مركز الصدرين للتقريب بين المذاهبالإسلامية

مصطلحات     
دراسة مقارنة في المصطلحات
الشيخ أحمد المبلغي(1)

الاصل
   1- الاصل في اللغة: أسفل كلّ شيء، وما يبتني عليه الشيء(2).
  وأما عند الاصوليين فقد اتفقوا في إطلاقه على أكثر من معنى، غير أنّهم اختلفوا في جانبين:
  الاول: فيما اختاروه من المعاني:
  ذكر الاصوليون أنّ للاصل أربعة معان، فالمتفق عليه منها: الدليل، وأما المعاني الاخرى، فقد اختار القرافي، أنها: الراجح ، والمستصحب، والمقيس عليه(3)، بينما اختار القاضي وصاحب الفصول والقمي المعنيين الاولين مع إضافة القاعدة(4). واختار الاسنوي والبدخشي: القاعدة، والراجح، والمقيس عليه(5). فتكون المعاني المذكورة للاصل خمسة.
1- أعدّت هذه الدراسة بإشراف مركز البحوث والدراسات العلمية التابع للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية.
2- العين للفراهيدي 8/156 ، المصباح المنير / 16 .
3- تنقيح الفصول / 16 .
4- شرح القاضي / 5، الفصول / 2 - 3 ، القوانين المحكمه في الاصول  / 256.
5- نهاية السؤل 1/7، شرح البدخشي 1/5.  فمثال الاصل بمعنى الدليل قولهم: الاصل في هذه المسألة: الكتاب والسنة(1). ومثال الاصل بمعنى القاعدة قولهم: الاصل في البيع اللزوم(2)، وقولهم: إباحة الميتة للمضطر على خلاف الاصل(3)، ومثال الاصل بمعنى المستصحب قولهم: الاصل عدم تغيير المبيع فيما لو اختلف المتبايعان في التغيير(4)، ومثال الاصل بمعنى المقيس عليه قولهم: الخمر أصل للنبيذ، ومثال الاصل بمعنى الراجح قولهم: الاصل في الاستعمال الحقيقة(5).
  الجانب الثاني: وجود المعنى الاصطلاحي
  يرى أكثر الاصوليين أنّ الاصل نقل من معناه اللغوي الى المعنى الاصطلاحي(6)، فيما حاول جمع من الاحناف وبعض الاماميّة إرجاع جميع إطلاقاته الى معناه اللغوي مدّعين أنّ النقل خلاف الاصل، ولا يصار الى خلافه الاّ عند الضرورة، ولا ضرورة هنا لانّ المعنى مستقيم(7).
  ويرى جمهور الاصوليين تعدد المعاني الاصطلاحيّة بمعنى أنّ كلّ معنى هو مصطلح مستقل(8)، بينما يبدو من الفتوحي الحنبلي محاولة إرجاع جميع المعاني الى معنى اصطلاحي واحد، وهو: "ماله فرع"(9).
  2- لقد تطور معنى الاصل عند متأخري الاماميّة ويمكن إبراز هذا التطور فيما يلي:
1- شرح الكوكب المنير / 10، هداية الابرار / 235 .
2- هداية الابرار / 235 .
3- شرح الاسنوي 1/15.
4- القواعد والفوائد 1/135 .
5- الفصول / 40، شرح الاسنوي 1/15، القواعد والفوائد 1/152 .
6-  راجع المصادر السابقة.
7- الاصول العامة للفقه المقارن / 40، حاشية القزويني على عدة الاصول، التوضيح والتلويح/22- 24 .
8- راجع المصادر السابقة.
9- شرح الكوكب المنير / 10 .  أولا: حصول معنى جديد للاصل عندهم وهو انه: مايحدد الوظيفة العملية لمن يشك في الحكم الشرعي(1).
  وقد تبلور هذا المعنى عند وصول فكرهم الاصولي الى ضرورة جعل الاستنباط على مرحلتين هما: مرحلة إثبات الحكم الشرعي، ومرحلة تحديد الوظيفة العملية(2). والذي دفعهم الى إضافة المرحلة الثانية عدم اعتبارهم لحجية مطلق الظن من ناحية(3)، وعدم وفاء مايوجد من الادلة القطعيّة أو الظنية المعتبرة لاثبات جميع الاحكام الشرعيّة من ناحية أخرى(4) ، ولابدّية اتخاذ موقف عملي لكل مورد لم يثبت فيه حكم شرعي من ناحية ثالثة(5). فتفطنوا الى هذا الموقف الذي يجب أن يُـتّخذ على أساس ملاك معيّن يعيّنه الشرع أو العقل، ولهذا فقد تبلورت عندهم فكرة ضرورة محاولة تحديد الموقف العملي على أساسهما، أي: العقل والشرع .
  وهكذا تكوّن المعنى الجديد للاصل وصار يطلق على كلّ حكم شرعيّ أو عقليّ يحدد الموقف العملي عند عدم ثبوت الحكم الشرعي، وقد سموا الاصل على أساس هذا المعنى بالاصل العملي.
  فكانت حصيلة هذه المحاولة استكشاف أصول عملية أبرزها أربعة حسب التسلسل التالي: الاستصحاب، البراءة، الاحتياط ، التخيير. وهذا الترتيب ناجم من أن لكل أصل من هذه الاصول مجرىً خاصاً (6). فلا ينتقل من أصل الى أصل لاحق الاّ بعد عدم تحقق مجرى الاصل السابق. فمجرى الاستصحاب هو ما إذا علمنا بالحالة السابقة، وأما البراءة والاحتياط والتخيير فتجرى فيما لو لم نعلم بالحالة السابقة، غير أنّ الشكّ حينئذ إن كان في أصل التكليف فهو مجرى البراءة، وان كان في المكلف به بعد علمنا بأصل التكليف فهو مجرى الاحتياط لو كان ممكنا، والاّ - اي لو
1- عناية الاصول 4/2 - 3، دروس في علم الاصول 2/256 .
2- بحوث في علم الاصول 5/9 .
3- كفاية الاصول / 353 ومابعدها، منتهى الاصول 2/75.
4- اصول الفقه للمظفر 2/234 .
5- دروس في علم الاصول 2/256 .
6- اصول الفقه للمظفر  2/235 .لم يمكن الاحتياط - كما لو دار التكليف بين الحرمة والوجوب فهو مجرى التخيير(1).
  ومثال الاول: استصحاب طهارة إناء ما شُـكّ  في نجاسته بعد العلم بطهارته. ومثال الثاني: براءة الذمة من التكليف بوجوب الدعاء عند رؤية الهلال لو شككنا في وجوبه. ومثال الثالث: الاتيان بصلاتي الجمعة والظهر فيما لو شككنا في الواجب منهما. ومثال الرابع: فيما لو حلف ثم نسي هل كان حلفه على الترك أو الفعل.
  ثانيا: إن متأخري الاماميّة مع حصول هذا المعنى الجديد لم يهجروا المعاني السابقة للاصل غير أنّهم قد حصل عندهم مايلي:
  آ - إنّ المعنى الجديد الذي برز للاصل أصبح - لاهميته - هوالمراد عند إطلاقه من دون قرينة(2).
  ب - إنّ الاستصحاب، أصبح بعد هذا التصور مصداقا من مصاديق المعنى الجديد بعد أن كان يعتبر واحدا من معانيه.
  وكأنّ بروز هذا المعنى الجديد تمّ كتطور لاطلاق الاصل على الاستصحاب.
  جـ - إنّهم يعبرون عن الاصل في باب الالفاظ - والذي كان يذكره القدماء بمعنى الراجح بالاصل اللفظي(3) كأصالة الحقيقة وأصالة عدم النقل وأمثالهما، وقد تمت تسميته باللفظي ليكون مقابل الاصل العملي، حيث أنّ الاصل اللفظي يعد من الامارات(4) لانّ اعتباره إنما هو لاجل كونه يكشف عن مراد المتكلم. وقد يسمى الاصل اللفظي بالعقلائي(5) وذلك لانّ دليله بناء العقلاء.
  3- قسّم الاصل العملي بتقسيمات عديدة نذكر أهمها:
  أولا: تقسيمه الى الاصل المحرز وغير المحرز.
  هناك في بيان المقصود من الاصل المحرز احتمالات ثلاثة بل أقوال ثلاثة:
  الاول: إنّ ملاك الاحرازية في الاصل هو أنّ دليل حجيته - أي الاصل - إنّما جاء
1- فرائد الاصول 1/2 ، 3، اصول الفقه للمظفر 2/236 ، منتهى الاصول 2/163 .
2- بدائع الافكار / 4 .
3- الاصول العامة للفقه المقارن / 232 .
4- فوائد الاصول 4/114 ، فرائد الاصول / 127 .
5- مقالات الاصول / 127 .لينزّل الحكم الظاهري الذي نريد الحصول عليه من خلال الاصل منزلة الحكم الواقعي(1).
  ومثلوا  له بأصالة الطهارة حيث أنّ دليلها: "كلّ شيء لك طاهر حتى تعلم أنّه قذر" يجعل الطهارة الظاهرية بمنزلة الواقعية.
  القول الثاني: أنّ ملاك الاحرازية في الاصل هو كون دليله منزّلا لنفس الاصل منزلة اليقين من حيث الجري العملي(2)، لا من حيث  الكشف: بمعنى أنه كما يجب عند حصول اليقين أن يتم الجرى العملي على طبقه فكذا عند قيام الاصل الاحرازي.
  ويدّعي أصحاب هذا القول أنّ الاستصحاب أصل إحرازي بهذا المعنى.
  القول الثالث: أنّ ملاك الاحرازية في الاصل هو كون دليله منزلا لنفس الاصل منزلة اليقين من حيث الكاشفية(3). فلم يبق على أساس هذا القول فرق بين الاصول الاحرازية والامارات في المجعول، وإنّما الفرق في أنّ الشك قد أخذ في موضوع الاصل الاحرازي، حيث أنّ الحكم بالطهارة الظاهرية مثلا تجعل في وعاء الشكّ في الطهارة الواقعية،  في حين أنّ الشكّ لم يُؤخذ في موضوع الامارة.
  ويدّعي أصحاب هذا القول أنّ الاستصحاب أصل إحرازي بهذا المعنى.
  والفرق بين القول الاول والقولين الاخيرين أن المنزّل في الاول هو الحكم الظاهري والمنزّل عليه هو الواقعي، في حين أنّ  المنزّل في الاخيرين هو نفس الاصل والمنزّل عليه هو اليقين، وإن كان بين الثاني والثالث فرق من ناحية حيثية التنزيل.
  وتترتب على كلّ مبنى من هذه المباني ثمرات أصولية أو فقهيّة للاطلاع عليها راجع مظان بحثها في الكتب الاصولية.
  ثانيا: تقسيمه الى الاصل المثبت وغيره.
1- بحوث في علم الاصول  5/17، دروس في علم الاصول الحلقة الثالثة القسم الثاني /ص 16 .
2- فوائد الاصول 4/10 ، 14، 486، بحوث في علم الاصول 5/18، دروس في علم الاصول الحلقة الثالثة القسم الثاني / ص 17 .
3- مصباح الاصول 3/154 و2/38 .  إنّ كلّ أصل عملي تتصور له حالتان(1):
  الاولى: ما إذا لم يُثبت الاصل حكما شرعيّا أو موضوعه بصورة مباشرة بل يُثبت أثرا عقليا أو عاديا يترتب عليه حكم شرعي، مثل استصحاب حياة إنسان غير بالغ لاثبات بلوغه - الذي هو أثر عقلي لاستمرار حياته بعد مضي سنوات - لنرتب عليه حكما شرعيّا. ويسمى الاصل في هذه الحالة بالاصل المثبت لانه يُثبت الآثار العقلية أو العادية.
  وقد اختلف الاصوليون في حكمه، فالرأي السائد هو عدم حجيته(2). لانّ الآثار العقلية والعادية أمور تكوينية فهي لاتخضع لجعل الشارع أو رفعه(3).
  الحالة الثانية: ما إذا أثبت الاصل حكما شرعيا أو موضوعه من دون الاعتماد على أيّـة واسطة عقلية كانت أو عادية مثل استصحاب وجوب صلاة الآيات بعد حصول الشك بسبب انقضاء وقت الآية، أو استصحاب حياة إنسان لاثبات استحقاقه الارث.
  ويسمى الاصل في هذه الحالة بالاصل غير المثبت، وقد اتفق الاصوليون على أنّه حجة(4).
  ثالثا: تقسيمه الى الشرعي والعقلي(5): يشترك الاصل الشرعي والاصل  العقلي في أنّهما يحددان الوظيفة العملية غير أنّ الاول مجعول من قبل الشارع أما الثاني فيحكم به العقل.
  ويقسم كل من البراءة والاحتياط والتخيير الى عقلي وشرعي(6). أما الاستصحاب وأصالة الطهارة فهما أصلان شرعيان فحسب(7).
1- علم اصول الفقه في ثوبه الجديد / 383 .
2- راجع المصادر السابقة - بحث الاصل المثبت.
3- منتهى الاصول 2/483 ، علم اصول الفقه في ثوبه الجديد / 381 .
4- راجع المصادر السابقة.
5- مصباح الاصول 2/247 - 248 .
6- بحوث في علم الاصول 5/24، الاصول العامة للفقه المقارن / 492 و519 و 503 و539.
7- مصباح الاصول 2/13، اصطلاحات الاصول للمشكيني/ 59 . 
 

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية