عقدت في الرباط مائدة مستديرة لدراسة وضع الايسيسكو في
القرن الحادي والعشرين افتتحت بكلمة وجهها العاهل المغربي، واشترك
فيها عدد من العلماء والمفكرين. كان منهم الشيخ محمد علي التسخيري
رئيس رابطة الثقافة والعلاقات الإسلاميّة في الجمهورية الإسلاميّة
الإيرانية، وعضو المجلس الأعلى للتقريب بين المذاهب الإسلاميّة.
كلمة الدكتور التويجري
ألقى الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري المدير العام للمنظمة
الإسلاميّة للتربية والعلوم والثقافة (ايسيسكو) كلمة أوضح فيها
أهداف هذا التجمع ومما قال:
إننا ندرك عميق الإدراك، أن الإنسانية مقبلة على مراحل جد متطورة،
ستخوض فيها الشعوب والأمم معارك بالغة الصعوبة للحفاظ على الذات،
ولإثبات الوجود، ولحماية الحقوق والمكتسبات. ونحن نعي عميق الوعي
أيضاً، أن العلم بكل مدلولاته، وعلى جميع مستوياته، هو المفتاح
لولوج القرن الحادي والعشرين. وحينما نقول العلم، فنحن نقول
بالضرورة، التربية والتعليم، بجميع أطوارهما وفي شتى حقولهما.
وكذلك نقول الثقافة بمفهومها الرحب الشامل الجامع لمعاني البناء
الحضاري للإنسان وللعمران وللمجتمع في آن واحد.
وبشأن مسؤوليات هذه المنظمة التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي قال:
ولذلك فنحن في المنظمة الإسلاميّة للتربية والعلوم والثقافة، على
علم وثقة، بأننا سنواجه في حقل اختصاصاتنا تحديات لا نشك أنها
ستكون بالغة الضراوة. ولكننا عازمون بعون من الله تعالى، أن نخوض
غمار هذا التحدي الحضاري العالمي، بالعمل المتقن الجدي، وبالإنجاز
النافع والمفيد، وبالتخطيط وبالتنظيم وبالترشيد، ولذلك قررنا أن
نحتفل بالذكرى الخامسة عشرة لإنشاء المنظمة الإسلاميّة للتربية
والعلوم والثقافة، بتنظيم مائدة مستديرة، ندعو لها صفوة العقول
المفكرة، من ذوي المؤهلات المعتبرة، من الشخصيات العلمية والثقافية
والأكاديمية ذات التجربة والخبرة ، في ميادين التربية والعلوم
والثقافة، لندرس معاً آفاق المستقبل، ولنراجع معاً أيضاً، مسيرة
المنظمة الإسلاميّة وعطاءها، ولنرسم بجهود متظافرة متعاونة الخطوط
العريضة لما ينتظر المنظمة الإسلاميّة من مهام وأعباء ومسؤوليات.
كلمة الشيخ التسخيري
وفي هذا التجمع ألقى الشيخ محمد علي التسخيري كلمة تحت عنوان:
مسؤوليات الايسيسكو في تنمية العالم الإسلامي
قال فيها: تعتبر المنظمة الإسلاميّة للتربية والعلوم والثقافة ـ
الايسيسكو ـ، وهي تحتفل بالذكرى الخامسة عشرة على تأسيسها، منظمة
دولية تفتخر بها الدول الإسلاميّة، لما تقوم به من نشاطات أساسية
واسعة لقد جاء تأسيس هذه المنظمة استجابة حقيقية لمتطلبات الدول
الإسلاميّة من أجل التخطيط والتعاون في سبيل الارتقاء بمستوى
الأجيال الإسلاميّة من الناحية التربوية والعلمية والثقافية، إلى
قيادة الحضارة الإنسانية، واستعادة الدور الريادي الذي كان
للمسلمين في ثقافة الإنسان. وقد خطت المنظمة الإسلاميّة خلال
السنين الماضية، خطوات إيجابية كثيرة رغم كل التحديات التي واجهتها
خلال الفترة الماضية. إلا أننا ونحن على أعتاب القرن الحادي
والعشرين، نجد أن التطورات العالمية والإسلاميّة تدعونا لخوض مرحلة
جديدة تدعو إلى كثير من التفاؤل بالدور الإسلامي القادم.
إن استعادة الدور الحضاري للأمة الإسلاميّة ينطلق من تربية الجيل
القادم تربية تؤهله لحمل المهمة، وتوفير ظروف ملائمة لممارسة الفئة
المفكرة دورها في عملية البناء الحضاري.
مصادر التحدي وعناصره
وقبل أن نتحدث عن ضرورات المرحلة القادمة، نجد من الضروري ملاحظة
العناصر التالية، والتي ترتبط مباشرة بقضيتنا هذه:
أولاً: التغيرات العالمية
ومن الواضح أننا نواجه خلال القرن الحادي والعشرين تغيرات عالمية
كبرى ترتبط تماماً بنوع التحرك الدولي الإسلامي من قبيل (التحولات
الضخمة على مستوى الإعلام والعلاقات المعلوماتية، وكذلك ارتفاع
مستوى التدخل الدولي في الشؤون التعليمية والاجتماعية والعائلية،
وحتى التقنين الداخلي في هذه المجالات وهو ما يتجسد في الاتفاقيات
الدولية العامة في إطار منظمة الأمم المتحدة)، ويجب أن تؤخذ كل
التغيرات بعين الاعتبار.
ثانياً: التحولات على مستوى الأمة الإسلاميّة
ذلك أن الأمة الإسلاميّة دخلت عصر الصحوة الإسلاميّة الكبرى بعد
مرحلة طويلة من الفتور الحضاري، وراحت تسترجع خصائصها القرآنية
وتحقق معالم شخصيتها وتعمل على تحكيم شريعة الله في كل شؤونها وفي
علاقاتها الداخلية والدولية، ومن الطبيعي فإن الأرضية المناسبة
لأنشطة المنظمات الإسلاميّة الدولية، سوف تتسع، وبالتالي تلقى على
عاتقها مسؤوليات ضخمة في هذا المجال.
على أننا نتوقع حضوراً إسلامياً أكبر ولو على مستوى الأقليات في
شتى أنحاء العالم مما يضيف بعداً جديداً لهذا التحرك.
ثالثاً التحولات على مستوى الحوار بين الأديان والحضارات
فإن هذا الحوار رغم ما انتابه من ظروف موضوعية أهمها التشكيك في
نوايا الداعين إليه وعدم توفر القاعدة المناسبة، عاد اليوم ضرورة
عالمية لا مناص منها لتعيين نقاط الاشتراك، سواء على الصعيد الفكري
والعقائدي، أو على الصعيد العملي السلوكي الفردي والاجتماعي، أو
على الصعيد الحضاري الدولي، باعتبار أن الجبهة الدينية يجب أن
تتوحد بوجه الاتجاهات المعادية للدين، كالعلمانية والمذاهب المهدمة
للعلاقات العائلية والإنسانية.
وهذا المعنى يلقى بظله بلا ريب على الساحة، ويعتبر تحدياً قوياً
للقوى العاملة.
رابعاً التحولات على مستوى منظمة المؤتمر الإسلامي
فإن هذه المنظمة يراد لها أن تلعب دوراً أكثر فاعلية من ذي قبل،
سواء على الصعيد السياسي أو الثقافي أو الاقتصادي ؛ فالمنظمة لا
تزال لحد الآن تفتقد بعض الجوانب التنفيذية المطلوبة، مما جعلها مع
الأسف، لا تعيش في صميم القضايا المهمة ؛ قالاستراتيجيات ما تزال
معطلة، ولائحة حقوق الإنسان الإسلاميّة ما تزال تتلمس طريقها
للتنفيذ. وما نرجوه هو أن يتبدل هذا الوضع إلى حالة أكبر تأثيراً.
وهنا يبرز تحد جديد للمؤسسات التابعة لها لتقوم بالدور الحساس
المطلوب منها بشكل أكثر نشاطاً.
إذا لاحظنا هذه العناصر الأربعة، واستعرضنا الأهداف التي رسمتها
منظمة المؤتمر الإسلامي للإيسيسكو، نجد أمامنا مستقبلاً زاخراً
بالتحديات الجديدة يتطلب منها مواقف أكثر اتساعاً وعمقاً وتخطيطاً.
التحولات العالمية على مستوى الإعلام
فبملاحظة التحولات العالمية ؛ نجد أن التطور الحاصل في تكنولوجيا
الاتصالات ووسائل الإعلام اختزل الفوارق بين الزمان والمكان، مما
سيحدث في القرن الحادي والعشرين نقلة كبيرة في هذا المجال، ولابد
للعالم الإسلامي أن يأخذ حظه من هذا التطور ويكشف للعالم إسهامات
علماء المسلمين في البناء الحضاري، ويبين مواقفه وأهدافه للمجتمع
الدولي، ويعلن عن قيمه التي تدعو إلى السلام الحقيقي والمساواة بين
الشعوب والأفراد والعدل واحترام العهود والمواثيق الدولية. وبما أن
الأقمار الصناعية والمحطات الفضائية ستلعب دوراً مهماً، بل ستشكل
ضرورة من ضرورات القرن الحادي والعشرين، ونظراً لظروف العالم
الإسلامي الاقتصادية والسياسية والعلمية الحرجة، فإنه يمكن
للاسيسيسكو باعتبارها منظمة عالمية، أن تقوم بدراسة التعاون الدولي
الإسلامي في إيجاد شبكة أقمار صناعية والتنسيق في مجال إنتاج ما
يحتاجه العالم الإسلامي وما ينسجم مع ثقافته وأهدافه.
ومن جملة ما سيشكل ضرورة من ضرورات الأمة الإسلاميّة في القرن
الحادي والعشرين، الاستفادة من الحاسب الآلي وشبكة الانترنيت
لتبادل المعلومات، وهذا أيضاً بحاجة إلى دراسة علمية دقيقة.
إن علوم الأقمار الصناعية والحاسوب الآلي يجب أن تأخذ طريقها للكتب
المنهجية في الدول الإسلاميّة، وفي البحوث الجامعية والمعاهد
الفنية والمختبرات العلمية، وذلك بعناية باهتمام من المنظمة
الإسلاميّة ـ ايسيسكو ـ من أجل زيادة الكفاءات الإسلاميّة في نشر
العلوم العصرية في علمنا الإسلامي.
التحولات العالمية في مجال التدخل الدولي في عملية التقنين
ثم إن الايسيسكو مطالبة بإلحاح في إطار وظائفها العامة بالتعامل
الحكيم مع الاتجاه الدولي للأمم المتحدة ومن ورائها الدول العظمى
للسيطرة على التقنين الداخلي لكل الشعوب، وخصوصاً شعوب العالم
الثالث، وذلك من خلال:
1 ـ رصد كل التحركات العالمية والتخطيط المطلوب لطرح المبادئ
الإسلاميّة ووجهات نظر العالم الإسلامي.
2 ـ استباق الأحداث ووضع التصورات العامة والأسس المقبولة إسلامياً
وتعميمها على الدول الإسلاميّة لتتم التوعية المطلوبة.
3 ـ عقد الاتصالات الدولية، والحضور الفعال في المؤتمرات واللقاءات
التي تتم في هذا الصدد وتنسيق الجهود الإسلاميّة. ونذكر بهذا الصدد
أن منظمة المؤتمر الإسلامي، لم تستطع أن تلعب دوراً نشطاً في
مؤتمرات مكسيكو سيتي، وبخارست، والقاهرة، وكوبنهاكن حول التنمية،
أو مؤتمري نيروبي، وبكين، وأمثالهما حول المرأة، مما فسح المجال
لهجوم صاعق من قبل أعداء القيم الإنسانية تحت غطاء التحرك الدولي
للتنمية.
4 ـ التعامل مع الجوانب الإيجابية من هذا التحرك بكل رحابة صدر
والوقوف الحازم بوجه الجوانب السلبية.
فوثيقة القاهرة مثلا حول السكان والتنمية، ووثيقة بكين حول المرأة،
تحويان بلا ريب، عناصر إيجابية كثيرة لإصلاح وضع المهاجرين
والمهاجرات، وتنظيم شؤون المبعدين واللاجئين، وقوانين العمل،
خصوصاً بالنسبة للمرأة والطفل، وإصلاح الوضع التعليمي، وهي أمور
ينبغي تشجيعها وتطويرها، ولكنهما في الوقت نفسه حوتا الكثير من
العناصر السلبية الخطيرة كموضوع ما يسمى بالحقوق الجنسية، والصلات
بين الجنسين خارج حدود الزواج، وتغيير مفهوم العائلة التقليد ي،
وفسح المجال للإجهاض، والمساواة المطلقة في جميع الشؤون، بل وتأليب
جنس ضد جنس آخر، وهي جميعاً وغيرها أمور ينبغي دراستها والاستعداد
الكامل للرد عليها، الأمر الذي كنا نفتقده مع الأسف.
الصحوة الإسلاميّة ومسؤوليات الايسيسكو
لم تعد الصحوة الإسلاميّة مجرد إحساسات جماهيرية، بل أخذت أبعاداً
جديدة على مختلف الظاهر أن الصواب هو (الأصعدة)، مما أثار حفائظ
أعداء الأمة الإسلاميّة، وهذا يتطلب من الإيسيسكو دورا فاعلا في
ترشيد الصحوة الإسلاميّة وتوجيهها توجيها يصب في المساوات الصحيحة
لتحقيق أهدافها ضمن خطوات كثيرة، نشير منها إلى ما يلي:
1 ـ تشجيع دراسات الصحوة الإسلاميّة (أسبابها خصائصها ـ نتائجها)
والعمل على ترشيد هذه الصحوة لتقوم بدورها المطلوب في تحقيق الغد
المشرق.
2 ـ العمل على بعث عطاء الصحوة في كل عروق الأمة وتحقيق التوازن
التوعوي المطلوب
3 ـ المساعدة في تحقيق مقتضيات الصحوة من قبيل دفع عملية تطبيق
الإسلام إلى الأمام ونشر المظاهر الإسلاميّة، وتحريك الحماس
المطلوب للقضية الإسلاميّة.
4 ـ مراقبة التخطيط المعادي للصحوة وتوعية الأمة بأخطاره وفضح
أساليبه.
5 ـ العمل على تنفيذ كل الاستراتيجيات التي تمت الموافقة عليها
والسعي للحفاظ على شخصيتها، والدفاع عن حقوقها، وإمكان قيامها
بمهمة الدعوة الإسلاميّة.
6 ـ العمل على رفع المستوى الثقافي والعلمي والتقني في الدول
الإسلاميّة، وتطوير أنظمة التعليم بما يخدم أهداف الدول الإسلاميّة
حقيقة، وتشجيع الباحثين والمفكرين والدارسين، وإقامة المبياد الدول
الإسلاميّة في مختلف المجالات العلمية.
ونقترح هنا إعداد تقرير سنوي عن أوضاع العالم الإسلامي في المجالات
التي تعنى بها الايسيسكو، وتحديد ميزان التقدم أو التراجع الحاصل
فيها، وعرض هذا التقرير على المؤتمرات الإسلاميّة لوزراء الخارجية
ومؤتمرات القمة الإسلامي، مع عرض الحلول الناجعة للمشاكل واقتراح
مشاريع قرارات مناسبة.
7 ـ الاهتمام بمساعدة الدول التي تعاني ظروفاً ثقافية واجتماعية
وسياسية حرجة كالعراق وأفغانستان والصومال وفلسطين والبوسنة
والهرسك والشيشان، لتخطي هذه المصاعب.
ونسجل هنا أن منظمة المؤتمر الإسلامي لم تكن على مستوى الأحداث
الضخمة التي واجهت الأمة الإسلاميّة حتّى في الجوانب الاجتماعية
والصحية والثقافية، فضلاً عن الجوانب السياسية والاقتصادية، مما
يتطلب جهودا حثيثة لمعرفة نقاط الضعف وحذفها ونقاط القوة ودعمها
وتقويتها وإلا فمن المخجل حقا هذه الفروق الاقتصادية الهائلة بين
أنواع الدخل، وأنماط التعليم والمستويات الصحية، وهذه العادات
السخيفة المنتشرة هنا وهناك، وهذه المفاسد الأخلاقية التي تعج بها
بعض المناطق، ولانكير ولا نذير.
ونحن وإن كنا نسعى لكي نحسن الظن بالمسؤولين عن الأمور، لكننا لا
نستطيع أن نغض النظر عما تعانيه شعوبنا خصوصاً أثناء الويلات
والنزاعات العسكرية، من تشريد وتقتيل قد يدوم سنوات طويلة وثقيلة،
في حين تنعم أجزاء أخرى من عالمنا الإسلامي بالدعة والراحة وكأن
شيئاً لم يكن.
8 ـ توظيف العقول الإسلاميّة المهاجرة في تنمية العالم الإسلامي:
ـ ففي الوقت الذي تعاني فيه الدول الإسلاميّة من نقص كبير في
الخبراء نجد الدول المتطورة تعتمد على المفكرين المسلمين في البحث
العلمي والدراسات العليا، مع أنهم لا يتقاضون إلا ما يتقاضاه عامل
التنظيف، وأسباب ذلك كثيرة، منها أمنية ومنها سياسية، لكن السبب
الرئيس هو انعدام وسائل العمل العملي وغياب العناية الكافية برجال
العلم في كثير من الدول الإسلاميّة.
ـ وحبذا لو بادرت الايسيسكو بإجراء دراسة لتسهيل عملية الاستفادة
من العقول الإسلاميّة وتوظيفها لخدمة العامل الإسلامي. أو على
الأقل وضع خطة لاستثمار وجود هذه النخبة في المجتمعات غير
الإسلاميّة لبعض القضايا العلمية والإعلامية والثقافية.
9 ـ تطوير مستوى العالم مع الأقليات الإسلاميّة المهاجرة أو
المقيمة في الدول الأخرى بشكل يضمن لها الرفاه المستمر والحفاظ على
الشخصية والدفاع عن الحقوق، وإمكان القيام بمهمة الدعوة
الإسلاميّة.
الحوار الحضاري
الأمة الإسلاميّة قد قطعت مرحلة صعبة من التبعية والعزلة، ولا تزال
تبذل محاولات عديدة لعزلها عن مسيرة الحضارة الإنسانية وعن المجتمع
البشري، وعلينا أن نسعى لأن تكون المرحلة القادمة مرحلة الانفتاح
على المجتمع البشري، ولذلك فلابد أن تضع الايسيسكو نصب عينها مغزى
الرسالة الإسلاميّة وأهدافها العالمية النبيلة ودعوة الآخرين
للتعاون في تحقيقها لخدمة المجتمع البشري.
إننا نعيش في عالم يتجاهل دور الدين والجانب المعنوي في الحياة
الإنسانية ويعاديه في بعض الأحيان، لكن الأمة الإسلاميّة استطاعت
أن تضرب للعالم أكثر من مثال، وهو مثال عملي على دور الدين في
تفجير المواهب الفردية والجماعية، وما نريد من الايسيسكو أن تبرهن
عليه، هو أن الأمة الإسلاميّة غير منطوية على نفسها، وأنها لا تعيش
بأمجاد ماضيها فقط، بل إنها قادرة على أن تلعب دوراً فاعلاً في
بناء الحاضر والمستقبل أيضاً.
إن الأوضاع العالمية القادمة تتطلب مزيداً من التفاهم والاحترام
والمساواة بين مختلف الحضارات.
وعلى هذا فيجب أن يتم تخطيط دقيق للأمور التالية:
أولاً ِ: معرفة الجهات التي ينبغي أن نتحاور معها.
ثانياً: تحديد موضوعات الحوار الفكرية منها والعلمية.
ثالثاً: تحديد مقومات الحوار والسعي لإعطاء صورة تفصيلية عنها.
رابعاً: تحديد الجهة التي يمكنها أن تتحدث باسم الأمة الإسلاميّة
وتمنح التعهدات المطلوبة.
خامساً: السعي لإيجاد المؤسسات المتخصصة في هذا الموضوع لتتم دراسة
النتائج بدقة حتّى لا تضيع سدى.
سادساً: تعيين المدى الذي يجب أن يسير إليه الحوار، والمستويات
التي يجب أن يتم التعاون فيها بشكل منضبط.
التحولات المستقبلية لمنظمة المؤتمر الإسلامي
أما بالنسبة للتحولات التي نتوقع أن تشهدها منظمة المؤتمر
الإسلامي، فمن الضروري أن تستعد الايسيسكو لمرحلة تنفيذية أكبر
تستطيع معها أن تنفذ إلى التخطيط التعليمي والثقافي للدول الأعضاء،
وأن تراقب سير عملية التنفيذ للاستراتيجيتين الثقافية والإعلامية،
وأمثالهما من الوثائق الدولية التي تشكل من حيث المجموع، حصيلة
ثقافية مهمة لهذه المنظمة.
وإننا لنتوقع أن تقوم المنظمة بإرجاع أمر الكثير من القرارات
الثقافية والاجتماعية إلى منظماتها العاملة، وفي طليعتها الايسيسكو
لتشرف هذه عليها بكل دقة وتواصل، وهذا ما حدث بالنسبة لبعض
الجامعات والمراكز الثقافية، طبعاً مع ملاحظة وجوب تأمين الموازنة
اللازمة.
اقتراحات عامة
وفي الختام نقدم بعض الاقتراحات في سبيل الارتفاع بقدرة الايسيسكو
على تحقيق أهدافها المقدسة.
الأول: كثيراً ما نجد العجز المالي يقف مانعاً مهما من تحقيق
الأهداف المطلوبة، ومن هنا فنحن إذ ندعو الدول الأعضاء لتسديد
مساهماتها المالية بانتظام، نؤكد على ضرورة تنظيم مشروع اقتصادي
متكامل يمكنه أن يحقق الاكتفاء الذاتي نسبيا. لم نجد في ميثاق
المنظمة ما يمنع من ذلك، وإذا كان هناك مانع وجب العمل على رفعه.
الثاني: مضاعفة النشاط في إطار المنظمة للعمل على عقد اتفاقيات
مستمرة ثنائية مع الدول الأعضاء وغيرها، وكذلك مع المنظمات الأهلية
ليتحمل الطرفان فيها تكاليف المشروعات الثقافية، وهذا المعنى يتمشى
مع البند الثاني من المادة السابعة عشرة للميثاق، ويوفر للمنظمة
قدرة أوسع على التحرك.
الثالث: بناء على ما تضمنه الميثاق من وظائف، نجد من الضروري أن
ترصد المنظمة كل اللقاءات الثقافية والدينية على المستوى العالمي،
وتعمل من خلال فتح الصلات مع منظميها، على الحضور الفعال فيها،
والدفاع عن الثقافة الإسلاميّة والشخصية الإسلاميّة، كما يمكنها أن
تشكل حلقة بين هذه الجهات وكل المنظمات الإسلاميّة المؤهلة.
الرابع: تعتبر الايسيسكو من منظمات المؤتمر الإسلامي التي يسمح لها
بالعمل على الصعيد غير الرسمي، إلا أن التعامل مع هذا القطاع ما
زال غير حاصل على النصيب الأدنى. ومن هنا نقترح أن تعمل المنظمة
على التعامل والتعاون الأكبر مع هذا القطاع، بل يمكنها أن توازن
بين القطاعين الرسمي وغير الرسمي، وهذا المعنى يمنحها قدرة أوسع،
وسمعة أكبر، ومجالا أرحب لخدمة قضاياها الكبرى.
كلمات أخرى
وفي هذه المائدة المستديرة القيت كلمة الدكتور عز الدين العراقي ثم
قدمت بحوث هامة منها
«من منابع القلق في واقع المسلمين» للدكتور راشد المبارك و«العمل
الثقافي العام والتغيرات الدولية» للدكتور ناصر الدين الأسد.
و«التعليم والمعلومات»
للدكتور سعيد عبد الله السلمان و«الديبلوماسية الموازية» للدكتور
عبد الهادي التازي و«جهود الايسيسكو في مجال التنمية الثقافية في
الدول الإسلاميّة» للدكتور محمد فاروق النبهان. و«رؤية مقترحة
لتصحيح صورة الإسلام في الغرب» للدكتور عبد القادر طاش. و«التجديد
رسالة الايسيسكو» للدكتور محمد مختار ولداباه و«الايسيسكو أمام
التحديات» للدكتور أحمد بن عثمان التويجري. و«المتغيرات الدولية
والعمل الإسلامي المشترك» للدكتور عبدالله السيد ولد أباه.