مركز الصدرين للتقريب بين المذاهبالإسلامية

تقـريـر
العالم الاسلامي في القرن الحادي والعشرين



 
منذ قرنين على الاقل والعالم المسيحي يرسم خارطة العالم بأحداثه وحدوده وسياساته. لذلك فان القرن الميلادي ( لا الهجري) هو الذي يلفت أنظار الباحثين والاحصائيين والمراقبين، ويجعلون منه إطارا لما يحققون ويكتبون ويقدّمون.
والمسلمون - اعترافا منهم بهذا الواقع المؤسف - تحركوا أيضا ليستعرضوا وضعهم خلال هذا القرن الميلادي الذي يوشك على الانتهاء، وليحاولوا - من خلال الوضع الذي لا يشاركون في رسمه كثيراً - أن يفتحوا نافذة يتطلعون منه الى أوضاعهم في القرن القادم.
ثمة محاولات لدراسة وضع المسلمين في القرن الحادي والعشرين، كالتي جرت في الهند بهمة الجماعة الاسلامية، وكالتي جرت في المغرب على يد الايسيسكو والتي ستجري في المؤتمر الثاني عشر للوحدة الاسلامية المقرر عقده في طهران في ربيع الأول القادم، وهذه المحاولات تتجه الى دعوة المسلمين لتحسين أوضاعهم (أنظر كلمة ممثّل الامام الخامنئي في مؤتمر الجماعة الاسلامية بالهند في هذا التقرير) غير أن هذه الدعوة تظل في حدود الآمال والطموحات، إن لم يكن للمسلمين على الساحة الدولية قدرة على صنع القرار وتعيين مسير الاحداث.
بعد انتهاء مايسمى بالحرب الباردة وسقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفيتي توقّع العالم عامة والعالم الاسلامي خاصة أن القرار الدولي سيتوزّع على الاسرة الدولية، ليكون لكل واحد من أعضائها كلمة ومكانة وكرامة. لكن الهيمنة الامريكية بددت هذه التوقّعات ، فتحركت بعنف في كل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاعلامية .. لتجعل كل ملفات القرار بيدها، ولتوجّه الى العالم الاسلامي بشكل خاص أنواع الضغوط من أجل أن يستسلم أمامها في كل قضاياه.
غير أن بقايا الغيرة الاسلامية تأبى على قطاعات واسعة من أبناء العالم الاسلامي أن يخضعوا وييأسوا ويستسلموا، وتدفعهم - واثقين باللّه ونصره ومؤازرته ومساندته، وبالرسالة الخاتمة وقدرتها على إحياء الامة وقيادتها - لأن يتحركوا على ساحة التحاور الاسلامي - الاسلامى، من أجل وضع الخطط الكفيلة بانتشال الامة من وضعها المتردي الراهن، وقيادتها على طريق "وجودها" و"عزتها" و"هويتها".
في هذا التقرير ننشر كلمة ممثل السيد القائد بمؤتمر الجماعة الاسلامية بالهند، كما ندرج تقريرا عن المائدة المستديرة التي عقدت بمدينة الرباط تحت عنوان: الايسيسكو والقرن الحادي والعشرون. 
الامة المسلمة على مشارف القرن

الحادي والعشرين الميلاديالشيخ محمد حسن اختري(1)بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله بيته الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين.
السلام عليكم أيها المؤمنون ورحمة اللّه وبركاته
قال سبحانه في كتابه العزيز: (واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الارض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون)(2).
يشرفني ويسعدني أن أقف أمامكم أيها العلماء والمفكرون والدعاة الاجلاء في هذا الملتقى العلمي الأخوي وأنا أحمل لكم تحيات المفكر الاسلامي الكبير قائد الثورة الاسلامية الامام الخامنئي حفظه اللّه ودعاءه لكم بالتوفيق والسداد ولمؤتمركم بالنجاح والعطاء لما فيه خير أمتنا الاسلامية المجيدة.
وأرى لزاما أن أتقدم بالشكر أولا الى الجماعة الاسلامية على دعوتها الكريمة للمشاركة في هذا التجمّع الاسلامي الكبير، والشكر موصول للقائمين على تنظيم أمر هذا التجمّع الهام المقترن بمشارف القرن الحادي والعشرين الميلادي ، وأحمل لكم أيضا تحيات إخوتكم من العلماء والمفكرين والمسؤولين في الجمهورية الاسلامية الايرانية وتمنياتهم لكم بالنجاح لما فيه وحدة الصف الاسلامي، وتعميق الموقف الرسالي لامتنا تجاه التحديات، ووضع بعض ملامح التصور الواضح لمنهج المسيرة الاسلامية العالمية ، وتوثيق عرى التعاون والتآزر بين الامة الاسلامية في المستقبل .
أيها المؤمنون
الموضوع الذي أتناوله في ورقتي يدور حول "الاسلام في القرن الحادي والعشرين" وأبدأ بمقدمة، ثم استعرض مسيرة القرن الحالي باقتضاب، مستشرفا على القرن المقبل.
مقدمة
(يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن اللّه يحول بين المرء وقلبه وأنه اليه تحشرون)(3).
استشراف المستقبل والتخطيط له أمر على غاية من الاهمية في مسيرة الامم، غير أن الخطاب الاسلامي - مع الاسف - يرتبط بالماضي أكثر مما يرتبط بالقضايا الراهنة، أما المستقبل فيكاد يكون مفقودا في معظم دراساتنا وندواتنا ومؤتمراتنا، قد يعود ذلك الى ماكنّا نملكه من ماض عظيم يحفزنا دائما الى أن نفخر به، وقد يكون سبب ذلك أحساس بعضنا بعدم القدرة على أن نرسم المستقبل لأن القرار ليس بيد أمتنا بل بيد أعدائها، وقد يعود ذلك الى نوع من الاسترخاء أصاب العقل الاسلامي فأوكل أمور المستقبل الى المقادير. وهذه ظاهرة خطرة لابدّ من التغلب عليها لان الدين يحثنا على استشراف المستقبل والتخطيط له لكي تكون كلمته هي العليا ولكي تكون العزّة للّه ورسوله وللمؤمنين . من هنا لابد من توجيه كل الطاقات وتوظيفها نحو بناء المستقبل دون انقطاع طبعا عن تجارب الماضي ومعطياته. لا أريد في وقتي هذه أن أضع خطةً لمستقبل الاسلام، بل أريد أن أنطلق من تجارب هذا القرن لافتح نافذة على مسيرة أمتنا في المستقبل عسى أن تكون بداية جادّة لتظافر كل الجهود الاسلامية من أجل وضع المشروع المستقبلي لامتنا الاسلامية وتشجيع الاجيال القادمة وخاصة جيل الشباب على استثمار طاقاتهم ومواهبهم وكفاءاتهم وما حباهم اللّه من نعم مادية ومعنوية للوصول بالعالم الاسلامي الى مكانته اللائقه بين أمم الأرض ولكي لا يعتريه وهنٌ ولا ضعف مسترشدا بقوله سبحانه: (هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الاعلون ان كنتم مؤمنين) (4) .أهم معالم القرن العشرين
أهم معالم مسيرة الامة الاسلامية في القرن العشرين هي:
1- التجربة الاستعمارية: سقط العالم الاسلامي بيد المستعمرين الغربيين بعد سقوط آخر الدول الاسلامية الكبرى، ووقعت بلدان المسلمين فريسة بيد الدول الاوربية، وشهدت البقاع الاسلامية حركات تحررية استطاعت بدرجة وأخرى تحقيق استقلال هذه البلدان، غير أن المستعمرين ركزوا جهودهم على النخب المثقفة، فدفعوها الى تقبل ثقافة المستعمرين والدعوة لها، وقد اندفع هؤلاء المثقفون خلال فترة من الزمن تكاد تكون محدودة بين الحربين العالميتين الى الدعوة الى العلمانية وكان يقود هذه الموجة بريطانيا. ونشط اللورد كرومر بنفسه في هذا الامر(5). والى جانب هذه النزعة العلمانية بدأ الاتجاه الماركسي بالظهور بعد انتصار الثورة البلشفية في روسيا سنة 1917 وتحولها للاهتمام بالشرق مع تأسيس الاممية الثالثة سنة 1919، وبدأت ترجمة الكتب الماركسية الى اللغات الاسلامية.
والغريب أن هذه الموجة العلمانية لم تدم طويلا إذ سرعان ما خبت جذوتها بعد سنوات قليلة من استفحالها ، ويعود السبب في ذلك على رأي بعض المحللين الى "عامل الرأي العام الذي كان قويا مسلحا فتغلب وانتقم وأصبحت له السلطة التامة، وانهزم أمامه فريق المفكرين الصرحاء هزيمة منكرة"(6).
والواقع أن الجيل الذي تربى في ظل الحكم الاوربي وذهب للدراسة في الجامعات الاوربية، ثم عاد الى بلاده يدعو الى القيم الاوربية في السياسة والحضارة والحياة كلها أدرك أنه كان مخدوعا وأن للغرب وجهين متناقضين ، وأن مؤثراته التي يجلبها للشرق أغلبها بهرج وقشور، أما تبشيره بثقافته وقيمه فلزعزعة تراث المنطقة الاسلامية وهدم كيانها الحضاري الموحّد(7).
إذن نحن أمام ظاهرتين هامتين من ظواهر التجربة الاستعمارية هي أولاً الاستقلال السياسي للبلدان الاسلامية من السيطرة الاستعمارية المباشرة، وثانيا يقظة العالم الاسلامي تجاه الغزو الثقافي الغربي.
ولكن هذا لا يعني أن التجربة الاستعمارية لم تترك آثارها في بلاد المسلمين، ولا يعني أن الطامعين كفّوا عن تدخلهم السياسي والاقتصادي والثقافي، بل يعني أن العالم الاسلامي قطع شوطا هاما على طريق تجربته في الاستقلال السياسي والثقافي.
نحن لانزال نعيش مشاكل بؤر الازمات الحدودية التي خلفها المستعمرون ولانزال نعيش آثار معاهدات سايكس بيكو وتركمان چاي وگلستان وغيرها من المعاهدات التي جزّأت العالم الاسلامي وعمّقت هذه التجزئة عن طريق إثارة الخلافات الطائفية والقومية والاقليمية.
كما إننا لانزال نعيش بقايا الهزيمة الفكرية والنفسية التي مُني بها العالم الاسلامي أمام الغزو الاستعماري، تظهر بوضوح في كتابات المتغرّبين والمهزومين.التجربة الصهيونية
وهذه يمكن فصلها عن التجربة الاستعمارية وإن كانت ترتبط بدعم عالم المستعمرين، لانها أعمق هدفا وتخطيطا من الاطماع الاستعمارية في أسواق الشرق وثرواته، إنها ظاهرة تستمد وجودها من عداء تاريخي متأصل للاسلام والمسلمين. والغريب أن هذه الظاهرة المتسترة باليهودية ارتبطت بالصليبية ارتباطا وثيقا وشكلت معها جبهة معادية واحدة للاسلام والمسلمين(8).
ان قيام دولة الصهاينة في أرض فلسطين يشكل أخطر تهديد لكرامة أمتنا وعزّتها، ويشكل أكبر تحد لوحدة العالم الاسلامي وشخصيته المستقلة. كما أنه يعمل باستمرار على زعزعة الامن والاستقرار في المنطقة، وعلى إثارة الفرقة في وحدة الصف الاسلامي تجاه قضاياه المصيرية.
كان العالم الاسلامي والعربي على وشك الاعتراف الكامل بهذه الظاهرة والاستسلام التام لها لولا انفجار الثورة الاسلامية في ايران التي شكلت على حدّ قول الصهاينة أكبر زلزال للعدو الصهيوني، ومنذ ذلك الحين صعّد الصهاينة وحماتهم نشاطهم ضد الثورة الاسلامية كما صعّدوا نشاطهم من أجل إعادة مسيرة التسوية والاعتراف والتطبيع هذا من جهة، ومن جهة أخرى تفجّرت الطاقات الكامنة اليائسة لدى الشعب الفلسطيني وكل الاحرار في المنطقة لمقاومة العدوّ الاسرائيلي فكانت الانتفاضة وكانت ثورة الحجارة وكانت المقاومة الاسلامية الباسلة في جنوب لبنان التي حطمت أسطورة الصهاينة وكسرت شوكتهم العسكرية وحققت في انتصاراتها الباهرة قوله سبحانه وتعالى :(إن تنصروا اللّه ينصركم ويثبت أقدامكم) .
إن التصعيد في الجبهتين مستمر، غير أن السائرين في طريق التسوية يصابون كل يوم باحباط جديد، وأن السائرين على طريق المقاومة يجدون كل يوم الدليل الواضح على شرعية مقاومتهم وصحة طريقهم، ويرون الالتفاف المتزايد الجماهيري بل والرسمي أحيانا حول قضيتهم العادلة.
إن هذه التجربة المرّة هي واحدة من نتائج سقوط العالم الاسلامي وتمزّقه وضعفه وهوانه، لكن الصحوة الاسلامية لم تستسلم أمام مخلفات الماضي، بل راحت تقاوم عسكريا وسياسيا واعلاميا ، ومنطقها يقوم على أساس إنساني عادل واضح رغم كل ما تواجهه من مؤامرات ودسائس وتهم الارهاب.
وهنا أقف عند بعد آخر من أبعاد الخطر الصهيوني هو أهم من خطر التهديد الامني ، ألا وهو خطر المسخ الانساني. وهذا الخطر لا يهدد المنطقة وحدها بل العالم بأجمعه. إن الصهيونية تستهدف السيطرة على البشرية ومصادرة أخلاقيها وفضائلها استنادا الى تصورها الشيطاني بأنها شعب اللّه المختار، ولا تريد تحقيق ذلك باسلوب نابليون أو هتلر ، بل بأسلوب مسخ إنسانية الشعوب ومسخ فطرتها وكرامتها عن طريق إشاعة الانهيار الخلقي والسلوك البهيمي والمسخ الذوقي للشعوب باستخدام الفضائيات وشبكات المعلومات، ووسائل الاعلام المسموعة والمقروءة والمرئية. ومن الواضح أن معظم هذه الاجهزة تحت سيطرة الصهاينة في العالم بل وفي بعض أجزاء منطقتنا الاسلامية.
وهذه الظاهرة تشكل من جانب خطرا على الهوية والشخصية الاسلامية ومن جانب آخر تفتح المجال للتعاون بين كل الحادبين على إنسانية الانسان في العالم كي يعبئوا طاقاتهم لمواجهة خطر المسخ المتزايد.

ظاهرة الصحوة الاسلامية
بدأت ظواهر هذه الصحوة حين أدرك العالم الاسلامي أنه أمام غزو سياسي وثقافي واجتماعي يختلف عن الحملات الصليبية التاريخية، وأنه يعيش حالة متخلفة لا يمكن معها أن يقاوم الغزاة المجهزين بالعلوم والآلة المتطورة. من هنا رفع كبار العلماء المخصلين ودعاة الاصلاح صوتهم لتجاوز حالة التخلف والتزوّد بالعدّة اللازمة للمحافظة على الهوية والشخصية المستقلة.
وبثّ هؤلاء الدعاة ابتداء من السيد جمال الدين الاسد آبادي ومرورا بالشيخ محمد عبده وكاشف الغطاء وابن باديس والكواكبي ومحمد اقبال ونواب صفوي والكاشاني والمدرس والمودودي وحسن البنا وغيرهم من رعيل الصحوة الأول روحا جديدة بين المسلمين أشعرتهم بمكانتهم وبمسؤولياتهم ومشاكلهم ، وتبعهم كثيرٌ من المفكرين والعلماء يقدمون للامة أطروحة الاسلام بلغة معاصرة وينفضون الغبار عن وجه التراث الاسلامي الخالد.
واستطاعت هذه الصحوة أن تخلق جيلا يؤمن بدينه وشعبه وكرامة أمته، ويحافظ على هويته من الذوبان ونفسه من الانهيار.
غير أن هذه الصحوة المباركة كانت ولاتزال معرّضة لاخطار شتّى، إذ لا يجمع فصائلها جامع، ولا يتحدث باسمها متحدث واحد، ولذلك كانت معرّضة للاختراق وللتشويه، ولاستغلال المستغلين، وأحسب أن المتربصين شراً بهذه الصحوة نجحوا في اختراق بعض فصائلها ، وكانت نتيجة هذا الاختراق ظهور تصرفات شاذة استغلها أعداء الصحوة ليَسِموا كل قطاعاتها الواسعة بالارهاب والتحجّر والرجعية.
لكن الوعي الاسلامي العام كان أكبر من هذه المؤمرات، فحدث لدى الرأي العام الاسلامي فرز واضح بين دعاة الصحوة الحقيقيين وبين المختَرَقين السائرين في ركاب أعداء الصحوة.
لقد مرّت على الصحوة الاسلامية تجارب قرن من الزمان كان فيها نجاحات واخفاقات وكان فيها أفعال وانفعالات وكانت لها اتجاهات ومسارات، وقد آن الاوان لاقامة مركز يقوّم هذه المسيرة ويثري تجاربها، ويضع الاصول العامّة لحركة مستقبلها، حتى تواجه العالم مواجهة حضارية تتناسب مع عظمة الاسلام وعظمة الهدف الذي تسعى من أجله.
إن امتداد الصحوة الاسلامية الى أوربا وأمريكا يصعّد من ضرورة امتداد خطاب الصحوة الى العالم وأن يكون أسلوب الخطاب ذا طابع عالمي بعيد عن الآفاق المحلية والاقليمية الضيقة.

ظاهرة الفكر الاسلامي
كلمة الفكر الاسلامي والمفكر ظهرت في قرننا نتيجة حاجة ملحّة أحسها المسلمون بضرورة التوءمة بين "الاصالة" و"المعاصرة". لقد واجه العالم الاسلامي أفكارا وافدة في الاجتماع والاقتصاد والسياسة والتاريخ كان لابدّ من أن يقول الاسلام فيها كلمته. من هنا ظهر مَنْ يبيّن هذه الكلمة، وقد كان البيان ناجحا حين صدر عن علماء تعمّقوا في أصول الاسلام واستوعبوا الاتجاهات الفكرية المعاصرة ، فقدموا المشروع الاسلامي لمجالات الحياة بلغة العصر. ولكن هذا البيان أخفق حين تصدى له من لم يستوعب القرآن والسنّة ولم يتعمّق في مصادر الشريعة، فانفعل بهذه التيارات الوافدة، وحاول جرّ الاسلام إليها وبذلك وقع في الالتقاط، وفي إعطاء صورة للاسلام قد يرتضيها الغرب، ولكنها بعيدة عن واقع الاسلام وعن رضا اللّه ورسوله.
إن امتزاج الاصالة بالمعاصرة هو السبيل الوحيد لتقديم الفكر الاسلامي الصحيح، وهذا تحقق على مستوى أفراد استطاعوا أن يمزجوا بين الاثنين بدرجة وأخرى، غير أن أهمية الفكر الاسلامي تتطلب أن تتحول هذه الجهود الفردية الى جهود مؤسسات لكي تكون المواكبة الاصيلة العصرية على المستوى المطلوب.
ظاهرة الدولة الاسلامية
لاشك أن الوجود الاسلامي يجب أن يتبلور في دولة تستطيع أن تطبق أحكام اللّه وأن تدفع بمسيرة الامة نحو تحقيق الاهداف الاسلامية، وظهرت هذه الدولة منذ اللحظات الاولى التي استقرّ فيها الاسلام على أرض والتف حوله مجتمع، وسجلت الدولة الاسلامية في عصرها الاول أروع مثل للحكم الصالح وللعلاقة الانسانية بين الحاكم والمحكوم، ثم مالبثت هذه الظاهرة أن مُنيت بالانحراف بعد الخلافة الراشدة فأصبح الحكم ملكا عضوضا، وظلت الشعوب الاسلامية تحت رحمة الحكام إن صلحوا صلحت الامة وإن فسدوا عاثوا في الارض الفساد. ثم سقطت آخر قلاع هذه الحكومة بعد الغزو الاستعماري الغربي، وأحسّ المسلمون كما أحسّوا عند غزو المغول بأنهم فقدوا رمز عزّتهم وكرامتهم وشخصيتهم، واتجهت الفصائل الاسلامية الى إقامة الدولة الاسلامية، وتحققت التجربة في ايران بقيادة عالم رباني أخلص وجهه للّه وعظم الخالق في نفسه فصغر ما دونه في عينه هو الامام الثائر العارف باللّه روح اللّه الموسوي الخميني (رضي الله عنه) ومعه جماهير الشعب المؤمنة بربها ودينها وقيادتها ، وكان لنجاح هذه التجربة معانيها الكثيرة منها:
أن هذه الدولة الاسلامية المباركة قامت في منطقة من الارض كانت تعتبر قلعة من قلاع الاستكبار والصهيونية.
ومنها أنها قامت على أثر ثورة شعبية اسلامية شاملة كان سلاحها الايمان فانتصر الدم على السيف انتصارا مبينا.
ومنها أنها أقامت دولة فيها كل ضمانات صيانة المسيرة الاسلامية من الزيغ والانحراف وطغيان الحكم، كما فيها كل ضمانات المشاركة الجماهيرية وتحقيق إرادة الامة في تعيين تفاصيل المسيرة على المنهج الاسلامي.
ومنها أن كل قوى الطغيان والعدوان في العالم تجمعت لاحباط هذه التجربة، فحاربوها عسكريا واقتصاديا وسياسيا وإعلاميا واستخدموا لذلك سلاح النار والدولار والجنس والفتن الطائفية والقومية والاجهزة التجسسية والحرب النفسية و.. كل ما توصلت اليه علومهم وفنونهم من عمليات المجابهة ، لكنها باءت جميعا بالفشل بفضل اللّه ومنّه، وهاهي الجمهورية الاسلامية تشقّ طريقها بثبات وأصالة ومعاصرة متحدية كل التهديدات الامريكية والصهيونية ومسجلّة مرة أخرى قدرة الاسلام على خلق القاعدة الجماهيرية الصلبة القادرة على إنشاء المجتمع الشاهد الوسط على ساحة التاريخ.
ونجاح هذه التجربة بدّد روح اليأس في جماهير الامة، وصعّد روح الجهاد ضد أعدائها، وأثبت قدرة الاسلام على إنشاء الدولة الاسلامية المتناسبة مع تطورات الزمن.
واليوم وقد انهارت كثير من أطواق الحصار والتعتيم المفروضة على هذه الدولة الاسلامية، حانت الفرصة لأن يقف العالم الاسلامي من هذه الظاهرة موقفا يتناسب مع عظمتها وأهميتها . حانت الفرصة لأن تتظافر جهود العلماء والمفكرين لدراسة الجوانب المختلفة من هذه التجربة من أجل استثمار معطياتها وتسديد مسيرتها وتعميق حركتها، وفهمها عن كثب وبوضوح، دون غبش الحساسيات الطائفية والقومية ودون إيحاءات الاعلام الصهيوني والاستكباري.

ظاهرة انهيار المادية
شهد العالم بأجمعه تيارا ماديا جارفا عمقته نظريات فرويد ودوركهايم وماركس، وثبّتت قواعده دولة قامت لترفع علم المادية في بقعة واسعة من شرق أوربا وأجزاء من آسيا، وانتشرت الاحزاب الشيوعية في العالم الاسلامي، نهض بانشائها في البداية المسيحيون ثم انخرط فيها المسلمون، ودونت الكتب التي تستهين بالدين وأهله وبكل ماوراء الطبيعة . واستغلت الشيوعية جهل المسلمين بالدين وظروفهم الاقتصادية السيئة لتنتشر وتعشعش، ولكن الصحوة الاسلامية واجهت هذا المدّ المادّي الملحد، ثم جاءت الثورة الاسلامية لتسجل انهيارا فكرياهائلا لاكبر الاحزاب اليشوعية وأعرقها في المنطقة وهو حزب توده، وتوالت انهيارات الاحزاب الشيوعية على المستوى الفردي والتنظيمي في البلدان الاسلامية بعد أن رأى الشيوعيين بأم أعينهم قدرة الاسلام على تبنّي قضية المستضعفين والفقراء وقطع يد المستغلين والمستثمرين ومصاصي الدماء. وعقب هذه الزلازل سقطت الشيوعية في دولتها الام، وأثبتت فشلها في دفع مسيرة المجتمع نحو تحقيق الاهداف المرجوّة، وبذلك انفسح المجال بشكل واسع وكبير للدين كي يقول كلمته، وللاسلام بالذات لكي يحتضن الشعوب المسلمة المقهورة تحت وطأة الحكم الماركسي.
لكن حركة العالم الاسلامي لملء الفراغ كانت ضعيفة جدا، بل وكان فيها كثير من التخبط وإهدار الطاقات نتيجة لعدم انسجام الموقف في هذا المجال، والقرن القادم مرشّح لأن يرى مثل هذا الموقف المنسجم من المسلمين لكي يعلنوا كلمة الاسلام قوية مؤثرة فعّالة في الساحات التي كانت تحتلها الماركسية.
بقي في حقل الظاهرة المادية أن نقول شيئا يجب أن لا يغرب عن بالنا وهو إن الماركسية لم تكن تمثّل كل التوجه المادّي العالمي، فالرأسمالية أيضا تبطن في مضمونها موقفا ماديا وتوجها يبعد الانسان عن التوجه الكامل لعبادة اللّه الواحد الاحد. مع فارق بينها وبين الماركسية أنها لا تقوم على فلسفة مادية واضحة ولا تشكل مدرسة عقائدية، وأنها تقوم على أساس الحرية في كل المجالات، ولذلك فان ضمانات بقائها أكثر من الماركسية(9)، غير أنها تشكل خطرا أكبر من الماركسية لانها تدفع الى المادية بشكل غير مباشر ولا محسوس، ولا تستفزّ المتدينين. من هنا يتوجّب على كل المهتمين بأمر التربية الاسلامية أن يلتفتوا الى خطر ثقافة المعسكر الرأسمالي ويحصّنوا الامة من هذا الخطر.
ثم لابد أن نشير الى أن هذا التوجه المادّي للرأسمالية سوف يصل عاجلا أو آجلا الى نفس الطريق المسدود الذي وصلت اليه الماركسية، وسوف ينهار المعسكر الرأسمالي ليحمّل المسلمين مسؤولية أكبر في طرح كلمة الاسلام على الصعيد العالمي.ظاهرة الحوار
شاء اللّه سبحانه أن يخلق الناس من ذكر وأنثى ويجعلهم شعوبا وقبائل، ولكن هذا الاختلاف الجنسي والاقليمي يجب أن يكون مصدرا للتعارف، فبهذا التعارف تستمر مسيرة البشرية على طريق الانماء والإثراء والتكامل، وبهذا التعارف تنبثق الحضارات البشرية ويتحقق التقدم العلمي والفكري في الساحة البشرية.
ظاهرة التعارف تنعدم عادة بين الشعوب التي تهبط فيها الروح الحضارية ويسود بينها بدل ذلك النزاعات الاقليمية والقبلية، وتكون العلاقة بينها علاقة صراع. والاسلام دعا الى أن تكون العلاقة علاقة تعارف، ويتبلور التعارف في الحوار الهادئ الموضوعي البعيد عن التعصّب: (تعالوا الى كلمة سواء).. (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) بهذا المستوى الرفيع تعامل الاسلام مع الرأي الآخر، غير أن هبوط الحالة الاسلامية في المجتمعات خلق ألوانا من النزاعات الطائفية والقومية والقبلية والاقليمية على مرّ التاريخ. ومع تصاعد الروح الاسلامية في قرننا الاخير برزت على الساحة ظاهرة الحوار بين فصائل الامة. وهي ظاهرة صحيّة هامة تعبّر عن ارتفاع في مستوى الفكر والشعور لدى الامة.
شهد قرننا حوارا جادا وهادفا بين الشيعة والسنة تجلّى في حركة التقريب بين المذاهب الاسلامية، بدأت في القاهرة منذ منتصف هذا القرن واستمرت عقدين من الزمان ثم انقطعت وشاء اللّه أن تتواصل عبر في طهران(10).
كما شهدت حوارا بين الاسلاميين والقوميين، وانعقد المؤتمر القومي - الاسلامي الاول في بيروت سنة 1415هـ (1994م)، وتواصلت أعماله لتزيل الهوة التي وقعت بين الاسلاميين والقوميين العرب خلال نصف القرن الماضي.
وشهد العالم حوارا جادا بين المسيحية والاسلام نهضت فيه الجمهورية الاسلامية الايرانية بدور جادّ، وعقدت الندوات والمؤتمرات وحلقات البحث العلمي استجابة لقوله سبحانه: "قل يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء..".
وشهدت الساحة حوارا بين الاسلام والغرب في محاولة لتوضيح الصورة الاسلامية الصحيحة أمام الغرب، وإزالة ماعلق في ذهن الانسان الاوربي من تصور خاطئ للاسلام نتيجة تحريف بعض المستشرقين ونتيجة التصرفات المشينة لبعض المسلمين.
كما شهدت الساحة حوارا بين العرب وايران كانت حصيلته تفهّم العرب للايرانيين وللتوجه الايراني عن كثب، وتفهّم الايرانيين لما يجري في الساحة العربية من تيارات وآراء ومواقف(11).
وكل هذه الظواهر تشير الى أن العالم الاسلامي يتجه نحو حالة حضارية في العلاقة بين فصائله المختلفة، ولابد من تعميق هذه الحالة وتطويرها في مشاريع المستقبل.
ولقد أعلن السيد الرئيس محمد خاتمي مشروعا حظي باهتمام عالمي هو مشروع الحوار بين الحضارات وأعلنت سنة 2001 سنة حوار بين الحضارات، وإنها لمفخرة أن تعلن دولة الاسلام في ايران هذه الخطوة التي تمثّل واقع الاسلام في علاقاته مع الرأي الآخر. ولابد أن يستثمرها المسلمون لتوضيح صورة الاسلام الصحيحة لكل العالم.

ظاهرة المنظمات الاسلامية
من المؤكد أن كل منظمة إسلامية تضع أمامها أهدافا تصب في خدمة الوطن الاسلامي تشكل خطوة إيجابية على طريق بلورة مفهوم الأمة الاسلامية.
وشهد العالم الاسلامي ظهور كثير من هذه المنظمات التي تسهتدف التنسيق الفقهي والعلمي والثقافي والسياسي والاقتصادي بين أجزاء من العالم الاسلامي أو بين كل أجزائه.
وعلى رأس هذه المنظمات منظمة المؤتمر الاسلامي التي تستوعب كل بلدان المسلمين وتتبنّى عملية التنسيق في كل المجالات الحساسة بين المسلمين.
لقد كان لهذه المنظمة حركة بطيئة وأحيانا متعثرة وأحيانا فاشلة في حلّ قضايا المسلمين، مما جعل الشعوب المسلمة تفقد ثقتها في هذه المنظمة، غير أن الظروف الاخيرة التي مرّت على العالم الاسلامي وفّرت الفرصة لعقد قمة استثنائية في طهران، وحققت من النجاح مالم يكن يتوقعه أحد من المراقبين، وانتعشت الآمال ثانية في هذه المنظمة وهذا ما سنشير اليه في قسم التطلعات الى المستقبل.
إن الاهتمام الشعبي الذي حظيت به الدورة الاخيرة من قمة المؤتمر يشير الى أن الشعوب المسلمة تتطلع الى غد أفضل يسود فيه التعاون والتعاضد بين المسلمين، وتتعمق فيه عمليات التنسيق بين بلدانهم في مختلف المجالات، وتتوقف فيه عرى التعاون بين حكوماتهم كي لا يجد الطامعون فرصة لاثارة الخلافات والنزاعات التي استهلكت الكثير الكثير من طاقات الامة.استشراف المستقبل
من خلال هذا العرض الموجز السريع لواقع أمتنا الاسلامية نلاحظ أننا محاطون بتحديات هائلة يجب أن نحسب لها حسابها وتتوفر أمامنا فرص كبيرة لدخول الساحة العالمية واحتلال مكانة الوسط والشاهد على ساحة التاريخ إن أحسنّا استثمارها. وقدرتنا على مواجهة التحديات تتوقف على قدرتنا على استثمار فرص الخير.
من هذه الفرص العظيمة توفّر الظروف العالمية لاستماع صوت الاسلام. ويشرّفني هنا أن أنقل ماقاله في هذا المجال سماحة الامام الخامنئي قائد الثورة الاسلامية.
لقد خاطب الامام القائد أعضاء لجنة تنسيق العمل الاسلامي المشترك التي عقدت آخر دورة من اجتماعاتها في طهران خلال الايام 27 - 29 من شهر محرم هذا العام وقال:
"ماجاء على لسان بعض المفكرين إذ قالوا: إن العام الميلادي القادم هو قرن الاسلام، أؤيده أنا أيضا. تجاربنا ورؤيتنا للساحة العالمية تؤيد ذلك، شرط أن نكون دعاة للاسلام وأن نعمل بواجباتنا. إذا نهضنا بواجبنا فالاجواء مهيئة. المعارف الاسلامية لها قدرة الامتداد الى أعماق القلوب في جميع أرجاء العالم.
المهم في هذا المجال أن الدعوة الى الحق والى الاسلام لها متطلباتها في كل زمان ، يجب أن نفهم هذه المتطلبات لابد أن نعرف مخاطبنا، ونعرف الخطاب المناسب لهذا المخاطَب. أرى أن الذي يجب أن يكون محور تنسيق العمل الدعوي.. هو دراسة آلية الدعوة في عالمنا المعاصر، والى أي شيء ندعو، وماهو المنظار الذي نطل به على مسائل الناس ومشاكلهم لنستطيع أن نقدم لهم الاسلام بشكل صحيح".
وقال:
"البلدان الاسلامية استيقظت بحمد اللّه، الحكومات الاسلامية تستشعر الاستقلال، المسلمون يحسون بالعزّة، نحن نشاهد في كل أرجاء العالم الاسلامي أن الشعوب والحكومات لا تتسم بحالة الخضوع أمام الهيمنة العالمية. الشعوب والحكومات في حالة استقلال.. في حالة يقظة.. ونحن في ايران قلناها"لا" لكل من أراد أن يتعامل معنا تعاملا سلطويا، ويغمرنا السرور والرضا لموقفنا هذا، ولم نعان منه من مشاكل مستعصية".
فالامام القائد يدعو المسلمين الى الارتفاع في مستوى الخطاب وفي مستوى الاحساس الى السطح المطلوب كي يسجلوا وجودهم الحضاري الرائد على الساحة العالمية، ويعتقد أن هذا الارتفاع يؤهلهم لكي يجعلوا القرن القادم قرن الاسلام.
ومن هذه الفرص الكبيرة المتوفرة أمام العالم الاسلامي وجود منظمة المؤتمر الاسلامي والشوط الكبير الذي قطعته فى دورتها الحالية، وهي فرصة لتطوير علاقات العالم الاسلامي وتعاونه في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة والدفاع.
والامام القائد في كلمته التاريخية أمام مؤتمر القمة الاسلامية الاخير وضع المنظمة أمام مسؤولياتها التاريخية إذ قال:
"عشرات المهام تنتظر التنفيذ، وكل واحدة منها تلقي مسؤولية على جميع البلدان الاسلامية، وماذكرناه نموذج لذلك. وفي كل هذه المواضع لا تستطيع أية حكومة اسلامية أن تؤدي ما يؤديه مركز دولي اسلامي".
وقال:
"تعالوا نغتنم الفرص متكلين على حول اللّه وقوته ونتقارب ونقوي مركز الاتصال بيننا. المؤتمر الاسلامي يجب أن يتابع قراراته حتى التنفيذ الكامل كي لا يكون لهذه الاجتماعات عطاء لشعوبنا. ولابدّ أن يستطيع تأسيس برلمان لمجالس البلدان الاسلامية وأن يحقق الأمل القديم في إقامة سوق إسلامية مشتركة، وأن يخطط لديوان عدالة إسلامي، وأن يكون - نيابة عن خمسة وخمسين بلدان اسلاميا ومليار وبضع مئات الملايين من السكان - من الاعضاء الدائميين في مجلس الامن التابع للامم المتحدة، وطالما كان حق الفيتو قائما فليكن العضو السادس من الاعضاء الذين يملكون هذا الحقّ في ذلك المجلس. هذه آفاق مستقبل هذا المؤتمر، وبهذا يستطيع أن يرسم آفاق مستقبل الامة الاسلامية".
تكاد تكون هذه العبارات كاملة شاملة لتطلعات المسلمين للمستقبل، ولكن ذلك يحتاج الى برنامج عملي يبلور هذه الاهداف ويضعها ضمن خطة عملية قادرة على تحقيق الامل في هذه المنظمة، بل الامل في كل قادة العالم الاسلامي.
إن المسلمين يتمتعون بكافة الامكانات اللازمة لمواجهة التحديات، ولاعتلاء مكانتهم في الساحة العالمية، شرط أن يستشعروا وجودهم كأمة واحدة، وفي هذا الصدد يخاطب الامام القائد أعضاء لجنة تنسيق العمل الاسلامي المشترك بقوله:
"أطلب منكم أن تنظروا الى دنيا الاسلام بصورة "أمة" واحدة، نحن أمة واحدة، والذي يجمعنا ايرانيين وعربا وباكستانيين وهنودا كوننا مسلمين. نحن جميعا أمة اسلامية واحدة. مجموعة واحدة، بهذه الرؤية انظروا الى عالمنا الاسلامي واعملوا لدنيا الاسلام، واللّه معكم، وسيكون لكم عونا باذنه تعالى، والاجواء مهيئة..".
وإذا استشعروا وجودهم كأمة واحدة سيجدّون على طريق تنسيق الخطى أمام التحديات الصهيونية في المنطقة، وأمام التحديات الاقتصادية التي تهددهم باستمرار وتلوّح لهم بانهيارات اقتصادية، وأمام التحديات التكنولوجية التي تشكل محور ضغط الدول الصناعية الكبرى علينا.
نحن في عالم ثورة المعلومات، وثورة الاتصالات ، وثورة الفضائيات وهذا التحول الكبير يلقي أمام المسلمين إيصال الصوت الاسلامي الى العالم الذي تحول الى قرية صغيرة، ويفرض عليهم تحصين الامة تجاه الثقافة التي غزتهم في عقر دارهم. وكل هذا يتحقق بالتعاون المخلص الجادّ بين العلماء والمفكرين والمتخصصين والحكومات.
إن في العالم الاسلامي من الامكانات والثروات والكفاءات ما يستطيع أن يحقق اكتفاء ذاتيا للمسلمين ويحقق لهم استقلالهم الاقتصادي أمام القوى الضاغطة، شرط أن يكون بينهم تعاون جاد في المجال التجاري والاقتصادي والصناعي والعلمي.
وبايحاز أقول:
إن المسلمين مرشحون في القرن الحادي والعشرين لان يكون لهم الدور الرائد على الساحة العالمية شرطَ أن يحققوا ما عليهم من مسؤوليات هذا الدور وأهمها:
1- الاسراع بجدّ واهتمام لتنفيذ مشروع توحيد الصف الاسلامي وفق أسس علميّة واقعية مدروسة بعيدة عن الانفعالات العاطفية الوقتية، ووضع الخطط الدقيقة الكفيلة بمواجهة معاول التفرقة الطائفية والقومية والاقليمية بين المسلمين.
2- الاهتمام بالطاقات الموجودة في العالم الاسلامي وتفجيرها وتسخيرها نحو تحقيق الاهداف المرجوة في التنمية والازدهار والتقدم، وأخصّ بالذكر طاقات الشباب التي يعمل أعداؤنا على تفتيتها وشلّها ودفعها الى حالة اللامبالاة وعدم الالتزام. إن مستقبل أمتنا يتوقف الى حدّ كبير على معرفة كفاءات أبنائنا، وتنمية هذه الكفاءات، وتوجيهها وجهة صحيحة بنّاءة ضمن خطة اسلامية شاملة للبناء والانماء، وهكذا القطاع النسائي لابد من الاهتمام به لأن يكون مؤهلا لتربية الجيل المسلم القويّ الفاعل، وللمساهمة مع الرجل في عملية بناء المجتمعات الاسلامية.
3- تظافر جهود العلماء والمفكرين للكشف عن الوجه الحقيقي الناصع للاسلام وإزالة ماران عليه نتيجة ممارسات خاطئة عبر التاريخ ونتيجة فهم سطحي متعصّب قدمه الجاهلون والمغرضون، لابد أن نزيل كل هذا الغبار، لكي نكون نحن المسلمين على هدى في مسيرتنا، لا يعترينا في الرؤية إفراط ولا تفريط ولا التقاط ولا انهزام، ولكي نرفع راية الاسلام الذي أراده اللّه سبحانه وتعالى هدى للتي هي أقوم، ومشروعا للخروج من الظلمات الى النور، وتحررا من كل الوان الاصر والاغلال.
4- ممارسة الآلية المناسبة للدعوة ، بعد استيعاب واقعنا الراهن ومتطلباته وملابساته، ومعرفة سبل التخريب الثقافي التي يمارسها العدو، كي تكون عملية المواجهة متكافئة ولكي نتحدث بلغة يفهمها أبناء عصرنا، ونمارسَ أساليب تتناسب مع ذوق الجيل المعاصر.
كل الفرص متوفرة لتحقق هذه الشروط، والضغوط العالمية لايمكن أن تحول دون تحققه إذا توفرت الارادة الاسلامية لذلك، وأوكد هنا على الارادة الاسلامية لان أعداءنا يريدون شلّ عزيمتنا وبثّ اليأس في نفوسنا من العودة الاسلامية، وغرس روح الهزيمة والضعف بين شبابنا، هذه هي دعوة أعدائنا واللّه يدعونا الى حثّ الخطى نحوه سبحانه.. نحو العزّة والسؤدد والكرامة والقوة والعلم، ووعدنا بالنصر إن نصرناه: (إن تنصروا اللّه ينصركم ويثبت أقدامكم ) و(كتب اللّه لاغلبنّ أنا ورسلي)صدق اللّه العلي العظيم.
والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاتهالايسيسكو والقرن الحادي والعشرون
التحديات والمسؤوليات
عقدت في الرباط - كما ذكرنا - مائدة مستديرة لدراسة وضع الايسيسكو في القرن الحادي والعشرين افتتحت بكلمة وجهها العاهل المغربي، واشترك فيها عدد من العلماء والمفكرين. كان منهم الشيخ محمد علي التسخيري رئيس رابطة الثقافة والعلاقات الاسلامية في الجمهورية الاسلامية الايرانية، وعضو المجلس الاعلى للتقريب بين المذاهب الاسلامية.كلمة الدكتور التويجري
القى الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري المدير العام للمنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة (ايسيسكو) كلمة أوضح فيها أهداف هذا التجمّع ومما قال:
إننا ندرك عميق الإدراك، أن الإنسانية مقبلة على مراحل جد متطورة، ستخوض فيها الشعوب والأمم معارك بالغة الصعوبة للحفاظ على الذات، ولإثبات الوجود، ولحماية الحقوق والمكتسبات. ونحن نعي عميق الوعي أيضاً، أن العلم بكل مدلولاته، وعلى جميع مستوياته،هو المفتاح لولوج القرن الحادي والعشرين . وحينما نقول العلم، فنحن نقول بالضرورة، التربية والتعليم ، بجميع أطوارهما وفي شتى حقولهما. وكذلك نقول الثقافة بمفهومها الرحب الشامل الجامع لمعاني البناء الحضاري للإنسان وللعمران وللمجتمع في آن واحد.
وبشأن مسؤوليات هذه المنظمة التابعة لمنظمة المؤتمر الاسلامي قال:
ولذلك فنحن في المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، على علم وثقة، بأننا سنواجه في حقل اختصاصاتنا تحديات لا نشك أنها ستكون بالغة الضراوة. ولكننا عازمون بعون من اللّه تعالى، أن نخوض غمار هذا التحدي الحضاري العالمي، بالعمل المتقن الجدى، وبالإنجاز النافع والمفيد، وبالتخطيط وبالتنظيم وبالترشيد، ولذلك قررنا أن نحتفل بالذكرى الخامسة عشرة لإنشاء المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، بتنظيم مائدة مستديرة، ندعو لها صفوة العقول المفكرة، من ذوي المؤهلات المعتبرة، من الشخصيات العلمية والثقافية والأكاديمية ذات التجربة والخبرة، في ميادين التربية والعلوم والثقافة، لندرس معاً آفاق المستقبل، ولنراجع معاً أيضاً، مسيرة المنظمة الإسلامية وعطاءها، ولنرسم بجهود متظافرة متعاونة الخطوط العريضة لما ينتظر المنظمة الإسلامية من مهام وأعباء ومسؤوليات.كلمة الشيخ التسخيري
وفي هذا التجمّع ألقى الشيخ محمد علي التسخيري كلمة تحت عنوان:
مسؤوليات الايسيسكو في تنمية العالم الاسلامي
قال فيها: تعتبر المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة - الايسيسكو - ، وهي تحتفل بالذكرى الخامسة عشرة على تأسيسها، منظمة دولية تفتخر بها الدول الإسلامية، لما تقوم به من نشاطات أساسية واسعة. لقد جاء تأسيس هذه المنظمة استجابة حقيقية لمتطلبات الدول الإسلامية من أجل التخطيط والتعاون في سبيل الارتقاء بمستوى الأجيال الإسلامية من الناحية التربوية والعلمية والثقافية، إلى قيادة الحضارة الإنسانية، واستعادة الدور الريادي الذي كان للمسلمين في ثقافة الإنسان. وقد خطت المنظمة الإسلامية خلال السنين الماضية، خطوات إيجابية كثيرة رغم كل التحديات التي واجهتها خلال الفترة الماضية. إلا أننا ونحن على أعتاب القرن الحادي والعشرين، نجد أن التطورات العالمية والإسلامية تدعونا لخوض مرحلة جديدة تدعو إلى كثير من التفاؤل بالدور الإسلامي القادم.
إن استعادة الدور الحضاري للأمة الإسلامية ينطلق من تربية الجيل القادم تربية تؤهله لحمل المهمة، وتوفير ظروف ملائمة لممارسة الفئة المفكرة دورها في عملية البناء الحضاري.مصادر التحدي وعناصره
وقبل أن نتحدث عن ضرورات المرحلة القادمة، نجد من الضروري ملاحظة العناصر التالية، والتي ترتبط مباشرة بقضيتنا هذه:
أولاً: التغيرات العالمية
ومن الواضح أننا نواجه خلال القرن الحادي والعشرين تغيرات عالمية كبرى ترتبط تماماً بنوع التحرك الدولي الإسلامي من قبيل (التحولات الضخمة على مستوى الإعلام والعلاقات المعلوماتية، وكذلك ارتفاع مستوى التدخل الدولي في الشؤون التعليمية والاجتماعية والعائلية، وحتى التقنين الداخلي في هذه المجالات وهو ما يتجسد في الاتفاقيات الدولية العامة في إطار منظمة الأمم المتحدة)، ويجب أن تؤخذ كل التغيرات بعين الاعتبار.
ثانياً: التحولات على مستوى الأمة الإسلامية
ذلك أن الأمة الإسلامية دخلت عصر الصحوة الإسلامية الكبرى بعد مرحلة طويلة من الفتور الحضاري، وراحت تسترجع خصائصها القرآنية وتحقق معالم شخصيتها وتعمل على تحكيم شريعة اللّه في كل شؤونها وفي علاقاتها الداخلية والدولية، ومن الطبيعي فإن الأرضية المناسبة لأنشطة المنظمات الإسلامية الدولية، سوف تتسع، وبالتالي تلقى على عاتقها مسؤوليات ضخمة في هذا المجال.
على أننا نتوقع حضوراً إسلامياً أكبر ولو على مستوى الأقليات في شتى أنحاء العالم مما يضيف بعداً جديداً لهذا التحرك .
ثالثاً: التحولات على مستوى الحوار بين الأديان والحضارات
فإن هذا الحوار رغم ما انتابه من ظروف موضوعية أهمها التشكيك في نوايا الداعين إليه وعدم توفر القاعدة المناسبة، عاد اليوم ضرورة عالمية لا مناص منها لتعيين نقاط الاشتراك، سواء على الصعيد الفكري والعقائدي، أو على الصعيد العملي السلوكي الفردي والاجتماعي، أو على الصعيد الحضاري الدولي، باعتبار أن الجبهة الدينية يجب أن تتوحد بوجه الاتجاهات المعادية للدين، كالعلمانية والمذاهب المهدمة للعلاقات العائلية والإنسانية.
وهذا المعنى يلقى بظله بلا ريب على الساحة، ويعتبر تحدياً قوياً للقوى العاملة.
رابعاً: التحولات على مستوى منظمة المؤتمر الإسلامي
فإن هذه المنظمة يراد لها أن تلعب دوراً أكثر فاعلية من ذي قبل، سواء على الصعيد السياسي أو الثقافي أو الاقتصادي; فالمنظمة لاتزال لحد الآن تفتقد بعض الجوانب التنفيذية المطلوبة، مما جعلها مع الأسف، لا تعيش في صميم القضايا المهمة; قالاستراتيجيات ماتزال معطلة، ولائحة حقوق الإنسان الإسلامية ماتزال تتلمس طريقها للتنفيذ. وما نرجوه هو أن يتبدل هذا الوضع إلى حالة أكبر تأثيراً. وهنا يبرز تحد جديد للمؤسسات التابعة لها لتقوم بالدور الحساس المطلوب منها بشكل أكثر نشاطاً.
إذا لاحظنا هذه العناصر الأربعة، واستعرضنا الأهداف التي رسمتها منظمة المؤتمر الإسلامي للإيسيسكو، نجد أمامنا مستقبلاً زاخراً بالتحديات الجديدة يتطلب منها مواقف أكثر اتساعاً وعمقاً وتخطيطاً.التحولات العالمية على مستوى الإعلام
فبملاحظة التحولات العالمية; نجد أن التطور الحاصل في تكنولوجيا الاتصالات ووسائل الإعلام اختزل الفوارق بين الزمان والمكان، مما سيحدث في القرن الحادي والعشرين نقلة كبيرة في هذا المجال، ولابد للعالم الإسلامي أن يأخذ حظه من هذا التطور ويكشف للعالم إسهامات علماء المسلمين في البناء الحضاري، ويبين مواقفه وأهدافه للمجتمع الدولي، ويعلن عن قيمه التي تدعو إلى السلام الحقيقي والمساواة بين الشعوب والأفراد والعدل واحترام العهود والمواثيق الدولية. وبما أن الأقمار الصناعية والمحطات الفضائية ستلعب دوراً مهماً، بل ستشكل ضرورة من ضرورات القرن الحادي والعشرين، ونظراً لظروف العالم الإسلامي الاقتصادية والسياسية والعلمية الحرجة، فإنه يمكن للإيسيسكو باعتبارها منظمة عالمية، أن تقوم بدراسة التعاون الدولي الإسلامي في إيجاد شبكة أقمار صناعية والتنسيق في مجال إنتاج ما يحتاجه العالم الإسلامي وما ينسجم مع ثقافته وأهدافه.
ومن جملة ما سيشكل ضرورة من ضرورات الأمة الإسلامية في القرن الحادي والعشرين، الاستفادة من الحاسب الآلي وشبكة الأنترنيت لتبادل المعلومات، وهذا أيضاً بحاجة إلى دراسة علمية دقيقة.
إن علوم الأقمار الصناعية والحاسوب الآلي يجب أن تأخذ طريقها للكتب المنهجية في الدول الإسلامية، وفي البحوث الجامعية والمعاهد الفنية والمختبرات العلمية، وذلك بعناية وباهتمام من المنظمة الإسلامية - إيسيسكو - من أجل زيادة الكفاءات الإسلامية في نشر العلوم العصرية في عالمنا الإسلامي.التحولات العالمية في مجال التدخل الدولي في عملية التقنين
ثم إن الإيسيسكو مطالبة بإلحاح في إطار وظائفها العامة بالتعامل الحكيم مع الاتجاه الدولي للأمم المتحدة ومن ورائها الدول العظمى للسيطرة على التقنين الداخلي لكل الشعوب، وخصوصاً شعوب العالم الثالث، وذلك من خلال:
1- رصد كل التحركات العالمية والتخطيط المطلوب لطرح المبادئ الإسلامية ووجهات نظر العالم الإسلامي.
2- استباق الأحداث ووضع التصورات العامة والأسس المقبولة إسلامياً وتعميمها على الدول الإسلامية لتتم التوعية المطلوبة.
3- عقد الاتصالات الدولية، والحضور الفعال في المؤتمرات واللقاءات التي تتم في هذا الصدد وتنسيق الجهود الإسلامية. ونذكر بهذا الصدد أن منظمة المؤتمر الإسلامي، لم تستطع أن تلعب دوراً نشطاً في مؤتمرات مكسيكو سيتي، وبخارست، والقاهرة، وكوبنهاكن حول التنمية، أو مؤتمري نيروبي، وبكين، وأمثالهما حول المرأة، مما فسح المجال لهجوم صاعق من قبل أعداء القيم الإنسانية تحت غطاء التحرك الدولي للتنمية.
4- التعامل مع الجوانب الإيجابية من هذا التحرك بكل رحابة صدر والوقوف الحازم بوجه الجوانب السلبية.
فوثيقة القاهرة مثلا حول السكان والتنمية، ووثيقة بكين حول المرأة، تحويان بلا ريب، عناصر إيجابية كثيرة لإصلاح وضع المهاجرين والمهاجرات، وتنظيم شؤون المبعدين واللاجئين، وقوانين العمل، خصوصا بالنسبة للمرأة والطفل، وإصلاح الوضع التعليمي، وهي أمور ينبغي تشجيعها وتطويرها، ولكنهما في الوقت نفسه حوتا الكثير من العناصر السلبية الخطيرة كموضوع ما يسمى بالحقوق الجنسية، والصلات بين الجنسين خارج حدود الزواج، وتغيير مفهوم العائلة التقليدي، وفسح المجال للإجهاض، والمساواة المطلقة في جميع الشؤون، بل وتأليب جنس ضد جنس آخر، وهي جميعاً وغيرها أمور ينبغي دراستها والاستعداد الكامل للردّ عليها، الأمر الذي كنا نفتقده مع الأسف.الصحوة الإسلامية ومسؤوليات الايسيسكو
لم تعد الصحوة الإسلامية مجرد إحساسات جماهيرية، بل أخذت أبعاداً جديدة على مختلف الصعد، مما أثار حفائظ أعداء الأمة الإسلامية، وهذا يتطلب من الإيسيسكو دورا فاعلا في ترشيد الصحوة الإسلامية وتوجيهها توجيها يصب في المساوات الصحيحة لتحقيق أهدافها ضمن خطوات كثيرة، نشير منها إلى مايلي:
1- تشجيع دراسات الصحوة الإسلامية (أسبابها خصائصها - نتائجها) والعمل على ترشيد هذه الصحوة لتقوم بدورها المطلوب في تحقيق الغد المشرق.
2- العمل على بعث عطاء الصحوة في كل عروق الأمة وتحقيق التوازن التوعوي المطلوب.
3- المساعدة في تحقيق مقتضيات الصحوة من قبيل دفع عملية تطبيق الإسلام إلى الأمام ونشر المظاهر الإسلامية، وتحريك الحماس المطلوب للقضية الإسلامية.
4- مراقبة التخطيط المعادي للصحوة وتوعية الأمة بأخطاره وفضح أساليبه.
5- العمل على تنفيذ كل الاستراتيجيات التي تمت الموافقة عليها والسعي للحفاظ على شخصيتها، والدفاع عن حقوقها، وإمكان قيامها بمهمة الدعوة الإسلامية.
6- العمل على رفع المستوى الثقافي والعلمي والتقني في الدول الإسلامية، وتطوير أنظمة التعليم بما يخدم أهداف الدول الإسلامية حقيقة، وتشجيع الباحثين والمفكرين والدارسين، وإقامة المبياد الدول الإسلامية في مختلف المجالات العلمية.
ونقترح هنا إعداد تقرير سنوي عن أوضاع العالم الإسلامي في المجالات التي تعنى بها الايسيسكو ، وتحديد ميزان التقدم أو التراجع الحاصل فيها، وعرض هذا التقرير على المؤتمرات الإسلامية لوزراء الخارجية ومؤتمرات القمة الإسلامي، مع عرض الحلول الناجعة للمشاكل واقتراح مشاريع قرارات مناسبة.
7- الاهتمام بمساعدة الدول التي تعاني ظروفاً ثقافية واجتماعية وسياسية حرجة كالعراق وأفغانستان والصومال وفلسطين والبوسنة والهرسكو والشيشان، لتخطي هذه المصاعب.
ونسجل هنا أن منظمة المؤتمر الإسلامي لم تكن على مستوى الأحداث الضخمة التي واجهت الأمة الإسلامية حتى في الجوانب الاجتماعية والصحية والثقافية، فضلا عن الجوانب السياسية والاقتصادية، مما يتطلب جهودا حثيثة لمعرفة نقاط الضعف وحذفها ونقاط القوة ودعمها وتقويتها. والا فمن المخجل حقا هذه الفروق الاقتصادية الهائلة بين أنواع الدخل، وأنماط التعليم والمستويات الصحية، وهذه العادات السخيفة المنتشرة هنا وهناك، وهذه المفاسد الأخلاقية التي تعج بها بعض المناطق، ولا نكير ولا نذير.
ونحن وإن كنا نسعى لكي نحسن الظن بالمسؤولين عن الأمور، لكننا لا نستطيع أن نغض النظر عما تعانيه شعوبنا خصوصا أثناء الويلات والنزاعات العسكرية، من تشريد وتقتيل قد يدوم سنوات طويلة وثقيلة، في حين تنعم أجزاء أخرى من عالمنا الإسلامي بالدعة والراحة وكأن شيئا لم يكن.
8- توظيف العقول الإسلامية المهاجرة في تنمية العالم الإسلامي:
- ففي الوقت الذي تعاني فيه الدول الإسلامية من نقص كبير في الخبراء، نجد الدول المتطورة تعتمد على المفكرين المسلمين في البحث العلمي والدراسات العليا، مع أنهم لا يتقاضون إلا ما يتقاضاه عامل التنظيف، وأسباب ذلك كثيرة، منها أمنية ومنها سياسية، لكن السبب الرئيس هو انعدام وسائل العمل العملي وغياب العناية الكافية برجال العلم في كثير من الدول الإسلامية.
- وحبذا لو بادرت الإيسيسكو بإجراء دراسة لتسهيل عملية الاستفادة من العقول الإسلامية وتوظيفها لخدمة العالم الإسلامي. أو على الأقل وضع خطة لاستثمار وجود هذه النخبة في المجتمعات غير الإسلامية لبعض القضايا العلمية والإعلامية والثقافية.
9- تطوير مستوى التعامل مع الأقليات الإسلامية المهاجرة أو المقيمة في الدول الأخرى بشكل يضمن لها الرفاه المستمر والحفاظ على الشخصية والدفاع عن الحقوق، وإمكان القيام بمهمة الدعوة الإسلامية.الحوار الحضاري
الأمة الإسلامية قد قطعت مرحلة صعبة من التبعية والعزلة، ولا تزال تبذل محاولات عديدة لعزلها عن مسيرة الحضارة الإنسانية وعن المجتمع البشري، وعلينا أن نسعى لأن تكون المرحلة القادمة مرحلة الانفتاح على المجتمع البشري، ولذلك فلابد أن تضع الإيسيسكو نصب عينها مغزى الرسالة الإسلامية وأهدافها العالمية النبيلة ودعوة الآخرين للتعاون في تحقيقها لخدمة المجتمع البشري.
إننا نعيش في عالم يتجاهل دور الدين والجانب المعنوي في الحياة الإنسانية ويعاديه في بعض الأحيان، لكن الأمة الإسلامية استطاعت أن تضرب للعالم أكثر من مثال، وهو مثال عملي على دور الدين في تفجير المواهب الفردية والجماعية ، وما نريد من الإيسيسكو أن تبرهن عليه، هو أن الأمة الإسلامية غير منطوية على نفسها، وأنها لا تعيش بأمجاد ماضيها فقط، بل إنها قادرة على أن تلعب دوراً فاعلاً في بناء الحاضر والمستقبل أيضاً.
إن الأوضاع العالمية القادمة تتطلب مزيداً من التفاهم والاحترام والمساواة بين مختلف الحضارات.
وعلى هذا فيجب أن يتم تخطيط دقيق للأمور التالية:
أولاً: معرفة الجهات التي ينبغي أن نتحاور معها.
ثانياً: تحديد موضوعات الحوار الفكرية منها والعلمية.
ثالثاً: تحديد مقومات الحوار والسعي لإعطاء صورة تفصيلية عنها.
رابعاً: تحديد الجهة التي يمكنها أن تتحدث باسم الأمة الإسلامية وتمنح التعهدات المطلوبة.
خامساً: السعي لإيجاد المؤسسات المتخصصة في هذا الموضوع لتتم دراسة النتائج بدقة حتى لا تضيع سدى.
سادساً: تعيين المدى الذي يجب أن يسير إليه الحوار، والمستويات التي يجب أن يتم التعاون فيها بشكل منضبط.التحولات المستقبلية لمنظمة المؤتمر الإسلامي
أما بالنسبة للتحولات التي نتوقع أن تشهدها منظمة المؤتمر الإسلامي، فمن الضروري أن تستعد الإيسيسكو لمرحلة تنفيذية أكبر تستطيع معها أن تنفذ إلى التخطيط التعليمي والثقافي للدول الأعضاء، وأن تراقب سير عملية التنفيذ للاستراتيجيتين الثقافية والإعلامية، وأمثالهما من الوثائق الدولية التي تشكل من حيث المجموع، حصيلة ثقافية مهمة لهذه المنظمة.
وإننا لنتوقع أن تقوم المنظمة بإرجاع أمر الكثير من القرارات الثقافية والاجتماعية إلى منظماتها العاملة، وفي طليعتها الإيسيسكو لتشرف هذه عليها بكل دقة وتواصل، وهذا ماحدث بالنسبة لبعض الجامعات والمراكز الثقافية، طبعاً مع ملاحظة وجوب تأمين الموازنة اللازمة. اقتراحات عامة
وفي الختام نقدم بعض الاقتراحات في سبيل الارتفاع بقدرة الإيسيسكو على تحقيق أهدافها المقدسة.
الأول: كثيراً ما نجد العجز المالي يقف مانعاً مهما من تحقيق الأهداف المطلوبة، ومن هنا فنحن إذ ندعو الدول الأعضاء لتسديد مساهماتها المالية بانتظام، نؤكد على ضرورة تنظيم مشروع اقتصادي متكامل يمكنه أن يحقق الاكتفاء الذاتي نسبيا. لم نجد في ميثاق المنظمة ما يمنع من ذلك، وإذا كان هناك مانع وجب العمل على رفعه.
الثاني: مضاعفة النشاط في إطار المنظمة للعمل على عقد اتفاقيات مستمرة ثنائية مع الدول الأعضاء وغيرها، وكذلك مع المنظمات الأهلية ليتحمل الطرفان فيها تكاليف المشروعات الثقافية، وهذا المعنى يتمشى مع البند الثاني من المادة السابعة عشرة للميثاق، ويوفر للمنظمة قدرة أوسع على التحرك.
الثالث: بناء على ما تضمنه الميثاق من وظائف، نجد من الضروري أن ترصد المنظمة كل اللقاءات الثقافية والدينية على المستوى العالمي، وتعمل من خلال فتح الصلات مع منظميها، على الحضور الفعال فيها، والدفاع عن الثقافة الإسلامية والشخصية الإسلامية، كما يمكنها أن تشكل حلقة بين هذه الجهات وكل المنظمات الإسلامية المؤهلة.
الرابع: تعتبر الإيسيسكو من منظمات المؤتمر الإسلامي التي يسمح لها بالعمل على الصعيد غير الرسمي، إلا أن التعامل مع هذا القطاع مازال غير حاصل على النصيب الأدنى. ومن هنا نقترح أن تعمل المنظمة على التعامل والتعاون الأكبر مع هذا القطاع، بل يمكنها أن توازن بين القطاعين الرسمي وغير الرسمي، وهذا المعنى يمنحها قدرة أوسع، وسمعة أكبر، ومجالا أرحب لخدمة قضاياها الكبرى.كلمات أخرى
وفي هذه المائدة المستديرة القيت كلمة الدكتور عز الدين العراقي ثم قدمت بحوث هامة منها:
"من منابع القلق في واقع المسلمين"للدكتور راشد المبارك و"العمل الثقافي العام والتغيرات الدولية" للدكتور ناصر الدين الإسد. و"التعليم والمعلومات" للدكتور سعيد عبد اللّه السلمان و"الديبلوماسية الموازية" للدكتور عبد الهادي التازي و"جهود الايسيسكو في مجال التنمية الثقافية في الدول الاسلامية" للدكتور محمد فاروق النبهان. و"رؤية مقترحة لتصحيح صورة الاسلام في الغرب" للدكتور عبد القادر طاش. و"التجديد رسالة الايسيسكو" للدكتور محمد مختار ولداباه و"الايسيسكو أمام التحديات" للدكتور أحمد بن عثمان التويجري. و"المتغيرات الدولية والعمل الاسلامي المشترك" للدكتور عبد اللّه السيد ولد اباه

.----------------------
1- كلمة ممثل سماحة السيد علي الخامنئي في مؤتمر الجماعة الاسلامية في الهند - شعبان 1419هـ .
2- الانفال / 26 .
3- الانفال / 25 .
4- آل عمران / 139 .
5- انظر: د. محمد محمد حسين، الاتجاهات الوطنية في الادب المعاصر، الفصل 2 ص 286 - 288 .
6- د. محمد جابر الانصاري، تحولات الفكر والسياسة في الشرق العربي، 1930 - 1970.
7- انظر: انور الجندي، معارك أدبية، ص 298 - 302; وفروخ وخالدي، التبشير والاستعمار، ط 5 ، ص 65 - 217 .
8- القسّ المسيحي جرى فالول Falwell يتحدث من خلال 352 محطة تلفزيونية يوميا عن حق اسرائيل لا في البقاء فقط، بل في السيطرة. ويقول: يجب أن تمتد اسرائيل كما في العهد القديم من الفرات الى النيل. انظر: الدكتور يوسف الحسن، البعد الديني للسياسة الامريكية.
9- انظر: فلسفتنا، واقتصادنا، والانسان المعاصر والمشكلة الاجتماعية، للشهيد محمد باقر الصدر.
10- انظر نشاطات المجمع في مجلة "رسالة التقريب" التي صدر منها حتى الآن 20 عددا.
11- انظر كتاب: ندوة العلاقات العربية الايرانية - الاتجاهات الراهنة وآفاق المستقبل، منشورات مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت.

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية