مركز الصدرين للتقريب بين المذاهبالإسلامية

الاهتمام بأمور المسلمين فريضة إسلامية

الشيخ  محمد واعظ زاده الخراساني


  الحمد للّه رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد بن عبد الله وعلى آله الطاهرين وصحبه المنتجبين وبعد:
  جاء في الحديث النبوي الشريف المتفق عليه والمروي بطرق عديدة أن النبي(صلى الله عليه وآله) قال: "من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم".
  ولا أرى حاجة إلى بيان معنى "الاهتمام بأمور المسلمين" فإن الاهتمام بالشيء أن يكون للانسان همة أو همٌّ بهذا الشيء، والاهتمام بأمور المسلمين أن يكون أمر المسلمين همّاً على قلبه، كما أن حياته وصحته وأمانه ونفقة عياله كلها تكون هموماً له يحملها دائماً معه في قلبه.
  بل الأمر بالنسبة إلى الاهتمام بأمور المسلمين كما يفهم من سياق هذا الحديث ومن ذيله "فليس بمسلم" أعظم بكثير للإنسان من الاهتمام بأمور نفسه، فيبدو من الحديث أن أمور المسلمين لا تقاس بشيء مهما كانت له أهمية، هذا كله واضح، إلا أن هناك مواقع للبحث والنظر حول هذا الحديث:
  أولاً -  هل الاهتمام بأمور المسلمين واجب عيني أو واجب كفائي بحيث لو كانت هناك جماعة أو دولة إسلامية اهتمت بأمور المسلمين وقامت بالفعل بكفالة أمورهم، فقد سقط هذا الواجب عن الآخرين، فليس لهم أن يهتموا ويفكروا بالمسلمين، أما إذا لم تقم جماعة أو دولة بكفالتهم فلا يسقط عنهم واجب الاهتمام بالمسلمين، وحينئذ فالمسلمون جميعا يكونون مسؤولين عن المسلمين جميعا، بمعنى أن كل نفس تحمل على عاتقها المسؤولية أمام كل المسلمين، طبعا مع ملاحظة أن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها - فما هو مغزى الحديث؟الذي يلوح بالنظر أنه ينبغي الفرق بين نفس الاهتمام بأمور المسلمين الذي هو أمر باطني وبين العمل بمقتضاه أي الاشتغال بـإصلاح أمور المسلمين وحلّ مشاكلهم، فالاهتمام بأمور المسلمين بذاته، فرض عيني على كل فرد من أفراد المسلمين، وأنه لايكاد ينفك عن اعتقاده بالاسلام، فكل مسلم مادام حيا ينبض قلبه بالاهتمام بأمور المسلمين فيحمل في قلبه همهم في جميع أوقاته ليلا ونهارا - كما يفهم من قوله (صلى الله عليه وآله): من أصبح - أي لا يستثنى من آنات حياته سوى حال نومه، وبمجرد قيامه من نومه يستيقظ في نفسه مادفن فيها من همّ المسلمين، والهمّ طبعا لا ينفك عن حبهم وإجلالهم وقضاء حاجاتهم، وما إلى ذلك فهذا الاهتمام الباطني واجب عيني على كل نفس مسلمة دائما ، من غير فرق بين أن يوجد هناك من يهتم بهم أو من يقوم، باصلاح أمورهم أولا يوجد، فإن احساس المسؤولية أمام الامة الاسلامية والمسلمين جميعاً كإحساس المسؤولية أمام الله تعالى، فكما أن الاسلام لا يسمح لمسلم الغفلة عن مسؤوليته أمام الخالق بحال، فإنه لايسمح له التغافل عن أمور المسلمين بحال من الأحوال، اللهم الا في حال نومه وغيابه عن نفسه ، فهذا هو المفهوم من الحديث إذا استوفينا الدقة والتدبر فيه.
  وأما إصلاح أمور المسلمين المعبَّر عنه بـ (التكافل الاجتماعي في الاسلام) فهو واجب كفائي إذا قام به من يكفيهم ويكفلهم سقط التكليف عن الآخرين ، النتيجة التي انتهينا إليها هي أن الاهتمام بأمور المسلمين واجب عيني لايجوز التخلي عنه للمسلم في وقت من الأوقات، وأما التصدي للاصلاح وحل المشاكل ودفع النوازل عن المسلمين فهو واجب كفائي يدور مدار وجود من به الكفاية وعدمه.
  ثانياً- الاهتمام بأمور المسلمين وإصلاح شؤونهم يستتبعان قبل كل شيء وجوب تحصيل المعلومات الصحيحة عن أوضاع المسلمين في أي بقعة من بقاع الأرض، فهذا واجب آخر على المسلمين وجوبا كفائيا - طبعا - إما من باب المقدمة ليتخدوه وسيلة للعمل بواجبهم الأول، أي التصدي لإصلاح أمور المسلمين، أو هو  (تحصيل المعلومات عنهم) بالذات يعد من أظهر مصاديق الاهتمام بأمورهم. وعلى كل فهذا الواجب الثاني أي تحصيل المعلومات عن وضع المسلمين - بدوره - يستدعي القيام بواجبات أخرى كمايأتي:
  1- تشكيل المراكز المعلوماتية، أو (تأسيس بنك المعلومات عن أوضاع المسلمين) وإحصاء نفوسهم، وعن الامكانات الاقتصادية والطبيعية ، والتقنية، والثقافية وعن الطاقات البشرية، وغيرها في كل منطقة من العالم الاسلامي.
  2- تدريب جيل مثقف جاهز بالمعلومات اللازمة لتحصيل تلك المعلومات وللاطلاع على مشاكل المسلمين في شؤونهم المختلفة، ولاسيما في حقل الاقتصاد، والثقافة والاوضاع السياسية والفحص عن طرق حلها، وكذلك للكشف عن الأخطار المستقبلية التي تهدد كيان الإسلام والأقوام المسلمة بكل صقع. ومعلوم أن المشاكل هي لا تعد ولا تحصى في الامة ولاسيما في الوقت الحاضر، حيث أحاطت  القوى الاستكبارية الشريرة، أو تريد أن تحيط بالعالم كله، إلا أن المشاكل الاقتصادية، والثقافية ، والسياسية تعد رأس المشاكل، والسياسة كما تعلمون لعبت وستلعب دورا كبيرا في أرض الاسلام بل هي أم الادواء كما هي أصل الدواء.
  3- وأيضا تدريب جيل لإحصاء المسلمين بطرق مطمئنة، وتأسيس مراكز إحصاء النفوس في الاقطار الاسلامية، ولاسيما بين الجاليات الاسلامية، فإن عدد النفوس لا يعلم إلا من قبل المسلمين أنفسهم، دون الحكومات التي تحكم هؤلاء الجاليات المسلمة، فإنها سوف لا تعطي معلومات صحيحة عنهم، بل تسعى في تقليل عدد المسلمين والجاليات عندها. وعندنا في الجمهورية الاسلامية استاذ متخصص في الجغرافية البشرية يعتقد أن الاحصاءات الموجودة عن المسلمين الصادرة من قبل الدول الكبرى، أو من قبل منظمة الأمم المتحدة غير صادقة، وأن ربع سكان الأرض في هذا الوقت الذي نحن نعيش فيه ، يولّون وجوههم شطر الكعبة المكرمة والمسجد الحرام.
  والاهتمام بالجاليات الاسلامية أولى من غيرهم وذلك لخطورة موقفهم بين مواطنيهم من أتباع المذاهب الأخرى وتحت نير حكومات غير مسلمة، فإن هؤلاء الجاليات لولم نهتم بهم سوف يذوبون في غيرهم ، وسوف لا يبقي منهم سوى الاسم، وإنهم على خطر عظيم، وإنهم على شفى حفرة من النار، وإنقاذهم والتكفّل لهم فرض على إخوانهم المسلمين في داخل البلاد عموما، وعلى العلماء والحكام وكل من له قدرة ومكنة خصوصا، البحث عن حاجات الجاليات المسلمة في كل صقع.
  وثالثاً - وأخيرا - جدير بالذكر أن قوله (صلى الله عليه وآله): (أمور المسلمين) يعمّ جميع شؤون المسلمين الأهم فالأهم وفي طليعتها المسائل الاجتماعية والسياسية والثقافية، كما أن كلمة "المسلمين" تشمل كل مسلم يشهد الشهادتين ويستقبل الكعبة في عبادته، فتعم أتباع المذاهب والقوميات الإسلامية جميعاً وتشمل المطيع والعاصي، والشرقي والغربي، والأبيض والأسود، فلا يخرج عن نطاق كلمة "المسلمين" ولا عن وجوب الاهتمام بهم مسلم في العالم مادام يعد مسلما.
  فليس لأتباع مذهب إسلامي ولا لقوم من الأقوام المسلمة أن يغفلوا عن الاهتمام بأمور أتباع سائر المذاهب ولا عن سائر الأقوام المسلمة ، فإن ذلك (اختلاف المذاهب والجنس) لا يعد عذرا ، فلا طائفية ولا عنصرية في الاسلام، والمسلمون أمة واحدة، وأعضاء جسد واحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى. 
 

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية