ثالثاً: إنها الذنوب التي هدد عليها بالنار في الكتاب والسنة.
رابعاً: إنها الذنوب الأكثر أهمية في نظر الشارع.
إلى غير ذلك من التعاريف. ونجد ان الكذب يندرج فيها جميعاً، ولا دخل في الصغائر بأي
تعريف منها.
وأما دلالة السنة الشريفة على ذلك، فالاستدلال إما أن يكون بالأخبار أو بالسيرة
العقلائية أو بالسيرة المتشرعية أو بالارتكاز المتشرعي.
وأما الأخبار فلا حاجة إلى تجشم سردها بعد وضوحها وتوافرها، فليرجع فيها القارئ إلى
مصادرها.
وأما السيرة العقلائية، فان يقال: انه لا شك ان العقلاء بما هم عقلاء يستنكرون
الكذب ويستهجنونه، ويعدونه ضرراً على أغراضهم ومقاصدهم ونقطة سوء وضعف في أقوالهم
وأفعالهم. وبالتالي فهو من المحرمات أو الممنوعات في نظرهم. وهذه السيرة لا شك إنها
كانت في زمن المعصومين سلام الله عليهم. ولا شك إنها ممضاة من قبلهم عليهم السلام.
إذا لو لم تكن ممضاة لوردنا الخبر بالنهي عنها أو نفي مدلولها، ولو بخبر ضعيف ولم
يرد. بل وردت الأخبار والآيات مؤيدة لها وداعية لمضمونها.
وقد يخطر في الذهن: انه كيف نقول: ان الكذب محرم عند العقلاء مع العلم ان الجميع
ملتزمون به ومستمرون عليه. بل يعتبر الكذب عصبهم الرئيسي في حياتهم الاجتماعية
والاقتصادية وغيرها. إذن، فالسيرة العقلائية على تحريم الكذب غير متحققة.
وجواب ذلك: ان من الصحيح استمرار الناس على الكذب. إلا إن هذا لا يعني كونه غير
محرم في نظرهم، بل هم يرون أنفسهم حين يكذبون إنهم يعملون العمل المرجوح والفعل
المحرم. والالتزام بالمحرم ليس ببعيد على النفوس الضعيفة والضمائر الجاهلة.
غير انه من الممكن ان يكون هذا الإشكال مما يغير صيغة الاستدلال، وان كانت النتيجة
واحدة. فإننا إن استدللنا بالسيرة العقلائية كسيرة عملية، وجدنا ان سيرتهم العملية
على الكذب لا على تركه. ولكن إذا استدللنا بالارتكاز لعقلائنا أو التسعير العقلائي
للأشياء. وجدناهم يعطون الكذب سعراً رديئاً ومرجوحاً، بل محرماً. وهذا الارتكاز حجة
لإمضائه شرعاً.
وأما الاستدلال بسيرة المتشرعة فواضح، من حيث ان المتشرع بصفته متشرعاً، لا يكذب
ولا يأتي بشيء من المحرمات ولا يترك شيئاً من الواجبات. بل من الواضح عندهم ان وجود
العدالة لدى أي فرد تتوقف على عدم التزامه بالكذب. كما ان وجود الفسق يتوقف على
التزامه به، والعياذ بالله سبحانه.
وأما ارتكاز المتشرعة أو الارتكاز المتشرعي، فأوضح من أن يذكر أو يسطر، لاعتقادهم
لا شك بحرمته وقبحه ووضاعة فاعله.
وسيرة المتشرعة حجة، ولا تحتاج، إلى القول بإمضاء المعصومين عليهم السلام لها،
كالسيرة العقلائية، لان السيرة العقلائية ناشئة من غير المنشأ الشرعي، فنحتاج في
حجيتها أو انتسابها إلى الشريعة، إلى الإمضاء.
أما السيرة المتشرعية، فهي منتسبة بذاتها إلى المعصومين سلام الله عليهم ولا يمكن
ان تحدث بدون تعليمهم وتوجيههم. إذن، فنعلم انتسابها رأساً وأساسا إليهم سلام الله
عليهم، وبهذا تكون حجة رأساً. وبخاصة في موضوع واضح ومنصوص عليه في القرآن الكريم،
كالكذب الذي نتحدث عنه.
وأما الاستدلال بالإجماع، وهو احد الأدلة الأربعة، فأوضح من أن يذكر أو يسطر أيضا.
فانه ثابت قطعاً بين علمائنا بل علماء الإسلام جميعاً، بل في كل دين سماوي على
الإطلاق هذا بغض النظر عن بعض المستثنيات التي تأتي بعونه تعالى.
وأما الاستدلال العقلي. فلا شك ان العقل يحكم بقبح الكذب، وانه من أقسام الظلم
والقبائح والرذائل. فان قلنا: ان كل ما حكم به العقل حكم به الشرع، كان ذلك كافياً
في الاستدلال على حرمته، بغض النظر عن الأدلة الأخرى الكثيرة التي سردناها.
إذن، فالكذب محرم بالأدلة الأربعة.
الكذب موضوعاً
تساءلنا في أول هذا البحث: ما هو الكذب وأجبنا عليه. والآن لنا أن نتساءل: ما هو
الكذب المحرم أو ما الذي يكون موضوعاً لحرمة الكذب؟ هل هو كل الأقسام السابقة التي
عرفناها له أو بعضها دون بعض؟
لا شك انه بكل أقسامه مرجوح ورديء أخلاقياً، إلا أن حرمته الشرعية، تتوقف على ان
يكون الإطلاق اللغوي عليه حقيقة لا مجازاً، وان يكون الفهم له عرفياً لا دقيقاً
معمقاً، مضافاً إلى كونه مما لم يستثن من أدلة التحريم.
ومعه فما اندرج من أقسامه تحت الحرمة، فهو المطلوب. وإلا كان حكمه الشرعي مندرجاً
تحت الكراهة لا محالة.
وقد عرفنا فيما سبق ان بعض استعمالات الكذب يمكن ان تكون مجازية، ومثلنا بقوله
تعالى: ( ) حيث نسبت عدم الكذب إليها من دون وجود[لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ ]
دلالة، والكذب متوقف على وجود الدلالة كما عرفنا، بأي مستوى من مستوياتها،
فاستعماله بدون الدلالة مجاز.
والمجاز صحيح في اللغة، إلا انه لا يندرج تحت الحكم الشرعي بالحرمة، بل لابد من
توخي الفرد الحقيقي للكذب موضوعاً لها. ولا يبعد ان تكون كل الأقسام الأخرى التي
عرفناها للكذب حقيقة لغة.
ولكن ليس هذا فقط، بل لابد ان يكون الفهم العرفي موافقاً على مصداقيته وانطباقه كما
اشرنا، فلو كان شيء ما كذباً حقيقة وليس كذباً عرفاً لم يندرج في الحرمة، بصفته
كذباً. وان كان قد يكون مندرجاً في الحرمة بأسباب أخرى، اعني صفته فسقاً أو كفراً
أو غير ذلك، وسيأتي إيضاحه.
وأوضح ما يخرج أو يتم استثناؤه بذلك أمور:
الأمر الأول: المفارقة بين الفعل وأمر آخر كالاعتقاد أو الهدف. فإننا قلنا وأوضحنا
انه من أقسام الكذب. إلا انه ليس منها عرفاً فلا يكون موضوعاً للحرمة من هذه الجهة.
واعني بالفعل السلوك الحياتي الاعتيادي، لا الفعل الذي يكون له دلالة لغوية
كالإشارة. فانه مما يصدق عليه الكذب حقيقة وعرفاً فيكون محرماً جزماً.
الأمر الثاني: خلف الوعد، كما لو قلت: سأفعل كذا ولم تفعل. فانه لا يكون كذباً
عرفاً. وأوضح تقريب لذلك هو ان مثل هذا القول يمكنك بالاختيار ان تصدقه وان تكذبه.
أي ان تجعله صادقاً بتنفيذك إياه، أو تجعله كاذباً بتركك له. ومثل هذا الملاك لا
يعتبر عرفاً ملاكاً كافياً للكذب.
وهذا غير الإخبار عن المستقبل، كما لو قلت: سيحدث كذا، ولم يحدث. فان هذا هو
التنبؤ، وهو قابل للاتصاف بالكذب.
وقد أفتى الفقهاء جميعاً بعدم حرمة خلف الوعد، وان قالوا بكراهته الشديدة. ما لم
تحدث مصالح أخرى تقتضي حرمته. كأدائه إلى كبيرة من الكبائر أو بعض المفاسد
الاجتماعية.
الأمر الثالث: المفارقة بين القول إِنَّكَ لَرَسُولُ]أو الاعتقاد مع كونه موافقاً
مع الواقع كقوله المنافقين: ( ) فانه ليس كذباً، من حيث المطابقة مع الواقع، فلا
يكون حراماً ولا[اللَّهِ موجباً لاستحقاق العقاب. وإنما يعاقبون من اجل نفاقهم وعدم
اعتقادهم بصدق رسول الإسلام صلى الله عليه وآله.
نعم، يمكن ان يكون المعتقد عالماً بنفسه كاذباً. كما لو كان يعتقد بحدوث شيء
وينفيه، في حين انه لم يحدث فيكون قوله صادقاً كقول المنافقين في الآية الكريمة.
لمطابقته للواقع، ولكنه عالم بكذبه. فيكون عمله (تجريّاً) اصطلاحاً يعني: ان يعمل
الفرد شيئاً علم بحرمته وليس بمحرم. والتجري، وان لم يكن محرماً واقعاً، إلا انه
مستحق للعقوبة على أي حال.
وأما لو حصل عكس ذلك، كما لو كان الفرد يعتقد بحصول الشيء واخبر عن حصوله، كما
يعتقد، ولم يكن حاصلا.
فهذا كذب حقيقة وعرفاً، لعدم مطابقته مع الواقع. ولكن الفرد لا يعاقب عليه. لكونه
معذوراً عنه، لان العلم (حجة) شرعية، كافية في إثبات صدقه. فقد كان يرى كونه صادقاً
بحجة شرعية، وهذا يكفي في درء العقاب عنه.
الأمر الرابع: مما يخرج عن موضوع الكذب: الكذب بالأمور أو بالأساليب الإنشائية. كما
سبق ان اشرنا، وقد مثلنا له: بقوله اعنّي الدال على انه ضعيف. أو اعطني الدال على
انه فقير، وهكذا. فان مثل هذه الدلالات الالتزامية ليست كذباً عرفاً وان كانت كذباً
حقيقة. فلا تدخل في موضوع الحرمة.
ولكنني لا أقول: إن الكذب بالدلالة الالتزامية كله جائز. بل ان الكذب بالدلالة
الالتزامية للجملة الخبرية حرام. وخاصة إذا كانت دلالتها المطابقية كذباً أيضا،
فيحسب له كذبان لا محالة: أحدهما مطابقي والآخر التزامي.
فهذا هو أهم ما يخرج عن موضوع حرمة الكذب، وأما المستثنيات منها فهذا ما يحتاج إلى
عنوان مستقل آت.
أساليب أخرى للكذب
يمكن التوصل إلى الكذب اعني إيهام أو إفهام ما هو خلاف للواقع السامع مع وجود قصد
صحيح وصادق في عين الوقت.
وهذا أمر معروف بين المتشرعة كاستعمال المجاز والاستعارة والمبالغة والكناية وغير
ذلك. كما لو أتيت بلفظ يحتمل الحقيقة والمجاز، وأنت تقصد أحدهما لا محالة، وهو
صادق، وتعلم ان السامع سيفهم المعنى الآخر، وهو كاذب.
وكذلك لو استعملت اللفظ المشترك وقصدت احد معنييه، وأنت صادق، وأفهمت السامع المعنى
الآخر.
وكذلك الحال في الاستعارة والكناية، حيث تقصد احد المعنيين وتريد إفهام المعنى
الآخر. وكذلك التوقف واخذ النفس أثناء الكلام. وأنت تقصد قطع الذي تقوله عن سابقه
في المعنى، ولكن السامع لا يلتفت إلى ذلك. وكذلك لو نطقت بلفظ مفرد لا تريد إلا
معناه. ولكن السامع يفهم منه جملة بتقدير مبتدأ أو فعل أو فاعل أو مفعول به. وتكون
الجملة عندئذ كاذبة.
ولا حاجة إلى التمثيل إلى ذلك، إذ قد يكون سبباً لتعليم الأمور المرجوحة، أو تعليم
للمكر، وكلاهما مرجوح وقد يكون محرماً, مضافا إلى شيوع وكثرة استعماله وأمثلته بين
الناس.
والفقهاء يفتون عادة بحلية وجواز كل ذلك، لوجود التطابق بين القول والقصد والواقع،
فلا يوجد كذب في البين. كل ما في الأمر إن هناك تعمد لإيقاع السامع في الوهم أو في
خلاف الواقع. وهذا بمجرده ليس حراماً ما لم تترتب عليه نتائج محرمة أخرى.
مستثنيات الكذب
ما يحتمل استثناؤه وإخراجه عن حرمة الكذب عدة أمور:
الأمر الأول: الإصلاح ولعله أوضح واشهر المستثنيات.
وقد وردت فيه روايات صحيحة وصريحة مضافاً إلى الإجماع. منها: صحيحة معاوية بن عمار
عن أبي عبد الله عليه السلام. قال: المصلح ليس بكذاب( ). وقد استعمل فيها أسلوب
(التنزيل) يعني تنزيل الكذب منزلة الصدق. فيكون دليلا على كونه مثله ليس بحرام ولا
مستحقاً عليه للعقاب.
والعلة المنصوصة في هذه الصحيحة هي الإصلاح فانه عمل المصلح فقد يقال: ان المصلح
كما قد يكون مصلحاً بين فردين أو جماعتين، وهو ما دعوه: بإصلاح ذات البين، كذلك قد
يكون في أمور اجتماعية أخرى ليس سببها العداوة المسبقة.
فان قيل: ان القدر المتيقن من الإصلاح هو ذلك، فلا يجوز ان نأخذ مورد الاستثناء من
المحرم أكثر منه.
قلنا: نعم، إلا إن إطلاق الرواية أوسع من ذلك، ومن حقنا ان نأخذ بإطلاقها. لان عمل
المصلح ان كان هو (الصلح) تعين عرفاً بالعمل الذي تسبقه العداوة. ولا مصداق له غير
ذلك. وأما إذا كان عمل المصلح هو (الإصلاح) كما هو واضح عرفاً. فان الإصلاح كما يتم
في الصلح يتم في غيره من جهات الإصلاح. فيكون كل كذب لأي إصلاح جائزاً.
فان قلت: ان هذا مقيد في روايات أخرى كخبر عيسى بن حسان( ) قال: سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول: كل كذب مسؤول عنه صاحبه يوماً إلا كذباً في ثلاثة… إلى ان قال:
أو رجل أصلح بين اثنين يلقى هذا بغير ما يلقى به هذا، يريد بذلك الإصلاح بينهما.
إذن تكون سائر أنحاء الإصلاح الأخرى خارجة من الاستثناء، وداخلة في الحرمة.
إلا أن جوابه: أولا: إن هذه الرواية ضعيفة السند فلا تكون حجة لإثبات المدعي.
ثانياً: إنها وان كانت خاصة إلا لا تنافي ثبوت العام بدليل آخر. لان العام والخاص
هنا مثبتين، ومعه يمكن الأخذ بهما معاً مع صحة سندها، وليس بينهما تناف ليحصل
التقييد.
وقد يخطر في البال: ان إصلاح ذات البين كذباً أمر غير منتج عملياً، لان (حبل الكذب
قصير) كما في المثل، وسيأتي زمن يفتضح فيه الكاذب وينكشف الأمر فيعود العداء بعد
الصلح.
وهذا الكلام قريب بالنسبة إلى بعض أساليب الكذب، إلا إن المصلح إذا كان ذكياً
وعارفاً بواقعه وبنفوس ذوي العداء، سوف يستطيع ان يكذب بشكل لا يؤدي إلى تلك
النتيجة. مضافاً إلى ان الطرفين بعد ان (تورطوا) بالصداقة فمن الصعب عليهم ان
يعودوا إلى العداء لمجرد انكشاف كذب المصلح، إلا أن يكون الأمر مهماً جداً في نظرهم
وتلك حالات نادرة بلا إشكال.
الأمر الثاني: من مستثنيات حرمة الكذب: المكيدة في الحرب.
ففي رواية عن النبي صلى الله عليه وآله قال: ثلاثة يحسن فيهن الكذب: المكيدة في
الحرب الخ( ) .
غير ان هذه الرواية ضعيفة السند، فيبقى الأمر على الحكم بالحرمة ما لم يكتسب مصلحة
دينية خاصة تكون هي احد مستثنيات الكذب مستقلا، كما سيأتي.
الأمر الثالث: كذب الوعد على الزوجة. ففي نفس الرواية قال: وعِدَُتكَ زوجتك. وفي
رواية أخرى: أو رجل وعد أهله شيئاً وهو لا يريد ان يتم لهم( ).
ويمكن الجواب على ذلك:
أولا: بضعف سند هذه الروايات فلا تكون حجة ما لم تضم إليها عمل الأصحاب من حيث ان
فقهائنا عملوا بها وأفتوا على طبقها بغض النظر عن الجواب الآتي.
ثانياً: ان هذه الروايات إنما تجيز خلف الوعد على الزوجة. وخلف الوعد جائز على
الزوجة وغيرها وليس في المقام حكم جديد.
ولعل السبب في التركيز على ذلك في هذه النصوص هو علمهم سلام الله عليهم بمدى
الإحراج الذي يقع به الأزواج أمام زوجاتهم من كثرة الطلب والمطالبة.
ومعه فما عليه المشهور بين الناس من حلّيّة الكذب على الزوجة ليس بصحيح فان الكذب
الصريح حرام على كل حال.
الأمر الرابع: من المستثنيات: ما تقتضيه المصلحة العامة الدينية أو الدنيوية من
استعمال الكذب. لان المصالح العامة تكون أهم في نظر الشارع من الأحكام الفردية. غير
ان اختصاص ذلك بالضرورات الاجتماعية هو الأرجح. وأما شموله للمصالح العامة غير
الضرورية فمحل إشكال بلا إشكال.
ومعه فما يعتقده الناس من جواز الكذب لمصلحة بحيث يشمل حتى المصالح الشخصية، غير
صحيح أساساً. لأنه مشكل في المصالح العامة فضلا عن الخاصة. بل هو في المصالح الخاصة
حرام صريح. وهل حرمته الشرعية إلا لهذا ونحوه؟
الأمر الخامس: صورة الضرورة فان أدلة رفع التكاليف في موارد الحرج والعسر والضرر
والضرورة والتقية شاملة لحرمة الكذب وغيره. فمع وجود مثل هذه الموارد يكون الكذب
جائزاً. من دون ان يخدع الفرد نفسه أو يكذب عليها، فيعتبرها في ضرورة وليست كذلك.
الأمر السادس: ما يحتمل ان يكون مستثنى من حرمة الكذب هو الكذب في الهزل، إذ قد
يقال: ان مورد الهزل هين بحيث لا يعتنى به شرعاً إلا أن هذا غير صحيح.
أولا: لكون المورد مشمولا لعموم أدلة تحريم الكذب اعني ما دل على ان كل كذب حرام
يعني سواء كان في جد أو هزل.
ثانياً: استفاضة الروايات بالنهي عن الكذب في الهزل بنفسه وقد عقد له الحر العاملي
في الوسائل باباً كاملاً.
منها: ما عن أبي عبد الله عليه السلام قال( ) : كان علي بن الحسين عليهما السلام
يقول لولده: اتقوا الكذب الصغير منه والكبير في كل جد وهزل.
وعن الاصبغ بن نباته( ) قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يجد عبد طعم
الإيمان حتى يترك الكذب هزله وجده.
وفي خبر آخر في وصية النبي صلى الله عليه وآله لأبي ذر منها: وان الرجل ليتكلم
بالكلمة في المجلس ليضحكهم فيهوي في جهنم ما بين السماء والأرض. يا أبا ذر ويل للذي
يحدث فيكذب ليضحك به القوم. ويل له ويل له ويل له( ) .
إذن، فالكذب في الهزل محرم وليس من المستثنيات. أعاذنا الله من كل خطأ وزلل والحمد
لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله أجمعين.
محمد الصدر