مركز الصدرين للتقريب بين المذاهبالإسلامية

عزّة الامة في التقريب


  آخر نظريات علماء التاريخ والاجتماع تؤكد أنّ حركة التاريخ تمرّ عبر حركة الشعوب نحو اكتساب عزّتها وكرامتها وشخصيتها. والشعوب التي لا تتحرك على هذا الطريق ليس لها سهم فى ساحة التاريخ.
  وهذا الرأي له من ماضي الشعوب وحاضرها مالا يُحصى من الشواهد. وهو يوضّح سبب تأكيد الاسلام على "كرامة" الانسان ، واهتمامه الشديد بعزّة المسلم منذ نشوء نطفته حتى بعد وفاته.
  من المحاور الهامّة في الخطاب الالهي للانسان توعية الموجود البشري على كرامته وعلى مكانته في الكون، ورسم طريق عزّته الحقيقية، وإبعاده عن كلّ عزّة سرابية أوعما يذلّه ويصادر شخصيته وريحه.
  وحين استشعرت الجماعة المسلمة الاولى عزّتها وكرامتها الحقيقيتين ارتفعت الى مستوى الدخول الى ساحة التاريخ، والسيطرة على حركته وتوجيهه الوجهة التي أرادتها رسالة الدين المبين.
  وبقيت تعاليم الاسلام تضخّ في جسد الامة روح العزّة والكرامة، وبهذه التعاليم بقيت حيّة تمسك بزمام حركة التاريخ. لكنّها كانت في صراع أيضا مع العوامل والقوى الداخلية والخارجية التي حاولت إذلالها ومصادرة عزّتها وكرامتها. وكانت الامة في كل مراحل التاريخ تمتلك من مقومات الحياة والحركة والحضور على ساحة التاريخ بقدر قدرتها على صدّ محاولات الاذلال والتركيع.
  في عصر الاستعمار واجهت الامة ولاتزال تواجه أعقد عمليات الاذلال، بدأت بالسيطرة العسكرية وتواصلت عبر النهب الاقتصادي والغزو الثقافي والاحتلال الصهيوني وخلق روح الهزيمة النفسية لدى أبناء الامة.
  والامة الاسلامية مع كل هذه الخطط الرهيبة لم تفقد تماما عزّتها ، بل بدأت هذه العزّة الاسلامية بالظهور على شكل مقاومة وصحوة وثورة تظهر هنا وهناك في أرجاء العالم الاسلامي لتعبر عن إرادة هذه الامة في العزّة والكرامة.   ورغم أن فراعنة العالم يبطشون ويتآمرون ويرعدون ويزبدون ليقولوا للمسلمين أنهم فقدوا دورهم ولابدّ أن يكفّوا عن كل عودة لشخصيتهم وهويتهم، ولابدّ أن يخضعوا لجبابرة العالم، فان العالم الاسلامي بفضل إسلامه يشكّل اليوم ثقلا هاما في الساحة العالمية، ويحثّ الخطى نحو إقامة حضارته من جديد، وليحاور الحضارات الاخرى بقوّة وعزم وارادة، وليجعل خبراء الهيمنة الاستكبارية يحذّرون من مستقبل الاسلام في الصراع الحضاري الراهن.
  كلّ هذه القوّة في المجموعة الاسلامية تعود الى هذه الكرامة التي أوجدها هذا الدين في نفوس أتباعه. هذه الكرامة التي تأبى على الانسان أن يذلّ نفسه، وأن يخضع للطاغوت، وأن يستسلم أمام الجبابرة. هذه الكرامة التي تجعل الفرد يستشعر مقامه في هذا الكون ومكانته بين الكائنات، ودوره في هذه الحياة.
  بقي أن نذكر أن أكبر مايهدّد الامة اليوم وهي تتجه نحو استعادة عزّتها وكرامتها ليس هو بطش المستعمرين فهو يزيدها قوة وصلابة، وليس هو الاستهانة بكرامة المسلمين والاعتداء على مقدساتهم لانه يؤدي الى ردّ فعل اسلاميّ يدفع بمسيرة العودة الى الهوية الاسلامية.. وليس هو عمليات تكريس الاحتلال والاستسلام والتطبيع، إذ هي عمليات تثبت فشلها كل يوم.. إنما التهديد الاكبر في النزاع الداخلي بين المسلمين.. فهو نزاع يؤدي حتما الى فشل المسلمين في استعادة دورهم التاريخي والى ذهاب ريحهم، والى ضمور الشعور بالعزّة والكرامة في نفوسهم.
  وهنا تبرز أهمية رسالة التقريب، فدعوة التقريب تستهدف إزالة هذا النزاع، وبالتالي إحياء الهوية الاسلامية والعزّة الاسلامية في الامة لتمسك بيدها بعد ذلك زمام حركة التاريخ وتوجه المسيرة البشرية نحو الخير والصلاح والسلام.
  نشير هنا مرة أخرى الى ما أكدناه مرارا أن دعوة التقريب لا تريد أن تنهي الاختلاف الاجتهادي بين المسلمين، فهو ظاهرة خير وعافية وحياة.. لكنها تريد أن تقضي على الخلاف الذي يؤدي الى نزاع وشقاق وذهاب الريح.
  إنها دعوة نادى بها كل من حمل هموم عزّة المسلمين، وغفل عنها كلّ من عاش هموم ذاته، وعارضها كلّ من رأى في عزّة المسلمين خطرا على مصالحه. لكنّ الامة بمجموعها تنشد عزّتها ولذلك سيثوب الغافلون ويتراجع المعارضون. والعاقبة للمتقين.رئيس التحرير
 
 

مركز الصدرين للتقريب بين المذاهب الإسلامية