفهم .
كما أنها قد تواجه نقاط ضعف أخرى ، ينبغي عرضها ونقدها :
النقطة الأولى : أنه قد يخطر في الذهن : أن هذه التحركات العسكرية وما رافقها من الملابسات ، صيغت على غرار تحركات الجيوش القديمة التي كانت تحارب خلال العصر العباسي – مثلاً - حيث لا يوجد قانون دولي ولا أمم متحدة ولا حدود معترف بها . وأما بعد أن تقدمت الحضارة وأسست هذه الأسس فمن غير المحتمل أن تحدث مثل هذه التحركات .


صفحة (167)


ويمكن عرض عدة أجوبة على هذه الأجوبة على النقطة ، نذكر منها جوابين :
الجواب الأول: أن قيمة القانون وما يستتبعه من الإعتراف بالأمم المتحدة والحدود الآمنة المعترف بها ، إنما تنطلق من المصلحة الخاصة ليس إلا ، لأن الفرد أو الدولة إذا تنازلت عن شيء من المصلحة أمكن تبادل هذا التنازل مع الآخرين ، وبذلك تنحفظ مصالح خاصة أهم وأشمل .
وأما في الوقت الذي حرز الفرد أو الحاكم إمكان سيطرته على الآخرين وحصوله على الربح مع إحراز دفع الضرر عن نفسه ، فسيكون هو وبنود القانون على طرفي نقيض .
ومن هنا لم يكن وجود القانون ولا الأمم المتحدة ، ولا محكمة العدل الدولية مانعاً عن أنواع الإعتداءات وأشكال الغزو والسيطرة على الشعوب الضعيفة من قبل مختلف الأنظمة ، كما نشاهده باستمرار .وليست حركة السفياني بأفضل من أي واحد من هذه الإعتداءات .
الجواب الثاني : أنه من المحتمل – على الأقل – أن تكون تحركات السفيناي ذات طابع ( قانوني) مشروع في حدود الفهم الحديث لهذه المشروعية ، كما لو كانت نتيجة لإتفاقيات بين الدول أو إتحاد في شكل الأنظمة فيما بينها .أو إعلان شكل من الإتحاد بين اثنين أو أكثرمنها . وغير ذلك مما لا حاجة إلى الدخول في الحديث عن تطبيقاته في عالم اليوم .
وبهذا يرتفع الإشكال الذي قد يرد إلى الذهن ، من حيث أن ظاهر الأخبار عدم وجود أية مقاومة ضد جيش السفياني حين يدخل الحجاز ... فإن ذلك يكون نتيجة لإتفاقات معينة ، أو لضعف الحكم القائم هناك يومئذ تجاه الجيش المحتل ضعفاً شديداً .
النقطة الثانية : إن ظاهر بعض الأخبار التي سمعناها ، كون الإمام المهدي (ع) قبل ظهوره معروفاً للسفياني، ويبدو أن الهدف الرئيسي للجيش الذاهب إلى الحجاز هو قتل المهدي (ع) ،ومن هنا يخاف (ع) ويهرب من المدينة إلى مكة على سنة موسى بن عمران (ع) حين هرب إلى مدين ... ويكون الخسف بالجيش إنقاذاً له. ويفهم السفياني بهرب المهدي (ع) فيرسل خلفه جيشاً فيخسف به .
وهذا – بظاهره – مناف لمسلك الغيبة الذي يتخذه الإمام (ع) إلى حين ظهوره ، وخاصة من الأعداء الذين يحتمل فيهم أن يقتلوه أو يشكلون خطراً عليه ولو انحصر الأمر بذلك ، وجب رفض دلالة الخبر للجزم بثبوت الغيبة قبل الظهور .


صفحة (168)


لكننا يمكن الإستغناء عن هذه النقطة أيضاً ، لو التفتنا إلى (أطروحة خفاء العنوان) التي عرضناها في التاريخ السابق، والتي تقول: إن المهدي (ع) خلال غيبته يرى الناس ويرونه ولا يعرفونه. وإنما تكون غيبته باعتبار غفلة الناس مطلقة عن حقيقته ... ويعرفونه بعنوان مستعار وشخصية (ثانوية) يتخذها المهدي (ع) في المجتمع .
ومعه ، فمن الممكن أن السفياني يعرف تلك (الشخصية الثانوية) أعني ما أتخذه المهدي من عنوان مستعار في ذلك العصر .ويتابع أخباره بتلك الصفة .ويرسل جيشاً لقتله بتلك الصفة أيضاً .وإنما عبر عنه في الأخبار بالمهدي باعتبار حقيقته ، وإنما يخسف بالجيش المعادي له باعتبار ذلك أيضاً .إلا أن السفياني لن يشعر أنه قاصد لقتل المهدي (ع) نفسه ، ولن يشعر الناس بذلك أيضاً لأنه والناس ، إنما يعرفونه بشخصيته الثانوية دون الحقيقية .
النقطة الثالثة : أنه تبقى عدة فجوات في تسلسل الحوادث لم تنطق بها الأخبار بوضوح ... ومن الصعب استدراكها بطبيعة الحال ، نذكر لها بعض الأمثلة .
منها : دور الجماعة المقبلة من خراسان ، وفيها بعض أصحاب القائم (ع) بقيادة الخراساني .ما هو دورها في العراق هل هو عسكري أو فكري أو ليس لها دور .ما هو موقف السفياني منها حين يسيطر على البلاد .
ومنها : دور اليماني عسكرياً وفكرياً وعقائدياً .وإن كان المظنون أنه هو المشار إليه في بعض الأخبار بأن رايته راية هدى ، كما سمعنا في التاريخ السابق(1) والسفياني سيجهز عليه و سيخلي الساحة العراقية منه .إلا أن فجوات أخرى سوف تبقى غير قابلة للجواب .
ومنها : عدد أفراد الجيش الذين يتجهون إلى مكة المكرمة للقبض على المهدي (ع) .فهل هو جماعة كبيرة أو صغيرة ، فبينما يعبر عنه في عدد من الأخبار بالجيش ، وهو يوحي بالعدد . ويؤيده ما في بعض الأخبار من أنهم ثمانون ألفاً (2).
إلا أن بعض الأخبار تقول : فيبعث إليه بعث(3) وهو يوحي بالإرسالية الصغيرة نسبياً . إلا أن الأغلب على التعبير بالجيش على أي حال .
الناحية الرابعة : أننا فهمنا في التاريخ السابق(4) من الأخبار التي تذكر خروج الرايات السود من خراسان ... فهمنا الإشارة إلى حركة أبي مسلم الخراساني ، التي أجهزت على حكم بني أمية ومهدت لحكم العباسيين ... ومعه فقد يخطر في الذهن أن الخراساني امذكور في الأخبار التي ذكرناها هنا هو أبو مسلم ايضاً
ـــــــــــــــــ
(1) انظر تاريخ الغيبة الكبرى ص632.
(2) المصدر ص602. غير أن الخبر مروي عن ابن عباس لا عن أحد المعصومين (ع) .* المصدر ص599.
(3) المصدرص 599. (4) المصدرص 547.


صفحة (169)



وهذا احتمال معقول لو استطعنا أن نفهم من (بني فلان) في الخبر الذي نقلنا عن النعماني في (الغيبة) ... بني أمية دون بني العباس . فكأنه قال : لابد لبني أمية أن يملكوا .فإذا ملكوا خرج عليهم الخراساني فأهلكهم. فيكون واضح الإنطباق على أبي مسلم دون شك .
غير أن هذا الفهم مروي عن الإمام محمد بن علي الباقر (ع) .وهو معاصر لدولة بني أمية ... فلا يكون قوله (لا بد لبني أمية أن يملكوا) معنى واضح . بل يتعين حمله الدولة التي لم تحدث في زمانه .وهي دولة بني العباس .ومن المعلوم أن أبا مسلم أسس دولة العباسيين لا أنه أهلكها .
ثانياً : إن الخبر كالصريح في تعاصر حركة الخراساني والسفياني ، ومن المعلوم عدم تحقق حركة السفياني لحد الآن !!!، إذاً فحركة الخراساني لم تتحقق ...إذاً ، فهي ليست منطبقة على حركة أبي مسلم على أي حال .
ومعه ، تكون الحركة المشار إليها في أخبار الرايات السود غير الحركة المشار عليها في هذه الأخبار بقيادة الخراساني غير أننا نخسر بذلك شيئاً ذا بال ، وهو : إن الحادثة المشار إليها لو كانت واحدة ، لاستطعنا ضم أخبار الرايات السود إلى أخبار (الخراساني) ، فتصبح كثيرة ومستفيضة ، إن لم تكن متواترة وهذا غير ممكن مع تعدد الحادثة المقصودة .
ولكن هذا لا يعني سقوط كلا الطائفتين من الأخبار عن إمكان الإثبات التاريخي ، كل بمقدار قابليته .
الناحية الخامسة : قد ثبت بهذه الأخبار وغيرها ، كون الخسف الذي استفاضت به الأخبار في مصادر الفريقين ....إنما يكون بجيش السفياني ، حين يقصد قتل الإمام المهدي (ع) وهو مستجير بمكة .
وبذلك نحصل على شيء ذي بال – على عكس الناحية السابقة – وهو انضمام أخبار الخسف المستفيضى إلى أخبار السفياني ، وإن لم تذكر السفياني بالصراحة .فإذا علمنا أن اخبار السفياني مستفيضة ، كان ضم المستفيض إلى المستفيض منتجاً للتواتر لا محالة .


صفحة (170)


الناحية السادسة : بقي علينا التعرض إلى مقتل السفياني على يد الإمام المهدي (ع) .ولا زلنا نتكلم طبقاً للفهم (الصريح) دون الرمزي لمفهوم السفياني ، لنتوفر في الناحية الآتية على عرض الفهم الرمزي له .
وقد وردت في ذلك عدة أخبار :
قال في إسعاف الراغبين(1) وهو يعدد ما ورد في الروايات من حوادث ظهور المهدي (ع) ....قال :
وإن السفياني يبعث إليه من الشام جيشاً ، فيخسف بهم البيداء فلا ينجو منهم إلا المخبر . فيسير إليه السفياني بمن معه ، فتكون النصرة للمهدي ، ويذبح السفياني .
وروي في البحار(2) حديثاً طويلاً عن جابر الجعفي عن أبي جعفر الباقر (ع) ، يتحدث فيه عن المهدي (ع) وظهوره وما يحدث بعد ذلك ، إلى ان قال :
ثم يأتي الكوفة فيطيل فيها المكث ما شاء الله أن يمكث ، حتى يظهر عليها ، ثم يسير حتى يأتي العذرا (3) هو ومن معه ، وقد الحق به ناس كثير والسفياني يومئذ بوادي الرملة .حتى التقوا وهم ، يوم الأبدال ، يخرج أناس كانوا مع السفياني من شيعة آل محمد (ص) ، ويخرج ناس كانوا مع آل محمد إلى السفياني ، فهم من شيعته حتى يلحقوا بهم .ويخرج كل ناس إلى رايتهم ،وهو يوم الأبدال .قال أمير المؤمنين (ع) : يقتل يومئذ السفياني ومن معه حتى لا يدرك منهم مخبر ، والخائب يومئذ من خاب من غنيمة كلب(4) .. الحديث .
وفي خبر مطول آخر أخرجه المجلسي في البحار أيضاً (5) عن عبد الأعلى الحلبي قال :
قال ابو جعفر (ع) : يكون لصاحب هذا الأمر غيبة ... إلى أن يقول لأصحابه سيروا إلى هذا الطاغية ، فيدعو إلى كتاب الله وسنة نبيه (ص) ، فيعطيه السفياني من البيعة سلماً ، فيقول له كلب – وهو أخواله – ما هذا ؟ ما صنعت ؟ والله ما نبايعك على هذا أبداً ...فيقول :ما أصنع فيقولون : ! ... استقبله ! فيستقبله .
ثم يقول له القائم صلى الله عليه : خذ حذرك ، فإنني اديت إليك ، وأنا مقاتلك ، فيصبح فيقاتلهم ، فيمنحه الله أكتافهم . ويأخذ السفياني أسيراً ، فينطلق به يذبحه بيده ...الخبر .
ـــــــــــــــــ
(1) انظر ص138.
(2) ص160-161ج13.
(3) في مراصد الإطلاع بالمد : قرية بغوطة دمشق معروفة إليها ينسب مرج عذراء ج2 ص924.
(4) أخوال السفياني والمحاربين معه ، كما يظهر من الخبر الآتي وغيره .
(5) انظر ج13 ص189.


صفحة (171)



ولا نجد في هذه الأخبار تنافياً يذكر ، مع الأخبار السابقة والفهم العام الذي فهمناه عنها .فإن الجو العام لها واحد .فينبغي الآن قصر الكلام على الحوادث الزائدة التي تعرب عنها هذه الأخبار ، مما لم يكن موجوداً في الأخبار السابقة. ويكون فهمنا الآن تتمة للفهم العام السابق .
إن مركز حكم السفياني سيكون هو العراق بعد انتقاله عن الشام ، ولن يوجب الجيش الذي تفشل مهمته في الحجاز ، انتقال مركز حكمه إلى هناك .
ومن هنا سوف يواجه المهدي عند دخوله إلى العراق حكم السفياني بكل جبروته . غير أن السفياني – على ما يبدو – سوف يكره مناجزته القتال ، لأن ذلك سوف يثير ضده مشاكل لا تطاق .ومن هنا يدخل المهدي (ع) العراق سلماً ويمكث في الكوفة ما شاء الله له ذلك كزعيم شعبي ، حتى ما إذا اجتمع له من الرجال و السلاح ما يكفي للسيطرة على الحكم استطاع مواجهة السفياني بصراحة .
وطبقاً للقواعد الإسلامية سيبدأ المهدي (ع) بعرض العقائد الإسلامية الحقة على السفياني ،فإن قبل بذلك وصار معه فهو ... وإلا ناجزه القتال .
وطبقاً للإتجاه النفسي لدى السفياني لمجاملة المهدي (ع) ، سيعطي للمهدي ما يطلبه من الشهادة ،إلا أن بطانته سوف تحتج على ذلك وتشجب موقفه ، وتلزمه بأن يواجه المهدي (ع) مواجهة كاملة .
ولعل هذا الإتجاه النفسي ، هو الذي يفسح المجال لتسرب كل المؤمنين المشتغلين في جيش السفياني إلى جيش المهدي (ع) ، وفي نفس الوقت يميل الفساق الفاشلين في التمحيص من سكان الكوفة قبل الظهور ، إلى الإلتحاق بجيش السفياني ، وهو يوم الإبدال .. أي تبادل الأصحاب .ويتم ذلك في الفترة الأولى قبل مناجزة القتال


صفحة (172)


وإذ يخضع السفياني لإقتراح بطانته ، ينكمش ضد المهدي (ع) ويتحداه فينذره المهدي (ع) بالقتال ، فيضطر السفياني إلى الصمود ضده ، فتحدث المعركة بين المعسكرين ، ويكون الفوز للقائد المهدي ، وينتهي حكم السفياني ،ويؤخذ اسيراً ويقتله المهدي في الأسر. وبذلك تتم سيطرة المهدي على العراق .
بل سوف تتم سيطرة المهدي (ع) على كل المنطقة التي عرفناها محكومة للسفياني ، وهي العراق والشام والأردن وفلسطين .ومن هنا سوف تنفتح الفرصة المؤاتية للغزو العالمي . كما سيأتي في القسم الثاني من الكتاب .
الناحية السابعة : في محاولة إعطاء الفهم الرمزي عن السفياني ، مع الإلماع إلى علاقة السفياني بالدجال .
ويحتاج الفهم الرمزي إلى شرطين أساسين ، لا يصح إلا من خلالهما ، فإن فقد أحد الشرطين ، فضلاً عنهما معاً ، كان الفهم الرمزي مما لا لزوم له .
الشرط الأول : أن يكون العمل بظاهر الأخبارا متعذراً ، والفهم (الصريح) منها ممتنعاً ...باعتبار قيام القرائن على عدم صحته او اقتضاء القواعد العامة لنفيه .
وهذا ما كنا نوجهه في مفهوم : الدجال أو مفهوم يأجوج ومأجوج .من حيث أن ظاهر الأخبار نسبة الخوارق والمعجزات إلى المنتسبين إلى الباطل، وهو مستحيل ، هو يعطي لهذين المفهومين صورة مخالفة للبشر الإعتياديين ومما يوثق بعد صدقه . فيكون ذلك سببا ً للإنطلاق إلى الفهم الرمزي الذي يذلل هذه المصاعب ، مع أخذ الشرط الثاني بنظر الإعتبار .
الشرط الثاني : أن يكون الفهم الرمزي أقرب ما يمكن إلى الظواهر ، معطياً صورة شاملة ومتكاملة ومتساندة لمجموع الظواهر والمفاهيم الواردة في الأخبار ... بحيث لا يند عن ذلك إلا الخبر الشاذ غير القابل للإثبات التاريخي أساساً .
وهذا ما حاولنا تطبيقه في فهمنا الرمزي لمفهوم الدجال ومفهوم يأجوج ومأجوج .
غير أن مفهوم : السفياني فاقد للشرط الأول . إذ من الواضح بعد استعراض الأخبار السابقة وغيرها مما ورد في السفياني ، أنها خالية من أية معجزات وخوارق منسوبة إليه أو إلى غيره من المبطلين . بل هي تخلو من أية معجزة سوى الخسف بالبيداء الذي يحدث دفاعاً عن الحق لا عن الباطل ،وقد عرفنا مبرره الكامل فيما سبق .
كما أن هذه الأخبار تعرض البشر على حالهم فيعصر التمحيص والفتن ، فهناك الآراء المتعارضة والجيوش المتحاربة والحكام الظالمون ، والقلة المدافعة عن الحق .وكل هذه الأمور صفات أساسية للمجتمع المعاصر. وبالتالي فهي لا تعطي صورة مخالفة للبشر الإعتياديين ليكون الوثوق بعدم صدقها موجوداً. ليكون ذلك منطلقاً إلى الفهم الرمزي .


صفحة (173)


إذاً ، فالفهم الرمزي الكامل مما لا لزوم له .وإنما الشيء الممكن هو ملاحظة الخصائص والصفات حول هذا المفهوم ، وإسقاط ما يمكن إسقاطه منها .
فإذا اسقطناها جميعاً أو الأعم الأغلب منها ، كان (الفهم) الذي ذكرناه في التاريخ السابق(1) صحيحاً وهو ان السفياني يمثل خط الإنحراف داخل المعسكر الإسلامي ككل ، فتندرج تحته كل الحركات والعقائد التي تدعي الإنتساب إلى الإسلام ، مما كان (بعد زوال الدولة العباسية) أو يكون إلى يوم الظهور الموعود .وأما إذا أخذنا عدداً من الصفات بنظر الإعتبار ، مما تسالمت الروايات على صحته ، فإن هذا المفهوم الواسع سوف يضيق، وسوف ينحصر في تطبيق واحد من تطبيقاته ، فإنني أود أن أقول : أن مفهوم السفياني يعبر عن آخر حكم منحرف للمنطقة قبل ظهور المهدي (ع) ويمكننا أن نصف هذا الحكم مما ثبت له من الصفات ، كدخول سوريا والعراق تحت حكم واحد أو متشابه ، وحقده على أهل الحق ، وإرساله الجيش ضد المهدي ( أو ضد جماعة من أهل الحق المخلصين يكون المهدي (ع) موجوداً فيهم بعنوان آخر غير حقيقته) ، وحدوث الخسف على هذا الجيش.
وأما الصفات الأخرى ، كتسميته بعثمان بن عنبسة ، وخروجه من الوادي اليابس ،وصفات جسمه وسيطرته على الأردن وفلسطين ، وتفاصيل مواقفه العسكرية ، فهي مما ينبغي اسقاطها تحت وطأة الفهم الرمزي ، وإيكال علمها إلى أهله .وإن كان الوارد من الأخبار في بعض هذه الصفات صالح للإثبات التاريخي ، وإن لم يكن أكيداً .
ـــــــــــــــــ
(1) انظر تاريخ الغيبة الكبرى ص647.


صفحة (174)


وانطلاقاً من فهمنا هذا ، تتضح علاقة السفياني بالدجال بالمعنى الذي فهناك أيضاً . بعد أن برهنا في التاريخ السابق (1) على أن هذين المفهومين يعبران عن شيئين لا عن شيء واحد .
فإن للفهمين (الصريحين) التقليدين للسفياني والدجال ، إتجاه إلى عزل أحدهما عن الآخر عزلاً تاماً ، طبقاً للظهور الأولي للأخبار ... فالمسيح ينزل فيقتل الدجال في دمشق بدون أن يكون السفياني موجوداً في العالم . والمهدي (ع) يظهر فيحارب السفياني بدون أن يكون الدجال موجوداً في العالم .
ولكننا إذا علمنا أن زمن ظهور المهدي (ع) ونزول المسيح واحد ، حتى أن المسيح يصلي وراء المهدي (ع) تكرمة لهذه الأمة كما وردت بذلك الأخبار، وسنرويها فيما يلي : إذاً ، سيكون هذا الإتجاه التقليدي مبرهن البطلان .ولا بد من أن يكون الدجال والسفياني متعاصرين ، ولابد من وجود العلاقة بينهما بشكل من الأشكال.
وإذا كان الدجال عبارة عن الحضارة المادية الحديثة بخطها الطويل ، وكان السفياني آخر الحكام المنحرفين في الشرق ، فسوف لا يصعب علينا تصور العلاقة يبنهما .بعد أن أصبحنا نعيش بكل حواسنا تطبيقات الدجال والسفياني بكل وضوح ....ونعلم الأشكال الصريحة والمبطنة لعلاقة أحدهما بالآخر بشكل نكون في غنى عن عرضه .
وهذا التحديد للعلاقة ، منطلق من فهمنا لذينك المفهومين ، بغض النظر عما اكتسبه مفهوم الدجال من رتوش محتملة عند الحديث عن علاقته بيأجوج ومأجوج .إذ مع الأخذ ببعض الأطروحات التي ذكرناها هناك ، سوف نحتاج إلى بعض التغيير في تصور العلاقة ...وهذا ما نوكله إل القارىء الذكي .
النفس الزكية
وهو إنسان قرنت حركته ومقتله بظهور الإمام المهدي (ع) ، في أخبار المصادر الخاصة على الأغلب .
وقد سبق في التاريخ السابق(2) أن بحثنا ذلك وعرضنا الأخبار التي تصرح بأن مقتل النفس الزكية من المحتوم، وغيرها .
ـــــــــــــــــ
(1) تاريخ الغيبة الكبرى ص630وما بعدها
(2) انظر ص604وما بعدها إلى عدة صفحات .


صفحة (175)




ولكننا لم نستطع هناك – بما كان لنا من منهج في الإثبات التاريخي – ان ندفع احتمالاً معيناً ، هو أن تكون النفس الزكية هو محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) .وحيث ان مقتله قد حصل في العهد العباسي الأول ، فلا ينبغي انتظار حادثة أخرى لمقتل النفس الزكية في مستقبل الدهر .
ولكننا نحاول الآن أن نبحث المطلب بشكل جديد ، انطلاقاً من المنهج الذي اتخذناه في هذا التاريخ ، وهو التنزل عن التشدد السندي وقبول الخبر الموثوق، وإن لم تقم القرائن على صدقه من الخارج .وهذه هي نقطة الإختلاف بين المنهجين ، كما أشرنا في أول الكتاب .
وينبغي أن نتكلم عن (النفس الزكية) ضمن عدة نواحي :
الناحية الأولى : في سرد الأخبار الواردة في هذا الموضوع ، غير ما نقلناه في التاريخ السابق ، إلا القليل الذي نحتاجه فنكرره .
روينا في التاريخ السابق(1) عن المفيد في الإرشاد (2) عن أبي جعفر الباقر (ع) والشيخ في الغيبة(3) والصدوق في إكمال الدين(4) عن أبي عبد الله الصادق (ع) بلفظ متقارب – واللفظ للمفيد - : أنه قال : ليس بين قيام القائم (ع) وقتل النفس الزكية ، أكثرمن خمس عشرة ليلة .
وقال في الإرشاد (5) : قد جاءت الآثار بذكر علامات لزمان قيام القائم المهدي (ع) ... وعد منها : ذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام .
وأخرج في البحار(6) عن السيد علي بن عبد الحميد بالإسناد إلى أبي بصير عن أبي جعفر (ع) ، في حديث طويل ، يقول فيه : يقول القائم (ع) لأصحابه : يا قوم . إن أهل مكة لا يريدونني ، ولكني مرسل إليهم لأحتج عليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتج عليهم .
ـــــــــــــــــ
(1) المصدر ص605. (2) ص339.
(3) ص271. (4) انظر المصدر المخطوط .
(5) ص336. (6) ج13 ص180.


صفحة (176)




فيدعو رجلاً من أصحابه ، فيقول له : إمض إلى أهل مكة ! أنا رسول فلان إليكم ، وهو يقول :إنا أهل بيت الرحمة ومعدن الرسالة والخلافة ، ونحن ذرية محمد وسلالة النبيين . وإنا قد ظلمنا واضطهدنا وقهرنا وابتز منا حقنا ، منذ قبض نبينا إلى يومنا هذا ،فنحن نستنصركم فانصرونا .
فإذا تكلم هذا الفتى بهذا الكلام ، أتوا إليه فذبحوه بين الركن والمقام ، وهو النفس الزكية ... الحديث .
وأخرج أيضاً(1) عن الكافي بسنده عن يعقوب السراج عن أبي عبد الله (ع) في حديث عن المهدي (ع) يقول فيه:
ويستأذن الله في ظهوره :فيطلع على ذلك بعض مواليه .فيأتي الحسني فيخبره الخبر ، فيبتدر الحسني إلى الخروج ، فيشب عليه أهل مكة ، فيقتلونه ، ويبعثون برأسه إلى الشام ، فيظهر عند ذلك صاحب الأمر .. الخبر.
وقال الرواندي في الخرايج والجرايج(2): وروي أن النفس الزكية هو غلام من آل محمد اسمه محمد بن الحسن يقتل بلا جرم .فإذا قتل فعند ذلك يبعث الله قائم آل محمد .
أقول : وأرسل الصافي في منخب الأثر(3) هذا المعنى ارسال المسلمات .
وأخرج الصافي(4) عن غيبة الشيخ بسنده عن سفيان بن ابراهيم الحريري أنه سمع أباه يقول :
النفس الزكية غلام من آل محمد ، اسمه محمد بن الحسن ، يقتل بلا جرم ولا ذنب .فإذا قتلوه لم يبق لهم في السماء عاذر ولا في الأرض ناصر .فعند ذلك يبعث الله قائم آل محمد .. الحديث .
فهذا هو كل ما وجدناه من الأخبار بهذا الصدد . وسنمحصها بعد إعطاء الفهم المتكامل عنها .
ـــــــــــــــــ
(1) البحار ج13ص178. (2) ص196.
(3) انظر ص454. (4) ص455.


صفحة (177)


الناحية الثانية : في محاولة فهم هذه الأخبار ككل ، على تقدير صحتها وكفايتها للإثبات التاريخي .ويكون فهمنا هذا تتمة – بشكل أو آخر – للفهم العام الذي ذكرناه للسفياني.
إن المهدي (ع) مع خاصة أصحابه حين يهربون من وجه جيش السفياني لمبعوث ضدهم .من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة ، يصبح من الواجب على أهل مكة نصرته ، بحسب تكليفهم في نصرة المؤمنين المظلومين ضد الظالمين ممن كان على شاكلة السفياني .
ولكن لن يكون لأهل مكة استعداد للنصرة ، اما لأجل اختلاف مذهبهم عن مذهب المهدي (ع) في الإسلام، وإما لأجل خوفهم من سطوة السفياني وسلطته ،وحسبنا أننا سمعنا أن السفياني دخل الحجاز من دون مقاومة عسكرية ، لمدى الرهبة والخوف الذي زرعه في النفوس .ومن هنا يحافظ أهل مكة على مصالحهم الخاصة وينكمشون ضد المهدي (ع) .أعني : بعنوانه المعلن وإن جهلوا حقيقته .
ويعلم الإمام المهدي (ع) بعدم استعدادهم لنصرته .فيقول لخاصته : يا قوم ، إن أهل مكة لا يريدونني .ولكني مرسل إليهم لأحتج عليهم ، بما ينبغي لمثلي أن يحتج عليهم .
ويكون هذا الإحتجاج اتماماً للحجة عليهم ، ومواجهة صريحة لهم بالموقف حتى لا يبقى منهم غافل أو مماطل .
ومن هنا يفكر المهدي (ع) بأن يرسل شخصاً من قبله إلى أهل مكة ليقوم بهذا الإحتجاج. فيدعو بعض أصحابه ، وهو من الهاشميين ومن المخلصين الممحصين ، على ما سنعرف في الوجه فيه... ويحمله رسالة شفوية معينة ، ويأمره بأن يخطب بها في المسجد الحرام بين الركن والمقام وقد سمعنا نص الخطبة في الأخبار .
وينبغي هنا أن نلاحظ أنه حين يقول : أنا رسول فلان إليكم ... لا دليل على أنه يورد اسم المهدي (ع) بحقيقته ويعرف المخاطبين أنه هو المهدي الموعود ، بل لعله يورد الإسم أو العنوان المعلن اجتماعياً له (ع) في ذلك الحين .
وما أن يسمع أهل مكة هذه الخطبة ، حتى يجتمعون عليه ويقتلونه بين الركن والمقام قرب الكعبة المشرفة في بيت الله الحرام .ولعلهم يقطعون رأسه ويرسلونه إلى السفياني ، ليكون لهم الزلفى لديه .


صفحة (178)


هكذا تقول إحدى الروايات السابقة ، ولكننا عرفنا أن مركز السفياني يومئذ لن يكون هو الشام بل هو العراق، وإن كان كلا القطرين تحت سيطرته وهذا له عدة توجيهات ، أوضحها : احتمال أن يكون السفياني في ذلك الوقت قد ترك مركزه وسافر إلى الشام لإنجاز بعض المصالح المعينة ، ريثما يعود مرة أخرى .
وعلى أي حال ، فإنهم حين يفعلون ذلك ، يكونون قد عصوا العديد من أهم أحكام الإسلام وضروريات الدين .منها : المحافظة على حرمة البيت الحرام الذي اعتبره القرآن الكريم حرماً آمناً .ومنها : قتل النفس المؤمنة بدون جرم وبغير نفس ومنها : رفض نصرة المستنصرين بالحق .فيشتد غضب الله تعالى على أهل الأرض ، فيأمرالإمام المهدي (ع) بالظهور لأخذ الحق ودحر الظالمين .
ويكون رسول المهدي (ع) هذا هو النفس الزكية الموعود قتلها بين الركن والمقام ، وسوف لن يكون بين مقتلها وبين الظهور أكثر من خمس عشرة ليلة .
وهذا هو التصور العام الذي تعكسه هذه الأخبار ولتاريخ تلك الفترة .وهو تصور سليم إلى حد كبير.لا يكاد يرد عليه إلا المناقشات القليلة الآتية التي لا تغير من جوهره شيئاً . ومعه لا حاجة إلى الحمل على الرمز ، لما قلناه من أنه يتعين ذلك عند قيام الدليل على بطلان المعنى (الصريح) .
إلا أن ارتفاع هذا الفهم إلى مستوى الإثبات التاريخي ، منوط بصحة تلك الأخبار وصلاحيتها للإثبات ، وهذا ما سنبحثه غير بعيد.
الناحية الثالثة : في نقد بعض الإعتراضات التي تورد على هذا الفهم العام :
الإعتراض الأول : أنه كيف تيسر لرجل واحد أن يخاطب أهل بلدة بكاملها ، بشكل طبيعي غير إعجازي .
إلا أن هذا السؤال يحتوي على سذاجة واضحة ، لوضوح كفاية قيام الفرد خطيباً في المسجد الحرام المحتشد بأهل مكة ، مستعملاً الأجهزة الحديثة لبث الصوت وتكبيره .لكي يستطيع الفرد أن يخاطب لأهل مكة جميعاً ، ويبلغ الحاضر منهم الغائب في أقل من ساعة من نهار .
وقد يخطر في الذهن أنه من اين للنفس الزكية حصول مثل هذا الجمع ،واستعمال المكبرات .


صفحة (179)



وجوابه : أننا لم نلاحظ إلى الآن في (النفس الزكية) إلا جهته الخفية وهو أنه من خاصة الإمام المهدي (ع) في أواخر عصر الغيبة . ولم يتيسر لنا ملاحظة الجهة الإجتماعية المعلنة له عادة .
إن اختيار المهدي (ع) له لينوب عنه بالتبليغ ، ليس جزافياً ، إلا بعد إحراز النجاح في ذلك ، أعني التبليغ ، وله القابلية الفكرية والإجتماعية المعلنة له دخيلة لا محالة في ترجيح اختياره .
فقد يكون هذا الرجل خطيباً معروفاً أو وجيهاً أو له درجة من المسؤولية والسلطة في المجتمع ، ومن الممكن له أن يجمع الناس ويخطب بهم بواسطة اجهزة التكبير .
وخاصة إذا عرفنا أنه سيقول قولته والناس لا زالت مجتمعة بعد الحج .فقد وردت روايات سنسمعها تعرب عن أن الظهور سيتم في اليوم العاشر من محرم الحرام ، فإذا استثنينا من ذلك خمس عشرة ليلة ، كان موعد الخطاب النفس الزكية هو اليوم الخامس والعشرين من شهر ذي الحجة الحرام . أي بعد انتهاء اعمال الحج بحوالي عشرة أيام.
الإعتراض الثاني : أنه كيف أمكن للنفس الزكية أن يطلع على حقيقة الإمام المهدي (ع) خلال عصر غيبته ، ويحمل منه الرسالة إلى أهل مكة .مع أن ذلك متعذر بالنسبة إلى كل أحد، إلى حين حصول الظهور .
والجواب الأولي الواضح لذلك، هو ان الإرسال كان من قبل الإمام المهدي (ع) نفسه ، وهو العالم بالمصالح، ويستطيع أن يكشف حقيقته للفرد ، اياً كان ، في حدود ما يعرفه من ملابسات وحقائق .
لكننا لو عبرنا عن الإعتراض بتعبير آخر من زاوية ما عرفناه في التاريخ السابق(1) من أن مصلحة الغيبة مقدمة على كل مصلحة ، فكيف جاز للإمام (ع) أن يكشف حقيقته أمام هذا الرجل ، مهما كان صالحاً .
يمكن الجواب على ذلك من عدة وجوه نلخصها فيما يلي : الجواب الأول :أن ما عرفناه من تقديم مصلحة الغيبة على كل مصلحة ، وإن كان صحيحاً ،إلا أن السر الأساسي فيه هو : أن كشف الغيبة وارتفاعها مناف مع حفظ المهدي (ع) لليوم الموعود . ومن ثم تكون مصلحة الغيبة هي مصلحة اليوم الموعود .
ومصلحة ذلك اليوم مقدمة على كل مصلحة .
ـــــــــــــــــ
(1) تاريخ الغيبة ص49.


صفحة (180)



وهذا البرهان لايرد في واقعة إرسال النفس الزكية ، لأن مصلحة الظهور واليوم الموعود نفسه ، أصبحت متوقفة على انكشاف الغيبة النسبة إلى هذا الشخص ، وتعرفه على حقيقة المهدي (ع) . بغض النظر عن الأجوبة الآتية . فيكون مقتضى تقديم مصلحة .هو هذا الإنكشاف لا الغيبة .
الجواب الثاني: أننا قلنا في التاريخ السابق(1) أيضاً :أن كل ناجح نجاحاً تاماً في التمحيص الإلهي ، بحيث يكون مؤهلاً للمشاركة في مهام عصر الظهور ، يكون في إمكانه رؤية المهدي(ع) خلال عصر غيبته ، إذ لا يحتمل أن يكون مورد خطر بالنسبة إليه .وقد دلت كثير من الروايات وعدد من أخبار المشاهدة ، بأن المجتمعين به (ع) في عصر الغيبة متعددون ، ممن يعرف هويته وصفته . وأنه يجمع إليه أنصاره ممن بلغ في التمحيص غايته ، ونجح فيه النجاح المطلوب .وإن في ذلك من المصالح التي تمت إلى ممارسة هؤلاء للقيادة في اليوم الموعود ، ما لا يخفى .
ويبدو من سياق الرواية التي تعرب عن إرسال النفس الزكية ،أن هذا الرجل إنما هو من هؤلاء الخاصة الذين يجمعهم المهدي (ع) ويعرفهم بحقيقته ومن هنا لا يكون في إطلاع النفس الزكية على حقيقة الإمام المهدي (ع) أي إشكال .
وينبغي أن نلاحظ هنا : أ ن النفس الزكية حتى لو كان مطلعاً على حقيقة المهدي (ع) حين إرساله ، فإنه ليس من الضروري أن يسميه في خطبته . بل قد يذكر العنوان المعلن للمهدي (ع) ويتجنب ذكر الحقيقة بالرغم من معرفته لها ، تبعاً لأمر إمامه وقائده (ع) .
الجواب الثالث : أن ننطلق من الزاوية التي تصورنا بها تعرف السفياني ، على تحركات الإمام المهدي (ع) ، وهي اطلاعه عليه بعنوانه المعلن لا بحقيقته .
فمن المحتمل ، أن لا يكون (النفس الزكية) مطلعاً على حقيقة الإمام المهدي (ع) الذي أرسله ...بل يذهب لتبليغ الرسالة وهو لا يعلم أكثر من كونها صادرة عن (فلان) الذي يسميه في خطبته .وهذا كاف في إقامة الحجة على الناس .
ـــــــــــــــــ
(1) ص150 وما بعدها .


صفحة (181)




كما أنه كاف لتفسير مقتله ، إذ لا دليل على أنهم يقتلونه باعتبار رسالته عن المهدي (ع) بالذات ، بل باعتبار مضمون خطبته ، وقد يكون المهدي بعنوانه العلني مبغوضاً لديهم أيضاً ، فينزعجون من تجاوب (النفس الزكية) معه وقبوله لتحمل رسالته .
الإعتراض الثالث : إن هذا التسلسل التاريخي الذي عرفناه في ( الفهم العام) مناف مع ما برهنا عليه من أن شرائط الظهور هي الحكم الفصل في إنجازه عند تحققها ، وهذه الأخبار تدل على أن سبب الظهور هو تهديد السفياني للمهدي (ع) بالقتل ، وقتل النفس الزكية فأيهم نأخذ؟
والجواب : إن كلا الفكرتين صادقتان وكلا السببين سبب صحيح في نفسه ،وليس مقتل النفس الزكية وتهديد المهدي (ع) إلا نتيجة من نتائج شرائط الظهور .
فإن التخطيط العام السابق على الظهور ، بما له من خصائص وصفات ، عرفناها في التاريخ السابق ، منتج لعدة نتائج يهمنا الآن منها اثنتان :
النتيجة الأولى :وجود العدد الكافي من الأفراد المخلصين الممحصين ، لغزو العالم بالعدل بين يدي المهدي (ع) وهذا هو الشرط الأخير المتبقي من شرائط اليوم الموعود الثلاثة التي عرفناها في التاريخ السابق(1). وبمجرد نجازه يتم الظهور وينجز اليوم الموعود . النتيجة الثانية : تطرف العدد الأكبر من أفراد المسلمين ، فضلاً عن غيرهم ، إلى جانب الإنحراف والضلال ، وأخذهم بالأفكار اللا إسلامية ، وعصيانهم أحكام الإسلام .
وكلما ازداد الزمان ، ازدادت نتائج التمحيص تركيزاً ...وحصلت كلتا النتيجتين بشكل أوسع وأوضح . فيتكاثر في أحد الجانبين قوى الحق والإخلاص ، ويتكاثر في الجانب الآخر انحراف المنحرفين وظلم الظالمين ، على مختلف المستويات الإجتماعية .
حتى يصبح جانب الإنحراف والفساد في المجتمع عاصياً لأوضح احكام الإسلام ، ومنكراً لضروريات الدين ، ومهدداً لحرمات الشريعة من أجل مصالحه وشهواته ...الأمر الذي ينتج أفظع النتائج لدى احتكاك اجتماعي بين الجانبين .
ـــــــــــــــــ
(1) انظر تاريخ الغيبة الكبرى ص475 وما بعدها إلى عدة صفحات .


صفحة (182)




ومعه تكون كلتا النتيجتين اللتين سمعناهما من الأخبار ، طبيعية وواضحة . فموقف المهدي (ع) من السفياني سوف لن يكون إلا الشجب والإستنكار ، في حدود المقدار الممكن له حال غيبته ...الأمر الذي يولد رد الفعل لدى السفياني بإرسال الجيش وتهديده بالقتل .وأما موقف النفس الزكية فواضح من خطبته ، وإن هو إلا صورة أخرى من صور الشجب والإستنكار ؟ ، وسيكون رد الفعل هو قتله من داخل بيت الله الحرام .
وستكون ردود الفعل هذه متطرفة إلى درجة إهدارها للأحكام الضرورية في الدين ، الأمر الذي يكشف عن تمخض التخطيط والتمحيص الإلهيين عن نتائجهما المطلوبة ....فيكون موعد اليوم الموعود قد تحقق.
الإعتراض الرابع :أنه قد يخطر في الذهن :أن المستفاد من سباق الأخبار ، أن سبب الظهور هو إثارة غضب المهدي (ع) من الحادثتين المشار إليهما ، وهذا غيرصحيح ، بعد أن قامت الضرورة القطعية لدى كل مؤمن بالمهدي كونه مذخوراً لإصلاح العالم برمته ،وأنه ممن لا تهمه مصالحه الشخصية على الإطلاق .فكيف يصح أن يكون ظهوره ثأراً لهاتين الحادثتين ؟!!.
والجواب على ذلك واضح مما سبق ،وواضح في ضمير كل مؤمن بعد وجود الضرورة القطعية المشار إليها .
إن هاتين الحادثتين ستغضبان الله تعالى ، لا المهدي وحده ...بما يستنبطان من إهدار لضروريات الدين . ولكن الظهور سوف لن يكون ثأراً لأي منهما ...فإن مهمة المهدي (ع) الموعود أوسع وأعمق من هذا المجال الضيق ، بالرغم من أهميته .كلما في الأمر أن ظهوره سيكون قريباً منهما زماناً ، باعتبار تحقق شرائط الظهور .وليس لهاتين الحادثتين من صلة بالظهور إلا ما قلناه من الكشف عن تحقق الشرائط ، إلى جانب جعلها علامة عليه في الأخبار ...الأمر الذي ينبه المخلصين الممحصين إلى قرب الظهور .
وهذا في واقعه ، يمثل إحدى الفروق الجوهرية بين شرائط الظهور وعلاماته ، تلك الفروق التي أنهيناها في التاريخ السابق(1) إلى سبعة .
الناحية الرابعة : في محاولة تمحيص تلك الأخبار التي ذكرناها في الناحية الأولى ، من حيث قابليتها للإثبات التاريخي وعدمه .
وفي هذا الصدد نواجه عدة نقاط :
النقطة الأولى : أنها روايات قليلة وغير مستفيضة ، بخلاف ما جاء في السفياني أو الدجال، فإنه كثير، منها ما ذكرناه ومنها ما تركناه .
ـــــــــــــــــ
(1) انظر ص470 وما بعدها إلى عدة صفحات


صفحة (183)



إلا أن هذه النقطة غير مضرة ، تمشياً مع ميزان الإثبات التاريخي الذي سرنا عليه ...لو كانت الروايات متفقة في المضمون . أو كان بعضها موثوقاً سنداً ... ولم نكن نتوخى في الإثبات حصول الإستفاضة في الأخبار .
وقد يخطر في الذهن : أن أخبار (النفس الزكية) الموعودة ، كثيرة العدد ، ومستفيضة ،كما هو معلوم لمن استعرضها ..وليست قليلة كما قلناه.
والحق ،أننا إذا نظرنا إلى مجموع أخبار (النفس الزكية) بما فيها من الأخبار الدالة على أن مقتل النفس الزكية من المحتوم وأنه من علامات القائم ، كانت الأخبار مستفيضة حتماً .
إلا أن هذا المجموع ، لا يثبت إلا مقتل النفس الزكية إجمالاً ، وهذا لا يفيدنا في صدد كلامنا الحاضر ، لإحتمال انطباقها على محمد بن عبد الله الحسني الملقب بالنفس الزكية .وأما الأخبار التي تتحدث عن التفاصيل، والتي توضح أن هناك شخصاً آخر بهذا اللقب سوف يقتل في المستقبل ، وهي ما سمعناه في أول الفصل، فليس مستفيضاً ،وإن لم يكن عدم الإستفاضة مضراً ، كما أشرنا .
النقطة الثانية :إن في هذه الأخبار عدداً من جوانب الضعف :
الجانب الأول : ما كان رواية عن غير المعصوم ، كالخبر الذي نقله الشيخ عن سفيان أبن ابراهيم الحريري عن أبيه ... وكلام الصافي في منتخب الأخبار .
الجانب الثاني : ما كان مرسلاً ، بدون ذكر أي راوٍ على الإطلاق ، كخبر الإرشاد ، وخبر الخرايج والجرايح.
الجانب الثالث : ما كان مرفوعاً مع وجود جزء من السند ، أعني بعض الرواة وجهالة الباقي .وهو رواية البحار المتضمنة لخطبة النفس الزكية ... حيث رواها المجلسي عن السيد علي بن عبد الحميد بإسناده إلى أحمد بن محمد الأيادي يرفعه إلى أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام .
الجانب الرابع : ما كان قاصراً في دلالته أساساً على ما فهمناه .مثل خبر الإرشاد الذي يذكر من العلامات : ذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام .فإنه لا يتعين أن يكون هو النفس الزكية .المسمى بمحمد بن الحسن في الأخبار الأخرى ،وإن كان المظنون هو ذلك ، لإستبعاد أن يقتل قبل الظهور بين الركن والمقام شخصان ...مع قدسية بيت الله الحرام لدى المسلمين ووضوح حرمته .


صفحة (184)


وكذلك الخبر الثاني للبحار . فإنه يصرح باسم النفس الزكية ، وإنما قال : فيبتدر الحسني إلى الخروج ، وهو أيضاً غير متعين الإنطباق عليه .
الجانب الخامس: وجود التعارض في دلالات بعض هذه الأخبار.
فلو حاولنا أن نعرف أن النفس الزكية هل هو مرسل من قبل المهدي (ع) أو لا ؟
نجد أن الخبر المطول الذي نقلناه عن البحار .يصرح بالإيجاب .ونجد الخبر الثاني ينفيه بقوله : فيبتدر الحسني للخروج .وهو واضح في عدم استئذانه من المهدي (ع) فضلاً عن تحمل الرسالة عنه – مع افتراض أنه هو النفس الزكية والغض عما سبق – .
النقطة الثالثة : وفي هذه الأخبار بعض جوانب القوة ، وإن لم تكن تعدل جميع جوانب الضغف السابقة .
الجانب الأول : إن الخبر القائل: ليس بين القائم وبين قتل النفس الزكية إلا خمس عشرة ليلة ، خبر موثوق قابل للإثبات التاريخي ، بحسب منهج هذا الكتاب .
فقد رواه الشيخ المفيد في الإرشاد(1) عن ثعلبة بن ميمون عن شعيب الحداد عن صالح بن ميثم (الجمال) ، قال: سمعت أبا جعغر عليه السلام :
وكل هؤلاء الرجال موثقون أجلاء .وكان بودي أن أشير إلى تصريحات العلماء لولا أنه يطول به المقام ، فنوكله إلى القارىء الباحث .
ورواه الشيخ الطيوسي في الغيبة(2) عن الفضل بن شاذان عن الحسن بن علي بن فضال عن ثعلبة إلى آخر السند .وكلاهما من العلماء الثقات.
وعليه ، فما ذكرناه في التاريخ السابق(3) من المناقشة في سند هذا الحديث مبني على التشدد السندي الذي التزمناه هناك ... وقد رفعنا اليد عن الإلتزام به هنا .
الجانب الثاني : أن الخبر الثاني الذي نقله عن البحار موثوق أيضاً .فقد نقله (4) عن الكافي لثقة الإسلام الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن يعقوب السراج عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام ،وكلهم ثقات أجلاء .
ـــــــــــــــــ
(1) ص339. (2)ص271.
(3) ص613. (4) ص178.


صفحة (185)



الجانب الثالث : أننا يمكن أن نستفيد من مجموع هذه الأخبار، ومن كلمات من سمعنا تصريحاتهم كالراوندي والصافي وابراهيم الحريري ، الذين اعتبروا الأمر في عداد المسلمات . فنستفيد وجود التسالم أو الشهرة الواسعة على ان مقتل النفس الزكية يكون قبل الظهور بقليل بين الركن والمقام .وأنه غير مقتل الثائر الحسني الملقب بهذا اللقب .
غير أن هذا الجانب لا يخلو من المناقشة :
أولاً : لأنه لم يثبت وجود شهرة وتسالم أوسع من الأخبار الموجودة لتكون قرينة عليها .وكلمات الراواندي والصافي وغيرهما قد تكون اعتماداً على هذه الأخبار فقط.
ثانياً إن الشهرة – لو ثبتت- تدفع احتمال انطباق مقتل النفس الزكية على الثائر الحسني السابق .إلا أنها لا تثبت كل الخصائص المطلوبة ، ككونه رسول المهدي (ع) إلى الناس وخطبته فيهم ، ويكون سبب مقتله بين الركن والمقام مجهولاً .
غير ان الأخذ بهذا الجانب الثالث قريب من النفس ، وإن لم يصل إلى درجات الإثبات التاريخي .
فهذه هي النخبة من الحوادث الإجتماعية المروية ، لما قبل الظهور ، وهناك أمور متفرقة مروية أيضاً أعرضنا عنها ، لقصورها عن الإثبات التاريخي فيكون الدخول في تفاصيليها تطويلاً بلا طائل .
كما أن هناك تفاصيل في تحديد الوضع العالمي قبل الظهور ، مما يمت إلى إيجاد الظرف المناسب للنصر بعد الظهور بصلة .وهي تفاصيل مهمة ، سنعرض إلى محتملاتها والإستدلال عليها في القسم الثاني الآتي عند عرض ضمانات النصر للمهدي عليه السلام .


صفحة (186)

القسم الثالث

العالم بعد المهدي (ع)


وهو ينقسم إلى بابين :
الباب الأول
قيادة ما بعد المهدي (ع)


من حيث خصائص الدولة والمجتمع
ونتكلم عن ذلك في فصل واحد ذو عدة عناوين داخلية :


قيادة ما بعد المهدي

وأعني به نوعية الحاكم الأعلى الذي يتولى رئاسة الدولة العالمية العادلة بعده.
ونوجه بهذا الصدد أطروحتين رئيسيتين:
الأطروحة الأولى : القول بالرجعة ، أي الإلتزام برجوع الأئمة المعصومين إلى الدنيا ليمارسوا الحكم بعد المهدي.
الأطروحة الثانية : حكم الأولياء الصالحين بعد المهدي (ع) .
وقد ورد في إثبات كل من الأطروحتين عدد من الأخبار، لا بد من سماع المهم منها ، وعرضها على القواعد والقرائن العامة ، لنختار في النهاية إحدى الأطروحتين .
القول بالرجعة:
حين ننظر إلى المفهوم على سعته ، يحتمل أن يكون له أحد عدة معان :
المعنى الأول: ظهور المهدي نفسه ،فإنه قد يصطلح عليه بالرجعة ، باعتبار رجوعه إلى الناس بعد الغيبة ،أو باعتبار رجوع العالم إلى الحق والعدل بعد الإنحراف .
وهذا المعنى حق صحيح ، إلا أن اصطلاح الرجعة عليه غير صحيح ، لأنه يوهم المعاني الاخرى الآتية التي هي محل الجدل والنقاش ،ونحن في غنى عن هذا الإصطلاح بعد إمكان التعبير عن ظهور المهدي بمختلف التعابير ،وقد مشينا في هذا الكتاب على تسميته ( بالظهور).
المعنى الثاني : رجوع بعض الأموات إلى الدنيا ، وإن لم يكونوا من الأئمة المعصومين .وخاصة من محض الإيمان محضاً ومن محض الكفر محضاً.



المعنى الثالث : رجوع بعض الأئمة المعصومين (ع) كأمير المؤمنين علي والحسين ،وربما قيل برجوع النبي أيضاً .وهو يرجعون على شكل يختلف عن حال وجودهم الأول في الدنيا من حيث الترتيب ومن حيث الفترة الزمنية أيضاً .
المعنى الرابع :رجوع كل الأئمة (ع) بشكل عكسي ، ضد الترتيب الذي كانوا عليه في الدنيا ، فبعد المهدي يظهر أبوه الإمام الحسن العسكري وبعده يظهر أبوه الإمام علي الهادي وهكذا .
ويمارسون الحكم في الدنيا ما شاء الله تعالى حتى إذا وصل الحكم إلى أمير المؤمنين كان هو دابة الأرض ، وكانت نهاية البشرية بعد موته بأربعين يوماً.
والمعنيان الأخيران، قائمان على الفهم الإمامي للإسلام كما هو واضح .كما أن المعاني الثلاثة الأخيرة التي وقعت محل الجدل والنقاش في الفكر الإسلامي.
وينبغي لنا أولاً :أن نسرد الأخبار الدالة على ذلك ،ونحن نختار نماذج مهمة ولا نقصد الإستيعاب .
أخرج المجلسي في البحار(1) بالإسناد عن محمد بن مسلم قال: سمعت حمران بن أعين وأبا الخطاب يحدثان جميعاً – قبل أن يحدث أبو الخطاب ما أحدث- أنهما سمعا أبا عبد الله (ع) يقول:
أول من تنشق الأرض عنه ويرجع إلى الدنيا الحسين بن علي .وإن الرجعة ليست بعامة ،وهي خاصة ، لا يرجع إلا من محض الإيمان محضاً أو محض الكفر محضاً.
وبهذا الإسناد عن بكر بن أعين ، قال: قال لي من لا أشك فيه ، يعني أبا جعفر(ع) : أن رسول الله (ص) وعلياً سيرجعان.
" ويوم نحشر من كل أمة فوجاَ" فقال : ليس أحداً من المؤمنين قتل إلا وسيرجع حتى يموت ،ولا أحد من المؤمنين مات إلا سيرجع حتى يقتل .
ـــــــــــــــــ
(1) البحار :ج13 ص210 وكذلك الأخبار الثلاثة التي بعده.




وفي رواية أخرى عنه (ع) يقول فيها: فلم يبعث الله نبياً ولا رسولاً إلا ردهم جميعاً إلى الدنيا حتى يقاتلوا بين يدي على بن ابي طالب أمير المؤمني(ع).
وفي رواية أخرى(1) عن حمران عن أبي جعفر ، قال:
إن أول من يرجع لجاركم الحسين (ع) ، فيملك حتى تقع حاجباه على عينيه من الكبر.
وعن أبي بصير(2) عن أبي عبدالله (ع) ، قال:
انتهى رسول الله (ص) إلى أمير المؤمنين (ع) وهو نائم في المسجد، وقد جمع رملاً ووضع رأسه عليه. فحركه برجله ثم قال : قم يادابة الله . فقال رجل من أصحابه : يارسول الله ، أنسمي بعضنا بعضاً بهذا الإسم ؟ فقال : لا والله ما هو إلا له خاصة ،وهو الدابة التي ذكر الله في كتابه :" وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم ،أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون"(3)


ثم قال : ياعلي ، إذا كان آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة ومعك ميسم تسم به أعدائك ...إلى أن قال :فقال الرجل لأبي عبد الله (ع) : إن العامة تزعم أن قوله :" ويوم نحشر من كل أمة فوجاً "(4) عنى في القيامة، فقال أبو عبد الله(ع) فيحشر الله يوم القيامة من كل أمة فوجاً ويدع الباقين؟ لا . ولكنه في الرجعة ، وأما آية القيامة "وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً "(5).
وعن(6) الحسن بن الجهم ، قال: قال المأمون للرضا (ع) : يا أبا الحسن ما تقول في الرجعة ؟ فقال:
إنها الحق ، قد كانت في الأمم السالفة ونطق بها القرآن .
ـــــــــــــــــ
(1) المصدر : ص211. (2) المصدر ص213.
(3) 27/82. (4) 27/83.
(5) 18/47. (6) البحار13ص214.



وقد قال: رسول الله (ص) : يكون في هذه الأمة كل ما كان في الأمم السالفة حذوا النعل بالنعل والقذة بالقذة. وقال (ع) إذا خرج المهدي من ولدي ، نزل عيسى بن مريم فصلى خلفه . وقال (ع) :إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً ، فطوبى للغرباء . قيل : يارسول الله . ثم يكون ماذا ؟ قال: ثم يرجع الحق إلى أهله.
وعن(1) عبد الله بن سنان ، قال: قال أبو عبد الله (ع) قال رسول الله (ص) :
لقد أسري بي ربي عز وجل ، فأوحى إلي من وراء حجاب ما أوحى وكلمني ما كلم به ،وكان مما كلمني به... يامحمد ، عليّ آخر من أقبض روحه من الأئمة (ع) وهو الدابة التي تكلمهم..... الخبر.
وفي البحار أيضاً(2) عن الإرشاد : روى عبد الكريم الخثعمي عن أبي عبد الله (ع) قال:
إذا آن قيام القائم مطر الناس جمادى الآخرة وعشرة أيام من رجب ، لم تر الخلائق مثله .فينبت الله به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم ،وكأني أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة ، ينفضون شعورهم من التراب .
وقال المجلسي بعد سرده للأخبار:
اعلم يا أخي أني لا أظنك ترتاب بعد ما مهدت و أوضحت لك في القول بالرجعة التي اجمعت الشيعة عليها في جميع الأعصار واشتهرت بينهم كالشمس في رابعة النهار .... وكيف يشك مؤمن بحقية الأئمة الأطهار فيما تواتر عنهم من مأتي حديث صريح ، رواها نيف وأربعون من الثقات العظام والعلماء الأعلام ، في أزيد من خمسين من مؤلفاتهم ، ثم عدهم المجلسي واحداً واحداً.
وهذا الكلام من المجلسي يواجه عدة مناقشات:
المناقشة الأولى: أن إجماع الشيعة وضرورة المذاهب عندهم ، لن تثبت على الإطلاق ، بل المسألة عندهم محل الخلاف والكلام على طول الخط . والمتورعون منهم يقولون: أن الرجعة ليست من أصول الدين ولا من فروعه ولا يجب الإعتقاد بشيء بل يكفي إيكال علمها إلى أهله. فهل في هذا الكلام - وهو الأكثر شيوعاً – اعتراف بالرجعة.
ـــــــــــــــــ
(1) المصدر : ص217. (2) المصدر : ص223.




وإنما اعتراف من اعترف بالرجعة وأخذ بها ، نتيجة لهذه الأخبار التي ادعى المجلسي تواترها ، إذاً ، فالرأي العام المتخذ حولها – ولا أقول الإجماع – ناتج من هذه الأخبار، ولا يمكن أن تزيد قيمة الفرع على الأصل.
المناقشة الثانية: أنه من الواضح أن مجرد نقل لرواية لا يعني الإلتزام بمضمونها والتصديق بصحتها ، من قبل الناقل أو الراوي .إذاً فهؤلاء الأربعون الناقلون لهذه الروايات لا يمكن أن نعدهم من المعترفين بالرجعة.
المناقشة الثالثة: أن هؤلاء الرواة الإثنين والأربعون الذين عددهم المجلسي لم يجتمعوا في جيل واحد. فلو رويت أخبار الرجعة من قبل أربعين شخصاً في كل جيل حتى يتصل بزمن المعصومين (ع) ،لكانت أخبار الرجعة متواترة .ولكن يبدو من كلام المجلسي نفسه ،وهو أوسع الناس إطلاعاً في عصره ، أن مجموع الناقلين لأخبار الرجعة من المؤلفين في كل الأجيال الإسلامية إلى حين عصره لا يعدو النيف والأربعين راوياً .فلو أخذنا المعدل وهو عملية لا مبرر لها الآن ، لرأينا أنه يعود إلى كل جيل حوالي أحد عشر مؤلفاً، لأن المجلسي عاش في القرن الحادي عشر الهجري ،وهو عدد لا يكفي للتواتر .
المناقشة الرابعة : إن عدد المؤلفات التي ذكرها المجلسي ، لا تثبت عن مؤلفيها ، أو لم تصلنا عنهم بطريق صحيح مضبوط ،أو أن روايته عن مؤلفه ضعيفة أساساً .كتفسير علي بن ابراهيم ،وكتب أخرى لا حاجة إلى تعدادها.
المناقشة الخامسة : إن الروايات التي نقلها هؤلاء ، ليست كلها صريحة وواضحة ، وسنعرف عما قليل أنها مشوشة قد لا تدل على الرجعة أصلاً وقد تدل على الرجعة بالمعنى العام المشترك بين الإحتمالات الثلاثة السابقة ،وقد تدل على واحد منها بعينه وتنفي الإحتمالات الأخرى .وهكذا.
إذاً فالتواتر المدعى ليس له مدلول معين ، ومعنى ذلك: أن الأخبار لم تتواتر على مدلول بعينه. وسنحاول إيضاح هذه النقطة أكثر.
ومعه، فكلام المجلسي يحتوي على شيء من المبالغة في الإثبات على أقل تقدير وأما مناقشات مداليل الأخبار، فنشير إلى المهم منها:
المناقشة الأولى : عدم اتحاد الأخبار بالمضمون . فإن مداليلها مختلفة اختلافاً شديداً . حتى لا يكاد يشترك خبران على مدلول واحد تقريباً .



والمداليل التي تعرب عنها الأخبار عديدة :
المدلول الأول: رجوع من محض الإيمان محضاً ورجوع من محض الكفر محضاً.
المدلول الثاني: رجوع كل مؤمن على الإطلاق .لأنه إن كان قد مات فهو يرجع ليقتل ،وإن كان قد قتل فيرجع ليموت.
المدلول الثالث : رجوع الأنبياء جميعاً.
المدلول الرابع : رجوع رسول الله (ص) .
المدلول الخامس: رجوع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
المدلول السادس : رجوع الحسين بن علي (ع).
المدلول السابع: رجوع جماعة من كل أمة.
المدلول الثامن: رجوع عدد من المؤمنين في الجملة.
المدلول التاسع : رجوع بعض الأئمة المعصومين (ع) إجمالاً.
المدلول العاشر: رجوع الحق إلى أهله ،وهو ليس قولاً بالرجعة كما عرفنا.
وليس شيء من هذه المداليل متواتر في الأخبار بكل تأكيد .
نعم، هناك مدلول مشترك إجمالي بين الأخبار الدالة على المداليل التسعة الأولى .
وهو رجوع بعض الأموات إجمالاً إلى الدنيا قبل يوم القيامة.وهو ما تتسالم عليه كثير من الأخبار . ومن هنا يكون قابلاً للإثبات ، إلا أنه لا ينفع القائلين بالرجعة ، على ما سنقول.
المناقشة الثانية : إن الإلتزام بصحة المداليل التسعة جميعاً ، أي القول بصحة الرجعة على إطلاقها ،مما لا يمكن ، لضعف الأخبار الدالة على كثير منها .وأما الإلتزام بها إجمالاً ، بالمعنى الذي أشرنا إليه، فهو لا ينفع القائلين بالرجعة ، لأن القول بالرجعة من الناحية الرسمية يتضمن أحد المعاني الثلاثة التي ذكرناها في أول الفصل . وهذا المعنى الإجمالي لا يعني واحداً منها . بل ينسجم مع افتراضات أخرى كما هو واضح .
فهي لا تتعين في حدوثها بعد وفاة المهدي (ع) مباشرة ، ولا أنها على نطاق واسع.
ولا تتعين في أحد المعصومين (ع) ولا من محض الإيمان محضاً ،ولا غير ذلك.



نعم، هناك مداليل تتكرر في الأخبار ،واوضحها رجوع الإمام أمير المؤمنين (ع) بصفته دابة الأرض التي نص عليها القرآن االكريم .إن هذه المداليل لا ترد عليها هذه المناقشة ، وهي قابلة للإثبات من زاويتها.
المناقشة الثالثة : إن القول بالرجعة يتخذ سمة عقائدية ، فإنه على تقدير صحته يعتبر أحد العقائد – وإن لم يكن من أصولها ـ وليس هو من الفروع والتشريعات على أي حال .
وقد نص علماء الإسلام بأن العقائد لا تثبت بخبر الواحد وإن كان صحيحاً ومتعدداً ،ما لم يبلغ حد التواتر، وقد علمنا أن الأخبار في المداليل التسعة والمعاني الثلاثة غير متواترة ، فلا تكون الأخبار قابلة لإثبات أي منها حتى لو كان المضمون متكرراً في الأخبار ، ما لم يصل إلى حد التواتر.
وأما المضمون الإجمالي المتواتر ، فقد عرفنا أنه لا ينفع القائلين بالرجعة ،وسنزيد هذا إيضاحاً.
المناقشة الرابعة : إن المعنى الأخير من المعاني الأربعة التي ذكرناها أولاً ، وهو رجوع الأئمة المعصومين (ع) بشكل عكسي، لعله من أكثر أشكال الرجعة تقليدية ورسوخاً في الأذهان المعتقدة بها .وقد وجدنا أنه ليس هناك ما يدل عليها على الإطلاق ولا خبر واحد ضعيف بل ليس هناك أي خبر يدل على رجوع جميع الأئمة المعصومين على التعيين ،ولو بشكل مشوش، إلا بحسب إطلاقات أعم منها بكثير ، ككونهم ممن محض الإيمان محضاً.
بل أن هناك ما يدل على نفي هذا المعنى التقليدي ، كقوله في الخبر: أول من تنشق الأرض عنه ويرجع إلى الدنيا الحسين بن علي .... فإنه لو صح ذلك لكان أول من يرجع هو الإمام الحسن العسكري (ع) وليس الحسين (ع).
وأما دلالة القرآن الكريم على الرجعة : فإما أن نفهمه على ضوء الأخبار المفسرة له ، وإما أن نفهمه مستقلاً.
أما فهمه على ضوء الأخبار ،وهو باستقلاله غير ظاهر بذلك المعنى ، فهذا لا يعدو قيمة الخبر الدال على هذا الفهم ،ويواجه نفس الإشكالات التي واجهناها في الأخبار .ومن ثم يكون من اللازم الإستقلال في فهم الآيات.
وإذا نظرنا إلى الآيات المذكورة للرجعة ،وجدنا لكل منها معنى مستقلاً لا يمت إلى الرجعة بصلة ، حتى بذلك المعنى الإجمالي العام، أي أنها لا تدل على إحياء بعض الموتى قبل يوم القيامة ،ولا أقل من احتمال ذلك المسقط لها عن الإستدلال عن الرجعة.



وقد استدل البعض بأكثر من ثلاثين آية في هذا الصدد ،وهو تطرف ومبالغة في الإستدلال بكل تأكيد ،وإنما نود أن نشيرهنا إلى ثلاث لآيات فقط تعتبر هي الأهم بهذا الصدد ، لنرى مقدار دلالتها على الرجعة:
الآية الأولى : قوله تعالى: " قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ، فاعترفنا بذنوبنا ، فهل إلى خروج من سبيل "(1).
وطريقة فهم الرجعة منها :أن الآية تشير إلى حياتين وموتين للناس .ونحن لا نعرف إلا حياة واحداً وموتاً واحد، فأين الثاني منهما؟ وجوابه :إن ذلك إنما يكون في الرجعة فإنها تتضمن حياة ثانية وموتاً بعدها ، فإذا أضفناها إلى الحياة المعاصرة والموت الذي يليها ، كان المجموع اثنين اثنين.
غير ان هذا الفهم إنما يكون صحيحاً بأحد أسلوبين:
الأسلوب الأول: أن تصح الأخبار الدالة عليه .وقد عرفنا مناقاشاتها.
الأسلوب الثاني : أن يكون فهماً منحصراً ، بحيث لا يوجد مثله أو أظهر منه في سياق الآية، فإن وجد ذلك ، لم يكن الإعتماد على هذا الفهم.
وهذه الآية تتضمن معاني محتملة غير الرجعة.
المعنى الأول: أن يكون الموت يشير إلى ما قبل الميلاد ، حال وجود النطفة مثلاً.
وأن تكون الحياة الثانية هي الحياة في يوم القيامة.فإذا أضفناها إلى الحياة والموت المعهودين كانا كما قالت الآية الكريمة.
المعنى الثاني: أن يكون المشار إليه. هو حياة وموت آخر يكون في عالم البرزخ أي ان الميت يحيى بعد موته إلى عهد قريب من يوم القامة. ثم يموت بنفخة الصور الأولى حين يصعق من في السموات والأرض، وأما الأحياء ليوم القيامة فهو زمن التكلم وكأنه غير داخل في الحساب .
ـــــــــــــــــ
(1) 40/11



إلى معاني أخرى محتملة ، ولعل أكثرها ظهوراً هو المعنى الأول ، دون معنى الرجعة والمعاني الأخرى .فلا تكون الآية دالة على الرجعة بحال.
ولعل أوضح ما يقرب المعنى الأول الرجعة ، هو أن المعنى الأول عام لكل الناس ، والرجعة خاصة ببعضهم، وظهور الاية هو العموم.
الآية الثانية : قوله تعالى : "ويوم نحشر من كل امة فوجاً"(1).
وقد أشار أحد الأخبار التي سمعناها إلى طريقة فهم الرجعة من هذه الآية .أن الله تعالى يحشر في يوم القيامة الناس جميعاً ، لا أنه يحشر بعضاً ويدع بعضاً : وهو المشار إليه في قوله تعالى " وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً"، إذاً فهي لا تشير إلى حشر يوم القيامة،وإنما تشير إلى حشر آخر هو الحشر في الرجعة. وإنما سمي حشراً باعتبار أنه يتضمن الحياة بعد الموت لجماعات كثيرة ، مشابهاً من هذه الجهة لحشر يوم القيامة .
ونحن إذا نظرنا إلى الآية الكريمة باستقلالها ، لن نجدها دالة على الرجعة بحال ولا اقل من احتمال معنى آخر بديل لمعنى الرجعة ، لا تكون الآية دالة عليه أقل من دلالتها على معنى الرجعة.
وهذا المعنى هو الحشر التدريجي .فإن الحشر والحساب في يوم القيامة له أحد أسلوبين محتملين:
الأسلوب الأول: الحشر الدفعي او المجموعي. بمعنى أن يحشر الناس كلهم من أول البشرية إلى آخرها سوية، ويحاسبون على أعمالهم.
وهذا هو المركوز في الأذهان عادة ، غير أنه ليس في القرآن ما يدل عليه ، وترد عليه بعض المناقشات لسنا الآن في صددها.
الأسلوب الثاني : الحشر التدريجي ، جيلاً بعد جيل أو ديناً بعد، أو مجموعة بعدد معين بعد مجموعة وهكذا. وحتى يتم حساب الدفعة الأولى تحشر الدفعة الثانية وهكذا.
ـــــــــــــــــ
(1) 27 /83



فقد تكون الآية التي نحن بصددها دالة على هذا الأسلوب من الحشر. حيث يقول :" ويوم نحشر من كل أمة فوجاً " . لأن حشر الجيل الواحد يتضمن أن يعود إلى الحياة جماعة من كل مذهب ودين :" من كل أمة" كما كان عليه الحال في الدنيا .وهو لا يريد إهمال الآخرين ، بل هو يشير إلى دفعة واحدة من الحشر التدريجي ،وأما الدفعات الأخرى فيأتي دورها تباعاً .ولن تكون مهملة بدليل قوله تعالى :"وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا " أي أن الحشر التدريجي سيستوعب في النتيجة كل البشرية من أولها إلى آخرها .
إذا ، فكلتا الآيتين تشير إلى يوم القيامة ،ولا تمت إلى الرجعة بصلة ،ولا أقل من احتمال ذلك بحيث تكون دلالتها على الرجعة غير ظاهرة.
الآية الثالثة :
" وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون"(1)   وطريقة دلالتها على الرجعة بأحد أسلوبين :
الأسلوب الأول : أن حادثة خروج دابة الأرض تكون عند الرجعة ، فهي تخرج مع الراجعين لتقوم بوظيفتها بينهم .
إلا أن هذا الأسلوب غير صحيح بكل وضوح ، لأن الآية لا تشير إلا إلى خروج دابة الأرض ، وأما أنها تخرج في جيل طبيعي في جيل الرجعة ، فهذا ما لا تشير إليه الآية إليه بحال.
الأسلوب الثاني : أنها تشير إلى رجعة دابة الأرض نفسها أعني حياتها بعد الموت ، فهي تشير إلى رجعة شخص واحد لا أكثر. وإذا أمكن ذلك في شخص أمكن في عديدين .
وهذا يتوقف على أن نفهم من"دابة الأرض" أنه إنسان سبق له أن عاش في هذه الحياة .وفي الآية قرينة على بشرية هذه الدابة وهي قوله : "تكلمهم" فإن الكلام يكون من البشر دون غيره .ويتوقف على أن نفهم من قوله "أخرجنا " معنى ؛ : أرجعنا إلى الحياة بعد الموت ، لا أن هذا الإنسان يولد في حينه .

ـــــــــــــــــ
(1) 27 / 82




وقد يجعل قوله تعالى : " إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون" ، دليلاً على ذلك ، لأن الآية إنما تكون بالرجوع بعد الموت ،وأما لو كان يولد في زمانه ، لما حدثت الآية ،وقد قامت الأخبار التي سمعنا طرفاً منها ، بتعيين هذا الإنسان بالإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).
والإنصاف أن فكرة الأسلوب الثاني هي المستفادة من الآية الكريمة . فدابة الأرض هو إنسان بعينه ، وقوله أخرجنا دال على الإيجاد غير الطبيعي لا على مجرد الولادة . إذاً، فالآية الكريمة دالة على رجعة هذا الإنسان.
غير أنها لا تدل على أي معنى آخر للرجعة ، لا العام ولا الخاص ،ومن المحتمل بل المؤكد أن هناك مصلحة في حكمة الله تعالى لرجوع دابة الأرض ، لا تتوفر في أي بشري آخر ،ومعه لا يمكن القول بالتعميم منه إلى رجعة أي شخص آخر. ومجرد الإمكان في قدرة الله عز وجل ، وهو مما لا شك فيه ، لا يدل على الوقوع الفعلي.
وإذا وصلنا إلى هذه النتيجة ،استطعنا أن نستنتج نتيجة أخرى مهمة ، هي التوحيد بين مدلول القرآن ومدلول الأخبار .فإنناعرفنا أن الأخبار لا يمكنها أن تثبت إلا المعنى الإجمالي الذي تواترت الأخبار عليه ،وهو رجوع بعض الأموات إلى الحياة قبل يوم القيامة، بشكل يناسب أن يكون هذا الراجع واحداً لا أكثر .وهذا صالح للإنطباق على ما دل عليه القرآن الكريم من رجعة دابة الأرض .فإن هذا المعنى الإجمالي لم يثبت انطباقه بدليل كاف إلا على دابة الأرض فيتعين فيه ، بعد ضم الدليلين إلى بعضهما.
ومعه في الإمكان القول: إن المقدار الثابت في السنة الشريفة ، ليس أكثر مما دل عليه القرآن الكريم .كما أن ما دل عليه القرآن الكريم هو بعينه ما ثبت في السنة.
ومعه ، فلم يثبت أي معنى من معاني الرجعة ولا احتمالاتها السابقة ،وإنما لا بدلنا كمسلمين ،أن نتعبد بخروج دابة الأرض التي نطق بها القرآن الكريم .وفي الإمكان أن نسمي ذلك بالرجعة إلا أنه على خلاف اصطلاحهم.
فهذا هو نبذة الكلام حول الرجعة.
حكم الأولياء الصالحين:
أخرج الشيخ في الغيبة(1) بسنده عن ابي حمزة عن أبي عبد الله (ع) – في حديث طويل- أنه قال :
يا أبا حمزة ، إن منا بعد القائم أحد عشر مهدياً.
ـــــــــــــــــ
(1) ص285




وأخرج أيضاً(1) بإسناده إلى جابر الجعفي ، قال:
سمعت أبا جعفر(ع) يقول: والله ليملكن منا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمائة سنة .قلت: متى يكون ذلك؟ قال: بعد القائم . قلت:وكم يبقى القائم في عالمه .قال:تسع عشر سنة .ثم يخرج المنتصر فيطلب بدم الحسين(ع) ودماء أصحابه ، فيقتل ويسبي ، حتى يخرج السفاح.
وأخرجه النعماني في الغيبة(2) إلى قوله:
تسع عشر سنة ،إلا أنه قال : ثلاثمئة سنة ويزداد تسعاً.
وأخرج في البحار(3) نقلاً عن غيبة الشيخ عن أبي عبد الله الصادق (ع) عن آبائه عن أمير المؤمنين(ع) ، قال:
قال رسول الله (ص) في الليلة التي كانت فيها وفاته ، لعلي : يا أبا الحسن ، أحضر صحيفة ودواة .فأملى رسول الله (ص) وصيته حتى انتهى (إلى) هذا الموضع .فقال : يا علي: ،إنه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً ومن بعدهم اثني عشر مهدياً .فأنت يا علي أول الإثنا عشر إمام ... وساق الحديث ، إلى أن قال : وليسلمها الحسن (يعني الإمام العسكري (ع) إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم. فذلك اثني عشر إماماً. ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً. فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المهديين (المقربين: نسخة الغيبة). له ثلاثة أسامي:اسم كإسمي واسم أبي، وهو عبد الله ،وأحمد، والإسم الثالث: المهدي . وهو أول المؤمنين .
وفي عدد من الأدعية الواردة في المصادر الإمامية الدعاء لهؤلاء الأولياء الصالحين (ع) بعد الدعاء للمهدي (ع) والسلام عليه .
ـــــــــــــــــ
(1) ص286. (2) ص181.
(3) ج13 ص237 وانظر غيبة الشيخ.


صفحة (640)


وفي بعض الأدعية المكرسة للدعاء للمهدي (ع) والثناء عايه ، يقول في آخره :
اللهم صل على ولاة عهده والأئمة من بعده وزد في آجالهم ،وأعز نصرهم وتمم لهم ما اسندت إليهم من أمرك وثبت دعائمهم ، واجعلنا لهم أعواناً وعلى دينك أنصاراً ... الخ الدعاء(1) .
وفي دعاء آخر يذكر فيه المهدي (ع) ويثني عليه طويلاً، ويقال في آخره:
اللهم صل على وليك وولاة عهدك والأئمة من ولده ومد في اعمارهم وزد في آجالهم وبلغهم اقصى آمالهم ديناً ودنيا وآخرة .إنك على كل شيء قدير(2) .
إلى غير ذلك من الادعية.
هذا، وقد حاول المجلسي في البحار(3) أن يرفع التنافي بين هذه الأخبار من حيث كونها دالة على إيكال الرئاسة العليا بعد المهدي (ع) إلى غير الأئمة المعصومين عليهم السلام ،وبين القول بالرجعة الذي يقول: بإيكال الرئاسة إلى الأئمة المعصومين أنفسهم .حيث قال: هذه الأخبار مخافة للمشهور – يعني القول بالرجعة. وطريق التأويل أحد وجهين:
الأول:أن يكون المراد بالإثني عشر مهدياً: النبي وسائر الأئمة سوى القائم (ع)، بأن يكون ملكهم بعد القائم....
والثاني : أن يكون هؤلاء المهدويون من أحباء القائم هادين للخلق في زمن سائر الأئمة الذين رجعوا ، لئلا يخلو الزمان من حجة . وإن كان أوصياء الأنبياء الأئمة حججاً أيضاً .والله تعالى أعلم.
وقال الطبرسي في أعلام الورى(4):وجاءت الرواية الصحيحة بأنه ليس بعد دولة القائم دولة لأحد ، إلا ما روي من قيام ولده إن شاء الله ذلك ،ولم ترد في الرواية على القطع والثبات .وأكثر الروايات أنه لن يمضي – يعني المهدي القائم (ع) – من الدنيا إلا قبل القيامة بأربعين يوماً ، يكون فيها الهرج.
ـــــــــــــــــ
(1) مفاتيح الجنان المعرب ص542. (2) المصدر ص53.
(3) ج13 ص237. (4) ص435.


صفحة (641)



هذا ما قالته المصادر الإمامية ،ولم نجد لدولة ما بعد المهدي في المصادر العامة أي أثر.
ونود أن نعلق أولاً على كلام المجلسي : انه يعترف سلفاً أن كلا الوجهين نحو من أنحاء التأويل ،والتأويل دائماً خلاف الظاهر ، فلا يصار إليه إلا عند الضرورة ،ولا يكفي مجرد الإمكان أو الإحتمال لإثباته.
وعلى أي حال ، فالوجه الأول حاول فيه المجلسي على ان يقول أن الأولياء الإثني عشر بعد المهدي (ع) هم الأئمة المعصومون الإثنا عشر أنفسهم، فترتفع المعارضة بين روايات الأولياء وروايات الرجعة .ويكون المراد منهما معاً الأئمة المعصومين أنفسهم.
إلا أن هذا الوجه قابل للمناقشة من وجوه نذكر منها اثنين:
الوجه الأول : إن عدداً من روايات الأولياء التي سمعناها، تنص على أن الأولياء الإثني عشر من ولد الإمام المهدي(ع) .قال في أحد الأخبار :" ثم يكون من بعده اثني عشر مهدياً ، فإذا حضرته الوفاة – يعني المهدي – فليسلمها إلى ابنه أول المهديين".
وقال في الدعاء "والأئمة من ولده" .مع أن الأئمة المعصومين السابقين هم آباء الإمام المهدي (ع) بكل وضوح .
الوجه الثاني: إننا لم نجد – كماعرفنا ـ دليلاً كافياً على عودة الأئمة الإثنا عشر كلهم ، لا بشكل عكسي ولا بشكل مشوش ،وإنما نص فقط – بعد النبي (ص) – على امير المؤمنين (ع) وابنه الحسين (ع) .
وإذا لم يثبت رجوع الأئمة الإثنا عشر جميعاً كيف يمكن حمل هذه الأخبار عليه.
وأما الوجه الثاني: االذي ذكره المجلسي ، فيتلخص في الإعتراف بوجود الأئمة المعصومين (ع) والأولياء الصالحين في مجتمع ما بعد المهدي (ع) متعاصرين. ولكن الحكم العام سيكون للمعصومين (ع) .وأما الأولياء فسيكونون هداة عاملين في العالم من الدرجة الثانية .وبذلك يرتفع التعارض بين الروايات.
وأوضح ما يرد على هذا الوجه هو أن روايات الأولياء ، صريحة بمباشرتهم للحكم على اعلى مستوى، بحيث يكون التنازل عن هذه الدلالة تأويلاً باطلاً .كقوله :"ليملكن من أهل البيت رجل" وقوله :" فإذا حضرته الوفاة فليسلمها – يعني الإمامة، أو الخلافة – إلى ابنه أول المهديين" قوله : "اللهم صل على ولاة عهده والأئمة من بعده "ونحوه في الدعاء الآخر.


صفحة (642)


ويحتوي كلام المجلسي في الوجه الثاني على استدلال ضمني على الرجعة مع جوابه.
وملخص الإستدلال :أنه ثبت في الفكر الإسلامي أن الأرض لا تخلو من حجة باستمرار ما دام للبشرية وجود، حتى لو كان اثنان كان أحدهما الحجة على صاحبه.ولكن الأرض بعد الإمام المهدي(ع) ستخلو من الحجة.ما لا نقل بالرجعة ، ليرجع الأئمة المعصومون (ع) ليكونوا هم الحجج بعده، تطبيقاً لهذه القاعدة .
إلا أنه من حسن الحظ أن يكون المجلسي نفسه قد أجاب على ذلك.
وملخص الجواب: إننا لا نحتاج إلى القول بالرجعة كتطبيق لتلك القاعدة بل إن حكم الأولياء الصالحين تطبيق لها أيضاً، قال المجلسي لأن" أوصياء الأنبياء و(أوصياء) الأئمة حجج أيضاً" فالأرض تكون مشغولة بصفتهم أوصياء للأئمة (ع) ، فلا تكون خالية من الحجة.
ومعه لا تكون هذه القاعدة مثبتة للرجعة،ولا منافية مع حكم الأولياء الصالحين.
وأما تعليقنا على كلام الطبرسي ،فهو أن ما ذكره من أن ما روي من قيام ولد المهدي (ع) بعده، لم يرد على القطع واليقين ، أمر صحيح لأن الروايات الدالة على حكم الأولياء الصالحين متواترة ،ولكننا سنرى أنها صالحة للإثبات التاريخي ، وهذا يكفينا في المقام.
وأما ما ذكر من أنه ليست بعد دولة القائم دولة لأحد ، فهو أمر صحيح لأنه إن أريد بدولة القائم نظام حكمه، فهو نظام مستمر إلى نهاية البشرية تقريباً أو تحقيقاً على ما سنسمع ، وليس وراءه حكم آخر .وإن أريد به حكمه ما دام في الحياة ،بحيث تنتهي البشرية بعده مباشرة ، فهو أمر غير محتمل لأنه امر تدل كثير من الروايات على نفيه، كروايات الرجعة وروايات الأولياء وروايات أن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق وغير ذلك ، بل تدل على ذلك بعض آيات القرآن كآية دابة الأرض بعد العلم بعدم خروجها في زمن المهدي (ع) نفسه.
إذاً ، فالبشرية ، ستبقى بعد المهدي (ع) والنظام سوف يستمر ، وإنما يراد من ذلك القول: أنه ليس بعد دولة القائم دولة لأحد من المنحرفين والكافرين على الشكل الذي كان قبل ظهوره.


صفحة (643)


وأما قوله : وأكثر الروايات أنه لن يمضي من الدنيا إلا قبل القيامة بأربعين يوماً ... فهذه الروايات سنسمعها، ومؤداها أن الحجة سيرفع – أي يموت – قبل القيامة بأربعين يوم، وسنرى أنه ليس المراد بالحجة شخص الإمام المهدي بل شخص آخر، قد يوجد بعد زمان المهدي (ع) بدهر طويل .
وبعد هذه المناقشات ،وقبل إعطائهم الفهم الكامل لحكم الأولياء الصالحين، لا بد لنا أن نجيب على هذا السؤال الذي يخطر في ذهن القارىء :وهو أننا كيف استطعنا أن نعتبر روايات كافية للإثبات التاريخي ، على حين لم نعتبر روايات الرجعة كافية للإثبات ،مع أنها أكثرعدداً وأغزر مادة وأوضح في أذهان العديدين .
وأما من زاوية كفاية روايات الأولياء للإثبات التاريخي ، فهو واضح طبقاً لمنهجنا في هذا التاريخ أنها متكاثرة ومتعاضدة ،وذات مدلول متشابه إلى حد بعيد.
وأما من زاوية معارضتها لأخبار الرجعة ، فهو واضح بعد فشل الوجهين اللذين ذكرهما المجلسي للجمع بين الأخبار، إذ يدور الأمر عندئذ بين أن يكون الحكم بعد المهدي (ع) موكولاً إلى المعصومين (ع) أو إلى الأولياء الصالحين.
ونحن حين نجد أن أخبار الرجعة غير قابلة للإثبات، كما عرفنا، ونجد أن أخبار الأولياء قابلة للإثبات. كما سمعنا ، لا محيص لنا على الأخذ بمدلول أخبار الأولياء بطبيعة الحال.
وبالرغم من أن مجرد ذلك كاف في السير البرهاني ،إلا أننا أن نوضح ذلك بشكل أكثر تفصيلاً.
إن نقطة القوة الرئيسية في أخبار الأولياء المفقودة في أخبار الرجعة ، هي أن أخبار الأولياء ،ذات مضمون مشترك تتسالم عليه، بخلاف أخبار الرجعة، فإنها ذات عشرة مداليل على الأقل ، ليس لكل مدلول إلا عدد ضئيل من الأخبار قد لا يزيد أحياناً على خبر واحد.
ومن هنا نقول لمن يفضل أخبار الرجعة : ها أنت تفضل أخباراً منها ذات مدلول معين ،كرجوع الإمام الحسين (ع) مثلاً .أو تفضل تقديم مجموع أخبار الرجعة.
فإن رأيت تفضيل قسم معين من أخبار من أخبار الرجعة ،فهي لا شك أقل عدداً وأضعف سنداً من أخبار الأولياء ، بل وأقل شهرة أيضاً . وكل قسم معين منها يصدق عليه ذلك بكل تأكيد ، غير ما دل على رجوع الإمام علي بن أبي طالب (ع) الذي سوف نشير إليه.


صفحة (644)


وإن رأيت تفضيل مجموع أخبار الرجعة على أخبار الأولياء ،إذاً ،فستصبح أخبار الرجعة بهذا النظر متعارضة ومختلفة المدلول كما عرفنا ،غير ذلك المدلول العام الإجمالي الذي برهنا على انطباقه على خروج دابة الأرض التي نطق بخروجها القرآن الكريم.وهو – بمنطوق الأخبار ـ يعني خروج علي أمير المؤمنين (ع) ، وهو بعيد عن أي مفهوم تقيلدي للرجعة ، بل هو ليس من الرجعة في شيء ، فإن مفهوم دابة الأرض غير مفهوم الرجعة عندهم.
وهذا المفهوم لا ينافي حكم الأولياء الصالحين ولا يعارض الأخبار الدالة عليه ،وذلك لعدة أمور ،نشير إلى أمرين منها:
الأمر الأول : أن خروج دابة الأرض غير محدد بتاريخ ،لا في القرآن الكريم ولا في السنة الشريفة ، ومعه فقد يحدث بعد حكم الأولياء الصالحين بمدة طويلة.
الأمر الثاني: إن دابة الأرض سوف لن تأتي لتمارس الحكم الأعلى في الدولة العالمية العادلة ،كما يستشعر من القرآن وتصرح به الأخبار ، بل تأتي من أجل إعطاء الأفراد حسابهم الكامل فتعين منزلة كل فرد ودرجة تطبيقه للمنهج العادل المطلوب منه ،ولعلنا نوضح ذلك فيما بعد.
وإذا تم ذلك ، لم يكن خروج الدابة منافياً مع حكم الأولياء حتى لو خرجت في زمن حكمهم ،لأن وظيفتهم في المجتمع غير وظيفتها.
وبعد ترجيح روايات حكم الأولياء الصالحين ، ينبغي لنا أن نقدم لها فهماً متكاملاً ملحقاً بالتسلسل الفكري الذي سرنا عليه في هذا الكتاب. ثم نعقبه بدراً ومناقشة بعض الإشكالات التي قد تخطر في الذهن في هذا الصدد .
إن الإمام المهدي (ع) لن يهمل أمر الأمة الباقية بعده ،لا لمجرد أن لا تبقى رهن الإنحلال والضياع ،وإن كان هذا صحيحاً كل الصحة، بل لأكثر من ذلك، وهو ماقلناه من أن إحدى الوظائف الرئيسة للمهدي (ع) بعد ظهوره هو تأسيس القواعد العامة المركزة والبعيدة الأمد لتربية البشرية في الخط الطويل ، تربية تدريجية لكي تصل إلى المجتمع المعصوم .وهذه التربية لا يمكن أن يأخذ بزمام تطبيقها إلا الإنسان الصالح الكامل حين يصبح رئيساً للدولة العادلة ،ومثل هذا الرجل لا يمكن معرفته لأحد غير الإمام المهدي نفسه ولعله يوليه التربية الخاصة التي تؤهله لهذه المهمة الجليلة .وأما احتمال تعيينه بالإنتخاب فهو غير وارد على ما سنقول.


صفحة (645)


ومن هنا سيقوم الإمام (ع) بتعيين ولي عهده أو خليفته ،خلال حياته وربما في العام الأخير ، ليكون هو الرئيس ألأعلى للدولة العالمية العادلة بعده والحاكم الاول لفترة حكم (الأولياء الصالحين).
وبالرغم من أن هذا الحاكم قد يكون هو أفضل من الأحد عشر الآتين بعده باعتبار أنه نتيجة تربية الإمام المهدي (ع) شخصياً والمعاصر لأقواله وأفعاله وأساليبه ، بخلاف ما سيأتي بعده من الحاكمين .بالرغم من ذلك فإنه سيفرق فرقاً كبيراً عن المهدي (ع ) نفسه، على حد لا يصدق " أنه لا خير في الحياة بعده".
والسر في ذلك- على ما سيبدو يعود إلى أمرين رئيسين :
الأمر الأول: ما سبق أن عرفناه من الفرق الشخصي والثقافي والنفسي بين الإمام المهدي (ع) وخليفته،الأمر الذي ينتج اختلافاً واضحاً في التصرفات بينهما.
الأمر الثاني: راجع إلى الأمة نفسها أو البشرية كلها بتعبير آخر من حيث أن المجتمع مهما كان قد سار بخطوات كبيرة نحو الأمام، في السعادة والعدالة والتكامل ،إلا أنه لم يصل إلى درجة العصمة بأي شكل من أشكالها التي سنشير إليها، وبقيت هناك في أطراف العالم مجتمعات متخلفة عن الركب العام ، لوجود انخفاض مدني أو حضاري جديد سابق فيها ،منعها أن تكون – مهماارتفعت بجهود الإمام المهدي (ع) – مواكبة للإتجاه العالمي العادل فيه.
إذاً فستكون التركة العالمية ثقيلة جداً ،وتخلفات عدد من الأفراد والمجتمعات عن تطبيق العدل ، بعد ذهاب القائد الأعلى ،محتملة جداً ... وعدم استيعاب الكثيرين من وعيهم العقائدي لضرورة التجاوب الكلي مع الرئيس الجديد ،احتمال وارد تماماً ، وخاصة وأن الأمر الأول من هذين الأمرين سيعيشه العالم يومئذ بكل وضوح.
نعم ،لا شك أن الإمام المهدي (ع) قبل فاته قد أكد وشدد ، بإعلانات عالمية متكررة على ضرورة إطاعة خليفتة وعلى ترسيخ (حكم الأولياء الصالحين) في الأذهان ترسيخاً عميقاً ،إلا أن البشرية حيث لا تكون بالغة درجة الكمال المطلوب ’فإنها ستكون مظنة العصيان والتمرد في اكثر من مجال.
ولكن وجود هذه المصاعب لا يعني الفشل بحال، بعد القواعد التربوية التي تلقاها هذا الحاكم عن الإمام المهي بكل تفصيل. إن الدولة ستبقى مهيبة ومحبوبة للجماهير على العموم وستبقى تمارس التربية المركز وباستمرار ،تماماً كما كانت عليه في عصر الإمام المهدي أخذاً بالمنهج المهدوي العام.


صفحة (646)


وسيكون حكم الأولياء الصالحين ، فترة تمهيدية أو انتقالية ،يوصل المجتمع العالمي إلى عصر العصمة ،حيث يكون الرأي العام المتفق معصوماً ، كما أشرنا في التاريخ السابق(1) وعندئذ سترتفع الحاجة إلى التعيين في الرئاسة العامة ،كما كان عليه الحال خلال حكم الأولياء الصالحين ،وستوكل الرئاسة إلى الإنتخاب أو الشورى، حين يكون الأفراد كلهم من :
"للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون "(2).
وستوضع الشورى موضع التنفيذ طبقاً لقوانين تصدر يومئذ لا يمكن التعرف عليها الآن.
وببدء الشورى يكون عصر حكم الأولياء الصالحين المنصورين بالتعيين قد انتهى. ولكن الحكام الجدد المنتخبين سيكونون أولياء صالحين أيضاً ،إلا أنه هناك فرقاً بين اسلوب تربيته أساساً .ان الحاكم الذي سيتم تنصبه عن طريق التعيين ،يكون بكل تأكيد نتيجة لتربية خاصة مركزة من قبل سلفه، مقترنة بالتعليم الواضح المفصل للقواعد الموروثة من قبل الإمام المهدي (ع).
وأما الحاكم المنتخب، فهو لا يكون إلا في مجتمع يكون رأيه العام معصوماً ،ومثل هذا المجتمع كما أن الأعم الأغلب من أفراده صالحين وعادلين ولذا أصبح رأيه العام معصوماً، لأن الرأي العام من الصالحين لا يكون إلا صالحاً . يحتوي – إلى جنب ذلك ـ على عدد يقل أو يكثر وصلوا إلى درجة عليا من العدالة والإلتزام الصالح، قد نسميها بالعصمة ،أعني ما يسمى بلغة الفلاسفة المسلمين بالعصمة غير الواجبة .وبتلك الصفة نفسها يكونون مؤهلين لتولي الرئاسة العامة للدولة العالمية العادلة ،ولن يكون بينهم وبين توليهم الفعلي إلا تجمع الأصوات في صالح أحدهم.  بقيت بعض الأسئلة و المناقشات ،تلقي أجوبتها أضواء كافية على هذا التسلسل الفكري ،نعرضهاعلى شكل سؤال وجواب.
ـــــــــــــــــ
(1) تاريخ الغيبة الكبرىص480
(2) 42/36-38


صفحة (647)



السؤال الأول : ما هو عدد الأولياء الصالحين؟
هذا ما لا بد في تعيينه الرجوع إلى الأخبار السابقة. قال الخبر الأول الذي نقلناه " أن منا بعد القائم أحد عشر مهدياً ". وقال في خبر آخر " ثم يكون من بعده اثنا عشر مهدياً".
وموقفنا من هذا الإختلاف ،أننا أما أن نعتبر كلا الخبرين ،إذا نظرنا لكل واحد منهما مستقلاً، قابلاً للإثبات التاريخي ،وإما أن نعتبرهما معا غير قابلين له ،أو يكون أحدهما قابلاً دون الآخر.
فإن لم يكونا قابلين للإثبات وهذا لا يعني سقوط أصل نظرية حكم الأولياء الصالحين ،لإستفادتها من مجموع الأخبار ...إذاً فيصعب الجواب على هذا السؤال ، فقد يكون عددهم كثيراً وقد يكون قليلاً .تبعاً للمصلحة التي يراها المهدي نفسه حين يؤسس هذا الحكم بعده ،وميزاته كماعرفنا تصل البشرية إلى عهد الشورى حين يكون الرأي العام معصوماً ، ولا يبقى العدد مهماً إلى درجة عالية.
نعم، قد ينبثق من التفكير الإمامي رجحان أن يكون الأولياء اثني عشر ،كما كان الأئمة المعصومون(ع) اثني عشر، غير أن هذا بمجرده لا يكفي للإثبات كما هو واضح.
وإن كان كلا الخبرين قابلاً للإثبات دون الآخر ،أخذ بمدلوله دون الاخر ،ويمكننا بدوياً أن نقول: أن الخبر القائل بعدد الإثني عشر أصح واثبت فيؤخذ به ، ويبقى الآخر غير قابل للإثبات.
وأما إذا كان كلا الخبرين قابلين للإثبات، فيمكن الجمع بينهما، برفع اليد عن ظهور الخبر القائل بالأحد عشر ولياً،عن ظهوره بالحصر والضبط ، بقرينة الخبر الآخر القائل بالإثني عشر ،تكون النتيجة هو الإلتزام بالإثني عشر بطبيعة الحال.
وبذلك يظهر أن الرقم الإثني عشر راجح على كل التقادير ،وإن كان يحتاج إلى دليل مثبت أحياناً ،وسنفرضه فيما يلي أمراً مسلماً لتسهيل الفكرة على أقل تقدير.
السؤال الثاني: كم مدة حكم الأولياء الصالحين بالسنين؟
إذا كان عدد الأولياء الحاكمين إثني عشر، وهم يتولون الرئاسة في عمر اعتيادي بطبيعة الحال، غير أن معدل العمر الإعتيادي ،في دولة العدل الكامل في مجتمع السعادة والأخوة والرفاه ، لن يكون هو الستين أو السبعين، بل هو مئة على أقل تقدير ، ومن هنا يمكن أن يعيش الرئيس ثمانين عاماً منها ،وهو على كرسي الرئاسة. فإذا كان معدل بقاء الفرد منهم ستين عاماً ،كان مجموع مدة حكم الأولياء الصالحين سبعمئة وعشرين عاماً.


صفحة (648)


وهي مدة كافية جداً لتربية البشرية تربية مركزة دائبة ودقيقة ،وإيصالها إلى مجتمع العصمة.
السؤال الثالث: كيف يعرف المجتمع بدء صفة العصمة؟
ومعرفته بذلك يعني عدة نتائج أهمها ما عرفناه من انتهاء حكم الأولياء الصالحين وبدء حكم الأولياء المنتخبين عن طريق الشورى .
لمعرفة المجتمع بذلك عدة أطروحات محتملة:
الأطروحة الأولى:
في غاية البساطة، وهي أن المجتمع عرف بوصية المهدي(ع) نفسه عدد الأولياء الصالحين الذين سيمارسون الحكم فيه ،ككونهم اثني عشر فرداً – مثلاً ـ فإذا تم العدد ، كان حكم هؤلاء الأولياء قد انتهى وبالملازمة يكون مجتمع العصمة قد بدأ .إذ من غير المحتمل أن تكون الدولة قد فشلت في مهامها التربوية.
الأطروحة الثانية : لو فرضنا عدد الأولياء كان مجهول، وهو أمر بعيد عن أي حال .فمن المحتمل أن تكون هناك وصية خاصة بالأولياء أنفسهم موروثة من الإمام المهدي (ع) تقول : في عام كذا إذا مات الولي الحاكم يومئذ ، فعليه ألا يوصي إلى شخص بعده ، بل ينتقل الأمر إلى الشورى. وقد يكون في ضمن الوصية تعليل ذلك بأن مجتمع العصمة قد بدأ.
الأطروحة الثالثة : أن تكون هناك وصية خاصة بالأولياء موروثة عن الإمام المهدي (ع) تحدد انتهاء حكمهم بحوادث وصفات اجتماعية معينة ،تعود إما إلى وقائع تاريخية أو إلى تحديد في المستوى العقلي والثقافي للبشرية ، الذي سيكون عليه في المستقبل ، أو إلى غير ذلك.
وهذه الأطروحة صادقة أيضاً فيما إذا لم يكن عدد الأولياء الصالحين معيناً سلفاً.
السؤال الؤابع: إن هؤلاء الأولياء الصالحين، هل هم متفرقون من حيث النسب ، أو انهم متسلسلون في النسب ينتهون إلى الإمام المهدي (ع) نفسه، أو أنهم على شكل آخر.
وينبغي أن نفهم سلفاً أنه لا اهمية كبيرة في الجواب على هذا السؤال إذ الأهم في الموضوع هو صفاتهم الذاتية وأعمالهم العادلة ، دون قضية النسب .


صفحة (649)


نعم ، أجابت يعض الأخبار على ذلك ، قال أحدها: " إن منا بعد القائم أحد عشر مهدياً" .والمفهوم من قوله من أنهم من نسل أهل البيت (ع) إجمالاً .وقال الخبر الآخر : " فليسلمها إلى ابنه أول المهديين" وهو دال على أن الولي الأول ابن المهدي نفسه ولم يذكر الأولياء الذين بعده.
ويقول احد الأدعيى التي سمعناها :
" وولاة عهدك والأئمة من ولدك"
فلو اعتبرنا كل هذه الأخبار قابلة للإثبات مستقلة، لفهمنا أن هؤلاء الأولياء الصالحين هم من نسل أهل البيت (ع) ولا يراد بأهل البيت في لغة الأخبار إلا الأئمة المعصومين (ع) .وحيث لا يحتمل أن يكونوا من نسل إمام آخر غير المهدي (ع) باعتبار بعد المسافة الزمنية ،إذاً فهم من أولاد الإمام المهدي نفسه .وهذا افتراض واضح تعضده بعض هذه الأخبار ولا تنفيه الأخبار الأخرى .
يبقى لدينا هل أنهم متسلسلون في النسب أحدهم ابن الآخر ،أو أنهم متفرقون من هذه الجهة ،وإن انتسبوا إلى المهدي في النهاية.
وفي هذا الصدد لا تسعفنا الأخبار بشيء ، لكن هناك فكرة عامة صالحة للقرينية على التسلسل النسبي .وهي ما نسميه بتسلسل الولاية .فإن كل ولي في ذلك العهد المرحلي السابق على صفة العصمة يحتاج إلى إعداد خاص وتربية معينة ، قبل أن يتولى الحكم .
ومن الصحيح أن المجتمع ككل وخاصة إذا كان صالحاً وعادلاً يمكنه أن يربي الحاكم أفضل تربية ، إلا أن هناك عدداً من الحقائق والأساليب والقوانين الإجتماعية وغيرها ، تكون خاصة بالحاكم عادة ولا يعرفها غيره على الإطلاق ،وهي موروثة وراثة خاصة عن الإمام المهدي (ع) .وهي تحتاج في ترسيخها وكشفها إلى الحاكم الجديد إلى مدة وجهود من قبل الحاكم السابق ، الأمر الذي لا يتوفر عادة بين الوالد وولده ،ومن الصعب جداً توفره بين أبناء الأعمام مثلاً.
ومعه، فمن المظنون جداً أن يكون تسلسلهم النسبي محفوظاً ،من أجل الحفاظ على تسلسل الولاية الضروري لتربية كل حاكم.
السؤال الخامس: هل المنطلق إلى فكرة "حكم الأولياء الصالحين" بعد الإمام المهدي هو الفهم الإمامي للمهدي ، أو ينسجم مع الفهم الآخر .


صفحة (650)



كلا .إن حكم الأولياء الصالحين الذي طرحناه ، ينسجم تماماً مع الفهم الآخر الذي يقول : إن المهدي رجل يولد في حينه فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً .ولا ربط له مباشر بغيبة المهدي قبل ظهوره ولا بكونه الإمام الثاني عشر من الأئمة المعصومين كما هو واضح.
غير أن فكرة حكم الأولياء الصالحين ، يبقى مفتقراً للدليل من أخبار العامة أنفسهم .ولم نجد في حدود تتبعنا أي إشارة في تلك المصادر إلى دولة ما بعد المهدي (ع) مهما كانت صفتها ،ويبقى مفكرو العامة بعد ذلك مخيرين بالإلتزام بهذه الأطروحة.
السؤال السادس : ماذا – بعد ذلك – عن احتمال العصيان والتنرد خلال حكم الأولياء الصالحين .
لا شك أن هذا الإحتمال يتضاءل تدريجياً، بالتربية المركزة التي تمارسها الدولى باتجاه العدالة والكمال .حتى ما إذا وصل المجتمع إلى درجة العصمة ، ولو بأول أشكالها ، ارتفع احتمال التمرد والعصيان ارتفاعاً قطعياً ، لبرهان بسيط هو منافاة العصمة مع العصيان ،ولا أقل من أن تكون الأكثرية الساحقة للبشرية كذلك ، بحيث من الصعب أن يفكر أحد في حركة تمرد أو بث دعاية باطلة.
وإنما يقع التساؤل عن الفترات الأولى لحكم الأولياء الصالحين ، عدة ضمانات ضد مثل هذا الإحتمال ، يمكننا أن نتعرف على بعضها ، بحسب مستوانا الذهني المعاصر:
الضمان الأول: السعادة والرفاه والأخوة والتناصف بين الناس هذا الذي أسسه ونشره الإمام المهدي نفسه، الأمر الذي يجعل الفرد ومن ثم الجماعات تميل تلقائياً إلى حب هذا النظام واحترامه والتعاطف معه ،مما يحدو بالأعم الأغلب جداً من الناس بعدم التفكير بأي عصيان واضح ، بل يحدو الكثيرين إلى الوقوف تلقائياً تجاه أي تمرد أو عصيان يفهمون به ،وفضحه ولوم صاحبه لوماً شديداً .
الضمان الثاني: القواعد والأسس الخاصة التي علمها المهدي (ع) نفسه لخلفائه ، مما يمت إلى طبيعة المجتمع وحركة التاريخ وأفضل الطرق في التصرف به ودفع شروره ، وجلب مصالحه .الأمر الذي كان هو (ع) ، أكثر الناس علماً به وإطلاعاً على تفاصيله.
ومن أجل فوائد علمه بذلك ، تزريقه إلى خلفائه الصالحين ، ليستطيعوا أن يبنوا دولتهم الحديثة ، ويدفعوا عنها الشرور بأيسر طريق.


صفحة (651)


الضمان الثالث : عالمية الدولة العادلة : فإن لهذا العنصر جهتين من الضمان .
الجهة الأولى : الهيبة التي تكسبها الدولة العالمية في نفوس الناس وعقولهم بصفتها تمارس حكما مركزيا مهما لم تمارسه اي دولة اخرى في التاريخ .
الجهة الثانية : سيطرتها على كل مصادر ومصانع الأسلحة في العالم لا يستثنى من ذلك شيء ، ولها الطرق المعقدة للحد من التهريب والختل والخداع ونحو ذلك.
فهذه الضمانات وغيرها ، تنتج في هذا الصدد ، نتيجتين مهمتين :
النتيجة الأولى : أنها تقف ضد احتمال كثرة التمرد والعصيان ، بشكل يعيق عن تطبيق المنهج التربوي العام . إذ مع وجودها سيقل من يفكر من البشر بالحركات العصيانية.
النتيجة الثانية: أنها تقف ضد ما قد يحدث من حوادث التمرد والعصيان من القلائل الذين قد يفكرون بذلك، وعن طريق هذه الضمانات التي تملكها الدولة ستستطيع أن تقضي على كل حركة.
السؤال السابع: هل لدابة الأرض خلال هذا العهد ، وظيفة معينة؟
لما كانت الوظيفة الرئيسة لدابة الأرض ، كما يستفاد من الأخبار، هي تمييز الكافر من المؤمن ، والمنحرف من الملتزم ،وإعطاء القيمة الأخلاقية لكل منهم علانية ، فهذا لا يمكن أن ينجز في عهد ما بعد الظهور، المتطور نحو المجتمع المعصوم الخالي من الكفار والمنحرفين ... فهو لا يمكن ان ينجز إلا في إحدى فترتين :
الفترة الأولى : فترة ما بعد المهدي (ع) مباشرة ، حيث تعيش الدولة العالمية العادلة أحرج عهودها وأدق فتراتها ، بعد فقد قائدها العظيم.
فإنه من الصحيح ،كما عرفنا ،أن الإمام المهدي (ع) قام باستئصال المنحرفين من الكرة الأرضية ، إلا أن هناك جزءاً من البشر ،مهما كان قليلاً ، قد سلم لدولة المهدي خوفاً أو طمعاً ، لا عن إخلاص حقيقي ، فمن المحتمل جداً أن تتحرك الأطماع بعد القائد الأعظم إلى السبطرة على الدولة أو على بعض أجزائها على الأقل.
والضمانات السابقة وإن كانت صالحة للوقوف ضد أي احتمال ، غير أنه من المحتمل أن تخرج دابة الأرض، لتأخذ بعضد الدولة العالمية العادلة ، باتجاه النصر والسبطة على كل تمرد وعصيان.


صفحة (652)


الفترة الثانية :الفترة السابقة على يوم القيامة مباشرة ،وهي فترة سنبحث عن صحة وجودها في الفصل القادم .غير أنه – على تقدير صحتها – سيتصف المجتمع العالمي خلالها بالكفر والإنحراف ، بعد أن يكون قد تنازل عن آخر صفات العصمة والعدالة. فمن المحتمل أن دابة الأرض تخرج لتضمن بقاء المؤمنين على إيمانهم ،ومدى خسارة الكافرين والمنحرفين ، حين تنازلوا بسوء تصرفاتهم عن العصمة والعدالة ،وتقف في وجه الذين يكفرون بقتل المؤمنين ، أو الإطاحة بكيانهم بشكل أو آخر .
وعلى أي حال ، فحيث نعلم من القرآن الكريم ، بضرورة خروج دابة الأرض ،وعد خروجها خلال المجتمع المعصوم لعدم انسجام وظيفتها معه كما أنه ليس هناك احتمال حقيقي لخروجها قبل الظهور ... إذاً يتعين وجودها في إحدى الفترتين المشار إليهما .وأما إذا عرفنا في الفصل الآتي. عدم وجود الدليل على إنحراف المجتمع بعد اتصافه بالعصمة ، إذاً ينحصر خروج دابة الأرض بعد وفاة المهدي (ع) مباشرة ، لتقوم بوظيفتها الكاملة.
وبذلك يكون سيف الإمام علي بن ابي طالب قد وطد الإسلام في "آخر الزمان" كما وطده في عصر الرسالة وصدر الإسلام سلام الله عليه.
وبهذه الأسئلة وضعنا الرتوش الكافية على فترة حكم الأولياء الصالحين وما بعدها ،ولا ينبغي لنا أن نزيد على ذلك ، وإنما نحيل القارىء إلى الكتاب الرابع الآتي من هذه الموسوعة.


صفحة (652)



الباب الثاني
قيام الساعة على شرار الخلق
وهو باب في فصل واحد
 


وينبغي أن يتم الحديث في هذا الفصل ضمن عدة جهات:
الجهة الأولى : في سرد أهم الأخبار الدالة على ذلك .وهي واردة في مصادر الفريقين .
أخرج مسلم في صحيحه(1) عن عبد الله بن عمر عن رسول الله (ص) – في حديث تحدث فيه عن الدجال والمسيح عيسى بن مريم (ع) ، ثم تحدث فيه عن عصر ما بعد المسيح فقال فيما قال:
فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام الساعة لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً ، فيتمثل لهم الشيطان فيقول: ألا تستجيبون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان، وهم في ذلك دار ّ رزقهم حسن عيشهم، ثم ينفخ في الصور .
وأخرج أبو داود(2) عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله (ص) :
لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت ورآها الناس آمن من عليها ، فذاك حين " لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً "(3)


وأخرج الحاكم في المستدرك(4) عن أبي أمامة ، قال : سمعت رسول الله (ص)


لا يزداد الأمر إلا شدة ولا المال إلا إفاضة ،ولا تقوم الساعة إلا على شرار من خلقه .وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
ـــــــــــــــــ
(1) ج8 ص201. (2) ج2 ص430.
(3) 6 /158. (4) ج4 ص440.


صفحة (657)



وأخرج أيضاً(1) عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (ص):
لا يزداد الأمر إلا شدة ولا الدين إلا إدباراً ولا الناس إلا شحاً ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس ،ولا مهدي إلا عيسى بن مريم .
وأخرج الشيخ في الغيبة(2) عن عبد الله بن جعفر الحميري ، قال:
اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو(3) عند أحمد بن اسحق بن سعيد الأشعري القمي ، فغمزني أحمد أن اسأله عن الخلف – يعني الحجة المهدي (ع) .
فقلت له : يا أبا عمرو إني أريد (أن) أسألك وما أنا بشاك فيما أريد أريد أن أسألك عنه .فإن اعتقادي وديني أن الأرض لا تخلو من حجة إلا إذا كان قبل يوم القيامة بأربعين يوماً ، فإذا كان ذلك وقعت (رفعت) الحجة ، وغلق باب التوبة .فلم يكن" ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل ،أو كسبت في إيمانها خيراً...(4) فأؤلئك الأشرار من خلق الله عزوجل .وهم الذين تقوم عليهم القيامة ... الحديث
وأخرج السيد البحراني في معالم الزلفى(5) عن بستان الواعظين ، قال حذيفة : كان الناس يسألون رسول الله (ص) عن الخير وكنت أسأله عن الشر فقال النبي (ص):
يكون في آخر الزمان فتن كقطع الليل المظلم ،فإذا غضب الله تعالى على أهل الأرض أمر الله سبحانه وتعالى إسرافيل أن ينفخ نفخة الصعق .فينفخ على حين غفلة من الناس ... الحديث .
فهذه كل الروايات التي وجدناها دالة على هذا المضمون .
ـــــــــــــــــ
(1) ج4 ص440 ويرويه في الصواعق (98) عن ابن ماجة.
(2) ص218.
(3) هو الشيخ عثمان بن سعيد النائب الأول للنهدي (ع) خلال غيبته الصغرى.
(4) 6 / 158. (5) ص136.


صفحة (658)



الجهة الثانية :في نقد هذه الأخبار .
إن أكثر هذه الأخبار يمكن إسقاطها عن الإستدلال تماماً ،لأن كل خبر يواجه بحياله بعض المناقشات ، فلا يبقى منها إلا القليل.
أما الخبر الذي أخرجه مسلم في صحيحه ، فهو يصف أولاً فسق الناس وإطاعتهم للشيطان ،وتحولهم إلى عابدي أوثان. وهذا كله – بمعنى وآخر- مما يقع قبل الظهور .
ويقول بعدها : ثم ينفخ في الصور. والنفخ فيه كناية عن نهاية البشرية .إلا أن وجود هذه النهاية في ذلك الجو الفاسق مما لا يدل عليه الخبر ،لأن حرف العطف (ثم) دليل على التراخي والإنفصال كما نص النحاة واللغويون .فإن لم يكن الخبر دليلاً على بقاء البشرية بعد ذلك المجتمع الفاسق ، فلا أقل من كونه ليس دليلاً على انتهائه به.
وأما خبر أبي داود ، فهو غير دال بالمرة على المضمون المشار إليه .فهو دال على أن الناس يؤمنون كلهم حين تطلع الشمس من مغربها .ولا يقول شيئاً غير ذلك .وقد قلنا في التاريخ السابق(1) أن المراد من الشمس التي تطلع من مغربها : المهدي حيث يطلع بعد غيبته ،ولا تقبل عندئذ من الفاسق توبة.
وكذلك الخبر الثاني الذي نقلناه عن الحاكم ،فإن فيه قوله :ولا مهدي إلا عيسى بن مريم ،وقد نقده ورفضه أهل الحديث العامة والخاصة ،كما سبق ،ولا حاجة إلى تكراره ، مضافاً إلى إشكالات أخرى مشتركة ستأتي.
وكذلك الخبر الذي نقلناه عن معالم الزلفى فإنه خبر مرسل وضعيف ،ويحتوي من خلاله على مضامين مدسوسة وغير صحيحة ، كما يبدو لمن راجعه في مصدره .
لا يبقى عندنا – بعد هذا – إلا خبران ، أحدهما : الخبر الأول الذي نقلناه عن الحاكم والخبر الذي أخرجه الشيخ في الغيبة.
على أن خبر الشيخ أيضاً لا يخلو من مناقشة فإنه ليس رواية عن معصوم وإنما يعبر فيه عبد الله بن جعفر الحميري عن إعتقاده ،وليس بالضرورة أن كل ما يعتقده له الإثبات التاريخي الكافي ،وإن كان هو شخصياً من العلماء الصالحين ، كما ثبت في تاريخه.
وعلى اي حال ، فالخبران يواجهان إشكالاً مشتركاً ، هو أن مثل هذه القضية وهي: ان الساعة لا تقوم إلا على شرار الناس ،من الأمور الإعتقادية في الدين .ومن الواضح عند العلماء أن الأمور الإعتقادية لا تثبت بخبر الواحد وإن كان صحيحاً سنداً وواضحاً مضموناً ،وإنما تثبت فقط بالخبر المتواتر القطعي ، مع العلم أن مجموع هذه الأخبار غير متواترة فضلاً عما بقي بعد النقد منها.
ـــــــــــــــــ
(1) تاريخ الغيبة الكبرى ص596


صفحة (659)


هذا مضافاً إلى أشكال مشترك آخر على أكثر من خبر واحد .كالخبر الذي يقول " لا يزاد الأمر إلا شدة ولا الدين إلا إدباراً ولا الناس إلا شحاً ... فإن قارىء هذه الموسوعة ،وخاصة التارخ السابق، يعلم أن هذه هي صفة المجتمع قبل الظهور .
وسيرتفع كل ذلك بالظهور ،مع أن ظهور الخبرين هو أن ذلك باق إلى يوم القيامة .وهو أمر تنفيه كل الدلائل السابقة التي عرفناها.
أضف إلى ذلك معاضة هذه الأخبار ، بما دل على بقاء دولة العدل إلى يوم القيامة .لأن الإنحراف القوي يستدعي لا محالة ،انتقال الحكم إلى المنحرفين مع أن الأخبار تنص على بقاء الدولة مع المؤمنين العادلين .
أخرج الصدوق(1) في إكمال الدين بإسناده عن عبد السلام بن صالح الهروي عن الإمام الرضا (ع) عن آبائه عن النبي (ص) – في حديث طويل ـ قال (ص) :
فنوديت : يا محمد ، أنت عبدي وأنا ربك – ويستمر الحديث إلى ذكر آخر الأئمة الإثني عشر ، المهدي (ع) فيقول :- حتى يعلن دعوتي ويجمع الخلق على توحيدي ،ثم لأديمن ملكه ولأداولن الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة.
وأخرج النعماني في الغيبة(2) بسنده عن يونس بن رباط ، قال : سمعت أبن عبد الله (ع) يقول:
إن أهل الحق لم يزالوا منذ كانوا في شدة ،أما أن ذلك إلى مدة قريبة وعاقبة طويلة .
وأخرج الشيخ في الغيبة(3) بإسناده عن أبي صادق عن أبي جعفر (ع) قال :
دولتنا آخر الدول، ولم يبق بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا ،لئلا يقولوا ، إذا رأوا سيرتنا : إذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء ، وهو قول الله عز وجل : " والعاقبة للمتقين"(4).
ـــــــــــــــــ
(1) نسخة مخطوطة. (2) ص152.
(3) ص282. (4) 7 /128.


صفحة (660)



وأخرجه المفيد في الإرشاد(1) في ضمن حديث عن علي بن عقبة عن أبيه،وكذلك فعل الطبرسي في الإعلام(2).
فقوله: "ولا داولن الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة" واضح ببقاء المجتمع برمته مؤمناً إلى نهاية البشرية، وهو ناف بصراحة لفكرة المجتمع الفاسق قبل يوم القيامة.
وكذلك قوله:"دولتنا آخر الدول" فإنه واضح أنه ليس بعد دولة الحق دولة من حين قيامها إلى آخر عمر البشرية .فإذا علمنا أن البشرية لا يمكن أن تخلو من حكومة أو دولة ،وأن المجتمع المنحرف يستدعي انحراف الدولة عادة ، يتعين أن تكون دولة مستمرة في البشرية إلى آخر عمرها.
ومع وجود هذه المناقشات ،تكون تلك الأخبار ساقطة عن إمكان الإثبات التاريخي ،ولا دليل على انه : لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق ،وستأتي في الكتاب التالي مناقشات أخرى قائمة على أسس جديدة .
الجهة الثالثة : إعطاء الفهم المتكامل لهذه الأخبار ، أعني القائلة أنه لا تقوم القيامة إلا على شرار الناس .
فإننا لا يخلو الأمر إما أن نلتزم بمضمون هذه الروايات ،وإما أن ، رفضها. وعلى كلا التقديرين يمكننا أن نربط تسلسل الفكرة بالنتائج التي توصلنا إليها والمعلومات التي عرفناها فيما سبق .
ومن هنا لا بد أن يقع الكلام في ناحيتين :
الناحية الأولى :
إذا التزمنا بصدق هذه الأخبار، فسيكون تسلسل الفكرة على الشكل التالي : إن التخطيط الإلهي العام لما بعد الظهور، بعد أن ينتج نتيجته الكبرى وهي إيجاد المجتمع المعصوم ،وتنتقل الرئاسة الإسلامية من التعيين إلى الشورى ، يكون الهدف الأعلى من خلقة البشرية ،وهو إيجاد العبادة الكاملة في ربوعها ، قد تحقق ،وخاصة بعد بقاء المجتمع على حاله الرفيع ردحاً طويلاً من الزمن .
ـــــــــــــــــ
(1) ص344. (2) أعلام الورى ص432.


صفحة (661)



عندئذ يبدأ – طبقاً لهذا الفهم – تخطيط إلهي جديد ، هو التخطيط الأخير في البشرية ، ليستهدف إيجاد المجتمع الكافر او المنحرف بكل أفراده ، ليكون هو المجتمع الذي تقوم عليه الساعة .
ولو نظرنا إلى طبائع الأشياء بحسب فهمنا المعاصر ،أمكننا أن نجد الخطوط العامة لهذا التخطيط العام.
إن الدفع الإيماني القوي الذي أوجده المهدي القائم (ع) في البشرية والذي أذكى أواره وحافظ على كيانه المهدويون الإثني عشر بعده ، خلال مئات السنين ، حتى انتج نتيجته الكبرى ،هو المجتمع المعصوم ....إن هذه الدفع سوف يكون مهدداً بالخطر إلى حد ما حين ينقلب أمر الخلافة من التعيين إلى الإنتخاب.
إن هذا الدفع سوف يبقى صافياً صحيحاً أجيالاً متطاولة من الزمن ما دامت درجة العصمة محفوظة في المجتمع ،إلا أن الأجيال المتأخرة سوف تنزل عن هذه الدرجة تدريجياً.
وستعمل عوامل الشر في نفس الإنسان ونوازع المصلحة من جديد .وسوف لن يوجد لها الردع الكافي في حفظ العصمة ، لأن التخطيط الإلهي قاض بارتفاع هذه الصفة تدريجياً من المجتمع.
وسوف يأتي بالإنتخاب إلى كرسي الرئاسة ،أولياء مهما كانوا على مستوى العدالة العليا ، إلا أنهم لم يرافقوا المهدي (ع) ولم يعاصروا خلفاءه المهديين .ولم توجه إليهم تربية خاصة من أجل تولي مهام الرئاسة – ومن هنا سوف يبذل كل رئيس وسعه في دفع التيار المنحرف لن يستطيع الإجهاز عليه ، بل يبقى يستفحل على مر السنين ويعم بين البشر ، إلى أن ينحسر الدين عن القلوب والعقول ، ويصبح الناس كما كانوا قبل ظهور المهدي (ع) على مستوى عصيان واضحات الشريعة الإلسامية ،حيث سمعنا من إحدى الروايات قتل إحدى الشخصيات الإسلامية داخل الحرم ،بل سوف يزداد الوضع سوءاً حتى لا يقال الله ،الله ، على ما نطقت بعض الروايات(1) .
ـــــــــــــــــ
(1) انظر مثلاً – مستدرك الحاكم ج4 ص494


صفحة (662)



الأمر الأول : إن الرئيس العادل الذي هو حجة الله على الخلق في ذلك الحين يصبح مسلوب الصلاحيات من الناحية العملية لا يستطيع القيام بأي عمل على الإطلاق ، ولا يؤمل من وجوده أي فائدة.
الأمر الثاني: إن الله عز وجل يشتد غضبه على الأمة والبشرية ، بحيث تكون أهلاً لأي عقوبة.
ويترتب على الأمر الأول أن الرئيس الإسلامي ،حيث لا فائدة من وجوده فينبغي أن يرتفع من الأرض، فيقبضه الله له ،ويتوفاه .وذلك قبل يوم القيامة بأربعين يوماً ، كما ورد في الرواية .
وعند زوال هذا القائد ، لن تكون البشرية على مستوى الشعور بالمسؤولية إنتخاب شخص جديد ،بل سيبقون في فساد محض وظلم كامل لمدة أربعين يوماً .وهم شرار الله ، فيؤثر الأمر الثاني أثره ،وذلك بإنزال العقاب عليهم بالنفخ في الصور وقيام الساعة.
وبهذا التسلسل الفكري استطعنا الجمع بين عدة قواعد مروية في السنة الشريفة ، أحدها: أن الدولة الإسلامية العادلة تبقى إلى يوم القيامة ثانيها : ان الحجة يرفع عن الأرض قبل يوم القيامة بأربعين يوماً. ثالثها : أن القيامة تقوم على شرار الناس ،وعرفنا عدم المنافاة بين هذه التخطيط والتخطيط السابق عليه المنتج لوجود المجتمع المعصوم.
يبقى سؤالان قد يخطران على الذهن ، ينبغي ذكرهما مع الإجابة عليها:
السؤال الأول : أنه كيف يمكن للمجتمع المسلم بعد ارتفاع صفة العصمة عنه أن يمارس الإنتخاب ،مع أن إعطاء حق الإنتخاب إليه ،كان بسبب هذه الصفة ،إذاً، فلا بد أن يرتفع بارتفاعها ،ويعود الأمر إلى التعيين أو إلى أي أسلوب آخر.
وهذا السؤال له عدة إجابات ، نذكر أهمها:
أولاً : إن الإنتخاب سوف لن يكون عشوائياً ، وإنما يكون للمؤهلين للرئاسة ، بحسب النظام الساري المفعول في الدولة العالمية ، لا يختلف في ذلك عصر العصمة عما بعده .وإنما الفرق أنه في عصر العصمة يتوفر عدد كبير من الناس المؤهلين لذلك، بخلاف العصر المنحرف اللاحق له ،فإن عددهم يتضاءل تدريجياً ،وهذا لا ينافي قاعدة الإنتخاب بطبيعة الحال.
ثانياً : إن القاعدة يومئذ سوف تقتضي بقاء الإنتخاب ، لأن هذا هو الأمر المعروف الموروث عن الدولة العادلة ، وليس بين البشر من يستطيع إيجاد تشريع جديد ،كما جاء به المهدي (ع) نفسه زيادة على المعروف قبله .ومن هنا ينحصر سير البشرية على قاعدة الإنتخاب بالضرورة ،وسيكون تغييره انحرافاً عن القواعد العادلة المعروفة يومئذ .


صفحة (663)


وأما اقتران الإنتخاب بصفة العصمة ،وإناطته بها ، فقد لا يكون شيئاً مفهوماً فهماً عاماً يومئذ ،وإنما هو تقدير خاص موجود في ذهن المشرع الذي بلغ للناس وجوب الإنتخاب عند دخولهم في عصر العصمة .وهو آخر الأولياء المهديين الإثني عشر .وقد يكون معروفاً لبعض خاصته أيضاً.
السؤال الثاني : إن إعداد البشرية للإنحراف يعني رضاء الله تعالى بالظلم وإرادته لوجوده ، فكيف يصح ذلك منه وهو العدل المطلق؟
وقد سبق أن أثرنا مثل هذا السؤال ، في تاريخ الغيبة الكبرى(1) على التخطيط الإلهي لما قبل الظهور ،وأجبنا عليه بشكل يرفع الشبهة.
وملخص الفكرة التي ينبغي أن نفهمها الآن هو أن وجود الظلم لا يستلزم رضاء الله تعالى بالظلم وإرادته له ولا إجبار الناس عليه ،وإنما حين تتعلق المصلحة بوجود الظلم في الخارج ، من قبيل ما فرضناه من ضرورة قيام الساعة على شرار الخلق ، ذلك الفرض الذي نتكلم الآن على أساسه ، فيكفي لله عز وجل أن يرفع المانع عن وجوده.
ومن هنا يكفي غض النظر عن هذا الإنحراف ، ورفع اليد عن مزيد التوضيح والتربية للناس إلى جانب الحق والعدل ، لكي يوجد الظلم باختيار الأفراد الظالمين أنفسهم ،وبكل قناعة منهم ،مع وجود الحجة البالغة لله عليهم بالنهي والزجر التشريعي عن التورط في هذا العقاب .واستحقاق العقاب عليه.
وهذا هو الذي خططه الله تعالى لعصر الغيبة موقتاً لغرض التمحيص والإعداد ليوم الظهور ، كما سبق أن فصلناه في التاريخ السابق ،وهو الذي يخططه أيضاً عند اقتراب الساعة من أجل إيجاد المجتمع الذي يمكن قيام الساعة عليه ، بعد استحالة قيامها في المجتمع المؤمن ، على ما هو المفروض في هذا لكلام.
هذا كله على تقدير الإلتزام بصحة تلك الأخبار.
الناحية الثانية :إذا التزمنا بعدم صحة تلك الأخبار ، وعدم كفايتها لإثبات قيام الساعة عل شرار خلق الله ، بل يمكن أن تقوم الساعة على المجتمع المؤمن نفسه ،طبقاً لما سبق أن ذكرناه من المناقشات.
ـــــــــــــــــ
(1) ص269 وما بعدها.


صفحة (664)



وإذا كان هذا ممكناً لا استحالة فيه ،كان ذلك متعيناً ،ولا يكون التخطيط إيجاد المجتمع المنحرف ممكناً ،وذلك:
أولاً : لكونه لغواً بلا مبرر ولا حكمة .وإيجاد اللغو قولاً أو فعلاً ، محال على الله تعالى الحكيم الكامل من جميع الجهات.
ثانياً: لكونه مستلزماً ـ كما قلنا ـ لتقليل مستوى التربية والإيضاح ، وهو ظلم للناس ما لم يقترن بمصلحة مهمة مبررة له ، والمفروض عدم وجودها.
ومعه فيتعين القول ببقاء المستوى المطلوب من العناية والتربية ، نتيجة للقواعد الواضحة التفصيلية التي اعطاها الإمام المهدي طبقاً لوعي ما بعد الظهور، ونتيجة للدفع الإيماني الذي أوجده في الأمة ،ذلك الدفع الذي أنتجه المجتمع المعصوم في نهاية المطاف ،والذي لا يزول أثره إلى نهاية البشرية ، فإن الوعي إذا كان على أعلى مستوى ، لا يكون قابلاً للزوال ،ولا الإنحراف وإنما تؤكده الحوادث وترسخه المشاكل باستمرار، لو وجدت في مثل هذا المجتمع المعصوم.
وبعد حصول صفة العصمة ، سوف يكون المجتمع والدولة – بغض النظر عن شخص المهدي (ع) – أصلب عوداً واقوى تطبيقاً للنظام الإسلامي الكامل .ومن هنا يكون من الطبيعي أن تتلاحق التأييدات الإلهية وتترسخ بين أفراد المجتمع ، فكيف يكون الإنحراف مع وجود هذا التأييد.
ويستمر المجتمع في الترقي والتكامل في عالم الروح ، حتى يكون كل فرد مترقباً لقاء الله تعالى شأنه مسروراً بالوصول إلى رضاه العظيم ونعيمه المقيم .فيشاء الله عز وجل أن يأخذهم جميعاً إليه كما تزف العروس إلى عريسها والحبيب إلى حبيبه ، فيموتون جميعاً موتاً كشم الرياحين ،وبذلك تنتهي البشرية ويبدأ بذلك يوم القيامة.
وسيأتي في الكتاب الآتي تفسير أعمق من ذلك لنهاية البشرية ، فليكن القارىء على علم بذلك.


صفحة (665)


ولا حاجة هنا إلى افتراض ارتفاع الحجة قبل أربعين يوماً من يوم القيامة ،ولا إلى افتراض فساد المجتمع ، فإن كلا الأمرين منقول بالروايات التي نفترض في هذه الناحية الثانية عدم صحتها .
بل يكفي ـ منطقياً ـ لقيام الساعة تحقق الهدف من خلق البشرية ،وهو وجود العبادة الكاملة ردحاً طويلاً من الزمن ، بحيث لا يبقى بعدها هدف آخر متوقع لها على وجه الأرض، وإنما ينحصر وجودها وتكاملها في عالم آخر ،وقد تحقق ذلك بوجود المجتمع المعصوم ، فيبقى وجود البشرية بلا موضوع فلا بد من زوالها بشكل من الأشكال.
فهذا التسلسل الفكري المبني على عدم صحة الأخبار القائلة بأن الساعة لا تقوم إلا على شرار الناس ،هو الأنسب مع القرائن والقواعد العامة الإسلامية ، مضافاً إلى عجز تلك الأخبار عن قابلية الإثبات كما عرفنا .
وعلى اي حال ، فلا ينبغي إعطاء شيء من تفصيل نهاية البشرية أكثر من ذلك ، بعد العلم أنه سيأتي في الكتاب الآتي ما يعطي ذلك كله بتوفيق من الله العلي العظيم.
هذا آخر ما اردنا إيراده من تاريخ ما بعد الظهور ،والحمد لله رب العالمين على حسن التوفيق ،وصلى الله على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
 

قد تم بيد مؤلفه المحتاج إلى رحمة ربه الكريم محمد بن السيد محمد صادق الصدر .
بتاريخ مساء يوم الجمعة المصادف 11 رمضان 1392 هجرية الموافق 12 تشرين الاول 1972 ميلادية في النجف الاشرف.


صفحة (666)


المصادر
أهم مصادر هذا التاريخ :
1-الإحتجاج .تاليف أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي مط: النعمان . النجف الأشرف .عام 1386- 1966.
2- الإرشاد. للشيخ محمد بن محمد بن النعمان . الملقب بالمفيد .ط: طهران . عام 1377ه 3- إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب لمؤلفه المولى الشيخ علي اليزدي الحائري .ط : أصفهان في عام 1351 هـ شمسي.
4- أسد الغابة في معرفة الصحابة للشيخ عز الدين أبي الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم الجزري المعروف بابن الأثير .ط الأوفست .الإسلامية .طهران.
5- إسعاف الراغبين للأستاذ الشيخ محمد الصبان ، على هامش نور الأبصار (انظره).
6- الإشاعة أشتراط الساعة ، تأليف السيد الشريف محمد بن رسول البرزنجي الحسيني .ط. الأولى ، مصر عام ، 1370 هـ.
7- بحار النور ، تأليف الشيخ محمد باقر بن محمد تقي المعروف المجلسي الجزء الثالث عشر .ط: الحجر عام 1305 هجري .
8- البيان في أخبار صاحب الزمان .للحافظ أبي عبد الله محمد بن يوسف بن محمد النوفلي القرشي الكنجي الشافعي . قدم له وعلق عليه : محمد مهدي الخرسان .مط النعمان ، النجف الأرشرف .1962-1382
9- الجامع الصحيح ، للحافظ أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي .مط الفجالة الجديدة ، القاهرة : عام 1387-1967.
10- الحاوي للفتاوي للشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن ابي بكر بن محمد السيوطي حقق أصوله وعلق على حواشيه ، محمد محي الدين عبد الحميد .ط مصر ، الثالثة .مط السعادة .عام 1959 م.
11- الخرايج والجرايج للشيخ قطب الدين أبي الحسين سعيد بن هبة الله بن الحسين رواندي .ط الهند ، على الحجر ، عام 1301 هجري.
12- سنن أبي داود ،للحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث بن اسحق الأزدي السجستاني .ط مصر .الأولى ،عام 1371- 1952.
13- سنن ابن ماجة .للحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني بن ماجة ، بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. دار أحياء الكتب العربية .عام 1373-1953.
14- شرح نهج البلاغة . للشيخ محمد عبده ،بتحقيق محمد محي الدين عبد الحميد مطبعة الإستقامة .مصر ،مهمل من التاريخ.
15- صحيح البخاري لابي عبد الله محمد بن اسماعيل بن ابراهيم بن المغيرة بن يردذية البخاري الجعفي مطابع الشعب مصر 1378هجري.
16- صحيح مسلم لابي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري .مطبعة محمد علي صبيح واولاده .مصر.
17- الصواعق المحرقة في الرد على اهل البدع والزندقة .للمحدث شهاب الدين احمد بن حجر الهيثمي المكي ط مصر عام 1312.
18-الغيبة للشيخ ابي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ط النجف الثانية عام 1385.
19- الغيبة للشيخ ابي عبد الله محمد بن ابراهيم بن جعفر الملقب بالنعماني ط تبريز عام 1383.
20- الفتوحات المكية.للشيخ ابي عبد الله محمد بن علي المعروف بابن عربي الحاتمي الطائي .اوفست دار صادر بيروت .مهمل من التاريخ.
21- الفصول المهمة في معرفة الائمة .للشيخ نور الدين علي بن محمد بن احمد المالكي المكي الشهير بابن الصباغ.
22- الكافي (الأصول) لثقة الإسلام الشيخ محمد بن يعقوب الكليني . نسخة خطية من مكتبتنا الخاصة . وقع الفراغ في تحريرها في عصر يوم الثلاثاء من شهر ذي القعدة الحرام سنة 1077 هجري .بيد محمد بن طاهر آقاجان الشوشتري .
23- الكامل في التاريخ: .لأبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني المعروف بابن الأثير . بيروت ، لبنان عام 1387-1967.
24- كامل الزيارات. للشيخ الأقدم أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي ،حققه وعلق عليه الشيخ ميرزا عبد الحسين الأميني التبريزي . المطبعة المرتضوية . النجف .1356 هجري.
25- الكتاب المقدس ، أي كتب العهد القديم والعهد الجديد .انتشر على يد جمعية التوراة البريطانية والأجنيبة. ط جامعة كامبردج . بريطانيا.
26- كشف الغمة في معرفة الأئمة . للعلامة أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي .المطبعة العلمية .قم.
27- مراصد الإطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع ، لصفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق البغدادي .وهو مختصر معجم البلدان لياقوت. تحقيق وتعليق : علي محمد البجاوي .دار إحياء الكتب العربية ، مصر عام ، 1374- 1955.
28- مطالب السؤل في مناقب آل الرسول .تأليف الشيخ أبي سالم كمال الدين محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن القرشي العدوي الشافعي .دار الكتب التجارية في النجف الأشرف ،1371- 1951.
29- مفاتيح الجنان .تأليف : الشيخ عباس القمي .ترجمة السيد محمد رضا النوري النجفي .ط : طهران .عام 1359.
30- الملاحم والفتن .للسيد رضي الدين أبي القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاوس ، الحسني الحسيني .ط الثالثة . الحيدرية . النجف الأشرف 1383- 1964.
31- منتخب الأثر في الإمام الإثني عشر .تأليف الشيخ لطف الله الصافي . الثانية .مهمل من التاريخ .
32- وسائل الشيعة في تحصيل مسائل الشريعة للشيخ الحسن بن الحر العاملي ط الحجر – طهران عام 1314هجرية.
33- ينابيع المودة.تأليف الحافظ سليمان بن ابراهيم القندوزي الحنفي . الطبعة السابعة .ط النجف الأشرف . الحيدرية.عام 1384- 1965.
 

السابق

السيرة الذاتية || الصور || المؤلفات || ما كتب حوله