مركز الصدرين للتقريب بين المذاهبالإسلامية

مصطلحات   
دراسة مقارنة في المصطلحات
 الشيخ أحمد المبلغي
(1)


الاستحباب

التعريف:
  1- الاستحباب في اللغة: الاستحسان ، وإذا تعدى بـ(على) فهو بمعنى الايثار(2).
  وفي الاصطلاح: اقتضاء الخطاب الشرعي الفعل اقتضاءً غير جازم(3).
  وقريب منه تعريفه بأنه: حكم شرعيّ يبعث نحو الشيء الذي تعلق به بدرجة دون الالزام(4).
  والذي اعتاد عليه أكثر الاصوليين هنا هو تعريف المستحب أو المندوب باعتباره متعلق الاستحباب أو الندب.
  فعرفه البعض بأنـّه: الراجح فعله شرعا مع جواز تركه(5).
  وعرفه آخرون بانه: مايثاب على فعله ولايعاقب على تركه(6). أو أنـّه : ما يمدح فاعله ولايذم تاركه(7).
1- أعدّت هذه الدراسة بإشراف مركز البحوث والدراسات العلمية التابع للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية.
2- المصباح / 117، لسان العرب 1/289 .
3- جمع الجوامع 1/80، شرح مختصر الروضة 1/265.
4- دروس في علم الاصول - الحلقة الاولى / 68 .
5- مفاتيح الاصول / 293، المحصول 1/20 .
6- شرح مختصر الروضة 1/353، المدخل الى مذهب احمد / 62 .
7- تهذيب شرح الاسنوي 1/35، مفاتيح الاصول / 293، نهاية السؤل 1/77 .  2- يرى أكثر الأصوليين أنّ المندوب مامور به، وخالف الاحناف في ذلك(1).
  3- اختلف الاصوليون في أنّ المندوب هل هو تكلييف أم لا؟ فذهب الأكثر الى انّه ليس تكليفا، لانّه ليس فيه إلزام(2) وإنّما عدوه من الاحكام التكليفيّة من باب التغليب أو لانه يتعلق بالمكلف(3).فيما ذهب الحنابلة والاسفراييني والباقلاني الى أنه تكليف وهو ظاهر بعض الاماميّة(4) واستدل عليه  تارة بانّ المشقة ليست منحصرة في الممنوع عن نقيضه واُخرى بانّ فعل الندب لتحصيل الثواب فيه مشقة(5).
مراتبه وألفاظه:
  4- حصل الاتفاق بين الاصوليين على وجود مراتب للمندوب من حيث الشدة والضعف (6) غير أنّهم اختلفوا في جانبين:
  الاول: تعيين المراتب: فالاحناف قسّموه الى مرتبتين رئيسيتين هما: السنة أولا، وماعداها ثانيا، وقسموا السنّة الى: سنّة الهدى ويعنون بها مايكون مكملا للدين بمعنى أنها تكون على سبيل العبادة كالاذان والاقامة، وسنة الزوائد ويعنون بها ماكان على سبيل العادة(7) فيما جعله بعض الحنابلة على ثلاث مراتب: سنة وفضيلة ونافلة. وفسروا الاولى بما عظم أجره، والثالثة بما قل أجره والثانية بما يتوسط
1- شرح القاضي / 95، الحدود للباجي / 55، الاحكام للباجي / 194 شرح مختصر الروضة / 354، المسودة / 7 - 8 ، المدخل الى مذهب احمد / 62، فواتح الرحموت  1/111 .
2- فواتح الرحموت  1/112 .
3- الفروق 1/161 ، تهذيب الفروق (ضمن الفروق)  1/176 .
4- انظر: الاصول  العامة للفقه المقارن / 57 .
5- شرح الكوكب المنير / 126، المسودة / 35، منتهى الاصول والامل / 39 .
6- شرح الكوكب المنير / 126، مجامع الحقائق / 37، مرآة الاصول 2/175، حاشية ردّ المحتار 1/653، تقريب الوصول الى علم الاصول / 101، شرح الجلال 1/83 .
7- مجامع الحقائق / 37، مرآة الاصول 2/175، حاشية ردّ المحتار 1/635 .بينهما في الأجر(1).
  أما القاضي حسين من الشافعية فقد جعل المراتب ثلاثة: السنة: وهي ماواظب عليه الرسول(صلى الله عليه وآله) والمستحب: وهو مالم يواظب عليه الرسول(صلى الله عليه وآله) ولكنه فعله مرة أو مرتين ، والتطوع: وهو ماينشئه الانسان باختياره ولم يرد فيه نقل(2).
  وهناك رأي آخر يرى أنّ المراتب هي: مايكون فعله مكملا للواجبات الدينيّة، ثم مالايكون كذلك ولكن فعله النبي(صلى الله عليه وآله) تارة وتركه أخرى، ثم ماكان استحبابه بالعنوان الثانوي أي بعنوان الاقتداء بالرسول(صلى الله عليه وآله) في الافعال التي لم يثبت استحبابها بالذات كطريقة أكله وشربه ونومه(3).
  وتلتقي جميع هذه التقسيمات مع بعضها كما أنها تختلف. والاختلاف بينها إنّما نشأ تبعا للاختلاف فيما تبنوه من ملاكات في تحديد هذه المراتب. وأهم الملاكات هي:
  1- مواظبة الرسول (صلى الله عليه وآله) (4).   2- زيادة الاجر(5) .  3- إكمال العبادة (6) .  4-التأسي بالرسول(صلى الله عليه وآله) في مطلق أفعاله(7).
  وينبغي الاشارة الى أنّ تحديد بعض المراتب قد تم بالاعتماد على أكثر من ملاك، كما يظهر من بعض التقسيمات.
  الثاني: تسمية المراتب: ذهب قسم من الاصوليين الى تسمية كل مرتبة باسم من هذه الاسماء: السنة، الندب، النفل، التطوع، المرغَّب فيه(8). فيما أطلق آخرون هذه
1- شرح الكوكب المنير / 126 .
2- شرح الجلال على متن جمع الجوامع 1/90، الابهاج في شرح المنهاج 1/57 .
3- الاصول العامة للفقه المقارن / 63 .
4- التقرير والتحبير  2/223 ، حاشية ردّ المحتار 1/103 .
5- شرح الكوكب المنير / 126 .
6- كشف الاسرار للبخاري 2/567 ، حاشية ردّ المحتار 1/103 .
7- الاصول العامة للفقه المقارن / 63 .
8- راجع اغلب المصادر السابقة.الاسماء على جميع المراتب، وهؤلاء ذهبوا - تبعا لذلك - الى القول بالترادف بين هذه الالفاظ ، وهذا هو قول الشافعية والاماميّة(1). وقد ذكر بعض الامامية والشافعيّة أن السنة قد تطلق على الواجب(2).
  وانقسم من قال بتخصيص الاسماء بالمراتب الى طائفتين:
  الاولى: لاتجوّز إطلاق اسم كل مرتبة على غيرها وهؤلاء هم الاحناف والقاضي حسين من الشافعية. وذهبوا - تبعا لذلك - الى القول بالتباين بين هذه الالفاظ غير أنّ القاضي حسين يرى أن التباين قائم بينها ماعدا الندب، وأما الندب عنده فهو عنوان عام يشملها جميع(3) والاحناف يرون أن التباين قائم بين السنة وماعداه(4).
  الطائفة الثانية: تجوّز اطلاق اسم كل مرتبة على غيرها احيانا، بمعنى ان كل اسم من هذه الاسماء قد يطلق على اساس تخصيصه بمرتبة ، وقد يطلق على ايّ مرتبة دون تعيين. وهذا ظاهر الحنابلة والمالكيّة(5).
  ويجدر القول بأنّ هذه الطائفة هم ممن يقول بالترادف، انطلاقا من تجويزهم لاطلاق الاسماء على اي مرتبة.
  5- قسّم القمي من الاماميّة الاستحباب الى قسمين: استحباب نفسي واستحباب للغير. والاول مثل استحباب الطهارة عند الحدث.
  والثاني: مثل استحباب غسل الجنابة للصلاة المستحبة(6).
حكم المستحب:
1- الاحكام في اصول الاحكام للامدي 1/44، شرح الجلال على جمع الجوامع 1/89، شرح الاسنوي1/46، الابهاج 1/57، مفاتيح الاصول / 293، نضد القواعد الفقهيّة / 28 .
2- مفاتيح الاصول / 293، نضد القواعد الفقهيّة / 28، المحصول 1/20 .
3- شرح الجلال على جمع الجوامع 1/90 .
4- كشف الاسرار للبخاري 2/553 .
5- المدخل الى مذهب احمد / 62، شرح الكوكب المنير / 126، تقريب الوصول الى علم الاصول لابن جزي / 101 .
6- قوانين الاصول للقمي وحاشيته ص 137  نقلاً عن موسوعة الفقه الاسلامي (جمال) 6/32.  6- اتفق الجميع على أنّ فاعل المندوب مثاب وتاركه غير معاقب(1).
  7- ذهب الجمهور الى أنّ المندوب لايجب إتمامه بعد الشروع فيه، وقد استثني بعض العبادات المستحبة كالحج والاعتكاف(2) فيما ذهب الاحناف الى وجوب إتمام مطلق المستحب(3).
  3- جرى البحث عند الاصوليين في أن ترك المندوب هل هو مكروه أم لا؟
  فاتفقوا على أنّ ترك المندوب يكون مكروها فيما إذا ورد نهي مخصوص(4).
  وأما لو لم يرد نهي مخصوص فاختلفوا على أقوال ثلاثة:
  الاول: أنه ليس مكروها، وإنما المكروه ترك سنة الهدى فقط، وهذا قول الاحناف(5).
  الثاني: أنه ترك الاولى. وهذا راى جمهور الاصوليين من اهل السنة(6).
  الثالث: انّه مكروه، ولكن لابمعنى المبغوضيّة الذاتيّة التي تثبت بدليل خاص، بل بمعنى المرجوحيّة والتي تطلق على ترك الاولى، وهذا هو رأي الاماميّة(7) وكذلك المتقدمين من أهل السنة غير أنهم يسمون الكراهة الثابتة بدليل خاص بالكراهة الشديدة(8). والظاهر أنّ الخلاف بين هذا القول والقول الثاني لفظي.
  4- ذكر الشاطبي أن ترك المندوب بالكل غير جائز وإن كان غير لازم بالجزء(9).
1- حاشية ابن عبادين 1/123، شرح مختصر الروضة 1/353، المدخل الى مذهب احمد بن حنبل / 62 .
2- شرح الكوكب المنير / 127، القواعد والفوائد 1/99، شرح الجلال على جمع الجوامع 1/90.
3- شرح المنار، وحاشية الرهاوي / 591، كشف الاسرار للبزدوي 2/570 - 572 .
4- شرح الجلال على جمع الجوامع 1/80 ، غاية المسؤول / 274 .
5- كشف الاسرار للبخاري 2/568، كشاف اصطلاحات الفنون 1/704.
6- شرح الجلال على جمع الجوامع 1/81 .
7- غاية المسؤول / 274 ، مفاتيح الاصول / 294 .
8- شرح الجلال على جمع الجوامع  1/81 .
9- الموافقات للشاطبي 1/132 - 133 . 
 

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية