مركز الصدرين للتقريب بين المذاهبالإسلامية

محمد عمارة في ميزان أهل السنة والجماعة (1)
سليمان بن صالح الخراشي
 

هذا الكتاب ألفه أحد الأخوان (السلفيين) الذين يسيئون ـ مع الأسف ـ إلى السلفية.
لأنه يحاول أن يدرس كل ظاهرة فكرية وفق أطر ثابتة ضيقة، فيخرج بمعارضة غير صائبة غالبا للأفكار والآراء.
تناول الكاتب آراء محمد عمارة بالنقد والتحليل، وكان موفقا في الكشف عن بعض هفوات الرجل، والكمال لله وحده، غير أنه لم يذكر أبداً الجوانب الإيجابية في فكر عمارة، وهذه طريقة غير موضوعية في النقد، أو في الجرح والتعديل على حد اصطلاح علماء الرجال. وليس من أخلاق المسلم أن يتحرى نقاط ضعف الآخرين ليطعن فهيم، وليست من الأخلاق العلمية بشيء.
أضف إلى ذلك فإنه حمل على بعض الآراء الإيجابية للأستاذ عمارة من ذلك مسألة
التقريب بين السنة والشيعة (2).
وخلص إلى القول: (هذه أهم الفروق بين أهل السنة والشيعة توضح أن الخلاف ليس في أمور يسيرة، وإنما هو في أصول المنهج..كيف الالتقاء معهم ؟ وهم لا يؤمنون بالكتاب والسنة فعلى ماذا نلتقي إذن ؟) (3).!!!
لم يذكر لنا الكاتب في حديثه عن (التقريب بين السنة والشيعة) الذي استغرق عشرين صفحة من كتابه، سبب الرأي الذي كوّنه عن الشيعة بأنهم لا يؤمنون بالكتاب والسنة.. بل إن الصفحات العشرين امتلأت بالطعن مستندة إلى مصادر غير منصفة، من ذلك أنه استند إلى مصادر تقول:
(تعاون الشيعة مع العدو الصهيوني في جنوب لبنان حقيقة ثابتة وليس أسطورة اخترعها خصوم الرافضة) (4).
وهو كلام لا يحتاج إلى تعليق. ومن ذلك تكرار المقولة القديمة البالية بأن الشيعة يقولون بتحريف القرآن !! (5).
ليس الهدف في هذا العرض نقد الآراء، ولكننا مضطرون أن نسأل هذا الأخ الذي يدعي السلفية عن الخدمة التي
يقدمها للإسلام حين يصف ملايين المؤمنين الذين أقامت جماعة منهم دولة الإسلام والقرآن في إيران، وتحارب جماعة منهم بكل ضراوة الصهاينة ومن وراءهم من أعداء الإسلام، وقدّموا في سبيل ذلك قوافل الشهداء..يصفهم بأنهم مدخل لكل زنديق في الإسلام (6).
لا يطعن هذا الأخ السلفي بالشيعة فحسب، بل يطعن بالقرآن وبإجماع المسلمين على سلامة النص القرآني حين يصرّ على إلصاق تهمة تحريف القرآن بالشيعة ؟ ‍!
يستعرض الكاتب محاولات (التقريب) في التاريخ القديم والحديث ويعتقد أنها فشلت جميعا، ولا بأس أن نلخص عرضه فيما يلي:
1 ـ محاولة التقريب بين السنة والشيعة سنة 437 هـ وفي سنة 442 هـ، وفي سنة 488 هـ حيث ذكر ابن كثير في تأريخه أن السنة والشيعة كانت لهم مواقف مشتركة اتسمت بالتعاون بينهم.
2 ـ محاولة المأمون (ألمعتزلي) ! في تولية العهد لعليّ الرضا.
3 ـ إقامة مؤثمر للتقريب في القرن الثاني عشر بين الطائفتين.
4 ـ وفي العصر الحديث:
أ ـ محاولة جماعة الأخوة الإسلاميّة .
ب ـ محاولة دار الأنصاف سنة 1366 هـ.
ج ـ محاولة دار التقريب بين المذاهب الإسلاميّة  في القاهرة.
5 ـ فتوى الشيخ شلتوت بجواز التعبد بالمذهب الجعفري.
6 ـ محاولات الأفراد:
مصطفى السباعي ـ السلطان عبد الحميد الثاني ـ موسى جار الله التركستاني ـ الشيخ حسن البناء ـ الشيخ محمد أبو زهرة ـ محمد حسين مخلوف ـ الشيخ محمد الصواف ـ محمد الغزالي ـ فهمي هويدي ـ عبد المجيد صبح ـ ثم الدكتور محمد عمارة.
يحاول الكاتب أن يحصر مساعي التقريب القديمة والحديثة في المحاولات والأسماء المذكورة أعلاه، وهذه طريقة غير موضوعية في البحث. لأن مسألة التقريب كانت دوما أمل كل من يعلق الآمال على وحدة المسلمين واستعادة عزتهم وشوكتهم. وفي عصرنا الراهن توجد قائمة بآلاف الأسماء
من العلماء والمفكرين والكتاب الدعاة إلى التقريب بين السنة والشيعة. ولكن مع ذلك فهو في ما يقدمه من أسماء تكفي إلى أن توضح وجود فكرة التقريب والسعي إليها بين علماء الأزهر الشريف وكبار دعاة الإسلام وكبار المفكرين والكتاب..
وهذه الفكرة تتنامى كل يوم، ويتسابق المتسابقون لتبنيها والدفاع عنها، فلماذا يصفها بالفشل ؟ ! الفاشل الوحيد في ساحة العالم الإسلامي اليوم ـ كما يظهر من آلاف الدلالات ـ هو داعية الفرقة والتناحر والتباغض.
 والغريب أن هذا الأخ (السلفي) يكيل التهم والسباب لدعاة التقريب، لا يستثني منهم حتى شيخ الأزهر الامام الراحل محمود شلتوت، فهو ينقل عن صنوله قوله: (إن شلتوت رجل مغفل سهل الخديعة) !! (أما محمد المدني (من كبار العلماء ومن رجال التقريب في مصر) فهو رجل ما كر مخادع) (7).
ربنا لا تؤاخذنا إن نقلنا هذا الذي يجرح قلب رسولك والمؤمنين.. اللهم افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين.
 _____________________
1  ـ دار الجواب 1413 هـ ـ 1993م.
2  ـ ص 492 وما بعدها.
3  ـ ص 512.
4  ـ ص 510.
5  ـ ص 505.
6  ـ ص 512.
7  ـ ص 495. 
 

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية