مؤلفات الإمام الشهيد السيد محمد صادق الصدر ( قدس سره)

رفع الشبهات عن الأنبياء (ع)  للسيد الشهيد محمد صادق الصدر (قد)

رفع الشبهات عن الأنبياء عليهم السلام ــ حوار عقائدي
تأليف :الشهيد السعيد آية الله العظمى
السيد محمد الصدر طاب ثراه

تمهيد
قد يبدو للوهلة الاولى غرابة طرح مثل هذا الموضوع وللمناقشة فيه . ذلك اننا ومهما تعمقنا في ايماننا وصفاء قلوبنا , فاننا لا نستطيع ان ندرك ادراكا ً تاماً وشاملا ً لما يدور في نفوس الأنبياء سلام الله عليهم ,ومعرفة تلك الأسرار العظيمة من وراء ما يصدر عنهم من أفعال وأقوال .
وحيث ان مجرد التفكير بذلك فيه ما فيه من سوء الادب وضعف اليقين بعصمتهم عليهم السلام ,كان الاجدى بنا ان نلج مثل هذا الباب ايمانا ً من وتسليما ً بأن ما يصدر منهم هو مطابق تماما ً للحكمة الالهية,على أقل تقدير لكونهم أصحاب تكليف باطني وظاهري .

ولكم لما كان المفروض من الامم لم يدخروا جهدا ً في التشنيع عليهم والإطاحة بعصمتهم ,من خلال تفسير (1)ما يصدر عنهم من أفعال وأقوال تفسيرا ً خاطئا ً .كان لزاما ً على المعصومين عليهم السلام والعلماء الاعلام الرد على هذه الضلالات والافتراءات الكافرة والقضاء عليها قضاءا ً مبرما ً من عالم الافهام الساذجة والاخذ بايديهم والرجوع بهم الى حيث أحترام المعصوم وتعظيم شأنه .
انها لجريمة كبرى تلك التي اقترفها المسلمون بحق انبياء الله ورسله عندما يؤمنون بتلك الافتراءات وينادون بها , بل ويتدارسونها في معاهدهم. حتى لقد طغت هذه الوسواوس الشيطانية والافكار السرطانية على كثير من المسلمين . ولم يبقى اليوم مذهب من مذاهب المسلمين , الا وقد وانجرف مع هذا التيار الاعمى سوى الشيعة الاثنى عشرية ( رضوان الله عليهم ) الذين ما وهنوا منذ بدء تسريب الافكار الملعونة الى عالم الوجود , وهم يذودون عن بيضة الاسلام بالسيف والقلم .

ولربما يخطر في بعض الاذهان عند البعض هذا السؤال ( اذا كان المعصومون سلام الله عليهم قد أجابوا ولم يدخروا في الرد على مثيري هذه الشبهات .فما الحاجة الى هذا المؤلف ؟ ) .

وللاجابة عن هذا السؤال عدة نقاط :
• اولا ً : صحيح ان ما ذكرواان الأئمة سلام الله عليهم جهدوا جهدا ً في التصدي لرفع مثل هذه الشبهات عن الاذهان , ولكن ما وصلنا اليوم من تلك الاجابات قليل لا يحقق لنا النفع للتام الذي نتوخاه في هذا السفر .
• ثانيا ً :ان بعض هذه الروايات انتهت الينا وراتها لا يوثق بهم بقولهم وقد عرفواببغضهم وعداوتهم للائمة المعصومين سلام الله عليهم . فعلى نحو المثال ما وراه بن الجهم الناصبيمرفوعا ً عن الامام الرضا "ع" والتي يجب الوقوف منها موقف المرتاب .
• ثالثا ً :امكانية دخول روايات مرفوعة السند عن اللائمة (ع)وهم منه براء .وانما وضعت من قبل شائنيتهم ووناوئتهم وهذا بحد ذاته الى شخص عارفومطلع على سير رجال الحديث امثال السيد محمد الصدر .
• ...........................................
(1) في الاصل تأويل وبدلناه بـ ( تفسير ) لكي تستقيم العبارة .


• رابعا ً :ان مثل هذه الروايات والاخبار موزعة في بطون الكتب - امثال الاحتجاج وقصص الانبياء - وغيرها من المؤلفات التي قد لا تتوفر فرصة مطالعتها فضلا ً عن امتلاكها لغالب الناس .إمابسبب شحتها أو غلائها أو أهمال الناس للمطالعة لها أو لغيرها من الاسباب الاختيارية أو القهرية الصارفة للكثير من الناس عن معرفة الحقيقية والاستضاءة بنورها .
• خامسا ً: تضمن هذ المؤاف المقدم على شكل ( استفتاءات واسئلة عامة ). اضافة بعض االشبهات والاسئلة التي قد تخطر في أذهان غالبية الناس .وقد جمعت هذه من بعض المصادر ومن أفواه المحدثين او من راقم هذه السطور . وفي ذلك كسب لمناعة وثقافة نستطيع من خلالها مواجهة هذه الانحرافات والاباطيل .
• سادسا ً : ان المتصدي للرد والاجابة ولرفع الشبهات رجل معروف لدى أعدائه قبل اصدقائه لعشقه للعلم والمعرفة وبقوة البيان ودماغة الحجة وشرف المحلة والمنزلة في الجانب العرفاني . وهو رجل في قلة من الافراد المجاهدين الذين ناجزوا الجهل واطلقوا عباراتهم ذات الصدى المدوي في كل انحاء الارض ( لكل سؤال جواب ) . فحيقية بطلاب العلم في شتى مجالاته ان ينهلوا ما استطاعوا ويملؤوا قرابهم من عذب علم هذا الرجل الفاضل .
....................................




ثم أرى انه ينبغي علينا بعد كل ما ذكرناه ان نتناول لفظ ( العصمة ) بشيئ من الذكر في هذه العجالة لانها العمدة والعناد في بحثنا هذا .
فاقول :ان العصمة ضرورية في الأنبياء والرسل والأئمة والملائكة سلام الله عليهم . وبها يتضح الفرق بينهم وسائر المخلوقات .
وقد قال الصدوق (قدس الله ضريحه ) :( اعتقادنا في الانبياء والرسل والائمة والملائكة صلوات الله عليهم انهم معصومون مطهرون من كل دنس .وانهم لا يذنبون ذنبا ً صغيرا ً ولا كبيرا ً . ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون . ومن نفي عنهم العصمة في شيء من احوالهم فقد جهلهم .......
واعتقادنا في انهم معصومون(1) موصوفون بالكمال والتمام والعلم من أوائل أمورهم (2)
وأواخرها. لا يوصفون في شيء من احوالهم بنقص ولا عصيان (3) ولا جهل (4) .
ويقول علماء الاسلام عن معنى العصمة عند الانبياء والأئمة سلام الله عليهم بانها : ( تطهير وتنزيهه إياهم من الرجس والذنب والزلل والمعصية والدنس والأثم والخطاء والسهو والنسيان والاشتباه والغفلة والوهم ,وإذهابه لها عنهم بايجاده تعالى فيهم لطفا ً يقربهم من الطاعات والواجبات الشرعية ويبعدهم عن المعاصي والمحرمات الشرعية ) أو ( ملكة تقضي عدم مخالفة التكليف الشرعية الالزامية عمدا ً أو سهوا ً مع القدرة على الخلاف (5) .

.............................
(1) اشتباه من المصدر .
(2) اشتباه من المصدر .
(3) اشتباه من المصدر وهي في الاصل الى .
(4) الصدوق / الشيخ ابو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي / الاعتقادات في دين الامامية. / ص 70 .دروس في مجال التفكير الاسلامي ( غازي سعيد السعد غازي سعيد ) /دروس في مجال التفكير الاسلامي /ص 118.
(5) نفس المصدر .



بقى علينا الالماع الى أمرين مهمين يتعلقان بالعصمة يجدر بنا تناولهما بسيء من الذكر لتتضح لنا الصورة كاملة لا نقص فيها وهما :
الامر الأول : وهو يختص بالحكمة من عصمتهم (ع) ويمكن الاجابة على ذلك بذكر حكمتين رئيسيتين لذلك :
• الحكمة الاولى : تطهير ( تزكية ) من الله تبارك وتعالى للمعصوم عليه السلام بانه (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى) (لنجم:3) .
• الحكمة الثانية : حفظ أحكام الشريعة الاسلامية الالهية من الاضاعة والوضع والاختلاف والتصحيف والتحريف والتحويل والتغيير والزيادة والنقصان وتبليغها كاملا ً .
الأمر الثاني : ذكر بعض الفروق ما بين المعصوم بالعصمة الواجبة والمعصوم بالعصمة غير الواجبة .وهي يالاضافة الى ماذكر من أمور نستطيع إضافة ثلاثة فروق اخرى بين بعضها البعض . وهي :
• الفرق الاول : ان المعصوم بالعصمة الواجبة من الانبياء والائمة ( عليهم السلام ) لديهم في في الواقع الحال تكليفين ( ظاهري وباطني ). والباطني يكون بينه وبين الله عز وجل , واذا تعارض التكليفان وجب على المعصوم العمل بالتكليف الباطني الذي قد يظهر في بعض الاحيان لعامة الناس بانه خلاف المنطق والحكمة . كما في مصالحة الامام الحسن (ع) مع معاوية بن أبي سفيان.
• الفرق الثاني : ان التسديد والالهام الالهي غير منقطع عن المعصوم بالعصمة الواجبة وحتى الاسهاء ممتنع عنه فضلا ً عن السهو (1) بلحاظ ان ان العصمة غير الواجبة ربما يتعرض صاحبها لذلك اقتضاءا ً لحكمة الله تبارك وتعالى .
• الفرق الثالث : ان المعصوم بالعصمة الواجبة موسوم بالعلم 0 الحضوري ) في حين ان عامة الناس موسومون بالعلم ( الحصولي ) (2) .
وخلاصة الكلام : ان الانبياء سلام الله عليهم جميعهم معصومون بالعصمة الواجبة .

وبعد ان انهينا الحديث عن العصمة ( بإيجاز ) ينبغي لنا بعد ذلك - اتماما ً للفائدة -التعرض بشيء من الذكر عن الفرق ما بين النبي والرسول ,وعن النسبة بينهما .
فأقول : ( ذكر علماء المنطق ان النسبة بينهما هي نسبة عموم وخصوص مطلق , فكل رسول نبي , وليس كل نبي رسول ) .
وللاستزادة من ذلك أقول : ان الانبياء وعددهم مائة وأربعة وعشرون ألف نبي , فيهم ثلاثة مائة وثلاثة عشر رسول فقط . وان من بين هؤلاء الرسل خمسة هم أولو العزم وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم وعلى آل محمد أفضل الصلاة والسلام ) .
ويمكن ان يظهر الفرق بين النبي والرسول من خلال هذين الحديثين المرويين الاول عن الامام الرضا(ع) والثاني عن عن الاماميين الباقريين سلام الله عليهما وهما .
• روي عن الامام الرضا (ع) ? الرسول الذي ينزل عليه جبرائيل فيراه ويسمع كلامه وينزل عليه الوحي وربما رأى في منامه نحو رؤيا إبراهيم (ع) . والنبي ربما سمع الكلام وربما رأى الشخص ولم يسمع (3)
• وفي كتاب البصائر عن الباقرين (ع) :( والمرسلون على أربعة طبقات , فنبي تنباء في نفسه لا يعدو غيرها , ونبي يرى في المنام ويسمع الصوت ولا يعاين في اليقظة ولم يبعث الى أحد , وعليه اما مثلما كان إبراهيم على لوط , ونبي يرى في منامه ويسمع الصوت ويعاين الملك وقد أرسل الى طائفة قلوا أو كثروا كما يقول تبارك وتعالى (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) (الصافات:147) . وقال يزيدون ثلاثين الفا ً, ونبي يرى في منامه ويسمع الصوت ويعاين في
.........................
(1) السهو الناتج من الشيطان من قبل الله تبارك وتعالى .
(2) وبيان ذلك يحتاج الى الرجوع الى علم المنطق .
(3) الكليني /الشيخ الجليل محمد بن يعقوب/أصول الكافي ج1 ص230 علق عليه جعفر شمس الدين/دار التعارف
 


اليقظة وهو امام مثل أولي العزم وقد كان إبراهيم (ع) نبيا ً وليس بإمام . حتى قال : ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(البقرة: من الآية124) .

بقي لنا ان نعلم ان الشبهة سميت بشبهة لانها تشبه الحق , ولكنها ليست منه في مقابل البديهة فانه يردها ويقول عنها انها ( شبهة مقابل بديهة ) .
وبعد هذا الايجاز في التقديم والاسباب في التمهيد بقي لنا الولوج في صلب الموضوع بعد ان أصبح الهدف منه معلوما ً .
ختاما ً نسأل المولى تبارك وتعالى ان يحفظ لنا المذهب وأن يكون هذا الجهد المتواضع نافعا ً ومقبولا ً عنده (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران:64) صدق الله العلي العظيم .
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على جميع الانبياء وعلى خاتم النبيين محمد (ص) وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم تسليما ً كثيرا .

السابق || التالي

السيرة الذاتية || الصور || المؤلفات || ما كتب حوله